مقابلة مع بيتر هاندكه

مقابلة بواسطة جون شلوتر.


بيتر هاندكه، الذي ربما يكون معروفًا في الولايات المتحدة لمسرحيته “كاسبر”  وقد كتب تسع مسرحيات وتسع روايات، وكذلك كتب الشعر، والقصص القصيرة، والمسرحيات الإذاعية، والمقالات، والسيناريوهات ،..


هاندكه عميق التفكير، يتحدث بنبرة هادئة، ليس بشعا بالنسبة لرجل في ال37، الذي يبدو على عكس صورة المتكبر جدا، شاب غاضب طائش؛ هذا الذي قيل بعد ملاحظاته المعادية في عام 1976 بمجموعة 47(*) في برينستون.


ربما من الأفضل وصفه ب”كلاسيكي ما بعد الحداثة” ، يستخدم هاندكه فيضا من تيار الوعي، النمط الذي يعكس تعددا في التقارب الفلسفي والأدبي لقراءاته بما في ذلك كافكا، فتجنشتاين، جيوجري لوكاكس، رومان جاكوبسون، سارتر، روب آلان جروبيه، رولان بارث، هولدرين.


يوحي جديد السرد لديه بروح الذات أقرب لروح جوتية- نسبة لغوته- من ال”أنا” البشرية أكثر من النرجسية وحديث “أنا” الذاتي. هاندكه في بحث دائم لأجل مزيد من الخبرة، لأجل تفسيرات جديدة للمعنى وطرق جديدة لإحياء اللغة.


عقدت المقابلة التالية في برلين في 23 يوليو 1979، في الشقة التي كان يقيم فيها لبضع أسابيع قبل الانتقال من كلامار، إحدى ضواحي باريس، إلى سالزبورغ، في مسقط رأسه النمسا. إنها واحدة من ثلاثة مقابلات ظهرت حتى الآن باللغة الإنجليزية، أولها ترجمة لمقابلة آرتور جوزيف، بخصوص مسرحيات هاندكه، التي نشرت فيThe Drama Review


(خريف 1970)


والثانية عبارة عن لقاء مع هيربت لوتمان الذي ظهر في الناشرين الأسبوعية، (12 سبتمبر 1977).


المقابلة الحالية هي الأولى من قبل باحث أمريكي والأول في اللغة الإنجليزية لتشمل الأسئلة على الخيال عند بيتر هاندكه. على الرغم من أن اللغة الإنجليزية عنده جيدة، إلا أنه فضل أن تكون المقابلة باللغة الألمانية، وما يبدو إليك ترجمة معدلة قليلاً. على الرغم ربما غير كافية  لالتقاط اللغة الدقيقة لردود هاندكه، النص الذي يلي ذلك يلقي ضوءا كبيرا على عقد العزم والإنجازات لواحد من أهم الأصوات في الأدب المعاصر.


برلين ، 23 يوليو 1979..


ترجم بواسطة ديتريش بيشر


المحاورة: جون شلوتر..


العنوان الفرعي لروايتك الأخيرة “ثقل العالم” ، والتي كان من المقرر مبدئيا أن تظهر باللغة الإنجليزية تحت عنوان “الخيالات، والتحاملات”.. تشير أنك قد كتبت هذا الكتاب كل يوم لمدة سنة واحدة وخمس أشهر، من نوفمبر 1975 إلى مارس1977. أليس كذلك؟


ب. هاندكه : نعم. ربما هناك يومين أو ثلاثة أيام قمت بدمج العمل ولكن بالنسبة للعمل الأكبر جميع هذه التواريخ دقيقة. إنها بطبيعة العمل من الكتابة اليومية إنه لا يمكن ترك شيء بدون عمل بأي يوم في السنة.


شلوتر: كانت الأحداث اليومية في حياتك خلال تلك الأشهر المنصرمة بمثابة حافزا محددا لإدخالها إلى فرض العمل الخاص بك؟


ب. هاندكه: نعم، هذه فقط.


