إبراهيم العُريّض

■ الشعر وقضيته
○ بيان العريض الشعري ودلالاته المضيئة الباقية
الشاعر والباحث الكبير إبراهيم العريض من الشخصيات القليلة في الجزيرة العربية والخليج الذي استطاع ان يبلور نظرة عميقة في رؤية الشعر وتطوره، حتى ان كتاباته النقدية والشعرية القصصية والملحمية لا تزال تخصب الواقع الثقافي وتحرض العقول على الكشف الادبي والبحث النقدي، خاصة كتابه (الشعر وقضيته في الأدب العربي الحديث). الطبعة الثانية سنة 1974، مطبعة حكومة الكويت.
الرؤية العربية الرصينة والكلاسيكية عند إبراهيم العريض كانت ضرورية للأجيال الشعرية الشابة في الجزيرة العربية والوطن العربي، لكنها ابتعدت عنها، ولم تتلاقح معها، وتستفيد من اعماقها وخبراتها.
الشعر لدى إبراهيم العريض كائن ذاتي وموضوعي معا، فهو وليد الذات الشخصية وتجاربها وعطائها، وهو ايضا نتاج الاحوال الاجتماعية والظروف الموضوعية. فالعريض يقوم بخلق جدلية عميقة بين ما هو شخصي وخاص وذاتي، وبين ما هو موضوعي وعام.
فما يصر عليه البعض من ان الانتاج الشعري وليد النبع الداخلي الخاص المحض، وشكل من تجلياته الغامضة غير المحددة في سياق، هو أمر مرفوض من الاستاذ الناقد، كذلك فان تصور البعض الآخر بأن الشعر والادب عامة، هو انعكاس للظروف الخارجية والعامة، هو أيضا امر غير صحيح.
والعريض يتغلغل أولا في الاسباب الموضوعية لتكون الشعر، معددا تجلياتها المتعددة، ابتداء من الظواهر الطبيعية المختلفة، التي تترك تأثيراتها المتباينة على نفوس ولغات الشعراء، مرورا بظروف الحياة، حتى الجذر العميق للحياة البشرية المتمثل في (العلاقات الاجتماعية التي عادة تنشأ جيلا بعد جيل بين أفرادهم، ذكورا واناثا وشيوخا وشبابا، وفئات واحزابا، ثم ظلت تتجدد وتتكاثر في المجتمع الواحد، وفي اكثر من مجتمع بين الرؤوس والاتباع، أو الملوك والسوقة، أو السادة والعبيد) ص 452.
هذه الاسباب الموضوعية هي التي يحددها العريض كأساس مادي لتشكيل الظاهرة الابداعية، الشعرية خاصة، فالانقسامات الجنسية والجيلية والطبقية، هي التي تلعب دورا حاسما في صنع الاساس الموضوعي العام للابداع.
والعريض في بحثه عن الجذور الخلفية للظاهرة الذاتية، يعتبر كافة العوامل السابقة ذات أدوار متساوية في صنع الظاهرة، فالاجيال والانقسام الاجتماعي تظل مؤثرات متكافئة ومتداخلة في تشكيل الأدب، ولا يلعب مؤثر منها دورا حاسما ومطلقا، مقتربا بهذا من نظرية العوامل المتعددة في صنع التاريخ والثقافة.
ومن خلال هذا الاساس الموضوعي لتشكل الشعر ينطلق العريض الى تاريخية الشعر وتوزعه على الزمن الاجتماعي، محافظا على هذا الهيكل المادي لتكون العملية الابداعية.
فهو يتبع الانواع الشعرية الثلاثة وهي الملاحم والمسرحيات والأغاني، أي الشعر الملحمي والدرامي والغنائي، في تجليها الاغريقي وخطها العلمي المستمر حتى الآن، معتبرا هذه الانواع أو الاصناف الادبية الرئيسية اساس تكون الظاهرة الشعرية العامة. وهو يرتبها حسب أهميتها ونموها التاريخي كذلك.
فالملاحم والمسرحيات الشعرية هي التي انبعثت أولا، في ظل الاحتفالات الباخوسية واحتفالات الشعوب القديمة بآلهاتها وأعيادها الربيعية والموسمية، ثم انبثق الشعر الغنائي بعدئذ، بعد انفصام المجموعات العشائرية وظهور الملكية الخاصة والشعور بالذات الفردية.
والعريض لا يقوم بتحليل أسباب تشكل هذه الانواع الشعرية تاريخيا، معيدا اياها الى جذورها الاجتماعية والروحية، لكنه يبحث عن أسباب تشكلها بشكل عام عند الاغريق، ثم تعثر تشكيلها عند الشعوب الاخرى، وخاصة لدى الهنود والفرس.
وهنا يقف العريض عند الأسباب الروحية في تشكل الشعر، حيث يرجع تطور اليونانيين الابداعي الى «نظرتهم» المؤنسنة للآلهة، وكيف انزلوها الى مصاف البشر، في حين كان عجز الهنود المسرحي يرجع لنظرتهم الصوفية، «وسموهم» بالإنسان الى مصاف الآلهة و«الزفانا»، أي الفناء في الوجود الأكبر.
وهذه الخلاصة هي نظرة مهمة للجانب الروحي وتأثيره الحاسم على الابداع، وان كانت المسألة تعود ايضا الى ظواهر متشابكة وأهمها المستوى الاقتصادي الاجتماعي للشعب الاغريقي، حيث المدن التجارية الحرة الديمقراطية، التي لعبت دورا حاسما في توجيه الارث الثقافي اليوناني، والشرقي القديم، نحو تعددية الاصوات، وتعميق ثقافة الحوار ــ الديالوج، والانسنة وحب الحياة والطبيعة، مما ولد الابعاد الدرامية خاصة.
في حين كان الشعب الهندي يعيش نظام الاستبداد الآسيوي والمشاعة الحرفية المغلقة، فتكون لديه نظام الطبقات المغلق والصوفية، وهي الحرمان المصعد والمتظاهر بالسمو. وهذا جعل نتاجه الشعري دينيا.
ويصل العريض هنا الى خلاصة هامة لافكاره، فيقسم الشعر الى منحيين، هما اللذان يخترقان ويشكلان ظواهره كلها، وهما المنحى «الواقعي» الذي يكون ذات الشاعر وخصوصيته، وهو ما نسميه في الوقت الراهن «الخاص»، وهو الذي يؤسس الشعر الغنائي والذاتي، حين ينطلق الشاعر متغنيا بأفراحه وآلامه، مصورا هذه الذات في تقلباتها وهجائها للآخرين أو مدحها لهم، وهي كلها ظاهرات ذاتية داخلية، لأن الشاعر يصف عواطفه واعجابه بدون تجسيدات موضوعية كأن يمسرحها في نماذج.
وهناك المنحى «المثالي» حين يخرج الشاعر من ذاته فعلا، عبر تقميص وتجسيد ذوات اخرى وشخصيات وأفكار مغايرة. وهو ما نسميه البعد الدرامي والملحمي للشعر، وهو أكبر من صفة «العام» المقابل للخاص. وأقرب تعبير له هو المنحى الموضوعي في الشعر. لأن تعبيري «الواقعي» و«المثالي» أقرب للفلسفة منهما للنقد الأدبي.
