صحيفة الزمان - السفينة في ساعة بغداد - يوسف عبود جويعد
سوة يبحثن عن ملاذ
السفينة في ساعة بغداد
يوسف عبود جويعد
أنا ونادية ولدنا في حرب السنوات الثماني، تعارفنا في عاصفة الصحراء ، كبرنا في سنوات الحصار وحرب الخليج الثانية ، تناوب على طفولتنا بالصواريخ والاسلحة المحرمة جورج بوش ، وابنه جورج دبليو بوش، بينما تكفل بيل كلنتون والعجوز مادلين اولبرايت بتجويعنا ، وعندما كبرنا كان الجحيم يجلس بإنتظارنا) ص 221 .
قد يكون هذا المقطع السردي اهم نقطة يمكن من خلالها الانطلاق لتحليل رواية(ساعة بغداد) للروائية شهد الراوي ، كونها اختارت مسارات سردية متنوعة لتشكّل فيها نسيج المبنى السردي لفضاء هذا النص ، فقد اعتمدت القاعدة الرئيسية لمسيرة العملية السردية التي لم تجعل الاحداث بؤرة نصية نتابع من خلالها حركة النص ، فقد استطاعت الروائية ان توزعه على مساحة الرواية منذ بدايتها ليتحرك مع بقية الادوات السردية بشكل موحد ، مع حركة الزمان ، وحركة المكان ، وحركة الشخوص ، وحركة الثيمة ، أي ان الاحداث لايمكن استحضارها دون ان ترافقها الادوات المكملة لبناء النص السردي، ونجد ايضاً في هذه الرواية حياتين متناقضتين، متخالفتين، مبتعدتين ، تنفر احداهما من الأخرى ولا ينسجمان معاً ولا يتفقان ، وقد جعلت احداهن الارض التي تسير عليها حركة السرد للحياة الثانية ، فكانت الاولى المسيرة الزمنية لحياة البلد وما دار عليها من كوارث وحروب وحصار وقتل وذبح ، أما الثانية فهي التي يجب ان نعيشها ، لذا فإنها عندما دعتنا الى الولوج في عالمها السردي منذ السطور الاولى لها ، دعت معنا الاشياء التي كانت من العناصر الرئيسية والمهمة في المبنى السردي (دخلت الى حلمها بقرة ، دخلت دراجة هوائية دخل جسر ، دخلت سيارة عسكرية ، دخلت غيمة ، دخل غراب ، دخلت شجرة ، دخل طفل ، دخلت طائرة ، دخل بيت مهجور ، دخلت قطة دخل خزان ماء ، دخل شارع ، دخلت زرافة ، دخلت صورة فوتغرافية ، دخلت اغنية ، دخلت ساعة جدارية ، دخلت سفينة... وهكذا راحت الأشياء تدخل تباعاً وهي تستعد لتأليف حلم جديد) وهي لم تكن ضمن الحلم الذي أشارت اليه الروائية، بل إننا سوف نكتشف هذه الاشياء ومدى انتمائها وانسجامها في مسار السرد واهميتها ، بعد ذلك سوف نرحل في فضاء السرد ضمن المحاور الرئيسية التي اختارتها الروائية لتضم بين دفتيها فصول الرواية ، كونها استطاعت أن تألسن الاشياء التي ضمتها ضمن متن النص وان تجعلها جزءا مهما من مسار المبنى السردي :-
- الكتاب الاول : طفولة الاشياء الواضحة
وفي هذا المحور نعيش مع بطلة الرواية التي لم تفصح الرواية عن اسمها ، لاسباب كثيرة ، منها أن بطلة هذه الرواية هي رمز لكل النساء اللواتي شبيهات بها ، واللواتي كان حظهن العاثر ان يكن من عاش تجربة الحياة المتقلبة في هذا البلد .
وقد تكون سيرتها الذاتية، وأن الروائية عاشت هذه التجربة ، وبهذا فأن الرواية تنتمي الى ادب السيرة ،وسوف نجد ذلك من خلال ما اشارت اليه في متن النص(أخبر أم بيداء بهجرتها ومصير ابنتها ، ثم استدار نحو امي وقال لها.
