عبـــــــدالله خلــــــــيفة :الجهلُ يقوي الفساد

كيف يستطيع مغن أو مغنية ذوي إمكانية فنية محدودة لا في طبقات الصوت ولا في جمال الكلمات أن يذهبا لأوربا ليصورا مشاهد أغنيتين لا تستحقان أي اهتمام من إنسان لديه شيء من العقل؟
وفيما هذان يجمعان الملايين نجد مفكراً لا يستطيع أن يدفع إيجار بيته أو قبره الذي يتآكل فيه؟
أو نرى باحثاً يتسول على أبواب دور النشر ليقدم للأمة عصارة فكره ومفاتيح تدخلها منازل التغيير والسعادة؟
أو أن نرى موسيقياً عظيماً يؤلف أعمالاً عظيمة تأكلها الحشرات في مكتبه!
وقد غدت الموسيقى لهواً وعبثاً بدلاً أن تكون حياة، ووبدلا من قيمة أخلاقية صارت حركات من الإثارة والرغبة في بيع الأعضاء عبر الشاشات!
والموسيقى والغناء إذا لم تعبرا عن فكرة عظيمة، وعن مشاعر لهدم الشر، ونشر الخصب والخير، وتعرية المفاسد، تكونان مجرد إثارة غرائزية يشحنُ بها المراهق ليسرق النقود من أهله من أجل أن يتعطر أو يتسلل للسينما، وقد يبيع نفسه وعقله ومشاعره لكي يفعل مثل هذا المغني الذي قفز على الأخلاق والقيم فقط ليكون لديه رصيد ضخم!
وهذا يجري بسبب أن الآباء والأمهات لا يقرأون، وهم ينقلون جهلهم إلى أبنائهم، معتبرين أن الكتب مضيعة للوقت، وإن القراءة تؤدي للجنون فيبخرون عيالهم من شيطان الثقافة والعقل الرجيم!
وإذا كان المغني أو المغنية اللذان يلعبان بأعضائهما ومكانتيهما فهناك الكثيرون الذين يستندون إلى الجهل لكي يقووا الفساد، فالزعيم لا يقل عن المغني في إستغلال الجهل وتقريب أهل المدح والتطيبل لكي يستروا نواقص وتناقضات سياسته وعدم مستقبليتها فهو لا يريد أن يتعب أو أن يدخل في معارك حقيقية ضد النواقص والأخطاء، فيحتاج إلى أهل الفساد لكي ينشروا صحة سياسته، وهو في أثناء ذلك يتحكم بالحزب، ولهذا تغدو سياسة التخدير التي يقوم بها الإيديولوجيون والفنانون وكافة جماعات تصنيع الوعي، مهمة لمسايرة سياسة الذات المتضخمة المسيطرة على الأشياء سواء كانت حزباً أم موارد.
إن العلوم والمعاهد والجامعات ومؤسسات إنتاج العقل كما يقولون تخضع هي الأخرى لعملية إنتاج الجهل، وخلق جيل يبصر في جهةٍ معينة فقط، ومؤدلج ومسيس، يلغي الأبعاد المتعددة للعلوم، ويجعل العلوم الإنسانية مفرّغة من كشف صراعات القوى الاجتماعية، فتغدو تقنية خالية من الأبعاد الموضوعية الغائرة.
من هنا يكون درس مختلف النظريات الإنسانية ضرورة، لكن لا يجري سوى درس النظريات الغربية الشكلانية عادة والتحديثية التقنية، أو التراثية النصوصية التي تخلو من الأبعاد الاجتماعية والتاريخية.
فالجهل عموماً هو أكبر مؤسسة، وهو في كل مكان يقوي فريق الفساد الخاص به، فينتصر الحفظة ومرددو الشعارات التابعين للمدير والرئيس والذين يستعينون بدورهم بأشباههم فيسممون الوعي في مخلتف الجوانب.
لكن الحياة لها سير موضوعي ومشكلات الناس لا تتوقف، ويغدو الصرف على الطفيليات الاجتماعية ذا مخاطر جمة، ويصبح منتجو الحقيقة الموضوعية مطلوبون وتكسيرهم لطبقات الجهل المتكدسة عملية نضالية شاقة لها رواد وعلماء من طراز محتلف.
هكذا تسممت الآداب والعلوم والفنون الجماهيرية وأصبحت المغنية تسلب المدارس خبزها المنتظر، والموظف البيروقراطي والتاجر الاستغلالي يشجعان الطفيليات لكي يواصلا سرقة المال العام.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 08, 2021 05:03
No comments have been added yet.