عبـــــــدالله خلــــــــيفة: أفكار سياسية دينية
[image error]
المؤمن والملحد يتحدد إيمانهما أو إلحادهما بدور هذا الإيمان والإلحاد في تقدم جماعة المسلمين، في مقدرتهما على جعل الرموز فاعلة في التقدم، فحين يكون المؤمنُ مفرقاً ممزقاً للجماعة، لا قيمة لإيمانه.
وأهم رموزُ الجماعةِ هي الإيمانُ بالألوهية الواحدة، وهو ليس رمزاً مجرداً، بل واقعاً حياً، فالدولة العريضة التي نشأت في ظلاله، هي جسده الحي على الأرض وبين الناس، وفي حراك التاريخ المتجه للتقدم والمساواة والحرية، ولهذا فإن الحاكم على هذا الجسد السياسي الهائل يغدو غير موحد وهو يمزقُ هذا الجسدَ بخراجه المتعسف، وبأناينته التي جعلت الدولة حكراً على إستغلاله وشهواته.
توحيدُهُ يغدو شكلياً مجرداً وأن لبس مظاهر العبادات المختلفة، ونطقَ بالإرثِ المعتمد لدى لجماعة، فهو ممزقٌ لوحدة ذلك الجسم العريض للدولة؛ موحدٌ شكلاً مفرقٌ عملاً، وهو يجردُ ثقافةَ الجماعة ويجعلها شكليةً عاطلةً عن العمل والوجود الحي.
المؤمن أو الملحد الذي يعارض تفكيك جماعة المسلمين ويعمل على بقائها وإستمرارها في أشكال التوحد والتقدم إنما يقوم بمناقضة فعل حاكم الدولة الواسعة التي تتفكك بفعل سياسة الأنانية الاجتماعية والإدارة البيروقراطية المنفصلة عن حاجات الناس.
هو يفهم الرموز الإسلامية في حراكها بين الناس، في مضمونها الحي، في تطور الأكواخ إلى بيوت، والخراج المتجة للمتع والاستغلال إلى خراج متجه لمصالح الجماعة.
هو يعقلن المجرد، وذاك يفكك المجرد، الأول يحافظ على وحدة الدولة، ووحدة الشعب فيها، والآخر يفكك الدولة ويقسم الناس فئات متعادية تؤدي للدمار.
شكلنة الرموز الدينية ربما تغدو بصراخ هائل، ودعاية ضخمة، وتصرف عليها الأموال، لكن العقول الموحدة لا تأبه بها، وتحلل المضمون، وتبقي الأثر، وتحمي ثقافة التوحيد الحقيقية لا أعلامها الزاهية، وشعاراتها الجوفاء.
لكن العقول غير الموحدة، الممزقة لجماعة المسلمين تستفيد منها وتعيش عليها، بمناقضتها الظاهرية، والسير مع مضمونها الممزقِ لوحدةِ دولة المسلمين الكبيرة، التي تغدو بفضل مثل هذه الثقافات الشكلية المفرِّغة من المضامين، والمؤيدة للتمزق، والتي تركب موجات الانفصالات وتكوين الدويلات، لا لتبقي الأثرَ وتحمي الرموز وتبقي على مضامينها بل لتقوم بما قام به الكبيرُ في مركزِ الدولةِ من إفراغٍ للوحدة من حقيقتها، والوحدانيةِ من مضمونِها المعبر عن حقِ كل مسلم ومواطن في العيش الكريم.
والمفرقُ الممزقُ لوحدة الجماعة يعومُ على اللاعقل، ويجدفُ بموادِ المستنقعات القديمة ليبحرَ في بحور الدماء وعرقِ الجمهور من أجله هو ومصالح جماعته الضيقة، فيخرجُ الأوشابَ العتيقة والعادات الجاهلية والأسطورية من تواريخ جماعاته المفككةِ ليحركها في ثقافة التوحيد، وليجعل العقلَ التوحيدي عقولاً ممزقة، وإرادت مشلولة، وعاطفيات مجنونة.
ولهذا فإن المؤمن والملحد يرى نتاجهما التوحيدي معياراً للإيمان، ولمدى قدرتهما على فهم رموز الأثر في العالم الحديث تعبيراً عن وحدة جماعة المواطنين، ليغدو توحيدهما للدولة والشعب المعيار مجسداً في العصر، أي أن شكلية الكلمات والشعائر وغربة الثقافة تقوض التوحيد، حيث يغدو جسم الدولة والشعب رمز الوحدة لكل شعب، وبين جماعات المسلمين المعاصرة، مدار التعاون والاختلاف، مدار الصراع ضمن الوحدة، والتباين ضمن الدفاع عن الأرض والوطن والإنسان.
وتغدو دول الأمم الإسلامية مجسدة عبر هذه الثقافة التوحيدية، لا التمزيقية والشكلية والاستغلالية، فلا دولة هي مركز مهيمن فتمثل المراكز القديمة التي أضعفت وحدة المسلمين ومزقتهم، فهي وحدة قائمة على المصالح المشتركة وإحداث التقدم، وعودة الخراج الزراعي كما في القديم أو الخراج النفطي الصناعي للبيوت والسكان والمصالح العامة كما في عالم اليوم.
وإذ نأخذ ثقافة الماضين بعقلنا الحديث، نؤيد التعدد في النظر الموجه لخدمة الناس في عالمهم السياسي التوحيدي، فأي ثقافة يغدو عملها تفكيك وتمزيق لإطارات الدولة والشعب تغدو خارجة عن العقلانية.
وعلى مستوى السياسة والنظر الفكري، وإنتاج العلوم.
عبـــــــدالله خلــــــــيفة: أفكار سياسية دينية
Published on July 28, 2019 06:59
No comments have been added yet.


