عبـــــــدالله خلــــــــيفة : الدكتور عبدالهادي خلف مناضل أم ساحر؟
26-11-2003
لا أحد يعرف بالضبط من هو الدكتور عبدالهادي خلف، هل هو (ملا) يعيش في السويد أم باحث اجتماعى؟ هل هو دينى أم علمانى؟ يساري أم يميني؟ باحث في علم الاجتماع أم ساحر له بركات وتأتيه الكشوف؟
هل هو بحرينى يعيش في السويد أم سويدي غادر البحرين؟ هل هوعالم الاجتماع الذي لم يكتب شيئاً في علم الاجتماع, أم مناضل الفاكسات الذي يحدد لشعب البحرين كيف يناضل وما هى الخطوات التي عليه اتباعها وإلا أمطره بسيل جديد من الفاكسات التى تكرر أسلوب البيانات المقتضبة الصادرة من عليم خبير لا يُرد قضاؤه؟
إذا كان الدكتورعبدالهادي خلف من القليلين الباقين على أسلوب الخطب والبيانات الموجزة التي تحدد كل شيء، فذلك لأنه لم يكن يناضل أو يبحث خلال العقود الماضية، ولم يعد قادراً على متابعة وتحليل الأوضاع.
في بداية السبعينيات نزل عبدالهادي خلف بمظلة سياسية من السماء حين كانت هناك فترة سياسية نشطة، احتاج الشعب فيها إلى زعماء نشطين لخوض الانتخابات البرلمانية، وكان الزمن زمن اليسار, فتوجه عبدالهادي غير المعروف إلى اليسار فوراً، الذي احتضنه وحشد له الجمهور في الندوات ولصق صوره في الحارات ونشر اسمه بين الأهالي وجمع له الأصوات، واستنكر بشدة مؤامرة طرده من المجلس الوطني، واحتضنه في السجن وقد قاوم عبدالهادي خلف حينذاك مقاومة كبيرة فأضرب عن الطعام مع رفاقه الذين وصلوا إلى حافة الموت.
وبعد ذلك حين خرج من السجن وكانت بعض جوانب الحياة السياسية تتسم بالفوضى والمغامرات والمؤامرات، نصح الدكتور عبدالهادي المناضلين بضرورة الابتعاد عن هذا النهج السياسي المتطرف، وطرح خطاً عقلانياً لنمو النضال الوطني عبر التدرج ومواكبة الإنجازات الديمقراطية الصغيرة لتتحول إلى تغيير كبير مستقبلاً.
ثم توارى في الخارج، ولم نكد نسمع به خلال عقد من السنين، وكنا نتوقع بأنه مشغول بالبحرين بحثاً وتحليلاً، وأن ثمة دراسات كبرى سوف تنهال علينا من هذا الصمت والعزلة والدرس، ولكن شيئاً من ذلك لم يأتِ من جهته الهادئة.
وبعد ذلك حين برزت الحركة الدينية عاد إلى الوجود، وأخذ ذلك الثوب اليساري الفضفاض يتمزق، وتوجه إلى أقصى احتمالات هذه الحركة، رافضاً ذلك الطرح العقلاني الذي كان يطرحه في ومضات من الكلمات، والذي لم يتأصل بحثاً ولا منهجاً.
كان هذا الموقف يعكس ثمرة الغياب عن الدرس الموضوعي للحياة الاجتماعية المحلية والعربية، فالعناصر العلمانية والديمقراطية في خطابه كانت تطفو على وعي هلامي غير محدد وغير متجذر في نظرة أو أرض، ينجذب بدوافع ذاتية نرجسية نحو مغناطيس الحركة الاجتماعية المنتشرة، سواء كانت يساراً أم يميناً، وسواء قادها تقدميون وطنيون أم دينيون مذهبيون، وسواء راكمت إنجازات ديمقراطية وطنية توحيدية للشعب, أم كانت نهجاً طائفياً غير قادر على خلق نضال حقيقي.
ان هذا النهج الذاتي المتضخم لا يمكن أن يتشكل فكراً، لأن الفكر وثمار الوعي المكتوبة والمنجزة، تغدو حفراً في واقع، وارتباطاً بناس، وتكوين علاقات، وبالتالي تغدو مسئولة ومحددة، تزيدها علاقتها بالواقع والبشر مزيداً من التأصل والمسئولية.
كذلك فإن الدراسات التي لم تظهر كان يمكن ان تعرفه بشعب البحرين والمنطقة: أشكال وعيه وتراثه وسبل تطوره، وقوانين تحوله.
إن هذا الجهد الذي لم يُبذل، والعرق الفكري الذي لم يتصبب، واستمرارالرغبة النجومية في الظهور، إن هذه كلها دفعته إلى المنزلق الفكري الخطير السابق ذكره، وهو أن يتحول إلى دكتاتور بحرينى سويدي يحدد سبل التطور عبر جمل مقتضبة وبيانات ينبغى أن تطاع وتنفذ، لا أن يصير دكتوراً يبحث ويغرس مشرطه في الواقع عميقاً، ويكتشف سبل التطور السياسي المعقدة والمركبة، لكن هذه كانت مهمة مستحيلة في وعي لا يريد أن يتعب.
يريد الدكتور عبدالهادي خلف أن يقودنا إلى مهمات كبرى وتحولات ونحن بعد لم نكد نخطو في عملية إعادة الديمقراطية. وإذا لم يتم التوجه إلى هذه المهمات الكبرى الخلافية، فيعني ذلك بأن القوى السياسية الوطنية البحرينية خانت مواقفها وتاريخها.