شلوتر: بالنظر إلى طبيعة الكتاب ، قلت سابقا إنه احتمالية غير أدبية مجهولة عامة بالنسبة إليك.  هل تعتقد أن الخلط بتوصيف الكتاب من خلال وصفه تدوينة، يجعله أقرب لحقيقة عما يبدو لهواجس أو تخيلات؟


ب:هاندكه : لا أرى أي تناقض بين “تدوينة” و “تخيلات”. ليست “التدوينة” سوى وصف للملاحظات التي يتم صنعها يوما بعد يوم. “التدوينة” أيضًا مصطلح استخدمته لأنني لم أجد أي مصطلح أفضل. أعتقد أكثر أنها رواية. بالنسبة لي هو نوع من الروايات أو ملحمة الأحداث اليومية. ولكن هذا لا يمكن إلا أن يقال بعد النهاية، بعد أن يرى المرء النتيجة.


شلوتر: في  دراسة ” (رومانسية الأدب) (1966)، تكتب عن تعريف جديد للأدب، أدب بدون خيال، بدون تلاعب بالألفاظ، بدون إيقاع، بدون أسلوب. وأنت تقول إن كلمة “الواقعية” ستكون قابلة للتطبيق فقط بهذا الأدب. هل تعتبر “ثقل العالم” من هذا النوع الواقعي؟


ب. هاندكه: لا


شلوتر: هل تعتبر أي من كتاباتك “واقعية”؟


ب. هاندكه: أحاول تجنب الفروقات مثل “الواقعية” أو “الرومانسية” لأنه خلال عملية الكتابة، لم تعد هذه الفروق تحدث. عندما استخدمت مصطلح “الواقعي” في هذا المقال يجب أن يكون قد صنع بمعنى ، وأعتقد أن كل شيء في هذه الدراسة واضح. لكن لا يمكن الكتابة وفقًا لمجموعة من القواعد. لم تكن هذه الدراسة مجموعة من الفروض؛ كانت محاولة لتوضيح الأمور في ذلك الوقت. حقا لا أعرف ما هي “الواقعية”!


شلوتر: أنت وصفت مسرحيتك “العبور عبر بحيرة كونستانس” بمرة إنها “واقعية”؟


ب. هاندكه:  أين قلت هذا؟


شلوتر: إنه كان من سنين لإحدي صحف ميونخ المسائية..


ب. هاندكه: بالتأكيد تعتاد على مثل هذه الكلمات، لكن  يجب على المرء أن يعلم من الجمل، الاهتزازات، الموقف. هناك أوقات و الأماكن يمكن استخدام أي كلمة فيها، ولكن ذلك لا ينطبق عموما. أستطيع أن أتخيل أنه يمكن للمرء أن يقول “واقعية”  في ذلك اليوم، في ذلك الموضوع  وتكون هذه الكلمة هي المناسبة تماما. ليس لدي أي فكرة عما يفهمه المرء، لسماع مصطلح “واقعي” لكنه يوقف فورًا عندي كل دافع إبداعي. لكنني حقاً لا أحب أن أسأل عما إذا كان هذا ما أكتبه الآن. هي الكلمة التي تدعى “واقعية”، إذا جاز التعبير إلى النظرية. عند بداية الكتابة، لا توجد نظريات، هناك ممارسة فقط. وفي العمل، يتم إنشاء نظرية جديدة عند كل جملة. لكن في نفس اللحظة التي تأتي إلى حيز الوجود، هذه النظرية على الفور تصبح غير صالحة.


شلوتر: هل تشعر بنفس الأمر عن دراسة “أنا برج عاجي”، التي تشرح فيهل هجومك على عجز اللغة الوصفية المستخدمة من قبل زملائك بمجموعة 47 اجتماع في برينستون؟


ب. هاندكه:  أنا سعيد إني كتبت هذا المقال. بطبيعة الحال، هناك النظرية تعبيرات نظرية أو تفسيرات للأهداف والخيالات. هم.. كما اكتشفت ، دائما بهذا القدر من الخطورة جدًا بالنسبة للذين يقرؤن لهم، لإنهم يخلقون ضغطا لإخضاع الرواة أو القصائد لمثل هذه التفسيرات. لكني أيضًا يجب لومي، عندما كتبت مثل هذه الدراسة.


