مقالة علاء الاسوانى فى جريدة المصرى اليوم : من يستقبل البابا شنودة ؟؟؟

 


مقالة علاء الاسوانى فى جريدة المصرى اليوم


من يستقبل البابا شنودة ؟؟؟


20 مارس 2012


 


لايمكن وصف هذا المكان لأنه فريد من نوعه ، يفوق قدرتنا على التخيل …


 


سوف نعتبره ـــ على وجه التقريب ــــ حديقة شاسعة مليئة بأشجار كبيرة مثمرة وزهور رائعة الجمال ، تتمايل بفعل موجات من نسيم منعش لا مثيل له ..


 


الحديقة لها بوابة مستديرة مكللة بالورود يقف أمامها رجل وسيم ملتح يرتدى ثوبا ناصع البياض ويشع من وجهه نور غريب …


 


في أنحاء الحديقة ينتشر الآف البشر الذين تبدو عليهم آثار النعمة والفرحة .


 


بين الحين والحين يتوجه الرجل الى البوابة ليستقبل الوافدين الجدد ..


 


بالأمس وقف الرجل ليستقبل البابا شنوده الذى تقدم نحوه بخطوة مستقيمة نشيطة ..


 


اختفت التجاعيد تماما من وجه البابا واستقام ظهره وتخلص من الآلام وارتد شعره أسود تماما كأنما عاد الى العشرينيات من عمره . ..


 


انحنى الرجل وقال :


ــ أهلا وسهلا يا قداسة البابا شرفتنا


 


تطلع البابا حوله بدهشة وقال :


 


ــ أهلا ياولدي .. ما اسمك ..؟!


 


ـــ أنا الملاك الحارس


 


ـــ كيف عرفت بمجيئي ..؟!


 


ــ أنا أعرف كل شيء عن ضيوفي لأنى مكلف باستقبالهم . .. اتبعنى من فضلك


 


 


تقدم الملاك الحارس وخلفه البابا شنوده ..


 


مشيا في ممر بين الأشجار تحيط به صفوف من الأزهار الملونة . …


 


في نهاية الممر فوجيء البابا بأربعة أشخاص واقفين يبتسمون ويلوحون كأنهم ينتظرون وصوله .


 


لاحظ أن أحد الواقفين شيخ معمم يرتدى قفطانا . لوح لهم البابا بحرارة .


 


أصبحت حركة يده الآن أقوى بعد أن استرد صحته تماما ..


 


وقف الملاك الحارس بين البابا ومستقبليه وقال بصوت مرح ::


 


ـــ كل ضيوفنا المصريين كانوا يريدون أن يكونوا في شرف استقبالك .. لكننا اخترنا هؤلاء الأصدقاء الأربعة كممثلين عن زملائهم ..


 


فليتقدم كل واحد فيكم ويعرف بنفسه


 


تقدم الشيخ وصافح البابا قائلا :


 


ــ السلام عليكم ياقداسة البابا . أنا اسمي الشهيد عماد عفت من شيوخ الأزهر وقد قتلوني بالرصاص أثناء اعتصام مجلس الوزراء


 


اتسعت ابتسامة البابا وشد على يده بحماس ثم تقدم شاب وقال :


 


ــ شرفتنا ياقداسة البابا .. أنا الشهيد علاء عبد الهادي ..طالب في كلية الطب جامعة عين شمس … قتلوني بالرصاص في مجلس الوزراء قبل موعد تخرجي بأيام قليلة


 


 


تراجع الدكتور علاء خطوتين وتقدم الشاب الثالث فانحنى وقبل يد البابا ثم قال :


 


ــ أنا الشهيد مينا دنيال .. قتلوني بالرصاص في مذبحة ماسبيرو


 


رسم البابا علامة الصليب ثم تقدم الشاب الرابع وقال :


 


ــ ياسيدنا أنا دهسونى بالمدرعة في ماسبيرو . اسمي الشهيد مايكل مسعد ..


رسم البابا علامة الصليب مرة أخرى وبان الأسى على وجهه ثم قال :


 


ــ أنا سعيد بصحبتكم . ها قد عرفتم أن الشهداء يكونون مع الرب ولايموتون أبدا ..


 


أشار الملاك للشهداء فجلسوا على الأريكة بينما جلس البابا بجوار الملاك على أريكة مقابلة . ابتسم الشيخ عماد وقال :


 


ــ نحن المسلمين نؤمن بأن الشهداء لايموتون وانما هم أحياء يرزقون عند ربهم ..


ابتسم الملاك الحارس وقال :


 


ــ الشهداء هنا في نعيم مقيم والحمدلله .. لكننى كثيرا ما أتساءل .. لماذا يصعد الينا هذا العدد الكبير من الشهداء المصريين بالرغم من أن مصر لم تحارب منذ أربعين عاما ..


