عصيان الأرانب السحرية- آريل دورفمان

 


 


بعدما غزت الذئاب أرض الأرانب أول شيء فعله قائد القطيع نصب نفسه ملكا. ثاني شيء أعلن أن تواجد الأرانب مصيره إلى زوال.. من الآن وإلى الأبد ممنوع تداول أسمائهم. ولأجل أن يأمن جانبه، ملك الذئاب الجديد مضى إلى كل كِتاب يعرفه وبقلم رصاص كبير شطب على الكلمات، ومزق الصور الخاصة بكائنات الذيول الزغبة تلك حتى اطمأن أنه لا يوجد أي أثر يقفى لأعدائه باقيا. بيد أن ثعلبا رماديا كالحا مسنا والذي صادف أن يكون مستشاره جلب له أخبارا سيئة.


“الطيور.. سيدي المذئب، أصروا أنهم رأوا بأم أعينهم بعض من.. بعض من.. تلكم المخلوقات، من الأعلى”


“كيف ذلك، أنا لم أبصر شيء من هنا، من عرشي!” قالها الذئب.


“بأوقات سيئة كهذه” صرح الثعلب “الناس تجب أن ترى بأعينها لتتأكد!”


“أتساوي الرؤية بالاعتقاد؟ هات القرد الذي أخذ الصور، ذلك الذي يعيش بالجوار، سأعلم ذينك الطيور درسا” كان القرد هرما وضعيفا.


“ماذا يريد الذئب ابن الذئاب هذا مني؟” تساءل وهو يلتفت لزوجته وابنته..


الابنة الصغيرة كان لديها الاجابة  ” أكيد يريد أخذ صور للأرانب.. أبي”


الأم “اسكتي.. اسكتي.. الأرانب ليس لها وجود”


كانت القردة الصغيرة موقنة بوجود الأرانب بقرارة نفسها، فمنذ غزت الذئاب العاوية بلدتها والأرانب لم يعدوا يزورونها كما كان يحدث قبلا. لكن بأحلامها أكملت سماع المطر الأخضر لأصواتهم يغنون بالجوار وانعكست برأسها، مثل بحيرة صغيرة تحت ضوء القمر. وعندما كانت تستيقظ، كان يوجد دائما هدية  صغيرة لها أسفل سريرها. كان اختراق الحوائط والأبواب المستعصية  مثل الماء للأرانب.


“لهذا السبب أنا أنام جيدا..” قالتها البنت وأتبعت “ولهذا السبب كذلك الملك الذئب طلب الصورة، لكي يبعد الكوابيس عنا… أبي، إنك ستجلب لي صورة لهم يوما ما، أليس كذلك؟”


شعر القرد برعشة تزحف صعودا وهبوطا لفروته “خذي الفتاة لغرفتها” قالها لزوجته “.. حتى تعي أنه هنالك أشياء بعينها لا يجب التحدث عنها”


لم يكن ملك الذئاب في أحسن حالاته المزاجية حينما قدم له القرد.


“متأخر.. وأنا في عجلة.. أريد صورا لكل حدث مهم في حياتي..كل شيء أفعله، دعني أخبرك بنفسي عن أشيائي الأكثر أهمية.. هل يمكنك تخمين ماذا سنفعل بتلك الصور؟ لن تخمن؟ سوف نضع واحدة بكل شارع، بكل أجمة، بل كل بيت.. سأكون وقتها موجودا أرى كل مواطن بعيني الخاصة. من الأفضل لك ألا تنتهي هذه المشاهد من حياتي معلقة على صدور حوائطهم.. أتعلم أيضا من سيوزع هذه الصور؟ لن تخمن أيضا؟..”


