الذئب النباتي – قصتي في القبس الكويتية – باسم سليمان
كان صوت الأرنب، يتردّد في أجواء الغابة، قافزًا هنا وهناك، حاملًا خبر الجرائد الأول: الغزالة السمراء ضحيّة جديدة للغول. الغزالة السمراء ضحية جديدة للغول. تهافتت الحيوانات تبتاع الجرائد من الأرنب، كي تعرف تفاصيل الجريمة، مع أنّه في الصفحات الداخلية للجرائد كان هناك إعلان هام جدًا، بأنّ اليوم، السادس عشر من السنة الألف للغابة، ستجري محاكمة الذئب، وقد تكون أهم محاكمة في هذه الألفية. ليس بعيدًا عن جمهور الحيوانات الذي التف حول الأرنب، كانت محاكمة الذئب قد انعقدت برئاسة النسر آكل الجيف، أسفل شجرة السنديان العظيمة، أقدم شجرة في الغابة من يوم وجدت. بدأت المحاكمة بعد أن صرخ الهدهد: محكمة! النسر آكل الجيف: أيّها الذئب، أنت متهمٌ من قبل الخراف، بأنّك أفسدت الحملان بآرائك. بينما يوّجه إليك كلب الراعي تهمةَ التسبّب في فقدانه لعمله. الذئب: حضرة القاضي، كيف لقراري، بأن أصبح ذئبًا نباتيًّا، أن يكون جرمًا! يا للعجب، فلتخوّف الخرافُ الحملان بالنمر! أمّا كلب الراعي، فهو لا يحرس القطيع منّي فقط، بل يحرسه من مفترسات أخرى. نبح كلب الراعي: لكنّني فقدت عملي، بعد أن سمع الراعي، بأنّك أصبحت نباتيًّا، فليس من حاجة إلى كلب يحرس القطيع من الذئب. أردفت الخراف: وحملاننا، خرجت عن رأينا، فما من شيء يردعها، فهي تهزأ بنا، وتطلب منّا، تخويفها بالغول عندما نهددها بالعقاب على أفعالها المشينة.
الذئب: ما تقولونه هراء ولوي لأعناق الحقائق.
الكلب: أنت من تسبّب بهذه النتائج، لا أحد غيرك.
الخراف: كلام كلب الراعي، صحيح.
الذئب: هذا افتراء صريح.
القاضي: هدوء في قاعة المحكمة وإن لن تصمتوا سأسجنكم جميعًا. التزم المتخاصمون الصمت وعيونهم على شفاه القاضي. القاضي: إنّ الذئب لم يرتكب جرمًا، فقوانين الغابة لم تنصّ على معاقبة من يغيّر عادات طعامه، وإن كان من بدّ في ذلك، فلنعاقب الخراف لأنّها تأكل الخبز الذي يقدّمه لها الراعي بالإضافة إلى العشب. وأنت أيها الكلب المعروف عنك أنّك تلتهم الطعام المعلّب بشراهة، فلماذا تسكت المحكمة عن تغيير عادات طعامكم، فيما يجب عليها أن تعاقب الذئب؟ إنّ المحكمة هي عين العدالة التي ترى كل شيء، لذلك لا بدّ من أن تحكم ببراءة الذئب، وإلّا سأسجنكم جميعًا لمخالفة عادات طعامكم، وهذا لا يصحّ أبدًا، لذلك قرّرت المحكمة: البراءة الكاملة للذئب من التهم التي وجّهت له من كلب الراعي والخراف. وعليه نقرّر، نحن النسر آكل الجيف بالسلطات التي منحت لنا من الغابة العظيمة ممثلة بحيواناتها، ببراءة الذئب من التهم الموجهة إليه. صدر هذا الحكم باسم جذوع الغابة العظيمة وأفهم علنًا.
الهدهد: محكمة. الذئب: يحيا العدل. الخراف وكلب الراعي: هذا ظلم! القاضي: فليزم الجيمع الهدوء في المحكمة.
كشّر الذئب مبتسمًا للصحافيين الذين تكاثرت أسئلتهم، وعوى: أعلموا الحاضر والغائب، بأنّني أول ذئب نباتي في غابات وسهول الكرة الأرضية، هجر اللحم والتزم الأعشاب، ومن ثمّ شقّ طريقه مبتعدًا من دون الإجابة عن أي سؤال. توجّه الذئب إلى المراعي، وما إن وصل، حتى بدأ بقضم الأعشاب الغضّة، فقد كانت معدته تقرقر من الجوع.
