♀النساء وقضية الأنا ⇦

لا نطرح هنا قضية المرأة بشكل عام ومجرد، بل نناقش قضية النساء اللواتي ينضممن إلى الحركة الديمقراطية والتحديثية في الخليج العربي، ومن المعروف أن صعوبة التحديث لا تتعلق بالنساء، بل أساساً بأن الرجال هم كذلك تابعون للجماعات التقليدية، وتغدو الجمعيات السياسية ذكورية غير قادرة على تكوين قوى نسائية ديمقراطية عميقة.
ولهذا فإن بروز نساء قيادات تحديثيات يواجه بصعوبات كثيرة حادة، فلكي تكون النساء طليعة سياسية واجتماعية، عليهن أن يواجهن عقبات قبلية وأبوية ورجعية في كل بيت وميدان، ومن هنا يغدو تشكل خطاب نسائي تحرري وعقلاني وذي مرونة أمرا محفوفا بالكثير من الصعاب.
كما أن بروز نساء قياديات في الحياة السياسية والاجتماعية أمر صعب، لأنه يتطلب من المرأة في هذا المجال الكثير من صفات التواضع والعمق الفكري وبعد النظر والدبلوماسية، فالمرأة هنا في موقعها القيادي تترأس ذكوراً، يرفضون ضمناً هذا التبوؤ، فلا بد أن تستند القيادة هنا على احترام كبير إلى الآخر، سواء كان امرأة أم رجلاً، قادةً أم بسطاء، رؤساء أم مرؤوسين، مالكين أم أجراء، فدون احترام المرأة القيادية للعرف العام والتقاليد الاجتماعية والسياسية، وبالتالي انخراطها في التقاليد الديمقراطية الحقيقية، وتجاهل الرؤساء و المرؤوسين والموظفين البسطاء، دون ذلك يستحيل أن تتشكل امرأة قيادية في أي موقع.
إن عدم قدرة بعض النساء على الصعود إلى موقف القيادي الديمقراطي، عبر تمتعهن بصفات الهدوء السياسي، وضبط النفس، ومهارة الأداء الإداري، يعرض الكثير من صفاتهن الإيجابية الكبيرة الرائعة إلى التغييب سواء من خلال المنافسات الإدارية أو من خلال الحسد الشخصي.
فى المجتمعات التى يهيمن عليها الاستبداد الذكوري لا يُنظر إلا إلى أخطاء المرء، وخاصة أخطاء المرأة . فيتم التغاضي عن أخطاء الذكور غير الساحقة، أما أي خطاً بسيط للمرأة فإنه يُضخم ويُبرز بشكل كبير. ولهذا فإن مسئولية المرأة الطليعية والتحديثية مضاعفة، فعليها أن تتبنى خطاب المساواة والتحديث مع الكثير من ضبط النفس ومراعاة التقاليد.
وإذا هيمنت قضية الأنا على مثل هذه المرأة، وليست المهمة التي تعمل من أجلها، فإن المشكلات الكبيرة تغدو متلاحقة على مثل هنا النموذج.
ونظراً لحداثتنا في هذه التجربة، تجربة حضور المرأة في العمل القيادي الاجتماعي والسياسي الطليعى، وندرة تكون المرأة فى هذا المجال، فإن التطرف سواء من قبل المرأة أو من قبل الإداريين الرجال، يصبُ كله في ميدان التخلف والتدهور الاجتماعي.
نحن بحاجة فى هذه الأرض الصعبة إلى الكثير من النضج، وعدم طرح مشكلاتنا وحساسياتنا الشخصية، خاصة الأنثوية المتفجرة، وبضرورة احترام تقاليد العمل بحيث تتحول المرأة إلى قيادية كبيرة، وزعيمة، ووزيرة، وهذا لا يتحقق دون ان تجمع المرأة بين تقاليد الأنوثة الشديدة الرقة، وفن المهارة الدبلوماسية والدهاء السياسي.
إن الإصلاحات السياسية البحرينية الراهنة تفتح للمرأة آفاقاً كبيرة للتطور، ولكن عليها من جانب آخر أن تطور مهاراتها السياسية والفكرية والثقافية، فقد حصل الرجال على خبرة واسعة في هذه المجالات، نظراً لعقود من السبق الاجتماعي، ووجود فرص الحرية الشخصية لهم، ولا بأس أن تصبر المرأة على اكتساب مثل هذه الخبرات وتتعلم كيف تجمع بين خصال صعبة ولكن لا مجال للصعود السياسي والاجتماعي دونها.
وليس أسوأ من خصلة معادية لهذه المكانة وفي هذه الحياة الاجتماعية ذات المسئولية العالية، من العاطفية الشديدة، وتمكن روح المزاج والفردية الكبيرة، كما أن روح الجرأة والمبادرة وخدمة الناس والتطور بحماس، أمور مطلوبة كذلك والتوفيق بين هذين الرأسين بالعقل هو الحل أو الحلال التحديثي.
