♀الحجاب والصناعة ⇦

ككل الظواهر التي شكلها الاستعمار وهو يقتحم البُنى الشرقية العربية وغيرها، قام الاستعمار على استمرارية الاضطهاد والتخلف القديم، فصار الاستعمار هو ذاته جزءاً من التركيبة المحافظة.
وفي التداخل بين الإقطاع والاستعمار الغربي هناك الظواهر المشتركة لاستغلال المنتجين، عمالاً كانوا أو نساءً أو فلاحين. ومن هنا تشكلت الإيديولوجية المشتركة المحافظة بين الجانبين، ولهذا فإن إدخال النساء ككتل واسعة في ميدان الأنتاج الحديث وخاصة الصناعي منه، كان مستحيلاً، لكون الاستعمار يعمل على تغييب الصناعة ككل.
لقد أمكن للمرأة الغربية أن تتحرر عبر الثورة الصناعية والعلمية فقط، فليس بالشعارات تتحرر المرأة.
وبهذا فإن النساء العربيات وجدن أنفسهن في ذات الدهاليز الضيقة لمجرى التحول العربي المحدود، وحين قامت الدول الوطنية القومية التحررية، فقد اعتمدت على القطاع العام التابع لسيطرتها السياسية، الذكورية، والبيروقراطية، وبهذا فقد حيل بين المرأة والصناعة مرة أخرى، وبين النساء والحداثة العميقة، وواصلت الدولة المذهبية التقليدية مسيرتها .
وقد صار عمل المرأة مركزاً عبر هذا التطور في مجالات الخدمات الحكومية وهو مجال لا يتيح لحرية جذرية، وحين تدفق النفط في المنطقة العربية في المناطق الأقل تطوراً، وذات الإرث الرعوي والقروي، تم استخدام عمالة أجنبية غير عربية، أو تشكلت صناعات استخراجية، بحيث كان تأثير الصناعة التحويلية هامشياً .
فواصلت الأنظمة المستقلة مسار الحياة التقليدية، وازدادت المحافظة مع تدهور الحياة الفكرية والسياسية في الأنظمة الجمهورية، ولهذا واصلت القوى التقليدية والبيروقراطية التحكم في الجمهور، وقد أتاحت الدخول المرتفعة وتدهور المدن العربية عبر التدفق القروي المستمر، تراجع عمليات التحديث، وإذا كانت الجمهوريات قد شهدت تدهورا، عائدة إلى أنظمة ملكية مطلقة، فإن الأنظمة الملكية أصيبت بالأزمة التي أرادت تسويقها للأنظمة الجمهورية.
وهكذا فعبر بعض التقاليد البسيطة الدينية فإن القوى المحافظة تنمو في سياق اقتصادي مأزوم، لم يتح لصناعة حرة أن تنتشر، وقامت القطاعات العامة بتدمير الثروة العامة التي جمعت خلال قرن.
يقوم المحافظون ومسئولو الأنظمة العربية والإسلامية الفاشلة بتحميل القدر أو الاستعمار أو الفساد الأخلاقي أو النساء، مسئولية فشل سياسة اقتصادية واجتماعية، ولا توجد من حلول لديهم سوى استغلال بعض المظاهر الدينية والإبقاء على الفساد السياسي.
ولم يكتف هؤلاء بتسويق الأزمة للأنظمة الجمهورية العربية وتخريب التطور العربي العام، بل يريدون تخريب التطور في الأنظمة الغربية كذلك، وهي التي فتحت ذراعيها لملايين فرت من
الفقر والاستغلال المتخلف والأزمات الاقتصادية في العالم العربي .
وهكذا يظهرون أنفسهم كحماة الفضيلة، وكأن الفضيلة هي مجرد غطاء على الرأس في حين يتركون العائلات الفقيرة والملايين يبيعون أنفسهم في الداخل و الخارج.
لم توجد قوة عربية سياسية حديثة وحرة، أي قوة تحويلية جذرية مرتبطة بالصناعة وتطورها، سواء من المالكين أو العاملين، فالمالكون الرأسماليون تأتي أغلب رساميلهم من العلاقات بالدول، في حين تأتي أغلب أجور العمال من العمل في المؤسسات التي تملكها الدول، مما جعل الطبقتين الحديثتين اللتين تحملان بذور النظام الحديث، تابعتين لقوى غير حديثة .
وهذا انعكس بدوره على مستوى حريات المرأة، فالحرية الشكلية أو العبودية الفجة تصنع من قبل الرجال، أحياناً بأشكال حداثية شكلية وأحيان بأشكال مذهبية تقليدية معادية لتطور الأمة.
لكن الحرية لا تُعطى فإذا أعطيت تغدو مسوخاً، وذلك لغياب إرادة المرأة الصانعة، فهي تصنع الأطفال لكن الأنظمة تحولهم ضدها، وحين لا تستطيع أن تصنع السلع التي عبرها تقحم إرادتها في التطور والحياة السياسية كجماعة واسعة، كطبقة، فإنها لا تستطيع أن تخلق حريتها.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 02, 2019 11:37 Tags: الحجاب-والصناعة
No comments have been added yet.