كان القرد يرتعد لدرجة أن الكلمات لم تخرج منه “الطيور.. والقرود القبيحة” بعد الآن سيقرضون منقاريهم قبل أن يدسوها ويتواتروا الأخبار غير المعقولة عن الأرانب، وإلا سأعلقهم جميعا بسلبة لا تنتهي بحيث لا يمكنهم الهرب، أتفهم؟”


وعى القرد جيدا حتى أن قبضته المرتعشة ضغطت درفة الكاميرا ملتقطا أول صورة.


“امض” زمجر الذئب “وحمضها، أريدها على كل جدار بالمملكة”


لكن المصور آب بعدها بدقائق، لم يجرؤ على دخول الغرفة الملكية، وسأل الحراس جلب مستشاره دون أي كلمة. مرر له الصورة التي التقطها للتو.


رمش الثعلب مرة، ثم رمش ثانية.. بركن الصورة بعيدا عن الضلع، صورة وحشية للملك الذي-كانت يداه مرفوعتين عاليا في الهواء كما لو كان قد فاز ببطولة ملاكمة- ظهر دون جهد دونما أذنه بالصورة، بينما أذن أحدهم متطرقة لسماع كل المحادثة.


“يا قرد يا أعمى” نهره بوجهه الثعلب “كيف لك ألا تلاحظ شيء مثل هذا.. عميت عن هذا الشيء!.. ألا تعرف كيف تتحكم بهذه الكاميرا؟”


“بشأن الصورة” أجابه القرد “ذلك بسببك أنت وحرسك لم أتمكن من الاقتراب كفاية”


“لن يحدث ذلك مجددا..أعدك” أتبع “امسح تلك ال.. أُذن، قبل أن يكتشف سيدنا المذئب”


من شنطته، أخرج القرد سائلا خاصا يستخدم لازالة أية تفاصيلة زائدة قد تزعج عميله. بدأت أذن الدخيل في الاختفاء كما أنها لم تكن.  وسعد ملك الذئاب بالبورتريه وأمر بطباعته بكافة أرجاء المملكة. بساعتين بعدها ذهب بنفسه بحملة تفتيش ليتأكد أنه لا توجد نافذة لا تلتمع عليها أنيابه اللامعة الكبيرة الخطرة.


“ليس سيئا” قالها لنفسه “لكن الصورة عفا عليها الزمن. الناس تريد رؤية آخر أعمالي. خذ لي أخرى.. بسرعة.. اظهرني أخيف تلك الحمامات وأٌبعِدها بعيدا.. واجلبها لي حالا.. آخر مرة انتظرت عُمْراَ”


لم يقوَ القرد على الممانعة هذه المرة أيضا.. بمجرد ما فعل استدعاه المستشار مرة مجددا “ثانية.. حدث نفس الشيء” غير أن هذه المرة كان الوضع أسوأ من أذن دخيلة.. ركن كامل من الصورة الجديدة امتلأ عن آخره بوجه لا تخطؤه العين ل.. نعم لا حاجة لإنكار ذلك.. لأرنب يغمز بعينه في تحدٍ سافر للحراس المجاورة”


“لابد من مضاعفة الحراسة” تمتم الثعلب “لحين حدوث ذلك امحِ صورة هذا الغازي”


“عظيمة” هكذا صاح الملك الذئب بعدما حصل على صورته “انظر بوجوه تلكم الحمامات الخائفة وهن يحاولن الهرب.. أريد منها مليون نسخة. أريدها على عبوات البن والكوبونات داخل الحبوب الغذائية.. هلم.. هيا بنا.. نحطم لنا سدا.. يالا أيا قرد.. المجد في انتظارنا”


كان القنادس يعملون طيلة صيف وشتاء لمدة ثلاث سنوات على سدهم الرائع فقط ليسمح لهم بري الوادي البعيد. بينما تسلق ملك الذئاب شجرة “أيها القرد. أريد منك التقاط اللحظة المناسبة عندما قدمي تندفع بقلب السد.. لو فوتت اللقطة، المرة القادمة، سأقع فوقك سأجلب لنفسي مصورا جديدا.. آمستعد ؟”


لم يكن القرد فقط بدوره مستعدا، كذلك كان المستشار، الذي كان يتنفس بظهر القرد مشرئبا فوق كتفه، يسمع ويرى، لا شيء يمكنه الفكاك من تلك العيون الثاقبة المخيفة، حتى أن أذنا زغبة لن تقدر على الظهور.


