عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تحليلٌ لكلامٍ مغامر
 عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تحليلٌ لكلامٍ مغامر
عبـــــــدالله خلــــــــيفة: تحليلٌ لكلامٍ مغامرلا أعرفُ من هو الذي يتحدث لأنه يكتبُ باسمٍ مستعار (علي الديري)، ولكنه دائب الكتابة الصغيرة المهمومة بنضال شعبنا وبتحولاتِ الأمة العربية وثوراتها، فيه هذا الحفظ للجمل والشعارات العامة، وهو يريد أن يثّورَ الشعب المظلوم بأي طريقة، فتصطخبُ كلماتُهُ وتشتعلُ وتضطرب.
يعتقدُ أن حراكَ البحرين يمكن أن يكون خارج الإطار الوطني القومي المتداخل.
(أعتقد أن الحديث عن تمايز الانتفاضة أو الثورة في البحرين عن غيرها مما حدث في تونس أو مصر.. كل ذلك يعكس عجز بعض المفكرين عن الخروج من إطار الأفق القومي والطائفي)، قحطان راشد(عرف الان !) ، رداً على أطروحات عبدالله خليفة، الحوار المتمدن.
بدايةً ما الذي يحددُ الثورةَ؟ إنها حركةُ طبقاتٍ لا تعجزُ عن العيشِ بالأسلوبِ القديم وهي خاصيةً الطبقات الدنيا في حين لا تستطيع الطبقات العليا أن تواصلَ السيطرةَ بالأسلوبِ القديم نفسه، فتحدثُ ثورةٌ هي حراكٌ موضوعي لا تحركهُ فئةٌ سياسية ما، وهي نتاج قوانين البنية الاجتماعية.
قحطان راشد صاحب الاسم المستعار يستعير لينين كثيراً، لكن لم ينتبه ربما لهذا التعريفِ التشخيصي الدقيقِ المشهورِ الذي قدمهُ لينين للثورة.
لينين يقولُ (طبقات) وليس طوائف. حراكُ الطبقات مختلفٌ عن حراك الطوائف، حراكُ الطبقات هو صانعُ التاريخ إلى الأمام، أما صراعُ الطوائفِ والقوميات فهو مدمرُ التاريخ! وصراعُ الثوراتِ العربية صراعُ نقلاتٍ إلى الإمام عبر مساهمات جميع الطبقات الوطنية في تغيير رأسماليات الدول الشمولية.
في البحرين تحركت أجسامٌ من طائفة عبر فعل مغامر إرادي، أي لم يكن نتاج ظروف موضوعية خارجة عن الإرادات الذاتية للقوى السياسية ولا من فعلِ طبقاتٍ وطنية.
لقد قامت الطائفيةُ باختراقِ الطبقات الوطنية البحرينية وتشتيت وجودها الاجتماعي السياسي. وقد تم هذا الاختراق عبر عقود، وقد وضحنا ذلك في مقالات سابقة التأريخَ، الملموسَ لهذا الاختراق وغيره من الاختراقات المذهبية السياسية، والذي أدى إلى تفكيك شعب البحرين كشعبٍ موّحدٍ وتحويله إلى طائفتين متمايزتين في وجودهما السياسي، وجره إلى سياساتٍ أجنبية خطرة.
حتى لو افترضنا جدلاً اننا نريد أن نقيمَ ثورةً فلابد لنا من توحيد الشعب المفكك أولاً. وهو أمرٌ مستحيلٌ كما قلنا لمخالفته القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي، فلا بد لنا بدايةً من هزيمة التيارات الطائفية السياسية المعرقلة للتطور الوطني، فكيف يمكن أن تقود هي نفسها ثورة؟!
والثورةُ حلقةٌ من حلقاتِ التطور الاجتماعي لشعبٍ موّحد، وتغدو قفزةً متطورة لتاريخه، وتحولاً نوعياً فيه.
