مقالة علاء الاسوانى فى جريدة المصرى اليوم : ….متى يتوقفون عن اهانتنا ..؟!.

 


مقالة علاء الاسوانى فى جريدة المصرى اليوم


 


6 مارس 2012

….متى يتوقفون عن اهانتنا ..؟!.




منذ أسابيع اكتشف الرأى العام في ألمانيا أن رئيس الوزراء كريستان ولف قد حصل على قروض من بعض البنوك بتسهيلات خاصة ،


ولأن ذلك يعتبر استغلالا لنفوذه فقد طلب المدعي العام الألماني رفع الحصانة عن رئيس الوزراء الذى اضطر فورا الى تقديم استقالته من منصبه …


قبل هذه الواقعة بأسابيع تم اكتشاف فضيحة أخرى في بريطانيا بطلها وزير الطاقة كريس هون الذى قاد سيارته بسرعة فائقة وعندما حررت له مخالفة سرعة حاول أن يسجلها على رخصة قيادة زوجته السابقة .


وقد اعتبر الرأى العام سلوك الوزير غير أخلاقي مما أجبره على الاستقالة من منصبه.


=======================================


مثل هذه الوقائع تحدث دائما في البلاد الديمقراطية لأن القاعدة المستقرة هناك أن أى مسئول في الدولة يجب أن يكون صادقا و أمينا ولو حدث أنه تورط في الكذب أو مخالفة القانون فانه يكون غير جدير بمنصبه .


تذكرت ذلك وأنا أتابع فضيحة تهريب المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي التى لازالت منظورة أمام المحاكم المصرية.. ان المجلس العسكري هو الذى أثار هذه القضية في ظروف غامضة ،


عندما اختار بضع منظمات للمجتمع المدنى وقدم المسئولين عنها الى المحاكمة بتهمة تلقى التمويل الأجنبي ..


الغريب أن هذه المنظمات قد عملت عاما كاملا أمام أنظار المجلس العسكري فلم يعترض عليها والأغرب أنها طالبت أكثر من مرة بتقنين أوضاعها فماطلت الحكومة المصرية في اعطائها التراخيص .


أنا لا أوافق على التمويل الأجنبي من حيث المبدأ وأتمنى أن يصدر تشريع يمنع التمويل الأجنبي من أساسه


لكن الغريب أن غضب المجلس العسكري من التمويل الأجنبي قد انحصر في المنظمات المدنية ولم يتطرق الى الجمعيات والأحزاب الدينية التى أثبتت تقارير حكومية أنها تتلقى مئات الملايين من الدولارات من دول الخليج ،


الا أن المجلس العسكري كعادته قد كال بمكيالين فأعفى أصدقاءه الاخوان والسلفيين من أية محاسبة وشن هجوما كاسحا على المنظمات المدنية واتهم أعضاءها بأنهم يعملون على نشر الفوضى ويخططون من أجل الى تقسيم مصر الى خمس دويلات ..


وقد تحولت هذه المحاكمة الى مظاهرة اعلامية كبرى حاول المجلس العسكري خلالها أن يصور نفسه كسلطة وطنية متشددة يستحيل أن تخضع للضغوط الغربية ثم فجأة انفجرت الفضيحة :


فقد تنحت هيئة محكمة الجنايات عن نظر القضية تحرجا من الضغوط التى يمارسها عليهم المستشار عبد المعز ( بايعاز من المجلس العسكري ) من أجل الغاء حظر السفر عن المتهمين ..


عندئذ أسرع المستشار عبد المعز بتحويل القضية الى دائرة أخرى يرأسها قاض ( هو ضابط أمن دولة سابق ) قام باجراء اللازم ورفع حظر السفر عن المتهمين الأجانب وفعلا هبطت طائرة عسكرية أمريكية في مطار القاهرة وقامت بترحيلهم بالمخالفة لأبسط قواعد القانون .



عندئذ أحس المصريون جميعا بالاهانة وهم يرون سيادتهم الوطنية وقوانين بلادهم تنتهك أمام أعينهم .


نفس الاهانة التى أحسوا بها وهم يرون بنات مصر يسحلن في الشوارع وتهتك أعراضهن و يرون شباب مصر تدهسهم المدرعات وتفقأ عيونهم ويقتلون بالرصاص على أيدي جنود مصريين .


ان المقارنة بين الحكومة الأمريكية التى تستميت دفاعا عن مواطنيها حتى ولو كانوا متهمين وبين المجلس العسكري الذى أهان كرامة المصريين مرارا وتكرارا لا بد أن تدفعنا الى السؤال :


لماذا تحافظ الحكومات الغربية على حقوق مواطنيها بينما تهين السلطة في مصر مواطنيها باستمرار ؟!


