قم وأقتل
مقطع من المشروع الجديد. رواية جديدة في مرحلة المخاض المبكرة.
===
بعد شهرين من اللقاء الأول، وقد تكررت اللقاءات على الأريكة ذاتها وعلى العشب الأخضر في حدائق المدينة تحت ظلال الغروب، تأكدت سارة من نجاح مهمتها. إنها حامل. اغتبطت وانطلقت تجري إلى مصطفى. تعلقت بعنقه وسط السوق، وسط دهشة الناس الذين خدشت حيائهم، وقالت بفرحة طفولية أنها حامل. صرخت بعبارتها بصوت سمعه كل من كان قريبا منهما. تجمد مصطفى في مكانه، لكنه تمالك نفسه بسرعة، ستعترف سارة مستقبلا أن المحترفين في مجالها أنفسهم لا يملكون تلك البراعة، وأبعد يديها عن عنقه. رسم الدهشة على وجهه، وشيئا من البلادة، وادعى أمام جمهور المتفرجين أنه لا يعرفها. لا يعرف من تكون ولا شأن له أن تكون حاملا. ألجمت المفاجأة سارة، ولأنها لم تتوقع شيئا من ذلك لم تعرف ماذا تفعل إلا أن تنعطف على عقبيها وتسير دون وعي إلى حيث تقودها قدماها، وقد أوصلتاها إلى وكالة أمها، وأمامها كان إبراهيم قد انتهى من تلميع زجاج سيارة أبيها. توقفت. تسمرت. ثم توتر جسدها وانتفضت. بدا كأنها تستقبل مسا شيطانيا. زأرت واندفعت تجري وصارت تلكم صدره ووجه وتصرخ بكلام غير مفهوم. لم يفهم إبراهيم أي عاصفة هبت عليه، ولم يملك سوى أن يحمي وجهه إلى أن خرج أندريه من مكتبه، ويبدو أنه فهم الأمر لا كما يجب أن يفهم، فقد جر إليه ابنته وهوى بصفعة على وجه إبراهيم ألقته أرضا ونظر إليه متوعدا أن يقتله إن رآه مرة أخرى. سيذهب إبراهيم ولن يظهر مجددا إلا يوم السفر حين يتسلم وثيقة هويته الجديدة من يد أندريه نفسه، ومعها ابتسامة باهتة لم يحاول أندريه إخفاء تصنعها. كان أندريه، يومذاك، قد بيت أمرا، ولم يكن إبراهيم هو الضحية الوحيدة.
احتضن أندريه ابنته ودخلا إلى مكتبه. حاول أن يفهم من كلامها المتقطع بين نشيجها ولم يستوعب سوى كلمة واحدة. حامل. وقف وزأر. "سأذبح ذلك اللعين إبراهيم." توقفت سارة عن النشيج ذاهلة تحاول أن تستوعب كلام أبيها. احتاجت بضع ثواني قبل أن تفهم. ارتمت على الأريكة وعادت إلى نشيجها، بعد أن نطقت جملة واحدة من كلمتين، "ليس هو." سيسأل أبوها كثيرا، "من إذن؟" وستسأل أمها، وستُحبس في غرفتها وسينتظر والديها كثيرا أن يعرفا من أبو جنينها، ولن يعرفا. خلال أيام حبسها قررت سارة أمرا، وحين جاء حاخام تطوان لزيارتها، بطلب من أمها لعله يعرف منها من اعتدى عليها، أفصحت له عن طلبها، وكان مسرورا للغاية أن يستجيب لها ويصيد عصفوران بحجر واحد. رفع ردائه وجلست هي على ركبتيها، وبعد يومين عاد الحاخام من جديد ورفع ردائه، وقبل أن يغادر سلمها المسدس كامل التعبئة الذي طلبت.
في اليوم نفسه تسللت من البيت، وكمنت في زقاق يمر منه مصطفى مساء بعد عودته من السوق.