وتطور الشعرية لدى الشاعر هو في سيره من الذاتي الى الموضوعي، في نموه من ذاته نحو ذوات أكبر وتجسيدات موضوعية أشمل، كما يرى العريض.
ان الانواع الملحمية والدرامية هي الانضج والأهم شعريا، كما يرى العريض، في حين يبقى النوع الغنائي هو الأقل تطورا، ومن هنا، كما يضيف، نجد عمالقة الشعر الانساني هم صناع الملاحم والمسرحيات كـ هوميروس واسخيلوس وشكسبير وغيرهم. وهذا ما يجعل الشعر العربي ذا مكانة متدنية في الادب العالمي نظرا لسيطرة الغنائية عليه.
ان هذه الرؤية انقلابية في النقد العربي الحديث، فبدلا من أن يغدو الشعر العربي قمة من القمم في العطاء الشعري العالمي، يغدو في مكانة محدودة، نظرا لضعف الألوان والأصوات المتعددة داخله، وصدوره عن عالم صحراوي قليل العمق، مكرور التجربة، يعيد انتاج نفسه عبر الحقب، فلا يصنع ملاحم ولا مسرحيات بل قصيدة تصف وتمدح وتهجو، واذا تطورت في العصر العباسي فذلك عبر ادخال الفلسفة والحكمة داخل هذا الصوت الذاتي المسيطرة.
ويقول العريض هذا المعنى لكي يجنب عمالقة الشعر العربي كالمتنبي وأبي العلاء المعري ذلك الحيز الذي وضعهم فيه التصنيف النقدي الذي شكله.
والعريض مصيب في نظرته العمومية المجردة، فالشعر الغنائي ظل أقل مستوى من الشعر الملحمي والدرامي، نظرا لتأسيس هذين النوعين على بنى واسعة متكاملة تعتمد بنائية الصورة وتشكل النماذج والحبكات القصصية العميقة، التي ظلت تحاور البشر عبر العصور، رغم انطلاقها من ظروف مختلفة.
وعدم قدرة العرب على صياغة النوعين من الادب تعود لطبيعة تطورهم ومرحلتهم التاريخية. فهذان النوعان ارتبطا بالمرحلة الوثنية الطقوسية واحتفالاتها ومدنها وزراعتها، ومن الغريب المستبعد ألا تكون الشعوب العربية قبل الاسلام قد عرفت هذين النوعين، خاصة إذا عرفنا ان الشعوب السامية، الشجرة التي ينتمي اليها العرب، قد عرفت الملاحم الشعرية كملحمة جلجامش وغيرها. ويجوز ان تكون المرحلة الدينية الجديدة قد طمست الآثار الشعرية القديمة المرتبطة بتعددية الآلهة.
وفي وقت كتابة بحث الاستاذ العريض سنة 1954، لم تكن الدراسات الخاصة بوعي الشعري واللغوي والاسطوري قد وصلت الى ما هي علية الآن.
وكما شهد الشعر العربي تطورات جمة في النهضة العباسية، عبر نمو المدن والاحتكاك بالشعوب الاخرى. فانه شهد تطورات أخرى باحتكاكه بالحضارة الغربية ويعتبر العريض، مستشهدا بنازك الملائكة، أن أسباب التطور الشعري تعود إلى التأثر بالحضارات الأكثر تقدما وهذا أمر فيه بعض الصواب ولكن أمر التطور العميق يعود لتغيرات اجتماعية وروحية تجري في الأمة ذاتها يسرعها الاحتكاك الخارجي وينميها.
وهكذا فان الغرب ساهم في خلخلة العمود الشعري العربي. وخلق الأشكال الشعرية الجديدة، غير ان الدلالات والمناخ الفكري يعود للتربية العربية فالتطورات الفكرية المتصاعدة هي التي كسرت شكل القصيدة الكلاسيكية، وأفضت الى الاشكال الجديدة.
ومنذ وقت مبكر حذر العريض من الانطلاقات الفوضوية في شكل القصيدة، مطالبا بالحفاظ على بنية مرنة وكلاسكية، بل ومقدرا حتى قصيدة التفعيلة كما يكتبها نزار قباني، وكان هذا وعيا ناضجا لم تستفد منه الحركة الشعرية في البحرين كثيرا فيما بعد، نتيجة القطيعة بين الاجيال، وعدم أخذ تجربة العريض الغنية بعين الاعتبار.
في مختارات العريض للشعر المرافقة لهذا البحث، يقدم مختلف أنواع القصيدة الحديثة، والعديد من الاصوات الرومانسية والثورية والذاتية، معبرا عن تعددية جميلة ورصينة.
وكل الاصوات المتعددة التي يقدمها العريض كعبدالوهاب البياتي وفدوى طوقان وعلى محمود وايليا أبوماضي وأحمد الصافي والجواهري وعمر أبوريشة ونزار قباني، تؤكد الابعاد المتعددة التي يريدها العريض للصوت الشعري، وهي جزء من نظرته الى الذات الشعرية، حيث يعتبرها متعددة الموجات والمراحل، ولا يمكن سبر أغوارها، فهي لا نهائية التطور.
فالشاعر من الممكن أن يعبر عن اصوات متعددة، ومواقف مختلفة، ويلبس أقنعة كثيرة، وتبقى ذاته مستمرة التشكل، ولهذا فان الصنف الشعري الغنائي، المعبر بجلاء عن الذات، هو النوع المبسط، قليل العمق ومعدوم الاقنعة، في حين ان الصنفين الدرامي والملحمي هما الاقدر على اخفاء ذات الشاعر، واعطاء صوره بقاء وتنوعا، كما يتيحان له البقاء وسط التحولات والتقلبات.
نظرة الاستاذ العريض هنا لم تتوجه الى مسألة تشابك الاصناف الشعرية، حيث انه من الممكن ان تحوي أبعادا درامية وملحمية، والعكس صحيح كذلك.
ومن هذه الزاوية، يمكن رؤية جدلية الاصناف الشعرية، تعبيرا عن جدلية الانواع الادبية كذلك، فالشعر والقصة والمسرحية، يمكنها ان تتصل، محافظة على انواعها المستقلة. وفي النوع الواحد كالشعر، لا توجد حدود كبيرة، رغم أهمية الحفاظ على قانونية الصنف أيضا. فقد خلق احمد شوقي قصائد غنائية شعرية لا دراما شعرية.
وفي تجربة العريض المهتمة بالتشكيل الموضوعي للشعر، أي بتجسيده قصصيا وملحميا، كذلك، الغنائية المتفجرة، المتقطعة، الملتحمة. ومن هنا كان اعتماد العريض على التسلسل المنطقي والزمني والبنائية الصارمة، اقترابا منه لمعمار القصة المتعدد الاقنعة.
هل نقول ان كل ما طرحه العريض عن الشعر وأصنافه وذات الشاعر وأقنعته المختلفة، ليس سوى بيان العريض عن شعره وعالمه الابداعي الواسع؟
أليس كل هذا الوعي عن الآخرين وأفكارهم، سوى تجسيد لصوت العريض ونظراته؟
■ القصة الشعرية عند إبراهيم العريض
اشتهر الشاعر إبراهيم العريض كشاعر قصصي كبير، استطاع ان يخلق القصيدة القصصية الرومانسية الطويلة، بعد عمليات خلق شعرية دؤوبة، ان هذا الروح القصصي العالي كان مثار ملاحظة واسعة من قبل العديد من الدارسين والشعراء.