- يرجع ذلك في رأيي الى ثلاثة عوامل : …



أولا : طبيعة نظام الحكم :

==============


ان الطريقة التى يتولي بها الحاكم السلطة تحدد سلوكه أثناء توليها . فالرئيس الذى جاء بانتخابات حرة سيكون دائما خاضعا لارادة الشعب ومراقبته ولن يستطيع أن يستبد أو يهدر حقوق الناس .


المجلس العسكري يحكم مصر الآن بنفس أسلوب مبارك فهو يتولي السلطة لأنه يملك القوة اللازمة للبقاء فيها . من الطبيعي اذن ألا يعترف بحقوق المصريين لأنهم لم يختاروه ولايملكون تغييره لو أرادوا .


ان المجلس العسكري مثل كل المستبدين لا يعمل أى حساب للشعب . هذه الاستهانة بالشعب تنتقل عادة من الحاكم المستبد الى وزرائه لأنهم يعلمون أن أحدا لن يقدر على محاسبتهم وهم لايستقيلون أبدا ويتملقون الحاكم وينافقونه لأنهم يعلمون أنه مادام الحاكم راضيا عنهم فانه سيحتفظ بهم مهما أهانوا الشعب ونهبوه وكذبوا عليه . . ..



ثانيا : درجة استقلال القضاء :

=================


القضاء في الدول الديمقراطية مستقل تماما ولايستطيع أى شخص حتى لو كان رئيس الدولة أن يتدخل في قراراته .


ان أكبر مسئول هناك يعلم أن أصغر وكيل نيابة يستطيع أن يستدعيه ويوجه اليه التهم ويأمر بحبسه .


بالتالي تتحول الملاحقة القانونية الى كابوس حقيقي يطارد أى مسئول في النظام الديمقراطي فيحرص على احترام القانون ..


بالمقابل فان النظام القضائي في مصر غير مستقل وهو خاضع عمليا لسلطة رئيس الدولة لأن ادارة التفتيش القضائي التى تتحكم في مكافآت القضاء وجزاءاتهم ، تابعة لوزير العدل الذى يعينه رئيس الجمهورية ( أو المجلس العسكري ) ..


وفي النهاية فان وزير العدل يتحكم في مصائر القضاة يمعنى الكلمة ..


أضف الى ذلك أن رئيس الجمهورية هو الذين يعين النائب العام الذى يتولى سلطة التحقيق وتوجيه الاتهام بالاضافة الى نظام الانتداب الداخلي الذى يسمح لبعض القضاة بالعمل كمستشارين بمكافآت كبيرة في وزرات معينة بينما هم يفصلون في القضايا مما ينسف مبدأ حياد القاضى من أساسه.. للانصاف ،


بالرغم من كون النظام القضائي غير مستقل الا أن معظم القضاة المصريين مستقلون من وحي ضمائرهم وهم يدفعون في ذلك ثمنا باهظا من راحتهم وأرزاقهم .. ان الموقف العظيم الذى أقدمت عليه هيئة محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد محمود شكري عندما رفضت ضغوط المجلس العسكري ليس الا نموذجا مشرفا واحدا لما يفعله آلاف القضاة المصريين في قضايا غير شهيرة لا نسمع عنها . .


وفي عام 2005 خاض أكثر من ثلثى قضاة مصر معركة عظيمة من أجل تحقيق الاستقلال للنظام القضائي . ولسوف يذكر التاريخ أن هؤلاء القضاة الشرفاء رفضوا أن يكونوا شهود زور على انتخابات مزورة وأنهم كانوا ولازالوا يناضلون ليس من أجل امتيازات أو مغانم وانما دفاعا عن العدل .


على أن عددا قليلا من القضاة قد تورطوا في التعاون مع النظام المستبد وأقرب مثال على ذلك القضاة الذين اشتركوا في تزوير الانتخابات كما أثبتت أحكام محكمة النقض . وفي أعقاب الثورة طالب الكثيرون بتطهير القضاء من القضاة المزورين لكن المجلس العسكري تمسك بهم لأنه يحتاج الى خدماتهم .


بل ان المجلس الأعلى للقضاء قد أعد قانونا متكاملا لتحقيق الاستقلال الكامل للقضاء لكن المجلس العسكري قام بتعطيل القانون لأنه سيحرمه من السيطرة على السلطة القضائية .. لايمكن أن تعود للمصري كرامته وحقوقه بدون نظام قضائي مستقل .



ثالثا : المفهوم الشائع للدين

=================


في الدول الديمقراطية ، لا يتحدث أحد من المسئولين عن دينه أو ممارسته للعبادات لأن الأخلاق وحدها هي معيار الحكم على الانسان ..


