محمد الصياد: اليسار البحريني يخسر «عفيفه الأخضر»

مني اليسار البحريني اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر/تشرين أول 2014 بخسارة فادحة. فلقد غيّب الموت بصورة مفاجئة وغادرة، الكاتب والأديب عبدالله خليفة. أقول خسارة لأن اليسار البحريني لم يفرز من بين صفوفه مناضلا دؤوبا لا يعرف الكلل ولا الملل، ولا السكينة والهدوء كما عبدالله خليفة. فهو لم يعترف يوما بالسكون وبمستقرات الأشياء ونواميس الحياة الرتيبة. فلم تكن صفات وخصال فقيدنا الراحل على وفاق دائم مع تلك الأشياء “الساكنة” وبديهياتها. فمن طبعه العنيد اكتسب شهرته غير المتوجة، أو المعبر عنها، باعتباره كاتبا وأديبا جسورا في تعبيره عن مصالح البروليتاريا البحرينية.
في دأبه غير المنقطع لابتداع مقاربات نضالية تُغلِّب الطابع الوطني والأممي والانساني للصراع الاجتماعي على مغالبات العصبيات الطائفية والعرقية والمذهبية والقبلية والجهوية، لم يتردد هذا “المشاكس” المصر دوما على مقارعة النمط الفكري والاجتماعي السائد، في توجيه معاول الهدم للبنى التقليدية السائدة وعرض مقارباته الحداثية الجريئة البديلة؛ فكان أن جلب على نفسه، دون مبالاة من أحد، خصومات الأعداء والأصدقاء معا.
في استدارته الفكرية الجسورة للتراث، لم يتردد عبدالله خليفة في نبش هذا التراث وتفكيكه وإعادة تركيبه على منوال أنماط الحداثة التي كانت تؤرقه، وعلى نحو ما أظهرته مطارحاته الفكرية الضاربة جذورها في عمق المذهب الحداثي، والذي حوَّله الى العَلَم الثقافي الأبرز في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية البحرينية، في دفاعه اللحوح عن نمط الحياة المُؤسِّس له.
لقد كانت سيرة الراحل قريبة من سيرة المناضل اليساري التونسي الراحل العفيف الأخضر.. في جسارته، وفي دأبه المستمر على مشاكسة السائد، ونقده، ومصارعته، وتشريحه، وهدمه لإعادة بنائه حداثيا.
وداعا أيها الصديق العزيز، وداعا أيها القلم الجسور، لقد أبكيتنا برحيلك، المدوي بمفاجأته.
«هذه المرثية كُتبت في يوم رحيل الفقيد الغالي والصديق الصدوق، الأديب والكاتب عبدالله خليفة»
د. محمد الصياد
المنامة – مملكة البحرين
الثلاثاء 22 أكتوبر/تشرين أول 2014
[image error]
【الصياد والتجربة اليابانية】
2006-9-13   
قام الباحث البحريني محمد الصياد بتأليف كتاب يتناول تجربة التحديث اليابانية العملاقة في كتابه «العرب واليابان: التجربة التنموية اليابانية في الميزان»، مطبعة الاتحاد، البحرين، سنة 2006.
ويُعد الكتاب من أفضل الدراسات عن التجربة اليابانية لأنه اعتمد منهجاً تحليلياً وتاريخياً واقتصادياً متنوعاً وعميقاً.
وقد قدم للكتاب الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وزير النفط السابق، ومن مقدمته جاء التعليق التالي: «والسؤال هنا ينسحب على الأمثلة التنموية الأخرى في آسيا أو ما يمكن تسميته بمجموعة النمور الآسيوية التي حققت هي الأخرى معدلات نمو متسارعة وراكمت فوائض في رأس المال وتقدمت سريعاً في مجالات العلوم والتقنية، في حين أصبحت التجارب العربية تراوح في مكانها»، ص2.
 فتجربة اليابان السريعة في القفزة إلى مصاف الدول المتقدمة لا تزال تحتاج إلى فك طلاسمها، وأعتقد أن محمد الصياد قد اقترب كثيراً من هذا التحليل الموضوعي لسببياتها.