يقول عنها الاستاذ حسن الجشي في مقدمة ديوان العريض:
[ويبدو ان العريض اكتشف نزعة القص عنده من خلال قصيدة «مي» التي كانت تحتل مكانة بارزة في نفسه، ولعل فرحة الاكتشاف هذه هي لتي جعلت هذه القصيدة اثيرة على قلبه، بيد ان الاهم من ذلك انها كما قلنا بداية نقلة جديدة تحول بعدها العريض من القصيدة الغنائية البحتة التي ضاقت بأحاسيسه ورؤاه وخبراته الانسانية الى القصيدة الموضوعية ذات الطول المديد في حركة متطورة . .] ديوان ابراهيم العريض، طبعة دولة الكويت سنة 1979.
ويضيف الاستاذ الجشي داخلا الى نسيج تجربة العريض الشعرية القصصية:
[ان اكثر قصصه . . ذو بنية مركبة ولهذا نجد منه التعميم والبناء العضوي، والتخلص من الخطابة ومن الاسلوب الوعظي الذي يشيع في قصص مطران الشعرية . . وهو في هذا البناء يستخدم الحوار والمناجاة واحياناً المونولوج الداخلي . . ويتميز الرد القصصي عنده بطابع فني غالباً . .].
ويقول عن شعر العريض القصصي الاستاذ غازي القصيبي ما يلي:
[لقد ارادت طبيعة العريض له ان يكون روائيا وأراد هو ان يكون شاعراً فكان لكل منهما ما أراد، واصبح شاعراً روائياً، أو روائيا شاعراً، ان العريض لا يستطيع ان يكتب قصيدة دون ان يحولها الى رواية أو على الاقل اقصوصة] غازي القصيبي، قصائد أعجبتني، دار ثقيف للنشر والتوزيع، 1982، ص 69.
سنأخذ قصيدة «بين عشية وضحاها»، ص 145، من الاعمال الشعرية الكاملة، كمثال تطبيقي لهذا النفس القصصي، الذي لفت الأنظار وسنحاول فض بعض اسرار هذا النص الأدبي، في عملية نموه القصصي، بالدرجة الاولى.
القصيدة تتكون من فقرتين رئيسيتين، حددهما الشاعر برقم (1) و(2)، وبدا ان العنوان ينطبق على تقسيم الفقرتين، فالرقم الأول يقابله «عشية»، والثاني يقابله «ضحاها»، فهاتان الفقرتان الكبيرتان، تقسمان الزمن الى ماض، وحاضر، أو هما تجسدان حكاية، لها أولها، ولها خاتمتها، والفقرة الكبيرة الأولى هي عن الحاضر، الذي ينقلب الى ماض، والحاضر يبقى كنهاية للحكاية، وبين الماضي والحاضر هناك خط الحكاية المضفور من علاقة حب سريعة خاطفة بين فتى صياد وفتاة غنية، في ليلة عاصفة، في بنية اجتماعية متناقضة، لا تسعف الحب ان ينمو ويتشكل، وتؤدي بالحبيب الى الافتراق التام القاطع، ثم التلاقي بعد عشرين سنة، في موقع آخر، لم تتغير فيه البنية الاجتماعية المتناقضة، بل تغيرت احوال الحبيبين، فصار الفتى الصياد الفقير فناناً شهيراً، وصارت الحبيبة زوجة وأماً، وبقى شيء واحد لم يتغير هو ذاتا الحبيبين المفعمتان بحب فاشل.
هذه الحكاية لا يلقيها علينا الشاعر دفعة واحدة، بل هو يرسمها لحظة بلحظة، وينميها عبر الوسطين «الطبيعي» و«الاجتماعي» أي مظاهر الطبيعة وأحوال المجتمع، لكن سرعان ما ينزاح «الاجتماعي»، ليبقى «الطبيعي» مسيطراً على اللوحة، ولهذا فان التنمية الشعرية القصصية، عبر تشكيلها للمناخ المحيط بالشخصيتين، تعطي فرشة موضوعية، الى حد ما. وارضية لتنقل «البطلين»، تفسر بها افعالهما وحياتهما، ولكن نظرا لانزياح «الاجتماعي»، وسيطرة «الطبيعي» فان تلك الارضية تختفي.
في الفقرات الشعرية الصغيرة داخل الفقرة الشعرية الكبيرة، هناك محافظة كمية على عدد الابيات، حيث تبقى بشكل ثابت تسعة ابيات، ما عدا نهاية الفقرة الكبيرة الأولى، حيث يزيد بيتان، وما عدا نهاية الفقرة الكبيرة الثانية حيث ينقص بيتان.
الهندسة البنائية الدقيقة تتشكل منذ ضربات الفرشاة الأولى حيث التصوير للقرية بمناخاتها الطبيعية والاجتماعية، واللقطة الأولى هي لقطة عامة للقرية في شكلها الواسع، الرابض عند البحر، ويبدو واضحا طابع القص الذي يسيطر على العملية الشعرية، يقطعها ويوزعها، لكي ترسم ملامح الاشياء والظاهرات.
على شاطئ البحر في قرية تلـوح بعـزلتهـا الـدائمـة
كأن الدجى لفها بالسكون فما برحت دهرها نائمة
فتصوير المكان المحدود للقرية، سرعان ما يندفع الى رسم زمانها، ليندغم هذا الوقت الليلي، الغروبي، بحياة القرية العميقة، الغائرة وراء الظاهرات المباشرة، فكأن لحظة العزلة المكانية، والانحباس عند البحر، هو اللحظات الدائمة المستمرة لتخلفها، لنومها في الظلام، ومفارقتها «للحضارة» والمدنية.
فيغدو الانحصار المكاني، والظلمة، بوابة سريعة لدخول عالمها الداخلي الحبيس في العصور القديمة.
وليس الانحصار المكاني، إلا تتمة للانحصار الزماني، فالزمن رغم مروره الدائم فوق هذه القرية، إلا انها تبقى خارجة، فهذه الشمس «عروس النهار» تطل عليها، لكنها لا تلبث في جوها إلا «حالمة»، لا مغيرة، وهذا البدر يطبع قبلة طويلة، لكنها لا تؤدي الى خصب وتبديل، فيبقى كل شيء كما كان.
والوصف هنا متسلسل، متتابع، منطقي، تتداخل فيه بكثرة حروف العطف تربط بين الصور المنسابة بتلقائية، وتجمعها في لوحة مكثفة، تصف عالم القرية، حتى تصل في خاتمة الفقرة الصغيرة، الى كشف القوة المضادة لعالم القرية، انه البناء الشامخ المطل عليها.
وفوراً يكشف الشاعر، هذا التناقض الكبير في البنية الاجتماعية، التي يرصد بطله فيها. فهذا البناء:
يقيم به نائب . . أمـره مطاع . . وسطوته غاشمة
فلو ايقظ البحر امواجه لمــرت بــأعتــابــه لاثمــه
ان التداخل بين الاجتماعي والطبيعي يبرز هنا كذلك. فالقرية ليست محصورة في شق مكاني فحسب، بل في زاوية اجتماعية كذلك، فهي تنحشر اسفل هذا البناء الشامخ، وتركع تحت سياط هذا النائب ذي السطوة.