لذلك لا القرد ولا الثعلب صدقا أعينهم، بعدما رأوا بقلب الصورة أرنبا مقلوبا على جنبه كما لو كان مسترخيا برحلة خلوية. بجواره أرنبة أخرى رفعت قبضتها، وتضع إبهامها بفتحة أنفها.


الثعلب “هذا وباء”.. “دعني أخبرك أن حياتنا أصبحت بخطر”


“هيا نبدأ بالإزالة” قالها للقرد غير واعٍ.


“أنت امح.. وأنا سوف أدعو فرقة من الصقور والنسور التي سترى هذه الحيوانات مهما بلغت درجة سرعتها أو ضآلتها”


طار ملكه الذئبي المفدى من السعادة عندما رأى الصورة، صورته بلحظة ما كان يكسر حجر أساس سد القنادس على مقربة، كان يمكن رؤية عائلات من القنادس يفرون، لم يكن بقربهم ظل واحد لأرنب.


“ابعثها الآن! دولة قوية دولة متعلمة، دولة أذنها مواكبة لأحدث الأخبار.. والآن ما نفعله الآن لنحصل على مزيد المتعة؟”


“نستطيع أن نرتاح قليلا” اقترح عليه القرد، بقبضاته المقشرة من سائل الإزالة الحارق.


الذئب نظر نحوه كما صخرة “ومن طلب رأيك أصلا.. أنا المسئول هنا.. ها لهذا السبب ولدت بهذه الأسنان، خير لك أن تصلي لكي لا تشعر بهم وهي تقرقش عظامك.. هيا نحن المستقبل والغد والفجر! سنمضي بعيدا لأبعد نقطة ضوء..”


ولكن بكل صورة جديدة، تصير الأرانب أكثر غزارة وجرأة، وقليلة الحياء. جلالة الملك المذئب دمر طواحين السكر، طرد السناجب من أشجارها وأخفى عنهم بندقها، نتف ريش البط، وساق الخراف عن السهل، نقب الحفر في الطريق لكي يكسر أرجل الخيل. شيد أقفاصا جديدة، وزنزانات مظلمة… وكلما رفَّت عينه الصفراء المخيفة كلما زادت أعداد الأرانب من كل لون والتي استشرت بأحشاء الصور. حتى السحب بدت منتفخة بالفراء، والشوارب والذيول القطنية..


“يا طائري الصغير” ساخرا الملك الهائل ممسكا بسنونو كان على وشك الطيران بحقيبة ملآنة بالصور “..


“ما النغمة التي ستغنيها الآن أيها الرأس الفارغ؟ من هو الذي في قلب الصورة.. هاه.. من الملك؟”


أدخل الطائر جناحيه لداخله بإحكام حتى لا تند عنه صأصأة بالخطأ “النور.. الكاميرا.. حركة.. حركة.. القرد!” طلب الرايخ الحاكم  “ادعُ ذلك.. اكتب.. أرِّخ ذلك: الملك الذئب يأخذ الطاعة من رسول”


أطاع القرد خانعا، لكنه لم يخفي قنوطه. حيث لا أحد شاهد التمردات حيث تأخذ هذه الصور، كانوا دائما هناك يقطمون الخس، لحين الحاجة لظهورهم منذ قدم زعيم وكبير الذئاب..


“اقضوا عليهم” همسَّ الثعلب، والذي أمر بمزيد من السائل الحمضي المركز “لا تترك أثرا لأنف”  لكن ضوت الصور معيبة، وبها مساحات فارغة بكل أنحائها. عرف القرد أن الحل الوحيد هو بإقناع الملك المذئب بأن يجلس لعرشه العالي.. ظنا بأن الأرانب تحيا تحت الأرض فلن يكونوا قادرين على إيجاد طريقهم لإطار الصورة.


