عبـــــــدالله خلــــــــيفة: الباحث عن أفق تنويري عربي
الشارقة – عثمان حسن:
ما الذي جعل المبدع الخليجي عبدالله خليفة يشغل نفسه دفعة واحدة بكل هذه الأشياء المغامرة في الثقافة كالرواية والقصة والشعر والرسم والمسرح والسينما، هل لأن كل واحد من هذه المجالات، لا بد أن يكون إنسانياً وفاعلا في الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية من دون قيد أو شرط، ربما يصح هذا في سيرة وحياة الراحل البحريني، الذي آثر أن يكون خالياً تماماً من الأنانية، التي هي مشروع مستمر ضد كل ما هو ليس ثقافيا، وألا يكون منحازا لجهة أو لتيار أو حزب، وأن يواجه كل هذه النتوءات التي تبشر بعدمية الإنسان، حيث تتقاذفه المصلحة والأيديولوجيا والنزاعات من شتى بقاع الأرض .
كان عبدالله خليفة ابن بيئته الخليجية والعربية يهجس بهواجسها ويشعر بنبضها، فكتب مقالات ودراسات سياسية واجتماعية ترصد تطورها، لكنه بدأ بفني القصة والرواية منذ أواخر ستينات القرن الماضي، كما كتب في النقد معبراً عن أسلوبه ومواقفه وتبنى خيار الانحياز للجمال والقوة والنظافة من خلال روايات: “لحن الشتاء”، “الرمل والياسمين”، “يوم قائظ”، “دهشة الساحر”، “جنون النخيل”، “سيد الضريح”، “اللآلئ”، “القرصان والمدينة”، “الهيرات”، “أغنية الماء والنار”، “الضباب”، “نشيد البحر”، “الينابيع”، “الأقلف”، و”اغتصاب كوكب” وغيرها .
كان الراحل معنياً بترجمة ما يكتب في ضوء بعده الإنساني، وهو الذي يمكن تلمسه في كل ما أنجز سواء في الرواية، ومن قبلها القصة، وفي توجهه الفكري ودراساته النقدية والاجتماعية، وهو الذي يشير إليه الشاعر والناقد البحريني جعفر الجمري الذي يرى أن مشروع عبدالله خليفة الروائي كان يرتكز على التاريخ، وهو التاريخ الذي كان يقربه من فهم الحاضر، فرواية “الينابيع” بأجزائها الثلاثة كانت رواية تاريخية، وهي أيضا تقربنا إلى محاولاته لفهم الحاضر المتحول والمتوتر، فهي إذن تتتبع قرناً من التحولات وقد سيطرت فيها لغة الشعر على الكثير من مساحات السرد، وامتازت من حيث التكنيك الفني بالنوعية في المعالجات، والأساليب، يقول الجمري: “التاريخ بدأ من معالجاته القصصية الكثيرة مثل “لحن الشتاء”، وصولاً إلى “يوم قائظ”، “سهرة”، “سيد الضريح”، “جنون النخيل”، “الرمل والياسمين”، “دهشة الساحر”، وغيرها، من دون أن ينأى عن اللحظة الراهنة والتوجه إلى المستقبل .
اشتغل الراحل على البحر، ليس باعتباره حيّزاً ومكاناً، بل باعتباره وعاء العذاب والمكابدات والصراع الذي عاشه إنسان هذا الجزء من العالم، ويمكن الوقوف على أكثر من شاهد هنا، عبر قائمة من القصص القصيرة والروايات التي تناولت تلك الثيمة .