- أن ابنتك ستحمل معها المحلة أينما ذهبت وتحميها من النسيان .
تحسس جبهته وصمت دقيقتين ، عاد يركز في وجه امي ، التي كانت تفكر بمغادرة بيت ام مصطفى في هذه اللحظة ، لكنه طلب منها التريث قليلاً بإشارة آمرة استخدم فيها عصاه ىكأنه عرف نيتها ، قال بطريقة مسرحية :
- إن - المستقبل - سيكنشف - أمامها ) ص 105
وهو من الانماط الروائية المهمة والمتناولة في الاوساط الادبية في كل العالم ، وفي هذا المحور تنقلنا الروائية الى عالم الطفولة بأدق التفاصيل ، واستطاعت ان تجعل الاشياء المحيطة والمشتركة في هذا المحور تميل الى هذا العالم ، وبشكل تشعر فيه كل فتاة عندما تتذكر طفولتها
رسائل من الغيب
وهذا المحور هو عالم المراهقة ، والاحساس بأنها قد فارقت الطفولة ، وأن اشياء داخلها بدأت تكبر وتنضج ، وهنا تنقلنا الروائية وعبر المسار السردي ، الى هذه المرحلة العمرية المهمة في حياة الفتاة ، فتحس بأشياء جديدة لم تكن قد انتبهت اليها في طفولتها، واهمها العلاقة الانسانية الحميمية بين المرأة والرجل ، ونرى ايضاً علامة الاندهاش قد بدت على بطلة الرواية ، عندما تشاهد صديقتها نادية تستلم رسالة خلسة من حبيبها احمد، وتتمنى في داخلها أن تمر بتلك التجربة ، ويحدث ذلك عندما يعجب فاروق بها .
هل أنا خائفة ؟
في هذا المحور المهم من الحركة السردية لمبنى النص ، نشهد زج الحياة الثانية واندماجها وانصهارها وادخالها عنوة في الحياة الاولى ، حياة البلد والتقلبات والحروب ، حيث اننا نكون قد اجتزنا حياة الطفولة وحياة الصبا والمراهقة لبطلة الرواية وبقية الشخصيات المصاحبة ، نادية ، بيداء وبدأت مرحلة النضوج والاحساس التام بما يدور في محيط البطلة ، حيث ان الاحساس الغالب هو الخوف لانها في خضم حرب مستعرة ومعارك طاحنة وطائرات وقصف وغير ذلك من الكوارث التي حدثت في البلد .
الكتاب الثاني . المستقبل
وفي هذا المحور وبعد ما حدث في المحلة التي عشنا تفاصيل حياتها في متن النص ، وهي تقع تحت ساعة بغداد ، والتي هجرها اغلب سكانها بسبب الازمات المتلاحقة والحروب ، والتي هي مسقط رأس بطلة الرواية وبعد ان مررنا بالتفاصيل الدقيقة للحياة داخل تلك المحلة ، وكيف كانت قبل أن تطالها الحروب والانتكاسات ، وكيف كانت تعيش في كنفها هي وبقية الاسر المتحابة ، وبعد استعراض كبير وشائق للاحداث في هذه المحلة ، ومنها العلاقات العاطفية بين ابنائها ، وجدت البطلة ومعها صديقتها بيداء ونادية تدوين وتوثيق وجرد الاسر التي كانت تعيش فيها ثم غادرتها ، وفي هذا المحور تستعرض لنا الروائية حياة تلك الاسر بعد مغادرتها لهذه المحلة ، وكذلك يدخل ضمن المبنى السردي احد الشخوص الذين هربوا من هذه المحلة ، ثم عاد اليها بعد ان اصبح شخصا متنفذا في السلطة، فطرد البقية الباقية من العوائل، واحاط المحلة بسياج من الكونكريت ، مدعياً انها ارضه ، ثم باعها الى عوائل جديدة ، وهكذا فقد غادرت بطلة الرواية تلك المحلة لتكون آخر من شهد نهايتها ، واحتفظت بـ (السجل - ساعة بغداد) كمادة توثيقية مدون فيه كل ماحدث في هذه المحلة.