الملك لحسن الحظ، بش وجهه لهذه الفكرة “سوف أبدو مثيرا للإعجاب فوقه.. وبنفس الوقت أستطيع أن أبقى عينا على تلك الطيور. ستكون مفاجأة رائعة للمخلوقات بأن يصطبحوا بصورتي الجديدة بإفطارهم.. قرد..هل تسمعني؟”


عندما برح القرد المنهك من عمله، جر نفسه للمنزل، شعر بأصابعه تؤلمه من السائل السيئ، حتى أن آخر صورة بيضها للملك أمام باب منزله, لم يكن الحارس قد فارقه حتى هذه اللحظة “لا داعٍ للفزع سيدي القرد” وقهقه “إجراء روتيني احترازي لمعرفة لو أن أحدهم قد تصل يده لصور سعادته الذئبية”


ألقى القرد نفسه للداخل: “ابنتنا؟ هل هي بخير؟ هل قالت شيئا؟”


“أنا بخير..أبي” قالت الفتاة الصغيرة.


“الذئاب مضت، أليس كذلك؟ وأنت أكيد جلبت لي صورة خاصة.. أنت تعرف لمن، الصورة التي طلبتها منك؟”


شعر القرد أنه ابنعث من الجدران الأربع، من بين الأربع صور المعلقة عليها، ثماني أعين لكبير الذئاب تحدق بكل كلمة قد يلفظها.


“دعي أباكِ يرتاح” قالتها الأم “الصور الوحيدة التي التقطها هي الصور التي وضعتها على الحائط في البيت مثل المواطنون الصالحون” لكن بالنهار القريب استقيظ القرد على قبلة من الصغيرة التي قربت شفتيها من أذنه وهمست بشيء ما بنعومة بحيث هو فقط من يمكنه سماعها “شكرا.. إنها أفضل هدية جلبتها لي. أنت أب سحري”


“شكرا؟ شكرا على ماذا؟” بتلقائية أدارت وجهها للحائط حيث تقبع صورة الملك الذئب, فتح أبوها عينيه على سعتها، وبأحد أركان تلك الصورة مثل الشمس الشارقة فوق الجبال، بلمحة فقط بخطوة فقط بظهورها التدريجي، والآن البزوغ الواضح.. زوج من.. نعم.. زوج من.. النواعم، الزهرية، أذنان مدببتان!


قفز القرد من سريره. يبدو أن السائل الذي وضعه لم يعد يعمل. الأرانب وجب عليها أن تتسلل طيلة الليل إلى الصور ولكن لطريقة ما نجحوا.


نطقت الفتاة أخيرا “أظنهم علموا أني كنت خائفة”.. “وأتوا يروني وأنا نائمة”


لبس والدها ملابسه بوقت أقل مما تأخذه رعشة لتمر بعموده الفقري وطار إلى القصر دون إفطار. هل حدث ذلك فقط في منزله أم أن نفس الغزو يحدث بكل أرجاء المملكة؟ لو حدث. ماذا يفعل لإزالة الأرانب من كل هذه الصور الملصقة؟


كان جلالة الملك مازال يغط في النوم، لكن كان مستشاره بالفعل يفرك ويعض ذيله “إنه طاعون” قالها “لحسن الحظ الأمور تحت السيطرة.. الصور المسيئة بالفعل أحرقت.. أما بشأنك.”


“أقسم أنه..”


“ولا كلمة أريدها منك”..” لحظِّك أن تلك الكائنات غير موجودة بالفعل. تخيل مدى الضرر التي ممكن أن تلحق لو كانت موجودة.. لنكف عن الكلام.. الذي نحتاجه هو صورة جديدة لاستبدال كل الصور التي احتلت”


هرعوا إلى العرش الجديد والذي وضع على أربع قوائم خشبية بعيدا عن أيدي الفيروس الجديد للآذان الشريرة..