ويواصل الشاعر رصد هذا التناقض، عبر وصف شعور اهل القرية تجاه هذا «النائب»، وحياتهم الصعبة داخل تلك الأكواخ.
المقطع الصغير التالي يتجه لرسم صورة «البطلة»، الشخصية الأنثوية الرئيسية في الحكاية. وهذا الاتجاه الأول والاساسي للتركيز على الشخصية الانثوية ، ليس عفوياً، فهذا جزء من الوعي الرومانسي، النهضوي، تكون المرأة غالباً لدى العريض ينبوع الحب وبؤرة الصدام الدرامي ــ القصصي، وغالباً ما تكون هذه المرأة تعيش في عالم مبهر، غني، مرفه، وأيضاً: شاعري، وطاهر، فهي ليست سوى الجمال والنقاء اجتمعا في الانسان.
إن البطل ذا المنبت الارستقراطي، غالباً ما يكون محور الحكاية، أما البطل الفقير، فهو يخرج عادة من دائرة الوصف القصصي، وهذا يعبر عن حدود النزعة الرومانسية لدى الشاعر في تحليلها للحياة والنموذج الانساني، هذه الصورة الرومانسية لا ينثرها الشاعر في قصيدته، بل هو يخلقها عبر الفعل القصصي، الذي سيبدأ بعد، يتوقف تدفقه، مقطع مقتضب حول الطبيعة، وقد طالعتها هذه المرأة الشابة «الخود». حيث ترى الشمس في حالة عشق للإله، والبحر يصير انثى تلملم اردانها امام النسيم الذكوري، تغدو العلاقة بين النسيم والبحر علاقة حب مطردة وكأنها اشارة لما سوف يجري لاحقاً.
ومرة اخرى يظهر التضفير بين الطبيعي والاجتماعي، ولكن الاجتماعي الآن، هو النفسي المحض، المشاعر والعواطف، وقد انفصلت عن تربتها. يتم التركيز منذ الآن على عواطف المرأة والرجل.
فها هي المرأة ترى قارباً نشطاً يحمل فتية متجهين للصيد، فتعلن التمرد على القصر وتنطلق الى البحر.
مثل هذه الحركة القصصية تبدو غريبة، إبان الثلاثينات من هذا القرن، ولكن الشاعر لا يصف واقعة فعلية جرت في الخليج. أو في الهند، بل هو يشكل علاقة غرامية «خيالية»، استقت من بعض جوانب الواقع، لكن تم تغييرها واطلاقها، عبر هذا الوعي الرومانتيكي.
وتركيز الشاعر القاص على الفتاة، هو لكون المنبت الارستقراطي غير معبأ بمشكلات وتضاريس القرية، كما هو حال الفتى، وسوف يتيح نموذجها السياحة خارج التفاصيل الملموسة للواقع، فالمرأة سرعان ما تحررت من سجن القصر والقرية معاً، وطارت كالحمامة، أو النجمة، وبدا أن كل شيء في الطبيعة يمارس الحب معها، وخاصة هذا النسيم الذكوري الذي يقبلها فيصير ندى.
ولكن هذه اللقطات الجزلة، سرعان ما تتحول الى لقطات عاصفة، فيثور الموج. وينكسر زورقها، فتغدو الطبيعة عاملا داخلاً في الحدث كذلك، ومؤثراً ملموسا في تشكيل العلاقة بين الحبيبين المنتظرين، فتلك الكف التي سارعت لانقاذها من «الغيب» هي لذات الفتى الذي سيكون الحبيب، والتي تتعهدها بالعلاج وتسمعها الانغام الجميلة من عودها.
[ونعجب هنا كيف لم يقم القصر بحملة بحث عن الفتاة الضائعة، وكيف سمحت الظروف المتخلفة القروية لتلك العلاقة بين فتى وفتاة ان تنمو؟ انه الوعي الرومانسي في قطعه للمشاعر من سياقها البيئي، وامتلاك هذه المشاعر لطبيعة القص].
ان العواطف الطاهرة والموسيقى النورانية القادمة من وراء الغيب، كلها تجتمع لخلق العلاقة الغرامية بين البطلين، ويتشكل الحب تلقائيا عفوياً، وكأنه جاء من مصدر نوراني، وليس علاقة انسانية مباشرة.
ان هذه العلاقة الغرامية الرومانسية ــ الصوفية، هي فوق الوقائع المباشرة والملابسات اليومية، ولهذا فان كل التغيرات الفادمة والسنين، لن تفعل شيئاً في تغيير «الداخل»، فما الخارج، بتكويناته الاجتماعية ومظاهره، سوى قشرة رقيقة «زائفة».
ولكن ثمة شيئاً ينفجر ويدمر هذه العلاقة، وهو مع ذلك جزء من هذا الخارج «العابر». انه انتماؤها للقصر، وعلية القوم، والاب النائب الشرس، ان التناقض في البنية الاجتماعية، بين القصر والقرية، يعود هنا، بصورة حديثة، مجسدة، عبر التناقض بين الفتى والفتاة.
لِمَ لَمْ يعتبر الفتى هذا التناقض جزءاً من هذه القشور الخارجية، ولم يكتف بالداخل النوراني العميق؟ لم حول هذا التناقض الخارجي الى بتر لهذه العلاقة «المقدسة»؟
ان الفتاة تقر بظلم أبيها، وهي تعود الى بيتها، في منولوج تعليقي على الحدث السابق، ولكنها تصل الى لحظة تنويرية خاصة، ان رد حبيبها على ظلم ابيها هو ظلم ايضاً، ولكن بحقها. إن الحبيب لم يتميز عن الأب، فلم ينسج من سيطرة الخارج، ليسمو فوق التضاريس الاجتماعية، بل انحشر فيها، ولم يرتفع كما ارتفعت هي، فأكتمل حبها وتطهرها.
وغــاظــك ان ابـي ظــالم ألست بظلمك لي صاحبه؟
وبهذه الفقرة انتهى الحاضر، وصار ماضياً، وانتقل الزمن عشرين سنة، تبدلت فيها الاشياء، وهي المظهر، ولم تتبدل القلوب، وهي الجوهر.
وهنا تبدو العلاقة منقطعة، معدومة، بين القرية والقصر، فلم يكن ثمة تفاعل، فالفتاة تنقطع كلية عن الفتى، وتتجه لخدمة زوجها واطفالها، وتنجب طفلة هي نسخة منها. وكأن دورة الحياة الرومانسية تعيد آليتها بشكل دائم عبر هذا التكرار. فأيضا الابنة هي قمة الفتنة والطهر والعذوبة، وهي ايضا ستتجه لرؤية البحار السابق، وقد تحول هنا، بعد دورة الزمن هذه، الى فنان موسيقي كبير.
والشاعر القاص لا يضيع نسجه القصصي هباء، فرغم استطالته في وصف الابنة، إلا انه يستخدمها كصورة من الأم فقط، وكوسيلة لتنمية الحدث القصصي، وبعث المشاعر الداخلية العميقة التي لم تمت، فلقد هصرت سنوات الزواج المرأة، واذبلت ابتساماتها، ولا تشتعل هذه الابتسامة إلا عندما تذكر حبها القديم، والبحار المنقذ، فكأن الزواج هو جزء من الظاهر، والحب هو وحده الفرح الحقيقي المفقود.