وهكذا فإن ما يقولهُ الأخُ قحطان ليس صحيحاً، وما يقوله عن التحركات الاجتماعية لفبراير 2011 بأنها ثورة، فهي ليست ثورة ولكنها تحركات مذهبية سياسية جرت إلى أغراضٍ باتت معروفة وأدت إلى المزيد من تخريب عملية توحيد شعبنا، الذي فُككَ بسبب السياسات الطائفية.
إن خطأه الفكري هنا انه يقول إنه ينتمي إلى الماركسية ولكنه لا يعرفُ أبجديات الماركسية! وليست مسألة الثورة مسألة هينة، يمكن التغاضي عنها فهي مصيرية خطرة.
هو يعتقد إذًا أن الشعوبَ العربيةَ متمايزةٌ ويمكن بالتالي أن تجري الحركة السياسية فيها بأشكال مختلفة، وأن (الثورة في البحرين) ذات الطابع المذهبي، لا يجب أن تخيف أحداً إذا كان الدينيون هم في (بوز المدفع) على حد تعبيره.
هنا جملة من الأخطاء فالشعوب العربية هذه تنتمي إلى الأمة العربية ذات المسار التاريخي المعروف، وهذا يعطيها خصائصَ تاريخية لم يتفضل السيد قحطان بفهمها، وبالتالي فإن شعوبَ هذه الأمة تتخوف من تداخلاتِ أمةٍ أخرى، وخاصة بسبب الصراعات الكثيرة بينهما على مدى التاريخ.
ولم يستطع هؤلاء الدينيون السياسيون أن يكونوا جزءًا من الأمة العربية، عبر ثقافتهم السياسية المذهبية، وجاءتْ كنسخٍ لتجربة تلك الأمة الأخرى، عبر قيادتها المذهبية الشمولية، إنهم يتكلمون العربيةَ ويعيشون ويتنفسون في الثقافة العربية لكن النسخة المذهبية السياسية تكونت في تاريخ الدولة الإيرانية، عبر صعود دور رجال الدين وتكوينهم تلك النسخة في الأمة الفارسية التي لن تُستعاد في الأمة العربية وشعوبها ولأسباب ملتبسة. إن المذهبيين لدينا بحاجة إلى أن يكونوا جزءًا من النضال العربي الديمقراطي وأن يكونوا جزءًا من الثقافة العربية الديمقراطية الحديثة.
وقد جرتْ محاولاتُهم خلال ربع قرن مضى وعُرض عليهم المستقبلُ الكارثيلا لحركاتِهم من دون أن يمتلكوا مصيرهم بأيديهم ويعيدوا إنتاجَ ثقافتهم المذهبية المحافظة ذات الجذور الفارسية بثقافةٍ عربية ديمقراطية، ومازالوا يصرون والقادم أخطر وأفدح لو يعلمون!
أناسٌ يعيشون على قمعِ الكادحين والنساءِ والأطفال والثقافة الديمقراطية الحديثة داخل طوائفهم نفسها، فلا يستطيعون أن يكونوا جزءًا من الثقافة العربية الديمقراطية ومن حراكِ الأمةِ العربية المتجهة إلى أنظمةِ التعدديةِ والعلمانيةِ والحداثة. فدعْ عنكَ أن يقدروا على صناعةٍ ثورة عربية بأفق الحداثة! قلْ إنهم يقدرون على المشاركة في مؤامرةٍ أو أن يخدعوا البسطاءَ بنضالٍ ملتبسٍ، أما أن يصنعوا تقدماً اجتماعياً فهيهات! كيف لا وقادتهم الدينيون يعيشون على استغلالِ عامةٍ يريدونها دائمة متخلفة راكعة لهم. نريدهم أن يكونوا جزءًا من نضالنا الديمقراطي الوطني، أن ينصهروا في تاريخنا.
(اليساري) المتطرفُ ذو هوسٍ بالجُملِ المنتفخةِ ويعتبرُ الكلامَ بديلاً عن الواقع الحقيقي، وكلما نفخَ في الجُمل وامتلأَ ريشهُ ظنَّ أنه غيّرَ الواقعَ فيما هو يُدمرُ الواقعَ وإمكانات التحول الموضوعية فيه.