فقد قدم الصياد لدرس التجربة الاقتصادية اليابانية بأرقام ميزانياتها وطرق استثماراتها بنبذة تاريخية تحليلية، بين فيها كيفية تطور المجتمع الياباني التقليدي إلى الحداثة، فمن المجتمع الإقطاعي المتزمت والمغلق، الذي دام عدة قرون صعبة، إلى ثورة الميجي، الذي استمر أربعة عقود وقد أعلن فيها أمبراطور الإصلاح «نهاية فترة طويلة من العبودية القاتلة، وبدء العمل بإزالة كل الفواصل التي تفرق المسئولين الرسميين والناس العاديين»، «وقامت على أنقاض عصر إيدو الاستبدادي الانعزالي، حركة تنوير ليبرالية نشطة بالتزامن مع الحركة الاقتصادية للبرجوازية اليابانية الوليدة».
ويوضح الصياد بأن العصر الإقطاعي السابق راكم هو نفسه فوائض مالية سمحت بنشوء صناعة كبيرة.
وأعتقد بأن حركة الاستعمار والتوسع اليابانية في بدء القرن العشرين ساهمت هي الأخرى في تضخم هذا التراكم، وما هو معروف عن النزعة الرأسمالية اليابانية ولم يشر إليه الصياد أن تخلف التطور الرأسمالي قد سرع بظهور نزعة عسكرية فاشية، وهو ما يشير إليه الصياد: «فلم يكن والحال هذه، غريباً أن تعود الاوليغارشية على أكتاف النزعة العسكرية وزعامات الجيش ذات التوجهات الحربية التوسعية»،  وهي حالةٌ تشبه وضع ألمانيا، لعدم وجود تطور رأسمالي ليبرالي طويل، ولكن هذه الفاشية تعرضت لضربة قاسية في الحرب العالمية الثانية.
ويعرض الصياد بشكل عابر لمفاتيح التطور النوعي الياباني، فيقول بأن بأن أبرز الصناعات ازدهرت في اليابان في أعقاب أزمة الكساد العظيم في الغرب، فنشأت في اليابان الشركات العائلية، بالتعاون الوثيق بين رأس المال الصناعي ورأس المال المالي، فظهرت الشركات الكبرى مثل ميتسوبيشي  وميتسوي، وقامت أثناءها الصناعات الثقيلة.
ويضيف: «والواقع إن الصناعات الثقيلة اليابانية قد شهدت تطوراً لافتاً لحقت بواسطته الصناعات الخفيفة سنة 1936، لاسيما الصناعة الكمياوية وصناعة الألمنيوم والخيوط الصناعية والسيارات»، ص24.
ولا بد لنا أن نقول بأن هذا التسريع الهائل للاقتصاد الياباني الرأسمالي تم في ظل حكومة عسكرية، لأن هذا المعدل غير مسبوق في دول الشرق في نمو الصناعات الثقيلة، وهو ما كان يجري كذلك في دول عسكرية أخرى مثل روسيا والصين لاحقاً.
لكن هذا النمو الصناعي الهائل استند على قاعدة رأسمالية حرة، بخلاف روسيا، فرغم سيطرة الحكومة على النظام السياسي والاقتصادي لكن كانت الطبقة البرجوازية موجودة، وخلقت صناعاتها المتقدمة، وأعطتها حرية ما بعد الفاشية إمكانيات كبيرة للنمو.
إن خلق صناعة ثقيلة خلال النصف الأول من القرن العشرين ثم تنامي الصناعة الخفيفة
في العقود التالية خلق تجربة نهضوية كبيرة خلال قرن. لكن هذا لا يمكن أن يتشكل دون قرون النهضة الحرفية والتعليمية السابقة.
وهكذا فإن المعجزة اليابانية تشكلت من عوامل فريدة:استقلال الجزر السياسي، والتراكم المالي الذي وفرته حقب الدكتاتورية الملكية، نشوء رأسمالية خاصة وحكومية متضافرة، ثقيلة وخفيفة متعاونة، وهو ما شكل المعجزة الاقتصادية الرأسمالية الحديثة في خلال قرن.
إن الباحث محمد الصياد يعرض وقائعية التجربة اليابانية، أي كيف جرت تطورات الحياة السياسية والاقتصادية في اليابان خلال عدة قرون، مركزاً على كيفية التحول الرأسمالي الكبير.
لقد توجه نحو الوقائع الخاصة، لا نحو القوانين العامة، فإدراك قوانين التجربة الرأسمالية يحتاج ليس فقط إلى عقل اقتصادي، بل سوسيولوجي كذلك، أي إجتماعي يدرك سيرورة القوانين الاجتماعية، وهي قوانين أعم من القوانين الاقتصادية.