“أنا أريد لقطتين”. طلب جلالته “واحدة لي مستندا على العرش وأخرى أجلس عليه، مستمتعا بالهواء الطلق وأرسلهم للخارج أيضا من أجل تلك الصحف الأجنبية كي يتوقفوا عن مهاجمتي”


بهذه المرة، لم يكن بالصور الناتجة أي مشكلة، لم يكن بها سوى جزرة كرمز الأرانب..


“ألم أقل لك؟ ألم أخبرك أنه ليس لهم وجود؟” كان المستشار غبطا “لعله أمرا ما وأنت تقرب بالعدسة”


لعدة أيام تالية لم يعد هنالك المزيد من المفأجات غير السارة. شعر ملك الذئاب بالسعادة تحلق فوق رؤوس مريديه. ترك ملازميه يرون الأشياء، بينما توقف هو ليتموضع لأخذ الصور، وإصدار الأوامر وإيصال الخطب وتشريع القوانين. تفحص اللقطات بعناية بالغة ورغم ذلك صاح “مبروك” أصبحت أكثر دقة.. قرد. يبدو أنك ستشق طريقك فقط بمجاورتي. لم أعد أرى الآن تلك البقع الباهتة التي أتلفت صوري الأولى”


لكن بالصباح، يتقظ القرد على صوت ابنته “إنهم عادوا.. أبي” همست بأذنه “الصور التي التقطها من المؤكد أنها سحرية!”


بإحدى تلك الصور، عند القدم العالية للعرش، جيش صغير من الأرانب كانوا يقرضون ويمضغون وينشرون قطع الخشب، يعملون ببطء وبجد، توقفوا عن العمل الآن ولوحوا للمشاهدين. كان المستشار ينتظر.. بينما القرد أمكنه رؤيته وهو ينتفش وينقبض كما سرب من النحل.


“كم العدد هذه المرة” سأل القرد، الثعلب قاطبا “تم التخلص من الصور.. لكن الطيور وصل لهم ريحا بما حدث والآن يخبرون كل شخص أن تلك.. الكائنات البشعة موجودة”


“نيافة المذئب بدأ يشك بشيء” ” لماذا هذه الطيور سعيدة وتصوصو” يسألني، أجبته إنهم حزمة من العقول الفارغة، المملؤة بالهواء الساخن.


القرد “وماذا كانت إجابته؟”


قال الملك بأن المنطاد ملآن بالهواء الساخن أيضا ولكن بأي لحظة ممكن أن تفرقع. لو أنهم لم يلتزموا الصمت، سوف يجعلهم يختفون. نبه المستشار عن فكرة أخرى:سوف يعقد تسجيلا من الذئب لكل الذئاب  لأحد الخطب الحديثة حول رقاب العصافير. فقط لن يحملوا صور الملك بل سيحملون أقواله عبر كل المملكة، ولا أحد سيسمع بعد الآن أي من أغانيهم.


“السمع هو التصديق” هكذا قال جلالة الذئب “سوف نعطيهمن روح التراتيل، وروح المارشات العسكرية، بضع دروس في التاريخ، الاقتصاد، وبالطبع الأخلاق”


أصبحت حياة القرد العجوز لا تطاق. ليس فقط من جهة البومات النافقة الخاصه بالملك وجوقته من الوحوش المحاربة الذي قد يوقف الظهور الخجول في الصورة القادمة، لأذن فضولية، أو زوج من الآذان الفرائية أو بعض الشوارب البيضاء أو بضعة من الغوغاء الجائعه تقضم أجزاء من أرجل الكرسي الملكي.


أبدل الثعلب رئيس الحرس الملكي بأفعى من نوع البواء جلبت مباشرة من غابة بدولة مجاورة. وضع أيضا عناكب بمئة عين في الاماكن الاستراتيجية  بكل الغرف الذئبية. بيوم واحد نصف السكان أمروا بأن يحلقوا فرائهم اللامع كيلا يختبأ بداخله جاسوس ما.