 


 


قال مايكل مسعد :


ـــ هذا السؤال يجب أن يوجه الى حسني مبارك والمجلس العسكري


 


ضحكوا جميعا ثم قال الشيخ عماد :


 


ـــ هل تعلم ياقداسة البابا أن المصريين جميعا مسلمين وأقباطا قد حزنوا لوفاتك .


 


لقد رأيت الكاتدرائية هذا المساء . ان منظرها مهيب حقا


 


 


سأله البابا :


 


ــ هل تشاهدون التليفزيون هنا ..؟!


 


ضحك الملاك الحارس وقال ::


 


ــ ضيوفنا هنا لا يحتاجون الى تليفزيون … ما أن يفكروا في أى شيء حتى تستحضره أذهانهم بوضوح ..


 


لو فكرت في الكاتدرائية الآن سوف تراها في ذهنك


 


أغمض البابا عينيه وفكر في الكاتدرائية فرأى عشرات الألوف من المصريين جاءوا ليلقوا نظرة أخيرة على جثمانه . فتح عينيه وابتسم وقال :


 


ــ بارك الله فيهم جميعا . مصر كانت دائما بلدا واحد وشعبا واحد .. ..


 


هنا قال علاء بحماس :


 


ــ يا قداسة البابا . نحن نحمد الله كثيرا على النعيم الذى تعيش فيه .


 


لكننا نتابع ما يحدث في مصر ونحس بحزن .


 


ان الثورة التى قدمنا حياتنا من أجلها يتم اجهاضها . ..


 


هز الشيخ عماد رأسه موافقا ثم تنهد وقال :


 


ــ لقد مر على انتخاب مجلس الشعب ما يقرب من شهرين . الواضح أن أعضاءه عاجزون عن فعل اى شيء الا بموافقة المجلس العسكري ..


 


اذا استمر الأمر على هذا الحال فان مجلس الشعب سيكون مثل برلمان مبارك ، مجرد مكلمة ووسيلة لتخدير الرأى العام وأداة في يد السلطة المستبدة


 


قال الدكتور علاء متهكما :


 


ــ ماذا تتوقع من مجلس الشعب اذا كان رئيسه يتحرك في سيارة بي ام دبليو مصفحة بينما نصف المصريين يعيشون في العشوائيات تحت خط الفقر ..؟!


 


ظل البابا شنوده يستمع اليهم لكنه لم يتكلم .اندفع مينا دانيال قائلا :


 


ــ اسمح لي ياسيدنا .. لقد تعلمنا على يديك الصراحة والشجاعة . هل تقبل أن يناقشك واحد من أبنائك ..؟!


 


ــ تفضل يا ولدي


 


نهض الشيخ عماد والدكتور علاء لينصرفا لكن البابا استبقاهم قائلا :


 


ــ أنتما مسلمان لكننى أبوكما مثلما أنا أبوهما ..ليس لدى ما أخفيه عنكما .تكلم يامينا . أنا أنصت اليك


 


ـــ لقد مت ومات وأصيب معي شباب كثيرون في مذبحة ماسبيرو ..


 


ثم فوجئت بأعضاء المجلس العسكري ، المسئولين عن المذبحة ، يجيئون للتعزية في الكنيسة ..لماذا استقبلتهم يا سيدنا ..؟! .


 


ــ يامينا يا ولدي الكنيسة مفتوحة لكل انسان لأنها بيت الرب … كما أن المسيح قد علمنا المحبة والتسامح .


 


ـــ ياسيدنا ان المجلس العسكري هو المسئول السياسي الأول في الفترة الانتقالية .


 


لقد مات أكثر من ثلاثمائة شهيد في مذابح متتالية ..ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد .. لماذا لم تأخذ الكنيسة موقفا واضحا في مطالبة المجلس العسكري بتقديم المسئولين عن هذه المذابح الى المحاكمة ..؟!


 


 


صمت البابا وبدا عليه كأنما ينتقى كلماته ثم قال ببطء :


 


ــ يامينا ياولدي عندما كنت في سنك كنت متحمسا مثلك وربما أكثر منك .. لكننى لما تقدمت في السن تعلمت خطورة أن يتخذ الانسان أى قرار وهو غاضب ..


 


هل تظن أننى لم أحزن من أجل أبنائي الذين ماتوا في كل هذه المذابح ..؟!..


 


هل تحسب اننى لم أغضب عندما رأيت بنات مصر يسحلن في الشوارع بواسطة جنود مصريين .؟!.


 


أقسم بالمسيح ان مشهد البنت المسحولة التى عروها من ثيابها ودهسوها بالأقدام لا يفارق ذهني حتى الآن


 


ــــ لكن قداستك لم تتكلم لتطالب بمحاسبة المسئولين عن كل هذه الجرائم


 


ــــ أحيانا يكون الصمت أبلغ من الكلام .