كيف؟
فينبغي خلال درس التجربة الاقتصادية رؤية العلاقة بين الصناعة الثقيلة (أ) والصناعة الاستهلاكية (ب)، أي أن الطبقات المالكة، سواء كانت ملكية، أو برجوازية، تعاونت بشكل حثيث على تعاضد هذين النمطين من الإنتاج.
هذه مسألة محورية خطيرة لم يلتفت لها الباحث الاقتصادي الصياد، وهي كذلك قضية محورية خطيرة للعالم الثالث، الذي يقوم بالتجريب الاقتصادي والسياسي دون تفقه في القوانين العامة الاجتماعية.
فعلى الرغم من أن الطبقة الإقطاعية والدكتاتورية فيما قبل الحرب العالمية الثانية كانت بهذه الصفات، إلا أنها لم تعارض سيرورة النهضة اليابانية نحو المحاور الجوهرية للتطور الاقتصادي، وهي تشكيل علاقة تعاضدية بين صناعة أ وصناعة ب، وهو أمر أشار إليه كارل ماركس في مجلدات رأس المال خاصة في المجلد الثاني وهو المتعلق بتجديد الإنتاج الرأسمالي، لكن هذه العلاقة التعاضدية بين صناعة وسائل الإنتاج، وصناعة وسائل الاستهلاك، تحتاج إلى جملة من التغييرات الاجتماعية الضرورية، وأهمها ضخامة القوى العاملة العادية والفنية، وهو أمر وفرته عمليات تدهور الزراعة اليابانية، ونمو المدن الرئيسية بشكل هائل، وهجرة تلك العمالة إليها، ونشوء صلات تعليمية وتقنية بين اليابان والغرب.
لو أن الصياد درس هذا الجانب المحوري المشكل للنهضة لكان قد دخل عمق القضية التنموية اليابانية.
إن مسائل الانضباط العسكري المنقولة للحياة الاجتماعية والاقتصادية، وضخامة التراكم المالي، والعلاقة التعاضدية بين الشكلين الرئيسين للصناعة، قد دعمه احتلال الولايات المتحدة لليابان، فالجنرال ماك آرثر قام بإصلاحات كبيرة في الاقتصاد الياباني، خاصةً في ضرب العلاقات الإقطاعية الأخيرة في المجتمع الياباني، وهو أمر أدى إلى تسريع هائل في الصناعات الاستهلاكية، وتوسع ياباني في جنوب شرق آسيا، مما جعل اليابان بعد عقود قليلة تغدو قائدة الاقتصاد الرأسمالي المتطور في آسيا.
وهكذا فقد حدث انضباط اقتصادي وسياسي من قبل الطبقات العاملة، الداعمة الأساسية للتجربة، فهذا المعدل الكبير للتحول الاقتصادي الرأسمالي المتطور، وفر أجوراً جيدة لهذه العمالة، التي انتقلت من اقتصاد زراعي متخلف ومتدني الأجور، إلى اقتصاد صناعي أفضل، راح يراكم فوائض نقدية جيدة، أخذت تتطور بمعدلات كبيرة مع ضخامة التصدير للخارج، فحدث انسجام تاريخي بين الطبقة المالكة والطبقة العاملة، رغم أن العقود الأولى لنشوء الطبقة العاملة اليابانية كانت تتسم بواقع متدن لهذه الطبقة كما هي عادت التراكم الأولي العنفي للجماعات العاملة.
إن العادات الحضارية لشعوب جنوب وشرق آسيا بعدم التدخل الصارم للأديان في الحياة السياسية والاقتصادية، واتساع هامش تحرر النساء، وتنامي عادات الانضباط وحب العمل، كل هذه العوامل قادت إلى تصاعد التجربة اليابانية ثم تجربة النمور، لكن مع تلك الظروف الموضوعية المتعلقة بأنواع الصناعة وتداخلها وتعاونها الدقيق.
وعلى الرغم من وجود صراع اجتماعي كبير في الحياة اليابانية بين الرأسماليين والعمال، إلا أن الحريات الاقتصادية والسياسية قادت إلى تعاون مثمر بين الطبقتين الأساسيتين بحيث حدث نمو مشترك لكلا الفريقين.
في الواقع هذه ملاحظة أساسية على كتاب الباحث الاقتصادي محمد الصياد، أي أنها موجهة لجانب واحد هو جانب هيكل التجربة، لكن الكتاب يحوي جوانب عديدة وكثيرة، لكنني فضلت التعليق على هذا الجانب المحوري الذي هو أساس التجربة.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 30, 2020 09:00
No comments have been added yet.