♀تدهور مكانة المرأة واتساع الرقيق ⇦✶

كانت أوضاع المرأة في العصر الجاهلي قد تبدلت عن العصر الأمومي السابق المفترض ، الذي لم توجد منه سوى بقاياه ، ويمكن ملاحظة إن القبائل العربية الرعوية كانوا أكثر انفصالاً عن هذه المرحلة من القبائل العربية المستقرة والزراعية ، وهذا أمر سبق ملاحظته في المناطق الزراعية الشمالية .
فالرعوية تؤدي إلى سيادة ذكورية بارزة ، حيث حدث الانقلاب الهام ، باعتماد العمل على القوة العضلية ، وباعتباره عملاً شاقاً يرتكز على رعي قطعان الجمال خاصة ، ويتصف بــ «التوحش»، على حد تعبير أبن خلدون.
(إذ الإبل أصعب الحيوان فصالاً ومخاضاً وأحوجها في ذلك إلى الدفاء فاضطروا إلى إبعاد النجعة (...) فكانوا لذلك أشد الناس توحشاً وينزلون من أهل الحواضر منزلة الوحش)، (1).
وعبر فرض الذكور هيمنتهم وملكيتهم للقطعان ، عبر شيوخ القبائل خاصة ، تنامت عملية استغلالهم للمرأة والعبيد والعاملين.
فتحولت المرأة إلى قطيع آخر ، مهمته توليد الأولاد الذكور ، لتقوية القبيلة ، ويغدو ظهور البنات وإنتاجهن على نطاق واسع كارثة لها وسط مهام العمل الضارية في الصحراء ، وأمام الغزوات التي لا تتوقف للقبائل الأخرى.
بل إن المرأة في القبيلة الرعوية تحولت إلى ما يشبه الرجل ، حيث انغمست في العمل الشاق ، وتضاءلت زينتها ، وجعلت مسئولة عن ولادة الرجال. لكن (لم يكن وضع المرأة سيئاً بشكل مطلق ، فقد كانت المرأة سافرة مع غطاء الشعر التقليدي ، كما يفعل الرجال تماماً) ، (2).
وكانت تختلط بالرجال وتسافر وحدها ، وتركب الخيل ، وكان لها أن تساير الرجل الغريب وتستقبله في منزلها وهي ملزمة بأداء حقوق الضيافة لمن ينزل عليها من الرجال إن كانت وحدها ، وتعفى من هذه الحقوق إذا وجد الرجل من أهلها، (3).
وكانت تملك حق الطلاق كما يملكه الرجل ، ولها أن تقيم علاقة حب عفيفة مع رجل واحد ، لكن المرأة العربية في الجاهلية كانت محرومة من الإرث الذي يوزع بمشيئة الأب ، وكان تعدد الزوجات بلا حد معين ، وكان تعدد الأزواج موجود أيضاً ، ولكن بصورة نادرة ، ويسمونه (نكاح الرهط) ، وهو من بقايا المرحلة الأمومية .
وكان زواج " الأكفاء " سائداً حيث يمنع زواج المرأة العربية من غير العربي ، أو أن يكون من قبيلة أدنى ، وقد تمسكت طبقة الأشراف بذلك ، وخاصة الأمويين الحاكمين، (4).
خفف الإسلام من التطرف الجاهلي عبر وضع حد لقتل البنات و لتعدد الزوجات المطلق ، دون أن يكون التعدد كذلك فرضاً ، كما طرح صيغة الزواج من المرأة الواحدة في حالة عدم القدرة على العدل والأنصاف ، وهذه الصيغة فضلها بعض كبار الصحابة كسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري.
وأدخلت المرأة في نظام الإرث والشهادة ، ولكن بشكل غير مساوٍ للرجل ، كما فرض الحجاب على نساء المدينة بعد تدفق الجواري ، ومن أجل التفريق بين النساء الحرائر والإماء ، بسبب السلوك المؤذي من قبل بعض الرجال، وفيما بعد فصل هذا الحكم عن ظروفه الملموسة وأسبابه، وأتخذه الرجال المالكون ذريعة لفصل المرأة العربية عن الحياة العامة بعد أن كثرت أموالهم واتسعت شهواتهم.
في الفترة الإسلامية الأولى كانت مكانة النساء هامة ، وقد لاحظت الصحابيات المهاجرات الوضع المختلف والمتميز لنساء المدينة عن وضع المرأة في مكة ، وقد ناضلن في سبيل تطور مكانتهن.
وكان الاختلاط بين الرجال والنساء واضحاً ، واختيرت بعض النساء لمراكز سياسية واجتماعية هامة ، كسمراء بنت نهيك التي كانت تتولى أمور السوق ، وكانت تتجول في أسواق المدينة وفي يديها سوط لتأديب المخالفين. وكذلك كانت الشفاء بنت عبد الله التي كانت مستشارة لعمر بن الخطاب في مسائل السوق ، (5).
ومن المعروف دور أمهات المؤمنين في تشكيل المرحلة الإسلامية الأولى ، مساندة وكفاحاً ومشاركة في الحركة السياسية.
وشاركت النساء في حروب المسلمين كفرق محرضة على القتال ، ولعبت فرقة النساء في معركة القادسية على سبيل المثال ، دوراً مؤثراً في استقتال العرب الرجال وانتصارهم على الرغم من قلة عددهم.
