وحدة المنبر، وحدة المعارضة : عبـــــــدالله خلـــــــيفة

الأعمال الروائية الكاملة، المجلد العاشر: خَليجُ الأرواحِ الضَائعةِ، هُدهُد سليمان، الأرض تحت الأنقاض، حورية البحر، شاعرُ الضياء، 2022.

لعب اتجاه جبهة التحرير على مدى العقود السابقة دور الموحد للقوى السياسية الوطنية والداعم لوجودها ونموها، فالنقد الذي كان يوجهه غالباً ليس تحطيمياً بل هو نقد بناء، يريد تعزيز مواقف هذه القوى، وتطور النظام الوطني.

ولهذا فمن الغرابة أن يشهد هذا الاتجاه نفسه انقساماً شل فاعليته وسط معركة انتخابية متصاعدة.

وإذا بحثت عن الأسباب لهذا الانقسام لن تجد أسباباً فكرية، بل هي أسباب شخصية وصراعات بين أفراد.

وقد كان رئيس الاتجاه الراحل الذوادي، قد عرف بدماثته الأخلاقية ورحابة صدره، وترحيبه بوجد اخلافات اجتهادية وفكرية وسياسية داخل الجماعة، لكنه عرف كيف يمنعها من الشطط، والغلو، فهو يحتضن السمات الفردية المختلفة، رغم أنه كذلك لم يكن متوجهاً للدراسات العميقة ولم تتشكل بالتالي في الجماعة رؤية متجذرة في شتى نواحي قراءة الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية، خاصة إن سنوات المنفى لم تعرف مثل هذه العملية، بخلاف الأحزاب التقدمية العربية في المنفى.

ربما يعود ذلك للتقلقل في حياة الذوادي وعدم وجود قاعدة ثقافية متجذرة للأعضاء، وعمليات الاضطهاد التي لم تتح مثل ذلك الدرس وتكوين هيكل عظمي صلب من الأفكار المنتشرة بين الأعضاء والجمهور المؤيد.

ولهذا جاء المنبر الديمقراطي التقدمي ليس نتاجاً للتنظيم الصلب السبعيني، وليس كتتويج لعملية فكرية وسياسية متصاعدة بل كتجميع لأفراد تضاربت بهم السبل وعاشوا خلال العشرين سنة السابقة في عوالم مختلفة، وجاءوا من منافٍ ومن سجون حطمت أعصابهم وثقتهم في دورهم، ومن حياة عادية روتينية ليس فيها إنتاج فكري أو قراءات عميقة في أغلبها الأعم، فتشكل المنبر كشكل من أشكال العفوية السياسية، وعبر شلل وصداقات شخصية، لم تشكل فكراً.

ولهذا فمع مرض الذوادي وغياب الرعيل الجامع لهذه الفسيفساء، لعبت تلك الصراعات الفردية دورها، وتم النفخ من البعض في تلك الاختلافات وتضخيمها وتحويلها إلى (صراع إيديولوجي). وإن ثمة تحرير مواصلة للنهج السابق وثمة منحرفين ليبراليين، وإذا حاولت أن تدقق في ذلك فلا تجد له أي مصداقية، فليس ثمة أي كراسات مكتوبة أو مقالات تنظيرية في هذا، أي لا توجد أية أدلة تثبت وجود انقسام فكري وسياسي. والأفكار المطروحة في الصحف لأفراد من المجموعتين لا تجد فيها أي اختلاف جوهري يستدعي هذه الحديث عن خلاف عميق!

كذلك فإن المرحلة ليس فيها ما يدعو للعودة إلى فكر التحرير السابق، حيث تم تجاوزه، في الفكر التقدمي المعاصر باعتناق فكر ديمقراطي اشتراكي، تخلى عن المطلقات في الحزب القائد الوحيد، وفي الحقيقة، واعتماد التعددية حتى داخل التنظيم الواحد، عبر وجود منابر رفاقية وليست نزاعية هادمة.

ولهذا كله تعود صراعات المنبر إذن إلى صراعات شخصية، في تصوري، مع غياب الزعيم المحتوي لهذه المجموعات والأفراد، وإصرار البعض على عملقة ذاتية ليس لها ما يبررها.

لكن الخطورة في الأمر هو إن فصيلاً مهماً تم شله عبر هذه التصرفات، وبالتالي فإن المعارضة فقدت شيئاً مهماً، إلى حين. خاصة إن هذا الفصيل نفسه هو من تزعم مع القوى الوطنية والدينية المعتدلة دعم التغيرات السياسية في البلد وتجذيرها شعبياً بحيث تحول هذا الخط إلى خط يجمع الأغلبية الكاسحة من القوى السياسية!

وهذا يعبر كذلك عن إن مهمات مركبة ضخمة تنتظر المنبر عبر تعميق العضوية، وجعلها حقيقية فاعلة في حياة الجمهور، وليست ترفاً أو رقماً في دفاتر الجمعية، وتطوير الفكر الديمقراطي الاشتراكي في حياة أعضائه، عبر دراسات نظرية وتطبيقية على الواقع والحياة الفكرية وعلى التراث.

كذلك فإن صعود العديد من القيادات بدلاً من قيادات الرعيل الأول يتطلب منها رحابة الصدر للنقد وللاجتهادات المختلفة، وتعميق النظرة السياسية وتجذيرها بقرءاة مختلف أفكار الأحزاب الأخرى والتيارات الحديثة والدينية، بحيث تظهر قيادات من نوع مختلف عن الرعيل الأول، ذات ثقافة حديثة طليعية واسعة، وقادرة على صياغة نظرات سياسية توحيدية لمختلف الجماعات الوطنية والديمقراطية، لتساهم معها في نقلة كبيرة للحياة السياسية.

وأول ما يجب الآن هو وحدة هذه القيادات وانتقالها للمساهمة النشطة في الانتخابات القادمة.

__ATA.cmd.push(function() { __ATA.initDynamicSlot({ id: 'atatags-26942-63218100cc32f', location: 120, formFactor: '001', label: { text: 'الإعلانات', }, creative: { reportAd: { text: 'الإبلاغ عن هذا الإعلان', }, privacySettings: { text: 'الخصوصية', onClick: function() { window.__tcfapi && window.__tcfapi( 'showUi' ); }, } } }); });
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 14, 2022 00:14
No comments have been added yet.