وأثارت الرواية عند الراحل اهتمام عدد من النقاد، منهم فهد حسين الذي رأى أن الرواية البحرينية حاولت أن تجد لها مكاناً في المشهد السردي الخليجي، كما ولجت بعين الراصد والمتأمل والمتفحص للتراث والتاريخ العربي والإسلامي، يقول: “لقد انكب الروائي عبدالله خليفة على إصدار أعمال روائية ذات بعد تاريخي، فأصدر من الروايات: “عمر بن الخطاب شهيداً”، “عثمان بن عفان شهيداً”، “علي بن أبي طالب شهيداً”، “محمد صلى الله عليه وسلم ثائراً”، إضافة إلى الواقع الذي يعطيك ملامح الحياة المستقبلية، وأعتقد ما كتبه الروائي عبدالله خليفة عن تاريخ البحر والغوص، والحالة الاجتماعية والمعيشية في المجتمع البحريني يشير إلى ذلك الصراع الطبقي في المجتمع” .
وفي الميدان الفكري والاجتماعي أصدر كتاب “الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية”، إذ صدر الجزءان الأول والثاني في 600 صفحة، وفيهما يتناول المقدمات الفكرية والاجتماعية لظهور الإسلام والفلسفة العربية، فيما يتناول الجزء الثالث تشكّل الفلسفة العربية عند الكبار ممن مثّلوها في تلك الفترة الزمنية، من الفارابي حتى ابن رشد .
اهتم عبدالله خليفة كذلك بالمشروع القومي العربي، ففي واحدة من مقالاته يرصد هذا المشروع في ضوء انتصاراته وانكساراته، بدءاً من ظهوره بقوة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أدت عهود النهضة السابقة إلى تنامي التيارات التحديثية العربية، أولها المشروع الناصري والثاني “البعث” اللذان راحا يغضان الطرف عن أعمال النهضويين الديمقراطيين العرب، وركز على كثير من القضايا التي لها علاقة بهذا الجانب، ومن ذلك على سبيل المثال: إهمال المشروع القومي العربي لإنجازات الليبراليين والمتنورين، وقيام الدولة بالتدخل في الشؤون الاقتصادية وتوسع القطاع العام ومركزيته في النشاط الاقتصادي وتحجيمه للقطاعات الأخرى .
وحاول الراحل أن يقدم قراءة ثقافية في مشكلة المشروع القومي العربي الذي يقوم على التضادات غير المحلولة، مثل تضادات “الأصالة والمعاصرة”، و”الشرق والغرب”، و”الرأسمالية والاشتراكية”، و”الدين والعلمانية” وغيرها .
آمن عبدالله خليفة بدور الإعلام والصحافة في التنوير شأن أي منشط ثقافي أدبي أو أية دراسة نقدية واعية، وبناء عليه فقد انشغل في متابعة كل ما يصدر عن المؤسسات الثقافية العربية من تقارير، ومن ذلك واحد من الملفات التي أصدرتها مؤسسة الفكر العربي عن التنمية الثقافية في الوطن العربي في عام ،2010 الذي كان يشير لأزمة تتعلق بكثير من الإخفاقات، ومن ذلك مثلا ملف البحث العلمي وحجم ما يصرفه العرب في هذا المجال مقارنة بمجموعات الدول الأخرى، حتى الفقيرة منها .
في ذات السياق فقد كان الراحل معنياً بتتبع الحال الذي وصلت إليه الثقافة في الوطن العربي، دارساً لكل أشكال الفئات المنتجة للثقافة وكل أشكال الوعي، في ضوء الراهن السياسي والاجتماعي، الذي يحول دون تبلور ثقافة حرة مساندة لنمو النظام الاقتصادي المأمول، فيتوقف عند العولمة وآثارها السلبية في الثقافة، حيث كان يرى أن العولمة فاقمت الظواهر السلبية، فانتعشت علاقة التجارة بالثقافة، على نحو ملحوظ، وعلى نحو اقتصادي نفعي، فالدول صارت تروج لنفسها من خلال بريق الثقافة، لأن هذا البريق يضعُ شيئاً من الرصانة على عالمها الاجتماعي الروحي الفقير، وهي تبذلُ أموالاً ضخمةً لمظاهر دعائية، فاللقاءات والاحتفالات والعروض لا تكوّن شيئاً ثقافياً عميقاً، بقدر ما تهدر ثروات كان يمكن توجيهها لمناطق اجتماعية وثقافية محرومة .
 
  