عاقب البقرات، متسببا في إطلاقهم خوارات معادية، أمر بأن يصادر لبنهم الخاص وأخيرا أزاد طبقة صوت الملك فى النشرات. ولكن رغم تلك الجهود بدا صوت فى الظهور مواظبا، مشاغبا، فرحا. بينما نخر آلاف الأسنان الصغيرة  تلتمع تحت العاصفة الجارفة.


شعر القرد بدوار.. كان النسق الممتد يخبل .خلال الليل أرجل الكرسي الملكي كانت ستشق فى دقيقة، كانت تقطم على مضض، بواسطة لاحمي الخشب من الذين كانوا يفضلون تقسيم الكرسي أجزاءا. اضطر القرد للاعتماد على بعض الخدع الفوتوغرافية ومثل المسح الآن القص بالمقص لإخفاء الآذان لتبدو مثل الظلال، والظلال لكي تبدو مثل الجرائد. حتى أنه بدا يستخدم بورتريهات قديمه للملك بمحاوله تعديلها لتبدو مثل الحديثة.


حتى ليلة، كان ذلك متاخرا. استيقظ القرد العجوز على يد غامضة أفزعته من نعاسه. كان ذلك المستشار يطوق جناحه بحراسه شرسة من الجنود، أرسلها الملك الذئب لأجله.


استيقظ المنزل بأكمله  الآن. الطفلة الصغيرة شاهدت أباها يلبس هدومه.


“قلي مرحبا بجنابه المثعلب” قالها القرد.


“أبي” قالتها، وعمت الدهشة لأنها لم تتحدث كعادتها بصوت منخفض، بصوت خائف مجددا حتى ولو كانت هناك جنود مسلحة غير موجودة.


“اليوم أنت سوف تحضر لي الصورة التي طلبتها منك”


“آه الصورة” أبدى المستشار اهتمام “صورة لأي شيء.. لأي شيء؟”


أتبعت الطفلة متجاهلة إياه: اليوم سوف تجلب لي صورة للأرانب.. صحيح أبي.. لأجل حائطي”


مست القردة الأم جبهة الفتاة كما لو انتباها حمى “ألم يخبرك والدك أن الأرانب ليس لها وجود؟  ألم نغلق عليك غرفتك وأنت بها من أجل إخبارك الكذب؟”

“إنهم حقيقة.” قالت “كل شخص يعرف أنهم حقيقة”


“كما توقعت” قالها المستشار.


“هيا بنا”


كان فخامة الذئب  ينتظرهم فوق كرسيه المالك، حول كل قدم مائة من الحراس والثعابين يحرسونه.


“أيها القرد.. إنك خائن!” أبرق له الملك.


“استخدمت صورك بواسطة أشخاص قالوا أن مخلوقات غريبة وخبيثة -والتي هي غير موجودة بالمرة كما يعرف الجميع- تحرض هذه الليلة لقلب نظام حكمي.. يقولون أن كرسيَّ يهتز وأن نسلي سوف يزول. هل لديك دليلا على أن عرشي يهتز؟ من يجرؤ على قول ذلك؟ وأنا أقصفه مثل مائة طائرة مقاتلة في الهواء؟”


“سوف نبدأ لأن نسجل لهذا الصوت..  وأنت أيها القرد.. سوف تساعدني في إخماد هذه الشائعات. اللمس هو الاعتقداد. ستجعلني أقف بزاوية واسعة، بصورة ثلاثية الأبعاد ستغطي كل الحوائط بالألوان، لأني فيها سأتوج نفسي إمبراطور للذئاب.. المذئب الأعظم. ولو أن أرنبا مهوشا أظهر خشمه سوف أجعلك تأكل الصور واحدة واحدة. مليون صورة، أنت ستأكلها، ليس أنت فقط، لكن أيضا زوجتك وابنتك، وكل القرود بالدولة.. الآن.. خذ تلك الصورة”