"مصطفى." نادت بخفوت المحبين ما إن انعطف مصطفى إلى الزقاق حيث تنتظر.
الدهشة أولا، رأت على وجهه، ثم الغضب. أطبق على معصمها وضغط ودفعها إلى الجدار.
"اللعنة. عليك اللعنة. ماذا تفعلين هنا؟" جرها إليه وعاد يدفعها إلى الجدار. "لا أريد أن أراك مجددا."
"أعرف،" قالت. "جئت أودعك،" توقفت برهة وأكملت والدمع بدأ يلمع في حدقتيها، "لن تراني بعد اليوم حبيبي."
الدهشة أولا، رأت على وجهه، ثم شيئا من الراحة. خفف الضغط على معصمها وابتعد نصف خطوة إلى الخلف. نظر إلى بطنها ورأت سارة السؤال في عينيه.
"لا تقلق. سأذهب إلى إسرائيل وسأحتفظ بالجنين. لم أخبر أحدا بأمرك ولن أخبر."
"حسنا،" قال وعاد الجمود إلى وجهه. "هو الوداع إذن."
تبادلا نظرات صامتة ثم دفن رأسه في صدره وتابع طريقه.
"الوداع حبيبي،" قالت سارة بخفوت لم يسمعه مصطفى، ثم نادته بكل إصرار العزم لديها، "مصطفى."
استدار إليها متبرما وحين استدار رأى وحين رأى كان آخر ما رآه المسدس في يدها وومضة الضوء القصيرة. انطلقت الرصاصة. اخترقت الرصاصة جبهته. مرت الرصاصة عبر دماغه. خرجت الرصاصة من مؤخرة رأسه. رأت سارة كل ذلك يتم أمامها ببطء كأن الزمن يتعمد أن يغشها ليترسخ المشهد بتفاصيله الدقيقة في ذاكرتها إلى الأبد.
دوى صوت الرصاصة في الزقاق الصامت وارتعبت سارة من الصدى المتردد أكثر مما ارتعبت من الثقب الأحمر المتوهج في جبهة مصطفى. تجمدت هي كما تخشب مصطفى في وقوفه وكما تجمدت الدهشة على وجهه. ثوان بدت لها دهرا، اعتقدت خلالها أن الرصاصة لم تقم بمهمتها المنذرة لها، وانتفضت حين هوت الجثة الفارغة من الحياة.
ما كادت الجثة تسقط أرضا حتى توقفت سيارة عند مدخل الزقاق وجاء الهتاف من داخلها، "هيا سارة، بسرعة." لا تعرف سارة صاحب الصوت ولا السيارة، وبقيت في وقفتها جامدة، حتى خرج من المقعد المجاور للسائق شاب تقدم نحوها وجرها، وهي مسلوبة الإرادة كأن فعل سحب زناد المسدس أتى على كل طاقة الفعل لديها، ودفعها عبر الباب بعد أن سحب المسدس من يدها المتخشبة. "هيا قبل أن يتعرف عليك أحد من السكان."
لم تبت سارة ليلتها تلك في بيتها، ولم تعرف أين هي. حُملت من السيارة بعد رحلة تجاوزت الساعة ثم أدخلت بيتا يبدو كأنه فيلا. ستقودها امرأة إلى غرفة نوم وستوصلها إلى الفراش وتنزع حذائها. ستنام سارة نوما طويلا ستقول عنه لاحقا أنه موت لم تشعر خلاله بشيء. كانت قد استنزفت كل طاقتها واحتاجت إلى عشرين ساعة من النوم المتواصل قبل أن تسترد بعض عافيتها وتفتح عينيها. ستعرف أنها في فيلا في طنجة وبأنها لن تعود أبدا إلى تطوان، إلا مرة واحدة سريعة لتودع رصاصة في جبهة الحاخام الذي ما يزال مذاق لحمه النجس في فمها، وستأخذ منه بعد ذلك قطعة اللحم تلك لتكون تذكارا هو الأول لها ولن يكون الأخير في خزانتها السرية في تل أبيب.
