إنساننا البسيط المتواضع : عبـــــــدالله خلــــــــيفة
#عبدالله_خليفة..إنساننا البسيط المتواضع
حين نطالع البنايات العمالقة التي تلامسُ أحياءَنا البسيطة في القضيبية والحورة وراس رمان والغريفة، حين نرى إتساعَ البحر، وإنفساحَ المجال والأفق للجزرِ البعيدة، نقول لماذا نختنقُ في هذه البقعة الصغيرة وكأننا محشورون حشراً؟
إن العمال الأجانب بشر ليسوا من فلين وقشور سمك، أناس عبروا محيطات وإنحشروا في الأزقة والبيوت الكبيرة القديمة والشقق الصغيرة، وكأن المدينة الكبيرة لم تعد سوى أحياء متلاصقة متزاحمة وسوق عارم.
ملايين تأتي وتخرج من هذه البقعة الصغيرة، يقتحمون الأزقة والأعمال، يقطفون بعض رزق الناس، يرتفعون في المعيشة، يكبرون، يُسيّرون أحدث موديلات السيارات!
لكن لم يقم أحدٌ من المواطنين بتكسير مصباح أو خدش إنسان بسبب هذا!
شعبٌ يعيش ببساطته وفقره وبعض غناه لكن لم يقبض على رقاب البشر!
تعلم الحضارة بسرعة، أسألْ الشركات الأولى التي جاءتْ لتحفرَ الآبار في الصحارى حيث لا ينابيع وبيوت!
أسألْ قيعانَ البحار التي غاصَ فيها بحارة صاروا عمالاً ولحامين.
تجاوز العمالُ والأجانب مقادير أعدادنا، والأقتصادُ المتطورُ يحتاجُ كتلاً هائلة، وإختصاصات، نعرف ذلك ونحن نتعلم وسنتعلم، لنتحكم في الأجهزة المعقدة والمواليد والإختصاصات والمهن والعلوم، لنكون بديلاً عن بعضهم أو كلهم.
نرحبُ بهم بشرياً بشكل متناقض إنسانياً، لا نقول إننا ملائكة، نستغلهم نرثى لهم، نصاب بالضيق منهم لكن لا تمتد أيدينا إليهم!
نحن بلاد صغيرة تطلق فيها الوزارات كل العربات والسيارات والسياح والمرور والتجار والعابرون . . لديها على الأوراق أرقام، لا تعرف أنها أشياء وكائنات ودخان وزحام وأمراض وجراثيم تتنتقل عبر البلدان والقارات!
لديهم أوراق ويفرحون بإنجازنا: إننا الدولة الخامسة والعشرون في الحريات الاقتصادية؟
نريدها أن تكون الثلاثين في إهتمامها بعيش المواطن وصحته وعيشه وتقدمه وسيطرته على دخل بلده!
حين إنتفضتْ البلدُ كلها من أجل الصياد البحار المضروب بالرصاص عند أسيجة مجلس التعاون العربي الخليجي أدركنا إننا شعب واحد؟!
إنتفضتْ قلوبنُا بعمق وأسى، توحدنا.
البحرينيون أعطوا الخليجَ العلمَ والنور والمدرسين والباحثين والكتاب الذين يشتغلون في الجرائد والمراكز العلمية والثقافية..
أشعلوا النيران في رأس تنورة ليتدفق النفط!
إشتغلوا في حفر الآبار في الصحارى وجزر الخليج الفارغة من البشر..
غنوا وصنعوا مع من صنع في الخليج الأغاني الأولى.
تعلموا الآداب والفنون فشاركوا ريادة صنع الصحافة والثقافة، ووزعوا أنوارها على المنطقة.
تعلموا قبل الآخرين وإستقبلوا أخوانهم على مر السنين، عملوا بجد وتعب، إشتغلوا في المهن الصعبة، وربما محيت هذه القصص من الكتب والصحف، أو ذابت بفعل الحساسية، والفورة النفطية، لكن ليس فيها إعتداء أو عنف.
عاملوا الناس الذين جاءوا من كل الخرائط بتقدير وإحترام، ومدارس العنصرية مفتوحة في بلدان كثيرة.
ليس لديهم ثروة النفط الكبيرة ولديهم الأسعار المرتفعة.
أمتصوا غضب الصحراء بمياههم الهادئة، وروضوها بأرضهم الصغيرة الناعمة.
مثل هذا الإنسان الذي يسعى للرزق تمتد إليه أيد؟
كان ينبغي أن تفتح له الأبواب التي تفتح للملايين من البشر من كل حدب وصوب!
يا ليت مؤسساتنا تهتم بهذا الإنسان، تحول حشود أولاد وبنات هذا البحار إلى مهندسين وتقنين تحتضنهم الشركات والورش.
يا ريت مؤسساتنا ووزارتنا تشغل من أبدع فيهم مسرحاً وتأليفاً في أجهزة هي بحاجة لهم وتطلب موظفين من خارج البلد!
نقول بأن في هذا البلد إمكانيات كبيرة، حقل زيتي لم يكتشف ويوظف هو هذه الطاقات الشعبية.