شلوتر:  هل لو كنت تكتب هذه الدراسات اليوم، كانت ستصبح مختلفة؟


ب.هاندكه: طبعا، بالتأكيد.. لكنك لن أعد لكتابة المزيد من الدراسات..


شلوتر:  قلت ب”أنا برج عاجي”.. بأن القصة ليست ضرورية عند كتابة الخيال، وأن المزيد والمزيد من وسائل الخيال تتساقط. بينما في مسرحية “ثقل العالم” وروايتك الأولى “الدبابير”، وأيضا برواياتك التالية “رسالة قصيرة للوداع الطويل” و”المرأة العسراء” كلهم لديهم من الحكي الاعتيادي؟ هل تتفق مع هذه الملاحظة؟


ب. هاندكه: هؤلاء الرواة وتلك الروايات ليس لهم قصة. هم فقط أحداث يومية فقط يتم وضعهم في ترتيب جديد. الفرق ما بين “القصة” أو “الخيال” هو في الحقيقة في نقطة التقاطع بين الأحداث اليومية الفردية. هذا هو ما أعطى الانطباع عن الخيال. ولهذا السبب أعتقد أنها ليست روايات تقليدية  ولكن يتم إحضار أكثر الأحداث اليومية غير مرتبة فقط في نظام جديد، حيث تبدو فجأة مثل الخيال. لست تريد أن تفعل أي شيء آخر. لا أعتقد أنني يمكن أن أضع خيالا متنافرا أو أمثل لوحة تشبه اللوحات الجدارية للمجتمع،وهذا قد يمثل شيئًا رائعًا لدى كثير من الناس الذين يأتون معا، في ملحمة رائعة. اعتقدت مرة واحدة أنه يمكنني أن أفعل ذلك، لكنني أعتقد الآن أن هذا لم يعد هذا يصلح، هذا صحيح لم يعد وقته. بجهد أكبر يمكنني تطوير نفسي، والاستمرار في تطوير نفسي. هذه هي قدرتي الملحمية الوحيدة. لكن لا أستطيع أن أفعل ذلك بشخصيات مختلفة، هذه حيل الروائي. أنا لا أستطيع فعل هذا. ما يمكنني القيام به هو كتابة قصيدة ملحمية، سرد، التي لديها دائما شيئا متعلقا حول هذا الموضوع ، لأن كل شيء أنا أكتب هو التحقق أولا من خلال نفسي. أجد أنه من السخف أن أكتب رواية اجتماعية – بالنسبة لي. قد يكون هذا ممكنًا لشخص آخر، لكن كل شيء، كل شجرة أصفها، يجب دوما أن أكون أنا أيضًا. لا أستطيع أن أتخيل الكتابة بأي طريقة أخرى غير تلك التي من خلالها أستطيع تحقيق توسع في النفس. وقال جوته أيضا أنه في ألمانيا، أو ربما في كل مكان، هناك مناقشة غبية حول الجديد، الحساسية الجديدة. يوجد جملة قالها جوته:


إذا اعتمد المرء فقط على “الأنا” الخاصة به، فهذا صحيح بالفعل. وبعد ذلك سيكون أي إجراء أو عدم اتخاذ إجراء صحيحًا. لم يعني أن “الأنا” الخاصة جيدة، ولكن “الأنا” للبشرية شيء جيد. هذا هو الحال دائما؛ سيظل كذلك دائما في الأدب. لكن هذا لا ينبغي أن يكون الموضوع ، ولكن طالما أن الكاتب يعتمد من تلقاء نفسه على الأنا الجيدة فقط لن يكون قادرًا أيضًا على وصف الأشخاص الآخرين جيدًا وتحقيق العدالة لهم، حتى عندما يتم تقديمها على أنهم أشياء مجتزأة في رواياته أو قصائده.