قحطان راشد ذو الاسم المستعار يصرخ بأسماء الثورات العربية وبأسماء القادة، فماركس نفسه يحضرُ بكل بساطةٍ خاضعاً لسلطتهِ المطلقة:
(لقد ناضل ماركس من أجل تغيير الواقع.. لقد كان ليبرالياً حقيقياً (؟).. ولم يتردد لحظة في الوقوف ضد الطغاة..)، (المصدر السابق).
يتحول ماركس هنا إلى دجال شرقي، رجل البحث والعلم يغدو مؤيداً لدكتاتورية رجال الدين المتخلفين الذين قادوا بلداً من أهم بلدان المنطقة الواعدة بالسير نحو الحداثة إلى سجن كبير محافظ، وهو ما يريد تلامذتهم أن يطبقوه علينا في البحرين، وما يتحمس له صاحبُ الوعي المستعار.
ببساطة شديدة يسوق الأخُ الجملَ الإنشائيةَ الحماسية التي تقود إلى التهلكة، فكيف يمكن أن يؤيد رجل حديث ديمقراطي مثل هذه التجارب الدكتاتورية الدينية وباسم الماركسية في وقت أصبحت فيه كل التجارب الدكتاتورية مرفوضة؟! ومع كل مخاطرها الآن على السلام والتقدم والتوحيد للمسلمين والقوميات في المشرق والخليج المستهدف خاصة؟
إن تجربتنا طويلة ومريرة مع اليسار المغامر في بلدنا ذاته، ففي أوائل السبعينيات كان هذا الوعي نفسه بانتفاخه وغروره وبجمله الصاخبة يدعو إلى الثورة المسلحة في البحرين والخليج العربي كله. ولم يفد أي جدال وكتابات طوال سنين، ومن ثم كانت الضحايا في ظفار والبحرين، والكثيرون عانوا ثم فقد البلد الكثيرَ من قوى الحرية ومن الشباب الذين ذابوا في غبار الأيام.
وجاء المجلسُ الوطني في السبعينيات نفسها وجرى نضالٌ لإيجاده وتطويره ولكن أصحابَ الجملة الثورية يعرقلون مساره ويصطخبون، وكان ذهابُ المجلس الوطني المنتخب خسارةً كبيرةً كان يمكن مع استمراره إصلاح جوانب كثيرة على مدى العقود السابقة، وهو ما لم يحدث وسبب نشوء الطائفيات المتصارعة الممزقة للشعب.
ووجد أصحابُ الجملةِ الثورية في هؤلاء الشباب الديني قارباً يركبونه من أجل المغامرات وكانت أفدح وأشد خطورة، وذات أبعاد أقليمية يرفضون الربط بينها وتحليلها ورؤية أبعادها وآثارها القادمة، ثم يجلبون رموزاً وتجارب مقطوعة السياق، مضطربة الاستشهاد ويضعونها في مثل هذا الصراخ السياسي ويغدون هم أساس المواقف المبدئية.
ثورة مسلحة باسم الماركسية الماوية في السبعينيات، ثم تحركات شعبية كاسحة باسم رجال الدين المحافظين ركائز الإقطاع في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين!
أي دركٍ نزلتْ إليه جماعةُ الجملِ الثورية المخيفة هذه، فمن ثورة الكادحين الإلحادية إلى حرق البخور للملالي؟ أهذا هو المصير البائس لشباب القمصان الحمر؟ لكن كيف حدث السقوط؟ وأية كتابات تحلل وتغوص في مثل هذه الانقلابات المأساوية الكوميدية؟ فالتاريخُ مثل النظريات والاستشهادات ضائع، فليس ثمة فكرٌ يتكون، ولا نظراتٌ تتأسس، وإنما هي لحظة الانفعال الحادة الراهنة، التي يتصيد فيها البرجوازي الصغير المضطرب لحظةَ قنصٍ سياسيةٍ كبيرة، يمكنُ أن يحصلَ منها على غنيمة، فلا يهملا من سيقدم هذه الغنيمة، أكان فلاحاً مسكيناً في ظفار أم قروياً شاباً متحمساً في ريف البحرين، وسواءً كان ملحداً على الطريقة الماوية أم طائفياً متشرباً بتعصبٍ ديني رهيب، فالمهم هي (الثورة) سواءً سلختْ جلود الظفاريين والعمانيين أم حرقت البحرين، المهم هو لحظة التفجر الفوضوية ذاتها واقتناص منافع الحكم منها.
