مدد يا ثورة مدد

تتجمع سحب الغضب فى سماء مصر الثورة فى الفترة الأخيرة، سواء أقرت السلطة الحاكمة بذلك أم دفنت رأسها فى الرمال، تهب رياح الغضب وتتكاثف سحب داكنة، كأنها تشحن نفسها لإعصار قادم، ويأتى الغضب من جهات شتى: عمال يعلنون الإضراب، مدرسون يتظاهرون من أجل الحد الأدنى للأجور، أطباء وأساتذة جامعيون فى حال الاعتصام، وجنباً إلى جنب مع الاحتجاجات «الفئوية»، المهمة التى تعبر عن أجواء الرفض للوضع الحالى فى البلاد، يتجلى الغضب فى الكتلة الكبرى من المصريين غير المعنيين بالسياسة، إنهم الناس، وقد كشفت أزمة المعتمرين المصريين فى السعودية عن حجم التغيير الإيجابى فى مواقفنا، فالمصرى الذى تربى على ابتلاع القهر كالدواء المُر لم يعد يقبل قهراً ولا مذلة، ومن الواضح أن غضب المعتمرين كان فى الأساس موجهاً ضد الإهانات، وليس لمجرد التأخير والتكدس أثناء رحلة العودة، وهذا مجرد مثال واحد يشير إلى التغيير العميق الذى أحدثته ثورة يناير فى نفوس المصريين، بل إننى أعتقد أن هذا التغيير ما هو إلا بدايات تأثير الثورة على مواقفنا وسلوكنا، إنها بداية ستتلوها مواقف أخرى كثيرة تؤكد حجم التغيير العميق فى التركيبة المصرية.

ويزيد هذا التغيير من صعوبة تسيير المرحلة الانتقالية، كما يخطط لها المجلس العسكرى الحاكم، ولا أدرى إن كان المجلس مدركاً لنوعية وحجم التغيير أم لا، لكن الشواهد على أى حال تؤكد أن السلطة الحاكمة تسير فى الاتجاه المعاكس تماماً لهذا التغيير، الذى كان من الممكن استخدامه لبناء مصر العظيمة التى نتمناها، بل إن مواقف السلطة وقراراتها فى الأسابيع الأخيرة تشير إلى محاولات إجهاض تلك الطاقة الثورية الهائلة بدعاوى متعددة معلومة للجميع على شاكلة «الاستقرار» و«الوقيعة»، وسأتوقف عند مثالين فقط على هذا الرأى: فقد جاء بيان المجلس العسكرى الأخير الخاص بمظاهرة جمعة «تصحيح المسار» ليعلن من جانب تأييده لحق التظاهر (الذى هو مجرم من قبل المجلس فى مرسوم صدر فى مارس الماضى)، ومن الناحية الأخرى يحاول سحب البساط من تحت أقدامنا بإعلانه أن على من دعوا للمظاهرة أن يقوموا بتأمينها (يعنى مالهمش دعوة)، ويتوعد كل من تسول له نفسه الاقتراب من منشآت حيوية أو معدات عسكرية، كأن المجلس لم يكن معنا أيام الثورة، حين غاب الأمن وحما المصريون أنفسهم وبيوتهم وتراث أجدادهم! (المثال الثانى: هو تصريح وزير الإعلام بأنه لا تفاوض مع معتصمين إلا بعد فض الاعتصام، فإما أن الوزير يفوته تعريف لكلمة «اعتصام»، أو أنه يطلق تهديداً فحواه «افلقوا دماغكم فى الحيط»، كما أنه أشار إلى وقف تصاريح قنوات فضائية، بعضها قد بدأ البث منذ شهور، لأنها حسب رأيه (الذى هو رأى السلطة الحاكمة بالطبع) تثير الفتن.

الوضع كما أراه هو أنه فى نفس الوقت الذى يعى فيه الشعب بنفسه وكرامته، ويدرك قدرته على التغيير، فإن السلطة الحاكمة تتخلى عن مسؤوليتها فى توفير الأمن، الغائب أصلاً، وتقيد حرية الإعلام وتفرض علينا وصاية فات زمانها، إضافة إلى عدم تحقق مطالب الثورة الأساسية، أو حتى تأسيس خطوات صحيحة وجذرية تمهد لها.

إلى المجلس العسكرى الموقر: ثورة الشعب المصرى العظيم مستمرة، والله المستعان.
6 likes ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on September 11, 2011 16:45 Tags: المصري-اليوم-11-9-201
No comments have been added yet.