شلوتر: قد علق الناقد الأمريكي ليونيل تريلينغ، بالإضافة إلى آخرين أنه يشعر أن الرواية كنوع قد استنفدت نفسها، أن الوقت قد انتهى لها. هل تعتقد أن هذا هو الحال؟


ب. هاندكه: كثيرا ما سمعت هذا. أعتقد كل جيل وكل الوقت لديه من الرواة القادرين على تجاوز مجرد التقرير، وما وراء الوصف ، ما وراء التقرير، لقراءة خلق الإنسان وليس تكرار عرض الأحداث اليومية فقط التي يجدها المر في الصحف أو على شاشات التلفزيون. أعتقد أنه ربما


الرواية – وأنا حقاً لا أعرف ما هي “الرواية” حقا.. ولكن هذا مؤكد الموقف السردي – يمكن أن ينصف المجتمع. أنا لا أقول لفظ “رواية” لكن الموقف من سرد التجارب المشتركة للماضي “كان هناك، أو ذهبت، أو ذهب، أو ذهبت المرأة” أتخيل أن هذه هي اللغة الأبدية وهذه أيضا لغة حرة. هذا لا يعني “الرواية” ، ولكن لغة روائية، ولقد أخبرتك بالفعل أن كل رواياتي، أو أيا كان يسميه المرء -الروايات- تعتبر قصائد ملحمية أكثر. وأعتقد ذلك هذا هو الشكل الذي يناسب عصرنا. لم نعد بحاجة لتطور شخصية أو حبكة ولكن “أنا” خاصتي تكتب قصيدة سردية حول الوقت الذي يعيش فيه، عن الذات، وعن الآخرين. لكن أعتقد أن كان مفهوما، حيث كانت الرواية  ليس لها أهل، وأكثر شيء للترفيه عن الناس، وسوف تبقى دائما كذلك، وسوف تكون موجودة دائما. لكنني لم أعد أفكر أن الرواية يمكن أن تستمر في الاحتفاظ مكانها كتعبير عن المجتمع وعن الزمن.


شلوتر: لقد قلت عدة مرات أن الشيء الوحيد الذي يهمك أنت ككاتب هي اللغة. هل هذا لا يزال صحيحا؟


ب. هاندكه: نعم. أعني أن اللغة هي دليل قائم على الحياة. ليس فقط بالنسبة لي ككاتب، ولكن أيضًا لمن يمتلك اللغة. معظم اللغة التي تعد لغة لم تعد كذلك.


لا لم يعد أي لغة تقريبًا. ما هي إلا عندما أحيا ولدي شعور بأن يوجد مستقبلًا، هنا تظهر تلك اللغة، ليس فقط بالنسبة لي ككاتب. اللغة هي الشيء الأكثر قيمة هناك. ليس لدى معظم الناس لغة على الإطلاق. هناك يتنفس أحدهم الصعداء من بين الجماهير عندما يكون هناك شخص لديه لغة.


ما هي هذه اللغة؟ أعتقد أن هذه اللغة هي شعرية فقط.. هذا هو ما تعنيه اللغة. جميع اللغات الأخرى هي مجموعة من القواعد، الروتين. في أفضل حالاتها اللغة مثلها مثل  روتين المعيشة. لكن عادة ما يقتل ويغلق. هذاهو شيء عدواني، شيء شرير. حتى عندما أتحدث مع المحللون النفسيون، أو اللاهوتيون، أو مع الجميع تقريبًا ، على ما أعتقد أن ما لديهم لغة خالصة من الشر. فقط شخص الذي لديه تصميم رجل  لديه لغة ودية، مفتوحة، لغة دقيقة.


هناك بالطبع بعض اللاهوتيين والفلاسفة الذين يعرفون هذا، الذين يعرفون أن لغتهم محشورة في المؤتمرات. الشيء الوحيد الذي هو يصلخ بالنسبة لي ، حيث أشعر بالقوى عندما تنجح في إيجاد شكل للغة. أعتقد أن اللغة بالنسبة لي هي الشكل، والشكل هو الثبات، لأنه خلاف ذلك لا يوجد دائم في الوجود الإنساني.


شلوتر: ما مدى أهمية كتابة رولان بارث بالنسبة لك؟


ب. هاندكه: كان من المهم بالنسبة لي منذ خمسة عشر عاما، للبناء السردي. لقد ساعدني ذلك على رؤية الأشكال المختلفة. هذا أمر ممتع ، لأنه هناك بلا شك في كل ظاهرة، كل “أنا” بنفسها، وكل شيء مشوش. لقد ساعدني ذلك الوقت في الترتيب، ليس ترتيب هرمي ولكن ترتيب روائي. لكن كل هذا منذ وقت طويل مضى، وعلى الرغم من ذلك أنا ممتن. يجب للكتابة الشعرية الاستمرار أبعد من ذلك بكثير.