وتتجه الأم والابنة الى الحفلة الموسيقية، وتكون ثمة صدفة جديدة في سلسلة المصادفات، أو قمتها، وهي الالتقاء بالبحار السابق، الموسيقي حاليا، وهو يعزف العود ويحرك الجماد.
ان هذه اللقطة الأخيرة، هي قمة كل المشاعر والحدث، فالموسيقي يرى المرأة، ويعرفها بسرعة، فمظاهر العشرين سنة لا تستطيع ان تحجب الجوهر، ويعزف بوله لها، ويندم في غنائه على تضييعه للحب، وتسأل الفتاة امها، عن هذا المغني المعذب، فتخبرها الأم، ببساطة، انه أحبها يوما، وليست كلماته الغزلية، المشبوبة الاداء الآن، سوى كلمات طالعة من قلب اقفر ومات! وتنتهي الحكاية.
وهكذا عندما وصل الفتى البحار، الموسيقي الناضج حاليا، الى ذات الموقف الرومانسي المكتمل، تكون هي قد ابتعدت عنه، رغم ان ذاتها كانت مليئة بحبه.
هذه المفارقات العاطفية سببتها تلك البيئة الاجتماعية المتناقضة، والوعي المندس في شقوقها، لا الطائر المحلق بعيدا عنها، ان الموسيقي الآن قد حل اشكاله الخاص مع البيئة، وارتفع، ولم يعد بحاراً فقيراً، ووصل الى مرتبة الحبيبة الاجتماعية، والآن هو قادر فحسب، على ان يحبها حقا، وان تكون له، ولكنه لم تعد له.
ان التمسك بالبيئة الاجتماعية ومراتبها، هو قشور حسب وعي إبراهيم العريض ورؤيته الرومانسية، سواء كان هذا التمسك سلباً ام ايجاباً، ثورة أو قمعا، وهذا هو سر المأساة. فلو ارتقى البحار في تلك اللحظة القديمة، عن غضبه، وارتقى الى «الجوهر» الانساني، الى النقاء والطهر الروحي، بعيدا عن «مظاهر» الفقر أو الغنى، القرية أو القصر، كما فعلت الفتاة «النقية» لكان سعيدا الآن.
هنا نرى رؤية العريض، التي ترى الصراع الاجتمااعي، ولكنها تعتبره من القشور، لأن الجوهر الانساني الخالد يسمو فوقه. ولا يمكن للفنان ان يبقى حبه إلا بالسمو فوق النزاع «العارض»، ولا يحدث الرقي والنور، إلا عبر هذا التجاوز للتضاريس الاجتماعية ولا يمكن للقرية، بالتالي، ان تصعد، للنور، للنهضة، إلا عبر هذا التسامي.
وإذا كانت القرية ككل لم تصعد، فان الفنان ابنها، ارتقى، عبر احدى أدوات النور، وهو الفن، وحين وصل، الى ذات المكانة الاجتماعية، اكتشف، ان كل تلك المستويات المتناقضة، هي مجرد مظاهر، ولكن في اثناء الرحلة، كان قد فقد حبيبته.
ان آلية الوعي الرومانسي تتحكم في البنية الفنية هنا، فالطبيعة قوة اساسية متداخلة ومؤثرة في الاحداث والمشاعر، وتمتلك كينونتها النقية، والمشاعر المرتفعة فوق الزمان والمكان هي القوة المهيمنة في نسيج الحياة، وهي كالمواهب والأفكار من مصدر علوي، والصدف هي التي تلعب الدور الحاسم في تنمية الاحداث، كوجه من اوجه تجلي القدر المهيمن على نسيج العالم.
والشاعر يعتمد في تجسيد هذا الوعي الرومانسي على قوانين نمو الحدث القصصي في جزء من الواقع. فيجسد الجو العام للحكاية، وينمي الحدث، ويرسم الشخصية المحورية، من خلال تصاعد الحدث، لكن هذا الحدث ينسحب تدريجيا من أفقه الاجتماعي، ليجنح في عالم المشاعر، وهي مشاعر شخصية واحدة، اثيرية، حالمة، وليس عبر تعدد المشاعر وتناقضها، وحتى حين يحدث التناقض النفسي يدور في سياق العاطفة الرومانسية وحدها.

■ من المعارك الادبية في البحرين
○ إبراهيم العريض في مواجهة كاتب مجهول
مقابلة صغيرة قامت بها مجلة «القافلة» في سنة 1954، بالبحرين مع الاستاذ إبراهيم العريض ادت الى حدوث مناقشة أدبية ساخنة لبعض قضايا الأدب، وطرحت أسئلة جوهرية حول ماهية الأدب وعلاقته بالمجتمع. سوف نقرأ جزءاً من هذه المقابلة، وبالأخص المقاطع التي استدعت الحوار بادئ ذي بدء:
القافلة . . تسأل والأستاذ إبراهيم العريض يجيب:
● أنت ــ وإن تواضعت ــ استاذ روحي لجيل من الشباب البحريني الحي وأديب عالمي . . فما هي النصيحة التي تقدمها للأدباء الناشئين من الجيل الجديد؟
○ نصيحتي للأدباء الناشئين من الجيل الجديد بألا يقطعوا صلتهم بمصادر الثقافة العربية القديمة. فبدونها لا يمكن أن يقوم للعرب كيان قومي. وهلكت أمة لا تاريخ لها. ولست أعني بهذا بأن يعيشوا عالة على عصرهم فان لكل عصر مشاكله الخاصة. والشعب الذي يتنكر لشئون عصره يصبح في حكم الأموات إذ تلفظه الحياة.
ولقد كانت مصيبة الأمة العربية طوال العصور هي في تصور أبنائها انهم يستطيعون ايقاف عجلة الزمن.

🍃 المثل الأعلى للجمال
● ما هو المثل الأعلى للجمال؟
○ الجمال نسبي. فلا يمكن أن يكون له مثل أعلى. فكل ما هذب ذوقك ووسع احساسك بالحياة وزادك بها على تطاول العمر متعة وسروراً وكان عاملاً على رفع هذه الغشاوة عن عينيك بحيث ترى الدنيا زاهية الالوان لا مجرد سواد أو بياض. كل ذلك بالنسبة اليك والى من لهم علاقة بك هو الجميل.
● يتهمك كثير من المعجبين بك بأنك انطوائي تضن على أبناء مجتمعك بما من الله عليك من شاعرية فذة وتفكر سليم . . لماذا لا تحاضر في الأندية الادبية فترضي المتعطشين الى ادبك؟
○ لا أدري كيف يجتمع الاعجاب والتهمة في آن؟! على ان كلمة «انطوائي» مطاطية تستطيع أن تحملها ما شئت من معنى . . ولن تصل بها الى نتيجة. ولو أردنا التحديد لقلنا ان من الادب ما يعالج مشكلة الفرد في ظروفه الغابرة وهي لا تتجاوز زماناً بعينه في هذا المكان أو ذاك، كالقضايا التي تعرض على المحاكم أو كالوصفة الخاصة التي يصفها الطبيب الى مريض مثلاً تحت العلاج، فهذه لا بد من تغيرها من يوم الى يوم. وكذا أدب الصحافة. ومن الادب ما يتجاوز هذه النظرة الضيقة الى أفق الحياة الأوسع حيث تلبس المشكلة رداءها الانساني وتخرج من نطاق الفردي بحيث يسري حكمها على «الإنسان» في كل زمان ومكان فلا تعود قضية خاصة.