وقد أدت حروب الفتوح والثروات المتفقة على العرب الرجال خاصة ، إلى تدهور مكانة المرأة العربية ، حيث أمتلك الرجال الأغنياء والمتوسطين فوائض مالية كبيرة أنفقوها في اقتناء الجواري والعبيد.
لقد وضع أساس لعبودية المرأة في المدينة العربية الجديدة ، فوضعت رهن الإقامة الجبرية في البيوت ، فتشكل أساس عميق لتدهور الوعي العام ، في حين كانت المدينة ذاتها مركز للتجارة والثقافة.
لقد تضخمت أعداد العبيد والجواري في زمن الدولتين الأموية والعباسية ، كمظهر آخر لتدهور مكانة المرأة ، بحيث يصعب ضبطه.
(فقد سبى موسى بن نصير من البربر مائة ألف) ، (وصالح أهل النوبة الفاتحين العرب على ثلاثمائة من الرقيق أو أربعمائة يؤدونها سنوياً) ، ويرى الليث بن سعد ، الفقيه المعروف ، بأن هذه الصفقة جيدة (فإن باعوا نساءهم وأبناءهم لم أر بذلك بأساً) ، (6).
(وقد كان أمراء الزنوج وزعماؤهم يقومون ببيع مواطنيهم) ، (وشارك اباضية ليبيا في عمليات مقايضة الرقيق وبيعه) ، (7).
واستقدمت أعدادٌ كبيرة من الزنوج إلى العراق من شرق أفريقيا في العصر الأموي ، وقد ثار هؤلاء الزنوج على الحجاج وانضموا إلى فئات أخرى في الثورة بدمشق في نفس الفترة.
وغدا الرقيق والنساء والجواري والحيوانات في مرتبة واحدة ، فتلقى القصر العباسي سنة 295 ه هدية من زيادة الأغلب ، مكونة من مائتي خادم أود وأبيض ومائة وخمسين جارية ومائة من الخيل ،(8).
وأزدهر الرقيق التركي كذلك ، فكثرت أعداد ه في العصر العباسي القادم ، فأشترى المعتصم أربعة آلاف منهم دفعة واحدة ، ثم تتالت عمليات الشراء الواسعة حتى بلغوا ثمانية عشر ألفاً لديه. وحين فتح شمال الهند تدفق الرقيق الهندي ، وقيل إن أبن سبكتكين حصل من خمس الرقيق فقط على ثلاثة وخمسين ألاً عند فتحها في القرن الرابع الهجري .
وانتشر كذلك الرقيق الصقلبي القادم من روسيا وأوربا الجنوبية والشمالية .
وازدهرت عمليات أخصاء العبيد وظهرت مراكز لهذا الأخصاء كمدينة (هدية) في الحبشة ومدينة (وشلاو) ، وكانت أعداد ضخمة من هؤلاء المخصيين تنقل إلى الحجاز وغيره من المناطق العربية. وقيل إن الخليفة المقتدر العباسي كان يملك أحد عشر ألف خصي من الصقالبة والروم وقيل أكثر ، (9).
لقد أصبح العديد من الخلفاء والقادة العرب من نسل الجواري ، وقد أدى انتشار الإماء إلى إبعاد المرأة العربية العامة الحرة عن كافة مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية ، فقلت النساء المهتمات بالشئون العامة إلى حد نادر، وصار طريقهن للظهور عبر التفقه في الدين . أما اهتمام الجواري بالثقافة فكان من باب تحسين مستوى البضاعة البشرية ، لكي تؤدي الجارية أدواراً غنائية وإمتاعية إضافة لدورها الجسدي.
إن وضع الفلاحين والنساء والعبيد في هذه المكانة ، كان يجعل وعي الطبقات العليا والمتوسطة يتجه إلى الغيبيات، وليس إلى تحليل الواقع والنضال من خلال الناس لتغييره.
ولكن النضال كان يشق طريقه أيضاً عبر هذا الغيب، ومن داخل المدن الجديدة المتكونة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية
✶ الفصل التاسع من كتاب: الاتجاهات المثالية في الفلسفية العربية الإسلامية ، صدر الجزء الأول والثاني معاً بمجلد واحد ، ويعرضُ فيه المقدمات الفكرية والاجتماعية لظهور الإسلام والفلسفة العربية. وفي الجزء الثالث ، وهو يتناول تشكل الفلسفة العربية عند أبرز ممثليها من الفارابي حتى ابن رشد. وفي الجزء الرابع، تطور الفكر العربي الحديث , وهو يتناول تكون الفلسفة العربية الحديثة في مصر خاصة والبلدان العربية عامة، منذ الإمام محمد عبده وبقية النهضويين والمجددين ووقوفاً عند زكي نجيب محمود ويوسف كرم وغيرهما من منتجي الخطابات الفلسفية العربية المعاصرة , 2015.
ــــــــــــ
المصادر:
(1) :( المقدمة ، فصل في أن جيل العرب في الخلقة طبيعي ).
(2) :( هادي العلوي ، فصول عن المرأة ، دار الكنوز الأدبية ، ط1 ، ص 16).
(3) : ( المرجع السابق ، ص 17) .
(4) : (السابق ، ص 22 ).
(5) :( المرجع السابق ، ص 37).
(6) :( المصدر: إبراهيم حركات، المجتمع الإسلامي والسلطة في العصر الوسيط، ص 91).
(7) :( السابق ص 91).
(8):( المصدر السابق ص 92).
(9): ( السابق ص 99).
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on November 04, 2019 10:56 Tags: تدهور-مكانة-المرأة-واتساع-الرقيق
No comments have been added yet.