===
بعد شهرين من اللقاء الأول، وقد تكررت اللقاءات على الأريكة ذاتها وعلى العشب الأخضر في حدائق المدينة تحت ظلال الغروب، تأكدت سارة من نجاح مهمتها. إنها حامل. اغتبطت وانطلقت تجري إلى مصطفى. تعلقت بعنقه وسط السوق، وسط دهشة الناس الذين خدشت حيائهم، وقالت بفرحة طفولية أنها حامل. صرخت بعبارتها بصوت سمعه كل من كان قريبا منهما. تجمد مصطفى في مكانه، لكنه تمالك نفسه بسرعة، ستعترف سارة مستقبلا أن المحترفين في مجالها أنفسهم لا يملكون تلك البراعة، وأبعد يديها عن عنقه. رسم الدهشة على وجهه، وشيئا من البلادة، وادعى أمام جمهور المتفرجين أنه لا يعرفها. لا يعرف من تكون ولا شأن له أن تكون حاملا. ألجمت المفاجأة سارة، ولأنها لم تتوقع شيئا من ذلك لم تعرف ماذا تفعل إلا أن تنعطف على عقبيها وتسير دون وعي إلى حيث تقودها قدماها، وقد أوصلتاها إلى وكالة أمها، وأمامها كان إبراهيم قد انتهى من تلميع زجاج سيارة أبيها. توقفت. تسمرت. ثم توتر جسدها وانتفضت. بدا كأنها تستقبل مسا شيطانيا. زأرت واندفعت تجري وصارت تلكم صدره ووجه وتصرخ بكلام غير مفهوم. لم يفهم إبراهيم أي عاصفة هبت عليه، ولم يملك سوى أن يحمي وجهه إلى أن خرج أندريه من مكتبه، ويبدو أنه فهم الأمر لا كما يجب أن يفهم، فقد جر إليه ابنته وهوى بصفعة على وجه إبراهيم ألقته أرضا ونظر إليه متوعدا أن يقتله إن رآه مرة أخرى. سيذهب إبراهيم ولن يظهر مجددا إلا يوم السفر حين يتسلم وثيقة هويته الجديدة من يد أندريه نفسه، ومعها ابتسامة باهتة لم يحاول أندريه إخفاء تصنعها. كان أندريه، يومذاك، قد بيت أمرا، ولم يكن إبراهيم هو الضحية الوحيدة.
احتضن أندريه ابنته ودخلا إلى مكتبه. حاول أن يفهم من كلامها المتقطع بين نشيجها ولم يستوعب سوى كلمة واحدة. حامل. وقف وزأر. "سأذبح ذلك اللعين إبراهيم." توقفت سارة عن النشيج ذاهلة تحاول أن تستوعب كلام أبيها. احتاجت بضع ثواني قبل أن تفهم. ارتمت على الأريكة وعادت إلى نشيجها، بعد أن نطقت جملة واحدة من كلمتين، "ليس هو." سيسأل أبوها كثيرا، "من إذن؟" وستسأل أمها، وستُحبس في غرفتها وسينتظر والديها كثيرا أن يعرفا من أبو جنينها، ولن يعرفا. خلال أيام حبسها قررت سارة أمرا، وحين جاء حاخام تطوان لزيارتها، بطلب من أمها لعله يعرف منها من اعتدى عليها، أفصحت له عن طلبها، وكان مسرورا للغاية أن يستجيب لها ويصيد عصفوران بحجر واحد. رفع ردائه وجلست هي على ركبتيها، وبعد يومين عاد الحاخام من جديد ورفع ردائه، وقبل أن يغادر سلمها المسدس كامل التعبئة الذي طلبت.
في اليوم نفسه تسللت من البيت، وكمنت في زقاق يمر منه مصطفى مساء بعد عودته من السوق.
"مصطفى." نادت بخفوت المحبين ما إن انعطف مصطفى إلى الزقاق حيث تنتظر.
