عدم التطور الفكري وأسبابه : عبـــــــدالله خلــــــــيفة
عدم التطور الفكري وأسبابهكانوا واعدين بإمكانية تطور فكرية ولكنهم توقفوا ونكصوا للوراء!
هذه معضلة ملازمة للتطور الفكري الذي يتطلب نشاطاً مستمراً وعقلية ديناميكية لا تتوقف عن البحث والتساؤل، وغير مرتبطة بعوائق اجتماعية تمنعها من البحث والتفتح والنقد والإضافة!
قد تعود هذه العوائق إلى عادات شخصية تتوقف تدريجياً عن المتابعة وتعب البحث وتركن للكسل والتوقف والتقطع عن العادات الأولى العملية، وكثيراً ما يكون هذا التوقف مرتبطاً بموقف الذات من نفسها، وتصور بأن ما قدمته فيه الكثير، وأن ما فعلته كان جهداً (خارقاً).
وقد يقود هذا إلى الركون للسهولة في الإنتاج، وعدم خط طرق أخرى، والتوجه إلى وسائل وسبل بحث جديدة، وعدم طرح أفكار مختلفة، وهي مسألة تقود إذا لم تدرس ويتم تجاوزها عبر البحث والقراءة، إلى التوقف عن التطور والركون للوراء، وبالتالي تصبح المادة الفكرية ناضبة من الحيوية ومن الجدية يوماً بعد يوم.
وقد تتشكل عوائق موضوعية لعدم التطور إضافة للجوانب الذاتية السابقة، وهي ارتباط عدم التطور هذا بعوائق إيديولوجية وسياسية، فمهما كان نشاط المنتج أو الباحث أو المثقف فإن هذا النشاط يصطدم بالمحيط الذي يعمل فيه هذا المنتج، فإذا كرر نفس الخطاب خوفاً من الجماعة أو من العائلة أو الهيئة السياسية فإن التراجع للوراء وتدهور الوعي هنا مسألة وقت.
وتقوم الجماعة المتخلفة أو المحافظة بعرقلة تطور أفرادها النشطين نظراً لتلك الإيديولوجية المتوقفة عن التطور والمكرورة على مر السنين، إذا لم تكن في الجماعة أدوات الحوار والبحث الكفيلة بتشجيع الأفراد على التطور والتساؤل، وتنشيط إيديولوجية الجماعة في سبيل فهم أفضل لنفسها، وبهدف استيعاب تغيرات الواقع والتأثير بشكل أفضل على الناس.
وعلى مدى ارتباط هذه الإيديولوجية بأصحاب النفوذ والاتجاهات المندمجة في الدول الجامدة، يتعلق الأمر بتطور الجماعة والأفراد، فهناك جماعات ربطت وجودها بدول في متحجرة في كل الخطوط الفكرية والسياسية، ولم تقم مسافة من الانفصال وخلق حرية ذاتية في العلاقة بالمذهب أو بالأيديولوجية أو بالفكرة الأصلية للجماعة.
وأحياناً تتعلق العوائق بمشكلات ذاتية في الجماعة، بوجود مسيطرين متخلفين عن التطو لا يريدون لأحد تجاوزهم، فحتى الإيديولوجية أوالمذهب، فيه إمكانيات للتطور والبحث، ولكن المستوى الوطني أو الإقليمي للفكرة وعملية إنتاجها، مستوى متخلف، بسبب عدم وجود قوى فكر واسعة، أو منابر بحث حرة، وكثافة سيطرة المتخلفين والأميين مما يجعل الفكرة متخلفة حتى عن نظائرها في الدول الأخرى، أو الجماعات المماثلة في مجتمعات مشابهة.
ولهذا نجد الإنشائية غالباً أو الارتداد للوراء، أو تراجع الإنتاج وتدهوره، أو الذهاب لحقول سهلة، ويحدث تناقض حاد بين مجتمعات بدأت تنفض عن نفسها عباءات الغبار وتنطلق فيها عمليات التغيير، في حين أن العقول الثقافية في حالة جمود أو نكوص.
هنا نجد الإيديولوجيات السائدة الشمولية غالباً ما تلعب الدور الأساسي في عدم تطور النشطاء، فهي تخاف من تغييرات في صفوفها حتى لا تفقد مكانتها السياسية، لكن عدم التطور من شأنه أن يضاعف خسائرها السياسية على المدى البعيد.
وعدم التطور الفكري ينعكس على مجالات النشاطات الفكرية والأدبية والفنية والعملية المختلفة، ففي حالة الجمود نجد غياب تلك المعالجات الجديدة وعدم التلاقح مع الواقع بزخمه المتجدد، وانتشار التفتت وجمود الإنتاج الثقافي وعدم بروز تجارب خلاقة الخ..
إن الدكتاتورية في ذات الإنسان أو في جماعته أو مجتمعه هي التي تلعب دور الإعاقة في التطور الفكري.