ويضيف الاستاذ العريض:
ولقد كنت دائماً أهتم من الادب بهذا الجانب الذي يرى المشكلة انسانية قبل كل شيء، أي لا تخص زيداً أو عمرواً من الناس فحسب بل تتعداهم الى «الإنسان» الجانب الذي لا يتقيد لذلك في الحكم لها أو عليها بظروفها العابرة التي قد تختلف باختلاف الأحوال. ولعل من هنا فضل القصة ــ عند بعضهم ــ حتى على وقائع الحياة. وصح اعتبارها باباً من أبواب الادب الرفيع اليوم وان كانت محض خيال، وترى لذلك شعري كله قصصاً . . حتى ما دار منه حول مأساة فلسطين.

🍃 أين الحقيقة؟
ويثير هذا الرأي حفيظة أحد القراء ــ ولا أظنه إلا أحد الكتاب ــ فيكتب في زاوية «آراء حرة» مقالة بعنوان «أين الحقيقة!»:
اريد أن أقول للأستاذ العريض ان هذا الادب الصحافي الذي يعالج هذا المجتمع الصغير. الذي هو جزء من المجتمع الانساني الكبير هو أدب انساني ايضاً، وكذلك أرض الشهداء. أما اخت شيرين وورقة التين وبيني وبينها وزهرات من خميلة الخيام وغيرها فليست أدباً انسانياً وليس الاستاذ العريض أديباً بالمعنى المفهوم، أديباً لا يجده زمان ومكان كطاغور مثلا الذي تغنى ببلاده وصور ريفها ومدنها وعاش وطنه بقراه وسهوله وبساطته وغموضه حياً خالداً في ادبه.
اما ما (يقوله) الاستاذ الفاضل على الادب اليوم من أن القصة تأخذ مجالاً بارزاً فيه ويفضلها بعضهم حتى على وقائع الحياة رغم انها خيال محض (فخطأ) الآن. الأدب اليوم لا يحتضن من القصة إلا ما يصور وقائع الحياة ويعالج المجتمعات الانسانية قبل كل شيء. فـ غوركي وهوارد فاست وتولستوي وغيرهم من أعلام القصة لم يكتبوا خرافات وأساطير خيالية، وإنما كتبوا قصصاً واقعية من صميم الحياة (....) فمن صميم الشعوب اغترف هؤلاء العمالقة أدبهم، من وقائع الحياة، لا الخيال المحض.
هناك تناقضات عديدة بين رأي الاستاذ العريض وذلك الكاتب المجهول. انهما يقفان على طرفي نقيض، ويتقبلان بشكل غير جدلي، الأمر الذي يشير الى وحدة الرؤية رغم الاختلاف.

محاولة للقراءة
سنحاول هنا أن نقرأ الحوار على ضوء وقته.
للعريض تصور خاص ذاتي للجمال وهو ان الجمال ما يجعل عينيك تريان كل شيء زاهياً. ان «الجميل» هنا هو أمر خاص بالفرد، بالذات الخاصة المنعزلة عن الآخر، فكل ما يجعلها تتمتع وتسر كان جميلاً.
لكن لدى الكاتب المجهول ان الجمال هو في رؤية الواقع على مرارته. ان تركيزه «الواقع» و«الحياة» و«الوطن» وان في اكتشافه رغم وجود السوء والقبح والتعاسة فيه، هو الأمر الباعث والخالق للجمال في الادب، هو أمر هام هنا جداً. فالكاتب يريد جر العريض الى مصدر الجمال ومقياسه الحقيقي والموضوعي، وليس الى الذات وأحاسيسها الفردية المنعزلة.
وتتضح شقة الخلاف بين المفهومين عندما يؤكد الاستاذ العريض ان الادب لا يعالج مشكلة الانسان في «ظروفه العابرة» بل يتجاوز المكان والزمان.
أما الكاتب فيرى على العكس ان في الغوص وراء هذه «الظروف العابرة» والاتجاه الى الواقع بكل مظاهره وبشره هو مهمة الادب.
وحقاً كيف يمكن الارتفاع عن «الظروف العابرة»؟ وهل يمكن للأدب أن يكون خارج الزمان والمكان؟
ولم يكن أدب العريض نفسه خارج الزمان والمكان، بل كان داخله، ولكن اتجه الى مناطق بعيدة وأزمان مختلفة، الى «فلسطين» والى «الاندلس» وغابت ملامح البلد، أي البحرين، في زمن العريض ذاته، عن أدبه بشكل واضح.
أي ان الخلاف ليس هو حول الخروج من الزمان والمكان بشكل مطلق، وذلك مستحيل، ولكن الخلاف يتركز على الخروج من زمان ومكان محددين والزمن هو النصف الثاني من القرن العشرين والمكان هو: البحرين.
ان الادب المتواضع المتواجد حينذاك حاول أن يتجه بقوة الى الحياة، وكان أدباً «صحفياً» كما وصفه العريض. لأنه اهتم بالكثير من القضايا «العابرة» فعلاً كتعدد الزوجات، ضرر الطلاق، الشعوذة . . الخ.
ان هذا حقاً لم يتوغل في الحياة، ولم يتجذر فيها بسبب ان الوعي الفني المتشكل حينذاك فحسب لم يكن بعيداً عن «الوعي الصحفي» كانت الرغبة في التأثير السريع، وكذلك عدم التمكن من فهم واستيعاب ادوات الادب والفن، ومناخ الخطابة السائد، من الأسباب التي أدت الى عدم تحول هذا الادب الصحفي الى أدب حقيقي.
ولكن على الرغم من ذلك فلو ان الادب الصحفي قدر له ان ينمو في بيئة صحفية مستمرة، ومناخ مزدهر، لأمكنه فعلاً أن يتجاوز صحفيته وسرعته الى الادب وهذا ما بدأ يتشكل بعد ذلك في مرحلة تالية من نمو الصحافة البحرينية، ولكن مع فارق جوهري هو نمو وعي اجتماعي مختلف.

🍃 تضــاد غير جـدلي
ويتضح التضاد غير الجدلي بين العريض والكاتب المجهول في الحديث عن «الخيال» فالأدب لدى العريض هو خيال محض، فهو يعتبر القصة من أبواب الادب الرفيع وان كانت «محض خيال». وهنا يبدو الخيال في تصوره متعارضاً بشكل مطلق مع الحقيقة والواقع.
أما الكاتب الآخر فيندفع الى الجهة المعاكسة تماماً فيرفض ذلك «لأن الأدب اليوم لا يحتضن من القصة إلا ما يصور وقائع الحياة . .» فيبدو الخيال هنا خارج الادب، فينتمي الكاتب بهذا الى «الوقائع» الى «صميم الحياة» بينما العريض يتوجه كلياً الى «الخيال».
هنا نجد مفهوماً غير حقيقي عن الادب، فالخيال ــ وهو ميزة جوهرية في الابداع ــ يقف على طرف نقيض من التصوير الادبي الذي يجب ان يكون «واقعياً» أي بمعنى أن يسجل ويعكس بشكل حرفي ما يدور في الحياة.