الدهشة أولا، رأت على وجهه، ثم الغضب. أطبق على معصمها وضغط ودفعها إلى الجدار.
"اللعنة. عليك اللعنة. ماذا تفعلين هنا؟" جرها إليه وعاد يدفعها إلى الجدار. "لا أريد أن أراك مجددا."
"أعرف،" قالت. "جئت أودعك،" توقفت برهة وأكملت والدمع بدأ يلمع في حدقتيها، "لن تراني بعد اليوم حبيبي."
الدهشة أولا، رأت على وجهه، ثم شيئا من الراحة. خفف الضغط على معصمها وابتعد نصف خطوة إلى الخلف. نظر إلى بطنها ورأت سارة السؤال في عينيه.
"لا تقلق. سأذهب إلى إسرائيل وسأحتفظ بالجنين. لم أخبر أحدا بأمرك ولن أخبر."
"حسنا،" قال وعاد الجمود إلى وجهه. "هو الوداع إذن."
تبادلا نظرات صامتة ثم دفن رأسه في صدره وتابع طريقه.
"الوداع حبيبي،" قالت سارة بخفوت لم يسمعه مصطفى، ثم نادته بكل إصرار العزم لديها، "مصطفى."
استدار إليها متبرما وحين استدار رأى وحين رأى كان آخر ما رآه المسدس في يدها وومضة الضوء القصيرة. انطلقت الرصاصة. اخترقت الرصاصة جبهته. مرت الرصاصة عبر دماغه. خرجت الرصاصة من مؤخرة رأسه. رأت سارة كل ذلك يتم أمامها ببطء كأن الزمن يتعمد أن يغشها ليترسخ المشهد بتفاصيله الدقيقة في ذاكرتها إلى الأبد.
دوى صوت الرصاصة في الزقاق الصامت وارتعبت سارة من الصدى المتردد أكثر مما ارتعبت من الثقب الأحمر المتوهج في جبهة مصطفى. تجمدت هي كما تخشب مصطفى في وقوفه وكما تجمدت الدهشة على وجهه. ثوان بدت لها دهرا، اعتقدت خلالها أن الرصاصة لم تقم بمهمتها المنذرة لها، وانتفضت حين هوت الجثة الفارغة من الحياة.
ما كادت الجثة تسقط أرضا حتى توقفت سيارة عند مدخل الزقاق وجاء الهتاف من داخلها، "هيا سارة، بسرعة." لا تعرف سارة صاحب الصوت ولا السيارة، وبقيت في وقفتها جامدة، حتى خرج من المقعد المجاور للسائق شاب تقدم نحوها وجرها، وهي مسلوبة الإرادة كأن فعل سحب زناد المسدس أتى على كل طاقة الفعل لديها، ودفعها عبر الباب بعد أن سحب المسدس من يدها المتخشبة. "هيا قبل أن يتعرف عليك أحد من السكان."
لم تبت سارة ليلتها تلك في بيتها، ولم تعرف أين هي. حُملت من السيارة بعد رحلة تجاوزت الساعة ثم أدخلت بيتا يبدو كأنه فيلا. ستقودها امرأة إلى غرفة نوم وستوصلها إلى الفراش وتنزع حذائها. ستنام سارة نوما طويلا ستقول عنه لاحقا أنه موت لم تشعر خلاله بشيء. كانت قد استنزفت كل طاقتها واحتاجت إلى عشرين ساعة من النوم المتواصل قبل أن تسترد بعض عافيتها وتفتح عينيها. ستعرف أنها في فيلا في طنجة وبأنها لن تعود أبدا إلى تطوان، إلا مرة واحدة سريعة لتودع رصاصة في جبهة الحاخام الذي ما يزال مذاق لحمه النجس في فمها، وستأخذ منه بعد ذلك قطعة اللحم تلك لتكون تذكارا هو الأول لها ولن يكون الأخير في خزانتها السرية في تل أبيب.
Published on December 27, 2019 08:41
No comments have been added yet.