ثبت القرد رأسه المرتجة فوق ملابسه السوداء خلف الكاميرا وركز على الكرسي، نفث عن نفسه بتأوه بسيط.. للآن الأرانب تظهر فقط بعدما تكون الصورة حمضت. لكنهم كانوا موجودين الآن مباشرة أمامه في العدسة، أحرار منتشرون  يعضون ليس فقط خشب الكرسي ولكن مقابض السيوف من الحراس المشدوهين بينه وبين صلصلة الثعابين.


زعق الملك المستقبلي “ما الأمر؟” قالها كمن لا ينظر أسفل ذقنه لكي يبدو مثاليا بصورته لأعقابه.


أزاح القرد الكاميرا لجوار الكرسي، متمنيا ألا يجد جيش الأرانب طريقه للصورة.. والتي تحركت أسرع مما فعل. تشعبطوا بالأرجل فوق بعضهم كما لو كانوا قرودا أو طيورا.. حاول الجنود إخافتهم بطريقتهم في صمت، واعين ألا يجذبوا انتباه الملك، لكن كان الغزاة أنشط. ظل الذئاب يتقافزون واحد فوق الآخر، ويضربون فوق رؤوس بعضهم البعض. القرد أدرك أن فلقا من الطيور أتت من فوق ترفرف بحرية عبر الرواق، بدون سلك يربطهم أو يسجلهم.


“هيا” أمره زعيم الذئاب.. ضيق القرد عينه بشدة. كان الأفضل له ألا يشهد ما سيحدث. ففي اللحظة التي ضغط على الشراعة الخشبية سمع دوشة تصم الآذان. علم ماذا سيرى حينما يفتح عينه ولكن لم يصدق شيئا مما حدث. مثل شجرة البق المخوخة من القلب. كان العرش قد تحطم على الأرض، بالملك، والحراس، والأفاعي والمستشار..كلهم.


فتَّح القرد. كان عند قدم حامله الثلاثي يرقد أكبر وأسوأ ذئب متعجرف في الكون، ضلوعه مكسرة، فراؤه الأسود شق من النصف، عيناه الصفراوتان غابت للحمرة، وكان ينتحب من الألم.


“قرد” زعق الذئب للعالم “هذه الصورة.. ليس لديك حق بأن تنشرها” بهذه اللحظة فقط كل أضواء القصر انطفأت. كان القرد لا زال مشلولا.. لم يكن يعلم لم يمضي.. وكما لو أن شخصا من الظلمة ظهر فجأة في الممر. عرف ما يجب فعله.


حمل كاميره وحقيبته وحضنها لصدره كما كنز، وفرَّ.


كانت تنتظره على باب البيت ابنته “انتظري” قالها لها “انتظري.. أحضرت لكِ شيئا” وبدون أي كلمة أخرى تسابقت خطاه نحو الغرفة المعتمة ليحمض آخر صورة بكل سرعة ممكنة.


عندما خرج بعد دقائق.. زوجته وابنته وقفا على كراسيهم. ينظرون إلى صور الملك الملقى على الأرض.


“هنا” قالها القرد العجوز إلى ابنته، مقلبا الضوء الساطع.


“هنا.. هذه هي الصورة التي سألتيني إياها طوال الوقت..أخيرا جلبت لكِ هديتك”

“شكرا أبي” قالتها الفتاة الصغيرة “رغم أني لستُ بحاجة إليها بعد الآن”


أشارت حولها نحو الغرفة، وناحية الشارع وخلال الحقول حيث بدأت الشمس في البزوغ.. العالم كله كان ممتلأ بالأرانب.


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


[image error]

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 10, 2019 00:29
No comments have been added yet.


litfreak1234.wordpress

إسلام عشري
مدونة خاصة بالأدب
Follow إسلام عشري's blog with rss.