وهو يصدر أوامره العليا من منتجعه بالسويد لا يعرف كيف تتشكل الجمعيات السياسية، وبأي أحجار صعبة تنمو، وكيف أن الجمعيات مسألة أعضاء واشتراكات بسيطة رمزية لا تدفع، ومقرات مكلفة، وكوادر شبه نادرة في الإعلام والتنظيم والثقافة والطباعة، وهي روابط مع الناس لا تتشكل بسهولة بسبب القيود الكثيرة المفروضة على نموها وتحركاتها.
إضافة إلى هذا النمو العسير للجمعيات الوطنية هناك حشود من الجمعيات المذهبية والعادية والتي لا تعرف ما هي السياسة والوحدة النضالية والعملية السياسية الإصلاحية المتدرجة. وبعضها يشارك الدكتور عبدالهادي خلف في الوعي السحري: كن فيكون، يشاركونه في خلق الديمقراطية المجلوبة على طبق من ذهب، ولا يعنون بها سوى ديمقراطية لهم لا عليهم.
والذي لا يريد عبدالهادي أن يبحثه بعلم الاجتماع المعطل لديه إنه في خلال أربع سنوات من التحولات في البحرين تمت أشياء كثيرة، وبدأ شعب جديد يتشكل، ووعي مختلف ينشأ، ورغم مؤامرات المحافظين ومغامرات المراهقين، والكم الهائل من العصي التي توضع في دولاب الديمقراطية السائر ببطء، فإن تيارات سياسية كثيفة بدأت تتكون وتشكل صلاتها مع الناس، وبدأت النقابات والجمعيات المهنية في الظهور، وجرت الآف الندوات الفكرية والسياسية الخ..
ولا يمكن أن تتطور الديمقراطية إلا من خلال المسارات التي اكتسبتها قانوناً ودستوراً، ولا تصلح إلا بالمزيد من الديمقراطية، ومن خلال المؤسسات لا من خلال المنح، ومن خلال إرادة الناس الموحدة التي تتجلى في وحدتهم وإرادتهم الانتخابية والنضالية المختلفة.
فالتطور والنضال ليسن سحراً بل إرادة جماعية للشعب، الذي يقرر عبر النضال الطويل الأمد، والتصويت، والحوار، والصراع، والنقد، وتشكيل الجمعيات السياسية الموحدة والتكوينات المتطورة، سبل الإصلاح الأكثر عمقاً.
لكن هذا كله يحتاج إلى تراكم خبرة، ونضوج ووعي، لا يتحققان إلا من خلال إرادته الذاتية، وليس من خلال الإرادات الطائفية المتفرقة والمدمرة، بل من خلال إرادة وطنية، تتشكل بالوعي وتتجسد في التصويت، وهذا أمر يحتاج إلى زمن موضوعي، فليس هو بيضة تقلى، أو دكان يُفتح، بل إلى عدة انتخابات بلدية، وعدة انتخابات برلمانية، أي إلى صبر سياسي طويل، وإلى تراكم نضالي شاق، لا يصبر عليه دعاة السلق السياسي ومحبو النجومية والمنتفخون بذواتهم العظيمة!
وما تفعله بيانات عبدالهادي وغيره من عشاق حرق المراحل سوى أن تعطى صورة مشوهة عن النضال الوطني، وتقدم المبررات للمحافظين وكارهي الديمقراطية في البحرين والمنطقة بان البحرينيين مستعجلين جداً وفوضويين ولا يصلحون للعمل الديمقراطي المنظم والصبور.
لم تتحقق الديمقراطية الأوربية خلال أربع سنوات أو عشر أو مائة سنة! بل تشكلت عبر عدة قرون، ولم تحدث من خلال فاكسات بل من خلال دور الناس والمثقفين في الأزقة و عبر الإنتاج الفكري والسياسي الطويل، وعبر تشكل النقابات والأحزاب ونضالها وتغلغلها في عروق الأحياء.
وفي خلال أربع سنوات، هي ومضة في عمر الزمن، تحققت أشياء كثيرة، وانفتحت سبل النضال النقابي والعمالي والاجتماعي المختلفة عبر قنوات شرعية، وفي إطار من المسئولية، ورغم مشكلات الجمهور الحادة فى بعض القطاعات فقد صبر تقديراً منه لأهمية التحولات، مدركاً أهمية الصندوق الانتخابي الذي وُجد وأهمية تطويره عبر الزمن، فعبر الأصوات يمكن تغيير جوانب من الحياة وإحداث التراكم المطلوب، وعبر النقابات المسئولة والجمعيات السياسية المتشكلة تواً، يمكن رسم صورة المستقبل عبر الصراع السياسي المنظم والقانوني.
أما البيانات السحرية والإرادة السامية من قبل بعض المهاجرين السياسيين فهي تعرقل ولا تفيد، تشجع التطرف اليميني ولا تصبر على العظم الرخو للحياة السياسية الوليدة.
لا نريد من هؤلاء سوى العودة إلى أحيائهم الشعبية وممارسة رجيم سياسي بين الناس، للنضال داخل الحارات العتيقة والجديدة، بدلاً من شحم الغربة والاغتراب.
__ATA.cmd.push(function() { __ATA.initDynamicSlot({ id: 'atatags-26942-6004c5ba9d15e', location: 120, formFactor: '001', label: { text: 'الإعلانات', }, creative: { reportAd: { text: 'الإبلاغ عن هذا الإعلان', }, privacySettings: { text: 'الخصوصية', } } }); });