شلوتر: هل تعتبر نفسك في المقام الأول كاتبا نمساويا؟


ب. هاندكه: أنا أعتبر نفسي كاتب باللغة الألمانية وأنا نمساوي. هذا هو الجواب. ويمكن لشخص آخر بكل الوسائلأن يدعوني كاتبا نمساويا. هذا صحيح أيضا. لكن يمكنني فقط أن أقول أنا كاتب باللغة الألمانية ونمساويا معا!


شلوتر:  هل يمكنك مقارنة نفسك بأي كتاب من النمسا؟


ب. هاندكه: أظن أن أي كاتب يعمل بشكل مستمر مع اللغة، والجمل، من الممكن مقارنته مع أي شخص يحاول كذلك. أتمنى أن يتم مقارنتي مع شخص يهتم بجدية بأمر اللغة والجمل.


شلوتر: ب”أنا برج عاجي” أنت قلت ذلك. كلايست، فلوبير، دوستويفسكي، كافكا، فوكنر ، وروب آلان جروبيه قد غيروا وعيك بالعالم. منذ عام 1967، وأنت تدلي بهذا البيان، هل تضيف أي أسماء جديدة إلى هذه القائمة؟


ب. هاندكه: هناك الكثير والكثير من الكتاب العظماء. ربما يجب عليَّ أن أمضي قليلا مرة أخرى إلى التاريخ وأحاول إعادة قراءته من البداية فصاعدا. منذ سنوات في المدرسة كنت مفتونا هوميروس، من بيندار، من هيراكليتس، وأنا أعيد قراءة كل شيء الذي قرأت، وربما كثيرون آخرون، في سن مبكر جدًا، هذه المرة سأكون أكثر بطء.. غوته. لكن هناك واحد لا أفهمه تمامًا الآن ومن الذي يكتب لي شيئا مقدسا لأجل هدف ومعنى، وهذا هو هولدرين. لم أفهمه بأي وقت سابقا ولكن الآن أستطيع أن أقرأ أعماله بشكل أفضل الآن،  بشكل أخلاقي، رفيع المتطلبات، حيث لا يضطر المرء إلى الاعتقاد بأن الجمل تقف مثل سلاسل الجبال، يمكن ببساطة أن أعتقد ، أو على الأقل أراها رؤية مثالية. في هذه اللحظة أعيد قراءة العديد من الفرضيات العلمية ، لأن هذا يعطي واحدة من هذا القبيل نوع غريب من التركيز والهدوء. وقبل كل شيء الدافع الإبداعي، هو الدافع الإبداعي الموضوعي بالكامل. كاتب مهدد دائمًا بدافع الإبداع أن يذهب إلى أي مكان يراه. بينما أقرأ الوصف الجيولوجي، على سبيل المثال، لا يزال الدافع الإبداعي موجودًا، وعلى الرغم من ذلك ، موجود بقوة. لا يصبح هذا الدافع الخلاق صورًا، ولكنه يذهب، إذا جاز التعبير، عبر قواعد اللغة، وإعطاء حياة جديدة لقواعد اللغة.


شلوتر: أنت وفيم فيندرزأنتجتما أفلامًا معًا وأنت شخصًيا قدم فيلما من رواياتك “المرأة العسراء”  أعلم أن الأفلام كانت دوما تثير اهتمامك. هل هناك أي إمكانية  في المستقبل لأن تفضل صناعة الأفلام على الكتابة؟


ب. هاندكه: أعتقد أنني سوف أصنع فيلما، أو ربما اثنين، إذا استطعت. لكن الأكبر صعوبة هي أنه لا يمكن أن يكون هناك أي ترسيم للحدود بداخل الفيلم، لأن الشخص يفقد هويته بسهولة شديدة، الهوية لكاتب.. إنه من الصعب جدا لي أن أقول “أنا كاتب.” فقط في بعض الأحيان، في لحظات حيث أعرف ذلك. حيث يمكنني أن أقول ما أقول، من خلال الكتابة ، هل أنا كاتب.