وبالرغم من تلك المحاور التي كانت في متن النص ، الا أنها لم تؤثر على المسار العام لحركة الاحداث السردية ، وظلت تلك الاحداث مترابطة متصلة متماسكة ووفق السياق الفني المنسجم لها ، حيث أن الجهد الفني الذي بذلته الروائية لانضاج هذا النص السردي ، وتقديمه للمتلقي وفق الرؤية التي خططت لها كان واضحا ، وكانت مسحة الاسى والحزن وشحنة الالم المتدفق من خلال الساردة الوحيدة للاحداث واللغة السردية التي تنسجم مع مسار النص ،استطاعت ان تقدم لنا الروائية احداثا كبيرة يدخل ضمنها الدجال الذي يتنبأ بما سوف يحدث بالمحلة ، وكذلك كان للكلب دور كبير داخل مبنى النص ،حيث يرافق مسار السرد الى نهايته وللقطة البيضاء العمياء دور أيضا ، وللسفينة التي لم تكن على صعيد الواقع انما هي احساس كما اشار لها الدجال للنسوة المحيطات حوله ، بأن هذه المحلة في سفينة وسوف تواجه رياحا عاتية وامواج هائجة ، اضافة لتوظيفها للحلم بشكل متقن، وقد كتبت تلك الرواية بنمطين الواقعية الانتقادية ، والواقعية السحرية ، واستطاعت الروائية ايضا توظيف الغناء كحالة متممة للاحداث ، كما ان الرسالة الانسانية الموجهة في متن النص كبيرة وواضحة، والانساق الثقافية المضمرة ادت مهامها على الوجه الاكمل ، حيث نكتشف حالة الوعي لبطلة الرواية آخذة بالتشعب والانتشار وهي افضل بكثير من هؤلاء المتذبذبين الذين قادوا البلاد نحو الخراب ونكتشف ذلك ونحن نتابع الاحداث التي بلغت ذروتها (بعيداً عنها هناك خزان المياه الكبير، تقربي قليلاً وانزلي الصواريخ علينا ،
ارمي اثقالك في أي مكان ترغبين ،أنت هذه المرة وحيدة في الساحة نحن منهكون ، ومتعبون ويائسون ، تعالي وتخلصي منا مثل نفايات بشرية لا حاجة لهذا العالم بها، نحن ايضاً لم نعد بحاجة الى هذا العالم . يمر سرب من الطيور في السماء ، ارفع عيني نحوها وأدير رقبتي صوب مجال طيرانها واشتهي خفتها، كم هي سعيدة هذه المخلوقات التي تعيش بلا وطن ، اريد أن اطير معها ، احلق بعيداً ، اريد ان اعيش في عالم جديد ، عالم بلا حروب ، أيتها السماء تلطفي بي مرة واحدة ، لقد تعبت من الوطن ) ص 158
في رواية (ساعة بغداد) للروائية شهد الراوي ، وطن يحترق بالحروب ونسوة يبحثن عن ملاذ آمن في هذا الخراب ، ومعالم كثيرة تتغير ويمحوها النسيان ، وهناك نظرة مستقبلية نحو الغد، رغم كل هذا الخراب ، وتاريخ يدوّن ،وشخصيات تتدفق في مبنى النص السردي، واشياء كثيرة تتألسن لتكون حالة متممة للعملية السردية ، انها جهد فني كبير ، وعمل يستحق الاشارة اليه.
من اصدارات دار الحكمة - لندن عام 2016
http://www.azzaman-iraq.com/content.p...
السفينة في ساعة بغداد
يوسف عبود جويعد
أنا ونادية ولدنا في حرب السنوات الثماني، تعارفنا في عاصفة الصحراء ، كبرنا في سنوات الحصار وحرب الخليج الثانية ، تناوب على طفولتنا بالصواريخ والاسلحة المحرمة جورج بوش ، وابنه جورج دبليو بوش، بينما تكفل بيل كلنتون والعجوز مادلين اولبرايت بتجويعنا ، وعندما كبرنا كان الجحيم يجلس بإنتظارنا) ص 221 .
