بين الانتحار و الاختيار
خرج عمّار و هو لا يعرف إلى أين يذهب.. قلبه يبكي فيما يصرّ على منع عينيه من البكاء.. الناس في الطرقات الغريبة مسرعون جداً، و هو مازال يجرّ عربة قلبه جراً...شخصه الطبيب بالاكتئاب.. ضحك ببلاهة: يعني أنا مجنون..قال الطبيب: هذا كلام قديم، الاكتئاب سببه نقص السيروتونين...-السيرو؟ ما قلت.. ؟ هل تعني أنه يجب عليّ المسير؟-الطبيب ابتسم، بينما عمّار من يومها و هو يمشي.. قطع المدينة كلها :مرّ بدكان السمّان أبو مازن، أدار وجهه حتى لا يسلّم عليه، سمع صوته.. أستاذ عمّار كل عام و أنت ( تذكرنا)...حساب أبو مازن خمسون ألفاً.. هل تعرفون ما معنى الخمسين ألف؟-خمسون ألف غصة في اللقمة و قد غمسها الذل...مرّ بمنزل سعاد، و سعاد التي كررت قصص ( الولايا) و الحريم و تركته من أجل صديق حميم.. غادرت المنزل، على أطلالها سكنت بهيّة الراقصة التي رمت له بخلخالها مع رسالة حمراء.. المهم هو لم يدنس المكان.. هذا ما قاله لنفسه...مرّ بسيارة مديره، و رآه فيها يقبّل إحدى الموظفات.. لم تكن السكرتيرة-قال في نفسه- بعض الناس لا يقبّلون السكرتيرة!وصل إلى منعطف طريق، و فيه شاهد على إحدى الجهات جسراً موحياً بفكرة دميمة تدور في خاطره منذ زمن، فكرة بشعة بشعة.. كافرة..مجرمة و قاتلة لمن حوله.. فكرة مهزومة وسامّة.. أجل فكر بالانتحار…قال في نفسه: لمَ لا؟ ثمّ قرر أن يأخذ الجهة الثانية ليفكر في الأمر أكثر…بدأت خطواته تتسارع في الجهة المعاكسة، يسأل نفسه: لماذا وجودي في هذي الحياة؟ كيف أتأقلم، لماذا تركتني تلك، لماذا غدرني ذاك.. لماذا فشلت.. لماذا لحقني الفشل كظلّ مصباح كهربائي استخدم في التعذيب.. لماذا لم تحبني هبة و داست قلبي عبير.. عزم أنه ما من حلّ آخر.. الجسر الأبيض معلقٌ في ذاكرته كوطن الآن.. قدماه تستعدان للعودة إليه.. فيما يد صغيرة تسحبه من معطفه البنيّ..-أريد ماما…طفلة في الرابعة من عمرها، وجهها أسمر عراقي أصيل يختلط عسل جماله بعسل العينين البريئتين الخائفتين.. ملابسها قديمة لكنها نظيفة…-أين أمك يا صغيرة؟-في البيت.. ثم بدأت بالبكاء…حمل عمّار الطفلة : - لا تخافي أيتها الصغيرة، سنجد ماما اليوم…**************قالت له الطفلة أنّ اسمها: توتة.. و لم تعرف أكثر.. حملها عمّار إلى قسم الشرطة في المنطقة.. قالوا له: اتركها -يعطيك العافية- نحن نتكفل بالأمر، لكنه لم يقبل.. انتظر معها ست ساعات..اشترى لها (سندويشة جبنة) و سكاكر..أطعمها و لم يتركها و لو ثانية…ثم انتظر ساعتين، وكان على وشك الجدال مع الشرطة حول تركها معهم.. أراد أن يأخذها إلى بيت هبة.. عندما حضرت “ بغداد” : امرأة في الثلاثينيات، نحيلة و شاحبة.. و برغم جمالها يشع الحزن من وجهها كأمنية محققة.. شعرها أسود كثيف و مضفور… عيناها باكيتان.. فستانها أسود طويل، و في قدميها حذاءٌ قديم ذكوريِّ الجلد و التصميم…احتضنت الطفلة و غرقتا معاً في البكاء…-شكراً لك لإنقاذك “توتة”.. تيماء طفلتي.. سحبوها من يدي في سوق الخضار، بحثت كالمجنونة كل اليوم.. لقد أنقذتني كنت أفكر في القفز عن الجسر الأبيض الليلة..الجسر الأبيض؟ الليلة…توقف قلب و عقل عمّار لأجزاء الثانيّة.. لا يمكن أن يكون ما يحدث حقيقة.. هذا يشبه فلماً هندياً أو عربياً سيء الإخراج.. كان قد فقد إيمانه بالغيبيات و الأرواح من زمن.. وقف مندهشاً فاغراً فاه لدرجة أن “ بغداد “ ظنته “على البركة”…-الله يوفقك.. الله يعطيك حتى يرضيك..لقد أنقذت روحيَن توتة و أنا.. أعطني يدك أبوسها.. جميلك على رأسي من فوق.. الله يحميك…-لقد حماني…“نحن موجودون في هذا المكان و هذه الساعة لغاية ما.. مهما فشلنا، ومهما كان لنا من قدرنا صفعاتٌ و خيبات.. فما خُلِقنا من أجله قادمٌ و لن يكون بسيطاً مهما اعتقدناه كذلك.. اليوم هو يوم ميلادي الذي اخترته: كل عام و أنا بخير.”.كتب عمّار هذي الرسالة ل “هبة” من فوق الجسر الأبيض.. فيما سمح لعينيه أخيراً بالبكاء…اقرأ أكثر: من المكان الذي تنتظر فيه الشياطين -عليّ السوريّ- الجزء الثاني 11http://www.ahewar.org/debat/show.art....
Published on January 19, 2019 20:18
No comments have been added yet.