لكن هذه الهوية ليست هوية يومية، كما هو الحال مع الطبيب أو أستاذ الألمانية، أو أيا كان. عندما صنعت هذا الفيلم، لم أضع بحسباني الاقتراب من فقدان هويتي، والتي هي هشة على أي حال. وكان هناك وقت طويل بعد ذلك عندما كنت لا شيء. ويجب على المرء أن يكون أكثر فلسفة للغاية لتحمل حقيقة أن المرء لا شيء. أتفهم؟


لا يمكن للمرء ببساطة أن يقول، الآن سأقوم بعمل فيلما مرة أخرى، والآن سأكتب كتابًا مرة أخرى؛ أن الأمور لا تعمل هكذا. إنه شيء شديد الخطورة والمغامرة. إذا قمت بذلك فيلم مرة أخرى أعرف أنني يجب أن أكون حذراً للغاية. كان من الصعب جدًا العثور على طريقي إلى جمل للكتابة ، وعدم الشعور تماما مثل مضلل أو متظاهر عندما حاولت بعد ذلك مرة أخرى أن أكتب قصة أو كما قلنا ، قصة شاعرية. كان هناك مشكلة كبيرة حينما تأت جملتين معا.ماذا يعني أن جملة واحدة تلو الأخرى؟ كان علي رغم أن كل شيء كان معزولا عن الآخر وكنت أكذب من خلال إضافة واحدة الجملة إلى الآخر. هكذا شعرت حين كنت أكتب!


شلوتر: رغم نجاحك عملك المسرحي الأول كدرامي، لم تكتب مسرحية منذ “إنهم يموتون بالخارج” هل تصنف العمل المسرحي بأنه قد استنفذك كنوع أدبي؟


ب. هاندكه: لدي رؤية معينة للعمل المسرحي، لكن يكون فيه  شخصًا واحدًا والذي يخاطب الناس لمدة ثلاث ساعات. هذا هو تصوري للدراما، إذا كان يمكن أن تكون مكتوبة، ولكن الخطورة ومع العاطفة؛ هنا ستكون الدراما. كل شيء آخر في المسرح يصفعني ويبدو مخادعا بالنسبة لي. في وقت من الأوقات شعرت بأنه يمكن تعريفي قولا ككاتب مسرحي:


عندما كتبت “العبور عبر بحيرة كوستاتس” بعدها اعتقدت أن هذا هو المسرح الصرف، وهذا هو المسرح الجديد تماما، عندئذ أدركت تماما  ومنذ ذلك الحين لقد فقدت ذلك. يمكن القيام بذلك مرة واحدة فقط. لا أستطيع المضي أبعد من ذلك. ثم أتخيل دراما نقية أخرى: شخص واحد على خشبة المسرح يخاطب الناس: شيء من هذا القبيل كعرض (الإساءة إلى الجمهور) مرة أخرى، لكن مختلف. ولكن الكشف عن هذا في الكواليس، وأود أن تصور الدراما كلها عقلانية جدا، مشهد يصل للمشهد. ما يجعل الكتابة حقيقية  يجب فعله في الخيال، وليس من خلال التفكير، ليس من خلال التخطيط، وليس من خلال الجمع، وليس من خلال المراقبة!


