كمٌ كبير من الوهمسألوني عن "زمني الجميل" فأجبت من فوري: ...

كمٌ كبير من الوهم
سألوني عن "زمني الجميل" فأجبت من فوري: هو زمن طفولتي وزمني الآن! قالت ابنة شقيقتي ضاحكة: " طبعا يا خالتو؛ لأنك في الطفولة لم يكن عندك همّ الذهاب للمدرسة، وبلغت الآن ما فوق السن القانونية وكل عمل تعملينه على مزاجك، يعني زمنك الجميل هو الزمن الذي لا يُلزمك"، وهذا تحليل به قدر كبير من المعقولية، غير  أن لافتة "الزمن الجميل" في مجملها بها كم كبير من الوهم.
 بالحق وبالباطل صار "الزمن الجميل" نعتا لكل ماض في السياسة والثقافة والأدب والفن والسينما، (وآخ من زمن السينما هذا المدعو بالجميل آخ)، لا يجوز أن نسيّد الحنين الفردي ونعممه حنينا جماعيا لزمن لم يكن جميلا بالدرجة التي يصوّرها وهم الحنين. من الحنين ما يستمد جماله من لحظات لم تكن جميلة بالمرّة؛ أقرب مثال لشرح هذا الكلام: ذكريات تدور بين مجموعة تعاصرت في سجن أو معتقل يجلسون بعد سنوات وعلى الفم ابتسامة وادعة "فاكرييين........."، وتكون الذكرى تنكيل ظالم بزنزانة التأديب أو تكدير أو ضرب في حوش السجن من قوة سجانة وعساكر تحت إدارة ضابط، وقد يراك هذا الضابط بعد سنين في الطريق فيهش لك ببشاشة وترد بشاشته بمثلها، (حصلت معي والله والله)، كأن لم يكن بينك وبينه سوى المودة والمحبة! في تفاصيل هذه الذكرى هناك لاشك المفارقات التي أضحكت، والتي باستحضارها يبدو المتذكر مستمتعا، ويظن المراقب أن أيامه المهينة كانت طيبة.
كان المستخرب الإنجليزي؛ المحتل، العدو للوطن، والمخاصم للعقيدة والثقافة الهُويّة للبلاد جاثما على الصدر زاكما الأنوف برائحة أنفاسه المخمورة، بالخمر والغرور معا، لايمكن الفكاك من رؤيته يوميا؛ فهوقبل كل شئ  اللورد كرومر أوغيره، الذي يحب كل لحظة أن يؤكد كونه سيد البلاد، ولكنا نقرأ في مذكرات سعد زغلول باشا عن حزنه لأن اللورد كرومر قرر، نظرا لضعف صحته، ترك مسؤوليته (القبيحة) والعودة إلى بلاده، ولا يتردد سعد باشا زغلول في ذكر الهم الذي ركبه إزاء هذه الأخبار "المزعجة" وعن "النكد" الذي حط عليه حتى أنه يهرع إلى بيت كرومر ليبدي عميق أسفه وأمنياته أن يراجع كرومر قراره والليدي كرومر تواسيه في مصابه الفادح قائلة: "أليس هذا مؤلما حقا؟". لا أريد هنا أن أدين سعد زغلول بخيانة أو غيرها لكني أريد أن أذكّر بقدر الهوان الذي كان يعيش الناس تحت وطأته في تلك الأيام التي يشار إليها كثيرا بصفتها الزمن الجميل :
قُُطعت تلك الأيام وذرها الهواء؛ لا أعادها الله ولا أعاد أشباهها!.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 05, 2012 23:19
No comments have been added yet.