لكن البرجوازي الصغير المراهق لا يتعلم.. وفي كلِ عاصفةٍ يتوقعُ أن يصيرَ حاكماً، ومن هنا وقع كثيرون في السبعينيات ولم يتعلموا سوى الاختباء وتركوا ساذجين آخرين في موقع أمامي ليتم اصطيادهم إذا فشلت اللحظة المكسبية الكبيرة.
إنه لا يقيم وزناً لكون مؤامراته تدمرُ أسراً، فهو يحفظ أسرته في مكان أمين، وقد عرّضَ كثيرين للعذابات والتجريب السياسي المرير، وتدمروا ولكنهم يُذكرون كأبطالٍ انتفت تواريخُهم الحقيقيةُ المتكلمة وتم أدلجتها والنفخ فيها. ولو أنه كان عاقلاً لم تحركهُ جملهُ الثوريةُ الزائفةُ إلى الفضاء، لكان من الممكن أن يجدَ رفاقاً وأتباعاً مناصرين يشدون أزره بدلاً من أن يذهب لاصطياد شباب الريف المساكين ويستخدمهم بديلاً عن شبابِ المدن والذين قدمهم قرابين لغروره السياسي وجنون عظمته.
وهل يهتم هو بهؤلاء الشباب ويقدم لهم معرفة ثمينة تجنب أمهاتهم فقدهم؟ أو أن يوجههم إلى الطرق العقلانية من النضال لتزدهر حياتهم وتتراكم تجاربهم وثقافتهم؟لا! إنه لا يريد ذلك فهو الرافض لطريق الديمقراطية الغربية يتعلق بكل حبال سيرك الدكتاتوريات الشرقية المتعددة فلا تتراكم لديه ثقافة ديمقراطية تؤسس لتنظيم مؤسسي متين! فمن لم يتعلم خلال أربعة عقود هل سوف يتعلم الآن؟ من لم يحلل تاريخَهُ السياسي وما فيه من إيجابيات وسلبيات، هل يقدر أن يكون صادقاً مع نفسه في بضع سنوات راهنة؟!
هو على طريقة قحطان راشد هذا الذي يكتب بلا مسئوليات فكرية وشخصية وتنظيمية فهو متبخرٌ في الهواء الايديولوجي، فالاسم رمز للموقف المسئول، لكنه يختبئ وراء اسم مستعار من أجل أن يتهرب من ضريبة التجربة وأمانة المكاشفة، ولا يريد أن يتحمل خطأ الفكرة أو صوابها، ويراوغ في السر، وفي التاريخ، وفي النضال، وليتحمل شبابُ الريفِ الكوارثَ وحدهم.
البرجوازي الصغير اليساري المتطرف كالبرجوازي الصغير المذهبي المتطرف يستغلان العمالَ ونضالاتهم حتى يصعدا هما الاثنان إلى المراكز والمكاسب، وليتحمل العاملون آثارَ المغامرات من سجون وتخريب وضياع لفرص العمل وليتحمل الأهالي العذابات. واشتغالُ الاثنين على الوعي السياسي يتم بالطريقة ذاتها حيث يتملا أسطرة الوعي وتحويل المفكرين والمناضلين إلى صوفيين وسحرة كما حوّل الماضون الرموزَ إلى نجومٍ وكواكب وأرواح وشخصيات خارقة وكما يحولُ قحطان راشد ماركس إلى مشعوذٍ شرقي .