كل هذه الأشياء يجب أن تحدث من قبل، ولكن الخيال يخلق الحقيقة. دونما كتابة يقرأ المرء. يلاحظ أنه لم يمر الدافع الإبداعي ليتحقق كل هذا. إن الأمر يحدث عبر منظومة، لكن هذا ليس ما هو مثير، والحرارة. لا أقصد أن الخيال يخلق صورًا خاصة، توهمات، أو أيا كان، ولكن تلك اللغة الدافع الإبداعي الذي يجعل الأمر يستحق أن يكتب. إذا كان لدى الكاتب الكلام، ارتفع من خلال الخيال مثل الأرض الغارقة، ثم يمكن أن تكون النصوص مكتوبة. هذه هي الطريقة معي مع المسرحيات. يمكن للمرء حقا فقط كتابة الحلم. كل ما هو مكتوب، إذا كان جيدا، يجب أن تكون الأحلام عقلانية، والكتابة فعل عقلاني للغاية. كل الجملة عقلانية بقدر ما يحاول المرء تجنبها وتجنبها معقول. ولكن يجب إنشاء جمل إيجابية من خلال الحلم. هذا صعب للغاية. وهذا هو السبب وراء عدم فهم أي شخص تقريبًا ماهية الأدب. إنها عملية مرهقة، كتابة من جملة. كما قلت ، مع المسرحيات لم يعد ذلك يحدث لي. هناك بدايات في داخلي، لكنهم ما زالوا عالقين. ربما سوف يأتي وقت آخر، كل شيء سيأتي إليَّ. يطفو على السطح. أو ربما يفقد المرء ذاته في حياته والكتابة بعدها يتوقف.


شلوتر: سؤالان أخيران من فضلك. علق زميل لي علق مؤخرا أن الطلاب في أمريكا اليوم يقرأون هاندكه كطريقة قراءة جيله لهسه، حتى قبل وجود أعمالهم التي يجري تدريسها في المناهج الجامعية. هل يمكن ان توضح لماذا يشعر مثل هؤلاء المثقفون الأمريكيون الشباب بهذا التقارب لعملك؟


ب. هاندكه: أعتقد لأنهم أناس مستقلون. وأنا أعلم ذلك يوجد أيضًا هنا أشخاص قد قرأوا ما أكتب، لكنهم ليسوا كذلك جماعة كما كان في الماضي. إنهم أشخاص مستقلة. ليس لديهم ايديولوجية، هم متشككون، وفي نفس الوقت الوقت لديهم الشوق، ولديهم موضوعية وفي الوقت نفسه لا يريدون أن يهلكوا في الموضوعية. هذا قد يكون الحال في كل مكان. ولكن ليس هناك الكثير. هذا يسعدني بالفعل. من الطبع ، ولكن ليس لدي انطباع بأن هناك الكثير منهم في أمريكا. أنا فخور أن هذا هو الحال على أي حال. هناك قول لطيف بقلم إنغبورغ باخمان الذي تقول “أنا أتوق لك ، أيها القارئ”.


لا أنظر إلى القراء. كل ما أريده هو أن تقرأ. أعتقد انه شيء جميل للغاية للإنسان أن يقرأ. انا لا أريد أن أقول أي شيء عن النقد الأدبي الأمريكي ، ولكن ما أريد حقاً ألا يتم انتقادي بل أن أقرأ فقط. على الجانب المقابل، يجب أن أقول أنني في بعض الأحيان يسرني أن أقرأ شيئا بغاية الدقة حيث أستطيع أن أرى أن هذا الناقد لديه فهم متعاطف مع ما كتبت. هذا شيء جيد. جيد جدا للشخص الذي يكتب عموما.


أعتقد دوما على عدم  الحصول على أي تشجيع، والمعاداة للعمل هي أكثر عدو مدمر، مدمر للدافع الإبداعي الذي يحتاجه الكاتب. هذا الدافع الإبداعي هو الشيء الأكثر قيمة الذي يمكن للمرء أن يكون؛ هذا كل ما اعلم. أنه هناك فقط عندما يشعر المرء بهذه الشيء الإلهي في نفسه. وفي العالم الأدبي يمكن بسهولة تدمير هذا الإبداع القيم. لو كان لدي تعلمت أي شيء على الإطلاق، لقد تعلمت أنه يجب أن أكون حذراً من دافعي الإبداعي، لهذه الصعوبة، والتي ربما لدى الجميع، لصالحه، هذا الدافع الخلاق لعالم جديد، حيث كل شيء، إذا جاز التعبير ، يمكن أن تصبح لغة. وما يعتقد المرء أنه يمكن جلبه للعالم يلمع مع اللغة، وليس ذلك خيانة ذلك كما يحدث دائما تقريبا مع اللغة. كل تدمير للجمال يتم عن طريق اللغة. ما يريد المرء حقا تحقيقه مع الكتابة بأن الجمال يحقق الاستمرار. بدأت مع هسه، وإني أظنه كاتب مشرف، لكن المقارنة ليست ممكنة.


