أشقاؤنا المنسيون

صحيفة السبيل الأردنيه الأحد 5 رجب 1438 – 2 أبريل 2017أشقاؤنا المنسيون - فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2017/04/blog-post.html
ابتداء من أمس (السبت أول إبريل) محظور على الملتحين والمحجبات والمنتقبات من مسلمي الصين ركوب المواصلات العامة، ويتعين إبلاغ الشرطة بأسمائهم. كما يحظر عليهم الزواج بإجراءات دينية، أو إطلاق أسماء على أولادهم من شأنها «إذكاء الحماس الديني». وسوف يتعرضون للعقاب إذا ما رفضوا متابعة التليفزيون الحكومي أو الاستماع إلى الإذاعة.
 
القيود والإجراءات المذكورة أعلاه نص عليها قانون جديد أصدره برلمان إقليم سينكيانج الخاضع للحكم الذاتي الذي هو معقل المسلمين المنتمين لقومية «الويغور»، (في الصين أكثر من ٥٠ قومية). وهي المقاطعة التي تعرف تاريخيا باسم تركستان الشرقية وقد ضمتها الصين رسميا في عام ١٩٤٩، بعد مناوشات واحتكاكات استمرت طوال القرن الثامن عشر.
 
القانون الذي بدأ سريانه في أول الشهر الحالي يعد أحدث حلقات مسلسل القمع الذي يتعرض له مسلمو الصين الذين لا يزالون يرفضون المظالم التي يتعرضون لها من جانب حكومة بكين، فهي لا تزال تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية. إذ لا تسعي إلى قمعهم سياسيا ووظيفيا فقط، وإنما تمنعهم من الصيام في شهر رمضان وتضع العراقيل أمام ذهابهم لأداء فريضة الحج.
وفي الأسبوع الماضي أصدرت الحكومة تعميما طالبت فيه كل من حمل جواز سفر أن يسلمه إلى الشرطة، علي أن يسترده إذا ما قدم طلبا للسفر إلى خارج البلاد.
 
قمع مسلمي الويغور مستمر منذ استولت الصين رسميا على المقاطعة الغنية بالمعادن التي يتراوح عدد سكانها المسلمين بين ١٥ و٢٠ مليون شخص وتبلغ مساحتها مليون ونحو ٦٦٠ ألف كيلومتر مربع (ثلاثة أضعاف فرنسا).
لذلك فإنهم لم يتوقفوا عن الثورة والتمرد والانتفاض طول الوقت مطالبين باستعادة حريتهم وهويتهم. وظل تمردهم يواجه بإجراءات عديدة استهدفت سحق إرادتهم وطمس هوياتهم واقتلاعهم من بلادهم بتهجيرهم وإحلال آخرين من قومية «الهان» الصينية مكانهم، لتغيير التركيبة السكانية لمقاطعتهم.
 
حين بدأ الاتحاد السوفيتي في التفكك، واستعادت جمهوريات آسيا الوسطى استقلالها النسبي في تسعينيات القرن الماضي، جدد ذلك أمل الويغوريين في أن يحذوا حذوهم، على الأقل في استعادة الهوية والشوق إلى الحرية والمساواة. وهو ما قوبل بإجراءات قمع وسحق شديدة من جانب السلطات الصينية، التي باتت تعتبر سينكيانج كنزا لا تستطيع التفريط فيه. خصوصا بعدما تحولت قاعدة للعديد من الصناعات التصديرية المهمة ومنطلقا لكل ما تصدره الصين إلى أوروبا عبر البر.
 
طوال الوقت كانت السلطات الصينية كانت تعتبر النشطاء الصينيين متمردين وانفصاليين وتقمعهم جراء ذلك. وحين ظهرت لافتة الإرهاب في الأفق، تلقفتها حكومة بكين وأصبحت تعتبر الجميع إرهابيين، الأمر الذي يسوغ سحقهم واستباحتهم ويسكت الأصوات الناقدة لإجراءاتها.
 
كما حدث في عالمنا العربي، حين اعتبر كل من عارض المظالم إرهابيا، فإن حكومة بكين شددت من إجراءات القمع والتنكيل بالمسلمين كافة، بدعوى مقاومة الإرهاب واستئصال شأفته. وهي الأجواء التي أحدثت صدي معاكسا في محيط النشطاء الويغوريين، ذلك أن عنف السلطة دفع بعضهم إلى اللجوء إلى العنف في الرد والدفاع عن أنفسهم، ومِن هؤلاء مَن وجد في تنظيم الدولة الإسلامية عنصر جذب يوفر لهم بصيصا من الأمل للخلاص مما يعانون منه.
 
يثير الانتباه والدهشة في هذا الصدد أن العالم العربي والإسلامي يقف متفرجا إزاء ما يجري للمسلمين هناك، رغم أن العالم العربي وحده أصبح ضمن أهم الشركاء التجاريين للصين (في عام ٢٠١٦ وصل حجم تجارة العرب مع الصين ٢٥١ مليار دولار).
 ولست أشك في أن كلمة عتاب لحكومة الصين على اضطهادها مسلميها يمكن أن يكون لها صداها في بكين، كما أنها سوف ترفع معنويات مسلمي الويغور الذين يشعرون باليتم جراء تجاهل العالم العربي والإسلامي لهم.
 
لست أنسى أنني حين زرت سينكيانج قبل ربع قرن قادما من باكستان، سألتهم عن فرق التوقيت لكي أضبط ساعتي، فإذا بواحد منهم استنكر سؤالي ورد علي قائلا: نحن هنا نضبط ساعتنا على أشقائنا بباكستان، ولن تجد أحدا يرشدك إلى ما تريد. إنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من العالم الإسلامي الذي نسيهم وأصبح يعتبرهم متطرفين وإرهابيين.
................
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 01, 2017 13:40
No comments have been added yet.


فهمي هويدي's Blog

فهمي هويدي
فهمي هويدي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow فهمي هويدي's blog with rss.