نعق الغراب: مرحبًا أيّها الصياد القديم. أجابه الذئب: لن أتشاءم منك، وأرتد عن قراري، لأنّك نعقت من الجانب الأيسر، فأنا مصرٌّ عليه، لكن أهلًا بك، أيّها الصاحب القديم. الغراب: ما أقدمت عليه، سيسجله التاريخ بأحرف من ذهب، ومع ذلك أعذرني، فلو كنت القاضي لحكمت بتجريمك، لما سبّبته من ضرر.
الذئب: أنت وأنا، كنّا شركاء في الصيد، فأنت الأعلم بتأنيب الضمير الذي كان يعتريني بعد كلّ افتراس أقوم به، فلماذا تُنكر عليّ ذلك؟
الغراب: كلا، لا أنكر عليك ما قلته عن تأنيب الضمير، وأنّك تتمنّى أن تكون أصمَ، كي لا تسمع أنين الفرائس، لكن ما أتكلّم عنه، هو خطأ القاضي القانوني، فأنت خالفت تقاليد القصّ التي تنصّ على أنّ الذئب من يفترس الخراف ويخيف الحملان، وكلب الراعي يحرس القطيع من الذئب. ولقد بُنيت دعواهم ضدّك على هذا الأساس. وما تحوّلك إلى ذئب نباتي إلّا اعتداء على تقليد القصّ. وبالتالي اعتداء على الخراف وكلب الراعي.
الذئب: غريب أمرك أيّها الغراب! منذ عرفتك، وأنت شكّاء من تقاليد القصّ التي جعلتك طائرًا للشؤم. ومن ثمّ تدينني، لأنّني أريد التحرّر من أعراف بائدة وتقاليد متخلّفة.
الغراب: الحقّ ما تقول، مازلت أكره هذا التفصيل المتعلّق بالتشاؤم، لكن قبلت ذلك، إكرامًا للحقيقة، لكن ما قولك بالمفترِس الجديد في الغابة، أقصد الغول؟ وهل تصدّق أنّ الغيلان موجودة؟
الذئب: لقد كنت تخبرني عن تقاليد القصّ، والغول قد أصبح قصّة على ألسنة حيوانات الغابة، فلماذا لا أصدّق ذلك؟!
الغراب: هناك فرق، إنّ شخصية الغول ترجع في أصولها إلى الخرافة التي اُسقطت من مصادر دستور الغابة، لأنّها غير حقيقية، فلم يُر غول واحد، خلال ألف سنة من عمر الغابة، أمّا الذئب والخراف وكلب الراعي، فقد كانوا موجودين منذ نبتت أوّل شجرة في الغابة، لذلك قصصهم كالقوانين التي تحكم الغابة.
الذئب: الوقائع أقوى من تلك الأعراف القصصية التي تتكلّم عنها، فالغول قد افترس العديد من الحيوانات.
الغراب: لقد ظهر الغول، منذ بدأت تفكّر بالتحوّل من آكل للحم إلى آكل للعشب.
الذئب: ما الذي تقصده؟
الغراب: أرى أنّ غراب شعرك قد طار، وأصبحت عجوزًا، فلن تستطيع العدو كما كنت في شبابك. ومع خدعتك الذكية كذئب نباتي، ستتطمئن إليك الأجيال الشابة من الطرائد، وتصطادها من دون مطاردة ماراثونية.
الذئب: اغربْ عنّي. ستثبت لك الأيام، بأنّني أصبحت ذئبًا نباتيًّا. طار الغراب من الجانب الأيمن للذئب، ونعق لمرة واحدة، وحلّق بعيدًا. مضت عدّة أشهر، ومن ثمّ في إحدى الصباحات، كان الأرنب يملأ أجواء الغابة بصوته: مات الذئب النباتي، لقد مات الذئب النباتي، وقد قال الطبيب الشرعي، بأنّ سبب الوفاة احتشاء معوي نتيجة لتناوله العشب. صمت الأرنب للحظة، وفكّر بأنّ الغول لم يعد خبر الجرائد الأول، على الرغم من تكاثر جرائمه، ومن ثمّ تابع صراخه على بضاعته من الجرائد: لقد مات الذئب النباتي.

https://alqabas.com/article/5890195-%D8%A7%D9%D8%B0%D8%A6%D8%A8-%D8%A7%D9%D9%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D9%8A
باسم سليمان's Blog
- باسم سليمان's profile
- 24 followers