 


ــــ لقد وعدتنى ألا تغضب منى ياسيدنا


 


ـــــ تكلم يا مينا


 


ــ ياسيدنا لماذا كنت دائما تشكر المخلوع مبارك وتثنى عليه وهو ظالم وفاسد ..؟!


 


لماذا أشدت دائما بابنه جمال مبارك الذى كان يريد يرث مصر وكأنها عزبة أبيه ؟!


 


ساد بعض التوتر وابتسم الملاك الحارس وقال :


 


ــ أظن من المناسب أن نترك قداسة البابا الآن ليستريح


 


رفع البابا يده محتجا وقال :


 


ــ لست متعبا . اسمع يا مينا .. أنت مسئول عن نفسك فقط . أنت اخترت الثورة ودفعت الثمن حياتك و أصبحت شهيدا .. أنا قراري لا يخصنى وحدي .


 


كل موقف أتخذه سيؤثر على ملايين الأقباط والمسلمين وعلى مصر كلها . كثيرا ما اضطر الى اتخاذ مواقف لاتعجبك لكنها ضرورية لامفر منها .


 


هنا اندفع مينا قائلا :


 


ــ أفهم من ذلك ياسيدنا أن قداستك تؤيد الثورة ..


 


ــ طبعا ياولدي . عندما يطالب الشعب بالحرية والعدل لابد للكنيسة أن تسانده .


 


ساد الصمت وضحك البابا وقال :


 


ـــ تكلم يامينا . أرى في عينيك السؤال .. تريد أن تسألنى لماذا لم أعلن تأييدي للثورة من البداية .. الاجابة كما قلت لك اننى أحسب كل كلمة أقولها ..


 


أتظنني غافلا عن اشتراك آلاف الأقباط في الثورة .. أتظنني لم أعرف بعشرات الكهنة الذين انضموا للثورة وأقاموا القداس في كل ميادين مصر . ..


 


كنت أعلم وكنت أصلي من أجلكم ..


 


هنا قال الدكتور علاء :


 


ـــ اسمح لي ياقداسة البابا … لقد تحالف الاخوان مع العسكر وصنعوا مجلس شعب شكليا عاجزا وهم الآن ، بالمخالفة للاعلان الدستوري ، قد سيطروا على نصف اللجنة التأسيسية وسوف يصنعون دستورا على مقاس الاخوان والمجلس العسكري ..


 


بعد ذلك سوف يأتون بالرئيس الذى يطيع المجلس العسكري .. كنت أتمنى من قداستك أن تتكلم بصراحة عن كل ذلك ..


 


ضحك البابا وقال :


 


ـــ فات الأوان .لو تكلمت الآن فلن يسمعنى أحد هناك .


 


ضحكوا ثم قال البابا بجدية :


 


ــ كنت أتمنى أن تعيد الثورة الى المصريين كرامتهم وتحفظ حقهم في الحياة ..


 


لكننى وجدت الشهداء يتساقطون بعد الثورة كما تساقطوا قبلها.


 


أرجوكم تفاءلوا ولا تستسلموا للاحباط .


 


حق الشهداء لن يضيع .. سوف تنتصر الثورة وسوف يحاكم المسئولون عن كل هذه الجرائم .


 


ان التاريخ يعلمنا أن الثورات لا تهزم أبدا .قد تتعطل وقد تضل الطريق لكنها حتما سوف تنتصر في النهاية .


 


.. ساد الصمت وقال مينا بحرج :


 


ــ سامحنا ياسيدنا اذا كنا تجاوزنا في حديثنا مع قداستك


 


ابتسم البابا .وقال بهدوء :


 


ـ لا يمكن أن أغضب منكم . يعلم الله كم أحبكم ..


 


أشكر الرب لأننى سأظل معكم هنا سأذكركم يوما ما بهذا الحوار .. قريبا ، سوف نرى من هنا مصر وهي تبدأ المستقبل العظيم الذى تستحقه ..


 


قام الشهداء الأربعة لتحية البابا ..صافحه الدكتور علاء والشيخ عماد بينما انحنى مينا ومايكل وقبلا يده . وأخيرا قال الشيخ عماد :


 


ــ ان كلماتك ياقداسة البابا قد أراحت نفوسنا . شكرا جزيلا


 


استدار الشهداء لينصرفوا بينما ظل البابا يتابعهم بنظره وقد بدا على وجهه الارتياح


 


 


الديمقراطية هي الحل


 


 

3 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 19, 2012 12:47
No comments have been added yet.


Alaa Al Aswany's Blog

Alaa Al Aswany
Alaa Al Aswany isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow Alaa Al Aswany's blog with rss.