عبـــــــدالله خلــــــــيفة : البرجوازية الصغيرة والقفز إلى الثروات

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أصبح من المتعذر إقامة أنظمة تسيطر عليها البرجوازيات الصغيرة لتقيم أنظمة رأسمالية حكومية، حيث كان آخرها الفاقع هو النظام الإيراني.
أعطى النموذج السوفيتي إمكانية لذلك حتى في اليمن والحبشة، لقدرة حراك هذه الفئات وتخلف الشرق، ولإقامة نهضات سريعة غالباً ما تنتهي بكوارث.
كان ذلك النظام رافعة لنهوض وتسريع التطور، ولكن الافتراق بين مصالح الفئات الحاكمة التي أستأثرت بالثروات، وحدوث الانفصال بين البرجوازية البيروقراطية والعمال، أدى إلى إنكسار أهم رؤية لعبت دوراً تحويلياً في القرن العشرين وهي الماركسية، التي تفتت بسبب هذه المصالح الذاتية للطبقات الحاكمة في هذه البلدان، بحيث غدتْ عاكسةً للمصالح القومية العليا في هذه البلدان وتغيبتْ قراءتُها للقوانين الاجتماعية الموضوعية والدفاع عن العاملين، وتنوعت حسب الخياطات الخاصة لكل دولة وجماعة وظروف بحيث فقدت في هذه التطبيقات قدرة إكتشاف القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي.
لكن حدث في خلال ذلك كله صعود حركات التحرر الوطني وحطمت التبعية المباشرة، وأمكن لكثير من البلدان أن تتطور بأشكال مستقلة.
إن الضخ الإيديولوجي العاطفي وفرضها بأشكال دكتاتورية كل هذا جعل من الأفكار الموضوعية حطاماً، ومهد لصعود الأفكار الخيالية والقومية العتيقة، بل وحتى التصورات السحرية الخرافية لإدارة دول من العالم الثالث تمتلك أسلحة هائلة، بحيث إنتقلنا من التطبيقات الميكانيكية والانتهازية الفكرية إلى الدجل الطائفي نظراً لعدم وجود بُنى عقلية جماهيرية موضوعية تحديثية.
هذا الأمر ينعكس بقوة الآن على إستخدام الإسلام في التحولات العربية، فتحدت نفس الأدلجة، ويتم إستغلال المذاهب وتعبئتها بأشكالٍ عاطفيةٍ حادة من أجل الثروات، لكون الفاعل الأساسي لا يزال الفئات البرجوازية الصغيرة الفاقدة للرأسمال سوى رأس المال الكلام والتلاعب على حبال الطبقات والمذاهب.
قامت الثوراتُ العربية على تقدير الديمقراطية والشفافية والصحافة الحرة وهي جوانب أساسية لمنع ذلك المنزلق الذي سد وحجَّم الماركسية، لكن ثمة مخاطر لا تزال كبيرة فالجماهير العربية ليست ذات ثقافة ديمقراطية متأصلة، والمنظمات السياسية تشتغلُ على الأفكار المذهبية المحافظة غير الديمقراطية وتحولها إلى أدواتٍ للوثوبِ للسلطات والمنافع، وتستغلُ التخلفَ في الفئات الريفية والنساء والمهمشين والهياكل النقابية الجامدة أو النفعية البيروقراطية والأحزاب المتكلسة ونخب عبادات الأفراد.
إن التبلور الطبقي كما هو في الغرب ووجود المؤسسات العريقة وفصل الدين عن الدولة كل هذا أتاح تطور الديمقراطية الطويل في الغرب، أما في الشرق فإن حراك البرجوازيات الصغيرة للتلاعب بالأيديولوجيات والمذاهب، ثم التكالب على الثروات وسد منافذ التحول السياسي، مما عرقل التنمية وفجر صراعات دامية، حيث قامت حتى إعادات البناء في بعض الأنظمة كالعراق وإفغانستان بسرقة مليارات من الدولارات.
لم يعد نظام البرجوازية الصغيرة حتى إستنساخاته في مصر يوليو واليمن وموزمبيق وكوبا وغيرها قادراً على البقاء أو قادراً على ظهور نسخ جديدة، لكن المذهبيين السياسين في العالم العربي قادرين على إيجاده عبر مرتكزات إيديولوجية مختلفة، فيظهر الاستبداد وتراكم الثروة لدى الفئات الحاكمة عبر تخريجات فقهية، ويحتاج الأمر لمراقبة هذه التجربة ومدى قدرتها على تجاوز نسخ الشموليات الشرقية والاعتراف بديمقراطية حقيقية وتعددية سياسية وفكرية.
إن إنهيار الأشكال الشمولية للاشتراكية من جهةٍ، وتصاعد المذهبيات المحافظة من جهةٍ أخرى، هي قضيةٌ واحدة ذات وجهين، تعبرُ عن عن إنتقائية وإنتهازية البرجوازية الصغيرة، ولهذا فإن دخولنا إلى مرحلة إحتراق جديدة باسم الدين بعد أن كانت باسم الإشتراكية، يدعونا لرفض الشكلين معاً، فلا يخدعنا نزع القبعة ولبس العمامة، وإعادة إنتاج الدكتاتوريات بيافطات مختلفة شكلاً.

عبـــــــدالله خلــــــــيفة : البرجوازية الصغيرة والقفز إلى الثروات
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 05, 2022 07:26
No comments have been added yet.