من حقك أن تكون مسيحيا أو مسلما أو يهوديا أو تعتنق أى دين فهذا شأنك وحقك وحرية الاعتقاد والعبادة مكفولة للجميع .. لكن دينك يخصك وحدك أما أداؤك في عملك وأمانتك واجتهادك و تعاملك مع الآخرين ، فهذه المعايير الحقيقية للحكم عليك أمام الناس أو القانون .


يكفي أن يكذب رئيس الدولة مرة واحدة لكى ينتهى مستقبله السياسي ويعزل من منصبه ويفقد ثقة الناس . في الدولة الديمقراطية تكون الأخلاق هي معيار التدين ولا تكون مظاهر التدين وحدها دليلا على الأخلاق . هذا المفهوم يشكل جوهر الاسلام الصحيح . . ان العدل والحرية والمساواة هي المبادي الأساسية التى نزل الاسلام من أجل الدفاع عنها وكل ماعداها أقل أهمية . الا أن فهم الكثيرين للاسلام صار شكليا وقاصرا .


لقد حصل الاخوان والسلفيون على أغلبية مقاعد البرلمان ( في انتخابات قد تكون غير مزورة لكنها لم تكن عادلة ولا ديمقراطية ) . .


وبرغم ذلك فقد كتبت فى هذا المكان مطالبا بدعم هذا البرلمان لأنه في النهاية الهيئة الوحيدة المنتخبة القادرة على تحقيق أهداف الثورة . ..


لكننا نرى الآن أن مفهوم التدين عند كثيرين من أعضاء البرلمان قاصر وشكلى .. العقيدة منفصلة عن السلوك . المظهر والطقوس أهم من العمل .. هؤلاء النواب يسعون لاستصدار قرارا يلزم المدارس بتعطيل الحصص من أجل اقامة صلاة الظهر بينما لم يفعلوا أى شيء من أجل القصاص للشهداء وهم عاجزون عن توجيه أى اتهام للمجلس العسكري الذى تسبب في مذابح راح ضحيتها العشرات من شباب مصر ..


بل انهم في مذبحة بورسعيد اكتفوا بادانة وزير الداخلية ولم يجرءوا على النطق بكلمة واحدة عن مسئولية المجلس العسكري.. نواب كثيرون لحاهم طويلة وعلامات السجود على وجوهم لكنهم لايتحرجون من تطبيق سياسة مزدوجة المعايير ارضاء للمجلس العسكري ..


فعندما يخطيء النائب زياد العليمي ويتفوه بكلمة تسيء الى المشير يثور النواب الأتقياء ويتنافسون في التنكيل بالعليمي مع أنه قال كلمته المسيئة خارج البرلمان وعندما يوجه نائب داخل البرلمان اتهامات مشينة في حق شخصية وطنية كبيرة مثل البرادعي يرفضون محاسبة المخطيء ويصفقون له ويهنئونه ..


البرادعي الذى يصفقون لمن يتهمه بالعمالة الآن هو نفس البرادعي الذى جمع الاخوان يوما 600 ألف توقيع من أجل تأييده .. الا أن ذلك حدث قبل الثورة حين كان الاخوان يحتاجون الى دعم البرادعي أما الآن فهم يحتاجون الى دعم المجلس العسكري ومواقفهم دائما تتغير وفقا لمصالحهم . .. هذا التلون السياسي مناف للأخلاق ،


وكل ما هو مناف للأخلاق مناف للدين بالضرورة .. الا ان التاريخ يعلمنا أننا اذا قصرنا الدين على الشكل والاجراءات من الممكن أن نقدم على تصرفات غير أخلاقية بضمير مطمئن تماما .


لن تتغير مصر الا اذا تغير مفهومنا للدين



ان فضيحة تهريب المتهمين الأجانب ، بقدر ما تمثله من اهانة بالغة لكرامتنا الوطنية الا أنها تضعنا وجها لوجه أمام الحقيقة .


لقد سقط حسني مبارك لكن النظام الذى أنشأه لازال يحكم مصر .


ان المجلس العسكري هو امتداد لمبارك في الفكر والأداء وهو يهين المصريين تماما كما تعود مبارك أن يهينهم . لن يتوقفوا عن اهانتنا الا حققنا أهداف الثورة وأقمنا دولة العدل والحرية ..

الديمقراطية هي الحل




 


 

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on March 05, 2012 12:22
No comments have been added yet.


Alaa Al Aswany's Blog

Alaa Al Aswany
Alaa Al Aswany isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow Alaa Al Aswany's blog with rss.