شلوتر: أخيرا، هل يمكنك اطلاعي شيئا عن روايتك الأخيرة “العودة ببطء للوطن”، التي أنهيتها مؤخرا؟


ب. هاندكه: لا يسعني القول بأكثر من أي وقت بأني قد أطلعت على نفسي أكثر من أي وقت مضى قبل الكتابة. إنها محاولة للوصول إلى وئام عالمي وفي الوقت نفسه للوصول إلى عالمية لنفسي كشخص يكتب، وهي محاولة قد تكون جريئة للغاية. بعض الأحيان هذا صحيح في هذا السرد – أو في هذه القصيدة الملحمية ، كما نسميها. لدي شعور بأنه منذ قرون لم يتم تجربة هذا: لالتقاط هذا الانسجام مع اللغة، ونقلها بشكل حي، لأن لدينا وخاصة في الجزء باللغة الألمانية من العالم، والمشكلة مع تاريخنا، وبسبب هذا نحن ليس لدينا مستقبل تقريبا. بسبب ما حدث منذ أربعين سنة أو أكثر، ليس لدينا المزيد من القوة لأجل الجمال. لا أحد يستطيع حقا عيش الطريق الصحيح هنا، وليس هناك طبيعة. أو هناك طبيعة، ولكن لا توجد لغة للطبيعة، ما تحدث عنه هولدرين لأن الطبيعة العظيمة، والتي كانت لا تزال ممكنة في عصره. في النمسا، أيضا ، ليس هناك فرق بطبيعة الحال. هذا هو العظيم مشكلة مع الماضي، وبسبب الماضي، مع المستقبل. ولهذا السبب لدينا مشكلة مع الخلق الشعري من البشر الذين يعيشون معا. وفي هذا الذي كتبت، دون رغبة في ذلك، فقد وصل الأمر إلى الصراع بين هذين. أردت صنع الجمال، لكي أتحدث عن الجمال بعينه، بواسطة اللغة، ثم لاحظت أنني دخلت في صراع مع تاريخ أسلافي، وأيضا بداخلي. هذا هو ما حدث. لا أعرف ما إذا كانت ستتشتت القصة على هذا الصراع، ولكن على أي حال كنت قادرا على سرد مثل هذا. فعلت هذا بسلاسة في النموذج. أعتقد أن لديها شكل، وهو الشيء الأكثر أهمية. التخفيف من المشاعر والتطويل في الشكل. (يضحك).


وبسبب هذا أصبح مشتتا. تتوقف القصة بشكل مفاجئ. بأكبر قدر من القوى لدي، أعدت كل شيء في هذه القصة إلى بدايته، ومع هذه القصة انهيتها. جميع المشاكل مع الوطن، مع اللغة، مع الأسرة، مع التاريخ، مع الطبيعة، لقد حاولت أن أبدأ بداية جديدة، ولكن ليس بطريقة فلسفية، وليس بطريقة مقال، ولكن بطريقة طريقة السرد، بلغة سردية. ثم فجأة لاحظت أن القصة انتهت. كنت مرتاحا للغاية وفي في نفس الوقت كانت صدمة كبيرة لي، لأنني اعتقدت أن تلك الرواية ستكون قصة من 300 صفحة وفؤجئت بأنها ليست سوى 200.


ما أردته منذ البداية هو أنها تبدأ في أمريكا، في ألاسكا، لعشر صفحات، والباقي يحدث في جميع أنحاء أوروبا. والآن جميع الصفحات 200 تحدث هناك، وتتوقف الطائرة فوق أوروبا. هذا يبدو مفهوما، ولكن هذا، أيضا ، هو صدمة كبيرة. ماذا أعني ب”عظيم”؟ إنها صدمة.


(*) مجموعة 47:


مجموعة من الكتاب المشاركين في اجتماعات الكتاب الألمان، بدعوة من هانز فيرنر ريختر بين عامي 1947-1967.


[image error]

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 10, 2019 13:24
No comments have been added yet.


litfreak1234.wordpress

إسلام عشري
مدونة خاصة بالأدب
Follow إسلام عشري's blog with rss.