تفاوت غريب في الأحكام الشرعية
ليس الحكم بحجاب المرأة إلا أحد الأحكام الشرعية المختلف عليها كثيراً والمفسرة تفسيرات مختلفة من قبل الفقهاء، ولكن هذا الحكم المختلف عليه هو من الأحكام القليلة التي فسرتها جماعة دينية بشكل وحيد وأصرت عليه إصراراً غريبا، في حين أن أحكاماً شرعية كثيرة تجاهلتها هذه الجماعة أو فسرتها تفسيراً؛ فيه شيء من المرونة أو الصمت.
فهناك الحكم الشرعي بقطع يد السارق، أو رجم الزاني وتحليل العبودية ورفض الربا، وغير ذلك من الأحكام الشرعية، التي رُئيت في ضوء جديد تم تفسيره عبر الاجتهادات المرنة والمذاهب الميسرة، حيث تشكلت قراءات اعتمدت الاجتهاد ورؤية المصالح العامة للمسلمين.
وهذا يعني وجود خط معتدل مرن توجه نحو ظاهرات اجتماعية معقدة ومركبة تشكلت في عصور سابقة، فقرأ ما هو مفيد ومتطور للأمم الإسلامية، بحيث تؤدي هذه التفسيرات الجديدة إلى عدم تخلف هذه الأمم واستغلالها .
أي لقد أخذ المشرعون المجتهدون المصالح العامة لجماعة المسلمين وأهمية أن تنمو المصارف تحت ملكية وهيمنة جماعة المسلمين هذه، أي قاموا بقراءة الأحكام الشرعية على ضوء العصر، بدلاً من أن تتوجه الفوائد وتتراكم في مناطق أخرى وتحرم الأمم الإسلامية من ثمارها، على الرغم من أن هذا الواقع غير متحقق، فلا تزال البنوك تحت شتى اللافتات العربية والإسلامية في خدمة الغرب (المسيحي واليهودي) بدرجة خاصة، فقد توجه التأويل الشرعي الجديد لخدمة
مصالح هذه الفئات الغنية المرتبطة بالرأسمال الأجنبي، دون أن يلتفت إلى غياب هذه الرساميل عن أسواق الأمم الإسلامية؛ واندفاعها نحو الأرباح العليا بغض النظر عن مصدرها.
أو مثل عدم تطبيقهم الحكم الشرعي بقطع يد السارق وتحويل القطع إلى سجن متفاوت المدة حسب طبيعة السرقة وعدد المال المسروق وما إذا كانت سرقة مخففة أو مشددة، فمن غير المعقول تماثل الحكم في سرقة قطعة رغيف وسرقة خزنة، ولكن هذا التفسير الذي راه أيضا فقهاء قدامى، لم يقرأ لماذا يسرق الفقراء أصلاً، أو لماذا تزني المرأة، أو لماذا يزوّر شخص في ورقة صغيرة وآخرٌ في أملاك الدولة.
فقد ارتبط العديد من الأحكام التفسيرية والاجتهادات بمصالح العديد من المفسرين والفقهاء والجماعات الدينية، فمناخ علاقة الفقهاء بالدول ذات الشأن هو الذي يوجه الأحكام وجهة معينة، ويبعدها عن وجهات أخرى، قد تكون ممكنة شرعياً.
وهكذا نرى أن الأحكام الموجهة ضد سرقات الفقراء على مدى التاريخ (الإسلامي) الذي حكم فيه اللصوص الحكام، كانت احكاماً رهيبة، ينتفي منها الحكم الشرعي العميق، في حين أن سرقاتهم أموال الأمة كانت لا تُذكر أولا يُركز عليها في الفقه التابع للسلطان.
ولهذا نرى حدتهم في حكم الحجاب لا يبتعد كثيراً عن هذا المناخ الذي يقوم فيه البعض بتبرير أنظمة متخلفة تجعل رجال ونساء المسلمين محجوبين عن العقل والتقدم الصناعي والاجتماعي والعلمي.
فهذا الحكم لا يسأل ماذا تعمل هؤلاء النسوة ولماذا يعيش قطاعٌ كبيرٌ منهن في بطالة وأمية وأمراض السمنة والسكري وضغط الدم، نظراً لحجبهن في البيوت، وهل بقاء المسلمات بهذا الشكل مفيد لتحرر الأمم الإسلامية من هيمنة الأقوياء؟
ولماذا نركز على الأشكال، وليس في تقوية عقول النساء وتطورهن الثقافي والاجتماعي ليجيء الحجاب الذي يحجز الرذيلة من أعماق النفس وصلابة الموقف الأخلاقي.
بل لا بد من رؤية جديدة لحياة المرأة، تجعل الفضيلة تتكون من اشتغالها واستقلالها الاقتصادي، فوجود العمل وارتفاع الوعي بشتى أشكاله هو الذي يؤسس فضيلة للمرأة كما للرجل.
يقوم ذلك الوعي الفقهي برؤية جزء مقطوع الصلة بجذور القضايا وبحركة المسلمين؛ مؤيداً أنظمة متخلفة تقوم بإحضار شتى أنواع النساء للعمل في بلاد المسلمين وتحجر على المرأة المسلمة العمل والحرية الشخصية والتطور الأخلاقي ونمو المسئولية في ذاتها، التي تأتي من صلابتها في مواجهة عالم الشر وليس في الانكفاء والعزلة والتحجب.
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 16, 2019 15:27 Tags: النساء-وقضية-الأنا
No comments have been added yet.