قد يكون هذا المقطع السردي اهم نقطة يمكن من خلالها الانطلاق لتحليل رواية(ساعة بغداد) للروائية شهد الراوي ، كونها اختارت مسارات سردية متنوعة لتشكّل فيها نسيج المبنى السردي لفضاء هذا النص ، فقد اعتمدت القاعدة الرئيسية لمسيرة العملية السردية التي لم تجعل الاحداث بؤرة نصية نتابع من خلالها حركة النص ، فقد استطاعت الروائية ان توزعه على مساحة الرواية منذ بدايتها ليتحرك مع بقية الادوات السردية بشكل موحد ، مع حركة الزمان ، وحركة المكان ، وحركة الشخوص ، وحركة الثيمة ، أي ان الاحداث لايمكن استحضارها دون ان ترافقها الادوات المكملة لبناء النص السردي، ونجد ايضاً في هذه الرواية حياتين متناقضتين، متخالفتين، مبتعدتين ، تنفر احداهما من الأخرى ولا ينسجمان معاً ولا يتفقان ، وقد جعلت احداهن الارض التي تسير عليها حركة السرد للحياة الثانية ، فكانت الاولى المسيرة الزمنية لحياة البلد وما دار عليها من كوارث وحروب وحصار وقتل وذبح ، أما الثانية فهي التي يجب ان نعيشها ، لذا فإنها عندما دعتنا الى الولوج في عالمها السردي منذ السطور الاولى لها ، دعت معنا الاشياء التي كانت من العناصر الرئيسية والمهمة في المبنى السردي (دخلت الى حلمها بقرة ، دخلت دراجة هوائية دخل جسر ، دخلت سيارة عسكرية ، دخلت غيمة ، دخل غراب ، دخلت شجرة ، دخل طفل ، دخلت طائرة ، دخل بيت مهجور ، دخلت قطة دخل خزان ماء ، دخل شارع ، دخلت زرافة ، دخلت صورة فوتغرافية ، دخلت اغنية ، دخلت ساعة جدارية ، دخلت سفينة... وهكذا راحت الأشياء تدخل تباعاً وهي تستعد لتأليف حلم جديد) وهي لم تكن ضمن الحلم الذي أشارت اليه الروائية، بل إننا سوف نكتشف هذه الاشياء ومدى انتمائها وانسجامها في مسار السرد واهميتها ، بعد ذلك سوف نرحل في فضاء السرد ضمن المحاور الرئيسية التي اختارتها الروائية لتضم بين دفتيها فصول الرواية ، كونها استطاعت أن تألسن الاشياء التي ضمتها ضمن متن النص وان تجعلها جزءا مهما من مسار المبنى السردي :-
- الكتاب الاول : طفولة الاشياء الواضحة
وفي هذا المحور نعيش مع بطلة الرواية التي لم تفصح الرواية عن اسمها ، لاسباب كثيرة ، منها أن بطلة هذه الرواية هي رمز لكل النساء اللواتي شبيهات بها ، واللواتي كان حظهن العاثر ان يكن من عاش تجربة الحياة المتقلبة في هذا البلد .
وقد تكون سيرتها الذاتية، وأن الروائية عاشت هذه التجربة ، وبهذا فأن الرواية تنتمي الى ادب السيرة ،وسوف نجد ذلك من خلال ما اشارت اليه في متن النص(أخبر أم بيداء بهجرتها ومصير ابنتها ، ثم استدار نحو امي وقال لها.
- أن ابنتك ستحمل معها المحلة أينما ذهبت وتحميها من النسيان .