وهذا الرفض للخيال، رغم خطأه الطفولي، مبني على عداء واضح للأدب الذي لا يتجه لاكتشاف الواقع، للأدب المنتمي الى مدرسة «الفن للفن».
نجد أن ثمة نقيضين هنا لا يتآلفان جدلياً: الواقع المباشر والخيال، فالأدباء الحقيقيون في تصور الكاتب المجهول هم المتجهون الى هذا الواقع والمبتعدون عن الخيال، الذي ليس سوى هروب وكلام فارغ. أما في تصور العريض فالأدباء الحقيقيون هم المغمورون بهذا الخيال والمبتعدون عن هذا الواقع المباشر المتغير الزائل الصالح للصحافة.
ان ادب العريض كما لاحظ الكاتب فيه الكثير من تجاهل الواقع المحلي، تجاهل للفقر والعذاب والاضطهاد الاجنبي انطلاق الى قضايا وجدانية شخصية أو اتجاه لأدب يتحدث عن قضايا «قومية». انه أدب يفتقد التماس مع الواقع البحريني، فهو أدب بهذا المعنى، غارق في الخيال، ويسكن «البرج العاجي» ولا ينزل الى السوق والحارات.
في تلك الفترة، أي في سنة 54 وما تلاها، كان ثمة زخم وطني تحرري كبير في البحرين، فقد اندفعت الطبقة الوسطى للصراع المباشر مع الانجليز واستغلت الصحافة والأندية وكافة الاشكال المتوفرة لنشر الوعي واستقطاب الناس لآرائها.
وكان العريض بؤرة أدبية هامة، وشخصية لامعة على المستويين المحلى والعربي، فكان أمر جذبة لهذا الصراع الدائر، والاستفادة من كتاباته وآرائه، مطروحاً بقوة لدى المثقفين البارزين في الطبقة.
وكان هذا الحوار والتعليق ــ الذي يبدو انه من أحد كتاب المجلة نفسها ــ والمناقشات التي تلت هي جزء من عملية التأثير في هذه الشخصية الادبية البارزة.
لكن المسألة كانت أكبر من ذلك. فإبراهيم العريض قد كرس لنفسه منحى مختلفاً، فهو ذو علاقة وثيقة بالوضع السائد، وقد أبعد أدبه بشكل عام عن نقد هذا الوضع، واتجه الى موضوعات بعيدة محافظاً بهذا على استمراريته في الكتابة وعلاقاته معاً.

🍃 الموقــف والظــرف
ان «الظروف العابرة» وهو التعبير الذي ورد في الحوار معه يشير الى هذه الأحداث الصاخبة في الخمسينيات والمشكلات السياسية المتفجرة، وهي قضايا رئيسية وكبيرة ولكنه يعتبرها «عابرة» و«هامشية»، والمهم لديه هو الدخول الى القضايا التي تبقى وتستمر خارج هذه الظروف المتغيرة.
وهذا الرأي غير الجدلي، الذي لا يربط بين الآني والمستقبلي ولا يتصور العلاقة الوثيقة بين المشكلات الحالية ووضع الانسان العميق، يريد في الحقيقة أن يبتعد عن اتخاذ موقف تجاه الواقع.
ان ظروف الخمسينيات لم تكن ظروفاً عابرة، بل كانت صراعاً جوهرياً وأساسياً ليس في البحرين فحسب ولكن على مستوى العالم ان الصراع بين الشعوب والاستعمار هو صراع أساسي وملمح رئيسي من ملامح تاريخ الانسان المعاصر.
انه صراع ملحمي له ظلاله المختلفة، فهو صراع القديم والجديد، الشر والخير، السلبي والايجابي، اللااخلاقي والاخلاقي، السيطرة الاجنبية والتحرر، الاغنياء والفقراء الـخ . . وعلى ذلك فهو مادة هامة جداً للأدب.
ونفس هذا الصراع كتب عنه العريض، ولكن عندما تعلق بفلسطين، أي انه لم يكن ضد الكتابة عن هذا الصراع «العابر» بشكل مطلق!
ان الكاتب المجهول كان يعرف ذلك، وتفريقه بين كتابات العريض المختلفة دليل على ادراكه الصحيح لجوانب أدبه المتناقضة، ومحاولته لتوجيه هذا الادب نحو الواقع المحلي، أي لحل التناقض داخل ذلك الادب!
وهو في طرحه أسماء مثل «غوركي» و«هوارد فاست» و«تولستوي» قد استوعب بحسه ان الادب العميق يستطيع أن يضفر بين المشكلات الآنية وأوضاع الانسان الجوهرية، فليس ثمة تناقض بين تحليل الانسان في واقع محدد، وان يكون الادب باق وخالد. بل على العكس ان تأثير الادب في الاجيال القادمة نتاج ادراكه العميق لمشكلات وقته.
لكن الكاتب المجهول لم يستطيع ان يستوعب ذلك نظرياً، اضافة الى ان الفهم المنتشر للأدب وقتذاك بين طليعة المثقفين هو الادب المتجه لمعالجة قضايا مباشرة. وليس ذلك الادب الواقعي الرفيع كما وصل لدى تولستوي وغوركي.
ان وعي مثقفي الطبقة الوسطى تركز على شحن الناس ببعض القضايا والهموم الساخنة وبشكل قريب من الصحافة وليس الادب. كما لم يكن بإمكانهم التغلغل الى عمق مشكلات المجتمع ونماذجه.
وأسباب هذه الظاهرة ترجع لتاريخية هذا الوعي. فهو وعي لم يكن يقف فوق أرضية صلبة من النهضة التعليمية والثقافية، كما يرجع للطابع «المؤقت» لصراع الطبقة ضد الاستعمار، فهو صراع تريده سريعاً، خفيفاً، يتركز حول بعض المطالب الهامة وليس صراعاً يتجه لتغيير شامل وجذري.
هذا ما يتعلق بالطبقة «الوسطى» القائدة للزخم، أما الناس فكانوا في وضع ثقافي متخلف جداً، ولذا كانت مشاركة المعبرين عن طموحهم في الادب، تكاد أن تكون معدومة.

🍃 التحــديث والتغــريب
من هنا كان العريض غير ملتفت الى هذا النوع من «الشغب» الادبي، فقد عمل من بداية الثلاثينات في نشر وعي مؤمن بالحضارة الغربية وقيمها. وكان التحديث لديه لا يصطدم بذلك التملك الاجنبي، بل على العكس يفترض الصداقة والتعايش معه.
ونجد في المقابلة ايحاء بذلك، فهو بعد أن يوجه نصحه للأدباء الناشئين بعدم قطع صلتهم بمصادر الثقافة العربية القديمة يطالبهم بعدم الوقوف عند تلك المصادر والانقطاع اليها ثم يضيف «ولقد كانت مصيبة الامة العربية طوال العصور هي في تصور أبنائها انهم يستطيعون ايقاف عجلة الزمن».
لقد كان الصراع الفكري وقتذاك يدور بين تيارين فكريين هامين استحوذا على وعي مثقفي الطبقة الوسطى وهما التيار القومي بروافده وبين التيار «التحديثي» الغربي.
