قد لا تكون هناك علاقة مباشرة بين توم كروز والصحافة المطبوعة أو الورقية.. ولكني وجدت نفسي أربط بينهما وأنا اشاهد فيلم الفنان الأمريكي "توم كروز" الذي يعرض حالياً في أكثر من 20 داراً للسينما الفاخرة.. ياله من تطور تقني مدهش.. الفيلم تشاهده بنظارة خاصة لتري صورة مجسمة "ثري دي".. والكرسي الذي تجلس عليه يتحرك بك مع أحداث الفيلم.. يتحرك يساراً ويميناً مع السيارة التي أمامك في المشهد ويتراجع ويهتز بقوة خلال المشاهدة العنيفة.. لتكون جزءاً من الفيلم وكأنك ضمن المشهد.. امتلأت قاعة السينما بالبشر من مختلف الأعمار من الأطفال وحتي كبار السن.. بطل الفيلم توم كروز نفسه عمره 56 عاماً والفيلم كله حركات عنيفة من قتل وتدمير ومدافع رشاشة تحصد الجثث.. ومطاردات بالسيارات والموتوسيكلات والطائرات الهليكوبتر.. لدرجة أن الثلث ساعة الأخيرة من الفيلم وهي الأعنف كانت عبارة عن صراع دموي بين البطل ومنافسه بطائرتين مروحيتين فوق كشمير.. حيث الصحراء الشاسعة والجبال والوديان وشاهدنا تحطم الطائرتين فوق الجبال.. وقبلها كانت رحلة هروب البطل من لندن بالقفز فوق العمارات الشاهقة ومطاردة السيارات بالرشاشات.. ويقوم كروز في الفيلم "ميشن إمبوسيبل ــ فول أوت" بالقفز من طائرة نقل عسكرية من علي ارتفاع 25 ألف قدم.. ويقود طائرة هليكوبتر.. ودراجة نارية دون خوذة في الاتجاه المعاكس لحركة المرور بشارع الشانزليزيه في باربيس.. الشارع الأهم والأكبر في العالم.. الفيلم غير العادي وصلت ميزانيته إلي 178 مليون دولار.. وحقق عائدات ضخمة بلغت 153 مليون دولار منذ بدء عرضه في معظم دول العالم قبل ثلاثة أسابيع.. وخلال مشاهدة هذا الفيلم لم يفارقني السؤال الملح بحكم مهنتي: لماذا تطورت السينما إلي هذه الدرجة واحتفظت بجمهورها.. بينما فشلت صحافتنا الورقية في الاحتفاظ بقرائها الذين هجروها إلي الصحافة الالكترونية..؟
والاجابة بكل وضوح هي أن السينما استفادت من عصرها.. اخذت الصورة بالغة الدقة والنظارة الثري دي.. والأفكار المبتكرة.. واستخدمت الكمبيوتر والبرامج الحديثة واستعانت بعباقرة الجرافيك ليقدموا فيلماً يثير خيالك ودهشتك.. ويدفعك إلي أن تدفع ما يقرب من مائة وخمسين جنيهاً لمشاهدته فيما يقرب من الساعتين.
أما نحن في عالم الصحافة فقد ظهرت الانترنت ومعها الصحافة الالكترونية.. لم تتجاهلها بعض المؤسسات الاعلامية وطورت نفسها واستفادت من الديجيتال ميديا.. فنجحت في أن تقدم إعلاماً جديداً متطوراً.. وحافظت علي قرائها القدامي واضافت اليهم القراء الجدد الذين لا يهتمون إلا بالالكترونيات.. وقدمت مزيجاً صحفياً ورقياً ممزوجاً بالسوشيال ميديا.. أما المؤسسات الاخري فمازالت تعاني من ضعف توزيع صحفها الورقية وضعف اعلاناتها لأن القارئ والمعلن ذهبا إلي الكمبيوتر والسوشيال ميديا.
ان اية وسيلة حديثة لا تقضي علي القديمة إلا اذا توقفت القديمة عن تطوير نفسها علي مدي التاريخ البشري لم تأت وسيلة لكي تقضي علي اخري.. وانما جاءت لتطورها.. كان ذلك واضحاً عندما ظهر التليفزيون الذي لم يقض علي الاذاعة بل تطورت هي الاخري ومازالت موجودة كوسيلة إعلامية.. والكمبيوتر لم يلغ التليفزيون.. والتليفزيون لم يلغ السينما ورغم أن التليفزيون كان ثورة وانتج مسلسلات وبرامج وأفلاماً إلا أن السينما لم تختف بل تطورت وصارت تجذب جمهور التليفزيون بأفكارها المبتكرة وتقنياتها العالية.. وهو ما تحتاجه الصحافة الورقية في عالمنا العربي.
جريدة الجمهورية - 23-8-2018
Published on August 24, 2018 11:53