الطائرة الورقيّة...

عندما اقتربت الحرب منّي للمرة الأولى، كان الموقف مهولاً.. أحسست نفسي على سفينة في وسط محيط هائج ممتلئ بالجثث الميتة.. تطاردني و تطلب مني سبباً:لِمَ بقيتِ أنتِ هنا فيما أكل القرش يدي؟كيف تقبلين حياتك و طفلي خرج و لم يعد؟ماالذي دفعتهِ قرباناً أنا دفعتُ عينيّ؟أتُسَّميِّنَ الغربةَ كربة؟ أنا أسمي الوطن المقسّمَ غربة؟ من وقتها والأيام تمضي متشابهة.. الجثث الطافيّة في الماء تقترب مني و تحاول لمسي.. وفيما أحاول الهرب إلى أيامي المتشابهات.. ظهر هو على طائرة ورقيّة.. علي آخر نمط للرجال تخيلت التعلق به.. سألني إن أردت هجر السفينة، ورؤية المكان من فوق.. -من فوق؟ -أجل شاهدي الصورة كلها من فوق.. من المكان الذي ينظر منه الله…-استغفر الله…-افهميني الله عادلٌ جداً.. أليس كذلك؟ قلتُ: نعم-طيب.. افهميني لماذا يحدث كلّ هذا الخراب، ما السبب و ما الحكمة؟ -لا أعرف.. -تعالي و سأخبرك…رحلتُ معه فوق الطائرة الورقيّة.. شاهدتُ البحر يبتعد و يصغر، ليصبح كأس ماء صغير مليء بالجثث نقطاً رماديّة.. قلت في نفسي: سنشرب هذا الماء يوماً..أجل.. ستتشكل أجسادنا من أجساد من رحلوا.. هم يبقون هنا فينا.. في الروح ذكرى و في الجسد حياة.طرتُ فوق البلدان كلها.. سمعت أصوات بكاء.. ضحك.. صراخ.. تهليلات فرح و أشجان حزن…سمعت غيبةً.. نميمةً.. سمعت تشجيعاً.. ثناء.. طرت فوق أماكن الرقص.. دور العبادة.. المدارس و الملاهي…طرت فوق المطارات شاهدت الملايين يرحلون، و الملايين يعودون.. سمعت أُولى صرخات المواليد.. و آخر كلمات الوصايا…كان المشهد كاملاً و مهيباً.. و عندما التفت إلى الكتفين العاجيين ل علي ..لم يكن هناك.. و استيقظت.من "من المكان الذي ينظر منه الله- عليّ السوريّ: الجزء الثاني 9-"http://www.ahewar.org/debat/show.art....
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 09, 2018 11:16
No comments have been added yet.