وإذا كان التيار الاول هو الذي قاد عملية الانطلاق الوطني وكرس الاهتمام بالتراث بدرجة اساسية فان التيار الآخر كان في موقع الرفض لتلك الانطلاقة والتأكيد على منحى آخر.
فاستعادة المواقع التراثية، أو العودة الى الماضي العربي الزاهر، أو توقف الزمن على حد تعبير العريض، لن يؤدي الى نتيجة حقيقية، فالزمن يندفع باتجاه الغرب، والتماثل معه والذوبان فيه. وهذا هو الحل!
من هنا تصور العريض ان ذلك «الشغب» سيكون «عابراً». وان الطبقة الميسورة «المأزومة قليلاً الآن» والمتمردة ستعود من جديد الى الحضن الدافئ. وهذا ما كان فعلاً فالأغلبية الساحقة من مثقفي البرجوازية البحرينية تركوا تلك القضايا العابرة الساخنة واندمجوا في المناخ العام الدائر حول المركز الغربي. وما عادوا يرددون أسماء تولستوي وغوركي، بل ان الحياة الادبية الجديدة في الستينيات عندما استعادت هذه الاسماء بشكل اكثر نضجاً اثيرت زوابع حولها!

🍃 ســــوء تفـاهـــم
ان اهتمام العريض لم يكن موجهاً لإلغاء «التغريب» بل على العكس كان يؤكده. ولهذا راح يؤكد من بداية الثلاثينيات على قيم «العلم» و«التعلم» و«الفن والأدب الانساني» و«حرية المرأة» و«الحب» و«العقل» و«النهضة» . . وكل هذه هي معايير للطبقة الوسطى «الخالدة» أي ان هذا هو برنامجها عبر كل المراحل والتطورات الآنية.
أما أن تتجه الى أبعد من ذلك فهو أمر «عابر»، نتاج أزمة طارئة، ولحظة صدام لا تلبث أن تزول، وسوء تفاهم «عائلي» ومن ثم تعود الامور الى مجراها الطبيعي.
ان العريض بحسه كان يفهم طبقته التجارية العقارية، التي تعيش بالتوكيلات الاجنبية، وغير الصناعية، وغير الواسعة والمحاطة بأناس أكثر حدة وجذرية منها، لهذا فهم الشاعر الافق البعيد لها.
لقد شارك في أوائل الخمسينيات في كل نهضتها الادبية، بل وكان من الممهدين لمثل هذه النهضة، ولكنه لم يؤيد فورتها الآنية. وبقى «منعزلاً» و«انطوائياً» عن ندواتها وأدبها الصحفي الصاخب السريع، منتظراً انتهاء عاصفتها.
وسرعان ما ارتدت الطبقة الى رؤية واندمجت في المناخ «التحديثي التابع» ولم تعد تطرح بعد ذلك الدرس القوي أي تغيير جذري وصمت كتابها وابتعدت عن الادب الساخن العابر، بل وعن الادب برمته!

■ المثقفون البحرينيون وإبراهيم العُريّض
لسنوات طويلة ظل الأستاذ إبراهيم العريض الشاعر والناقد الوحيد الهام المعروف من البحرين، ولربما من منطقة الخليج والجزيرة كلها، وظل اسمه يتردد في المحافل الادبية والمجلات الثقافية العربية المشهورة، منذ الثلاثينات وحتى الستينيات.
لقد قام العريض بإبداع جوانب جديدة في أدب المنطقة، وواكب نشوء القصيدة الرومانسية واسهم بنصيب وافر من انتاجها، واتجه الى خلق الملحمة الشعرية، ثم ركز، بعد وفرة الإنتاج الشعري والملحمي، على كتابة النقد وتحليل الشعر، بدءا من نظراته النقدية المتفردة إلى أدب المتنبي وانتهاء برؤيته للإنتاجات الشعرية العربية المعاصرة له حينذاك.
والملاحظ في هذا الإنتاج الشعري والنقدي الوفير، قلة الاهتمام برصد الثقافة في المنطقة، وعوالم الحياة فيها.
ان انتاجه الشعري يرتكز على موضوعات تراثية أو عربية بعيدة كقضية فلسطين، وهو نتاج يحوم بعيدا عن مشكلات وطنه وقضاياها، الأمر الذي جعل العريض ظاهرة ملفتة للنظر، ومحل تساؤل وخلاف، من قبل التيارات الادبية التي تشكلت وتغيرت طوال هذه الحقبة المديدة.
لقد كان العريض مثار اعجاب مثقفي الثلاثينات والأربعينات البحرينيين، الذين رأوا عربيا فتيا يقدم من الهند، وهو لا يكاد يفقه من اللغة العربية شيئا، ويقوم بتعلمها واستيعابها والتفوق فيها الى درجة ان يصبح فقيها فيها ومرجعا لشواردها وعوالمها القصية.
ثم لا يكتفي بذلك بل يصبح ضليعا في لغة ثالثة هي الفارسية، اضافة الى عبقريته في اللغة الانجليزية التي ينتج بها شعرا!
ثم يقوم بالتجديد في أنواع الأدب. يؤسس المسرح التاريخي ويشكل القصيدة العاطفية النابعة من الأنا، غير المادحة والمتسولة، التي تعج بظاهرات الطبيعة الحية. ويطور هذه القصيدة الى ان تكون قصة، لها كل خصائص القصة، من شخصيات وأحداث وعقدة ونمو، وتتحول هذه القصة ايضا الى ملحمة، تتطور كثيرا عن أن تكون قصة محدودة لشخصيات مغمورة، بل تكون قصة لقضية كبيرة.
هذا كله جعل المثقفين «البسطاء» حينذاك يرونه كبيرا، ورمزا لما يريدون أن يقوموا به من انهاض للثقافة والمجتمع.
وقد قام المثقفون المتنورون حينذاك بتأسيس مجلات نهضوية هامة في المنطقة كـ«صوت البحرين» و«القافلة»، واتجهت الثقافة العربية في منطقة الخليج إلى التطور، والتغلغل في ظاهرات الحياة وأزمات المجتمع ووجود المستعمر، مما أدى إلى بروز انواع ادبية جديدة، كالقصة الواقعية والمسرحية «الاجتماعية» الارتجالية وغيرهما.
ومن هنا وجه هؤلاء المثقفون الجدد نقدا الى ادب العريض الشامخ، وخاصة الى جوانبه «الخيالية» والمغرقة في الرومانسية، ودعوا في مقالات نشرتها «القافلة» في الخمسينيات إلى ان ينزل العريض الى الشارع وان يعبر بقلمه عن هموم الناس.
ولكن العريض كان له أفقه المختلف. بل لقد كان مبهورا بقصيدة مدح وجهها الى ملكة بريطانيا في عيد ميلادها، حسب ما طرح في العدد الخاص الذي أصدرته مجلة كتابات عنه.
لقد كان العريض ارستقراطيا في نظرته للحياة، واعتبر العالم ينقسم الى نخبة مميزة، دورها الاصلاح والثقافة والتوجيه، وعامة تعيش ظروفا صعبة لا تؤهلها للصعود الكبير أو تغيير الحياة.
ومن هنا فإن صعود تحالف الم
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on July 29, 2019 07:18 Tags: إبراهيم-الع-ري-ض
No comments have been added yet.