تحسس جبهته وصمت دقيقتين ، عاد يركز في وجه امي ، التي كانت تفكر بمغادرة بيت ام مصطفى في هذه اللحظة ، لكنه طلب منها التريث قليلاً بإشارة آمرة استخدم فيها عصاه ىكأنه عرف نيتها ، قال بطريقة مسرحية :
- إن - المستقبل - سيكنشف - أمامها ) ص 105
وهو من الانماط الروائية المهمة والمتناولة في الاوساط الادبية في كل العالم ، وفي هذا المحور تنقلنا الروائية الى عالم الطفولة بأدق التفاصيل ، واستطاعت ان تجعل الاشياء المحيطة والمشتركة في هذا المحور تميل الى هذا العالم ، وبشكل تشعر فيه كل فتاة عندما تتذكر طفولتها
رسائل من الغيب
وهذا المحور هو عالم المراهقة ، والاحساس بأنها قد فارقت الطفولة ، وأن اشياء داخلها بدأت تكبر وتنضج ، وهنا تنقلنا الروائية وعبر المسار السردي ، الى هذه المرحلة العمرية المهمة في حياة الفتاة ، فتحس بأشياء جديدة لم تكن قد انتبهت اليها في طفولتها، واهمها العلاقة الانسانية الحميمية بين المرأة والرجل ، ونرى ايضاً علامة الاندهاش قد بدت على بطلة الرواية ، عندما تشاهد صديقتها نادية تستلم رسالة خلسة من حبيبها احمد، وتتمنى في داخلها أن تمر بتلك التجربة ، ويحدث ذلك عندما يعجب فاروق بها .
هل أنا خائفة ؟
في هذا المحور المهم من الحركة السردية لمبنى النص ، نشهد زج الحياة الثانية واندماجها وانصهارها وادخالها عنوة في الحياة الاولى ، حياة البلد والتقلبات والحروب ، حيث اننا نكون قد اجتزنا حياة الطفولة وحياة الصبا والمراهقة لبطلة الرواية وبقية الشخصيات المصاحبة ، نادية ، بيداء وبدأت مرحلة النضوج والاحساس التام بما يدور في محيط البطلة ، حيث ان الاحساس الغالب هو الخوف لانها في خضم حرب مستعرة ومعارك طاحنة وطائرات وقصف وغير ذلك من الكوارث التي حدثت في البلد .
الكتاب الثاني . المستقبل
وفي هذا المحور وبعد ما حدث في المحلة التي عشنا تفاصيل حياتها في متن النص ، وهي تقع تحت ساعة بغداد ، والتي هجرها اغلب سكانها بسبب الازمات المتلاحقة والحروب ، والتي هي مسقط رأس بطلة الرواية وبعد ان مررنا بالتفاصيل الدقيقة للحياة داخل تلك المحلة ، وكيف كانت قبل أن تطالها الحروب والانتكاسات ، وكيف كانت تعيش في كنفها هي وبقية الاسر المتحابة ، وبعد استعراض كبير وشائق للاحداث في هذه المحلة ، ومنها العلاقات العاطفية بين ابنائها ، وجدت البطلة ومعها صديقتها بيداء ونادية تدوين وتوثيق وجرد الاسر التي كانت تعيش فيها ثم غادرتها ، وفي هذا المحور تستعرض لنا الروائية حياة تلك الاسر بعد مغادرتها لهذه المحلة ، وكذلك يدخل ضمن المبنى السردي احد الشخوص الذين هربوا من هذه المحلة ، ثم عاد اليها بعد ان اصبح شخصا متنفذا في السلطة، فطرد البقية الباقية من العوائل، واحاط المحلة بسياج من الكونكريت ، مدعياً انها ارضه ، ثم باعها الى عوائل جديدة ، وهكذا فقد غادرت بطلة الرواية تلك المحلة لتكون آخر من شهد نهايتها ، واحتفظت بـ (السجل - ساعة بغداد) كمادة توثيقية مدون فيه كل ماحدث في هذه المحلة.
وبالرغم من تلك المحاور التي كانت في متن النص ، الا أنها لم تؤثر على المسار العام لحركة الاحداث السردية ، وظلت تلك الاحداث مترابطة متصلة متماسكة ووفق السياق الفني المنسجم لها ، حيث أن الجهد الفني الذي بذلته الروائية لانضاج هذا النص السردي ، وتقديمه للمتلقي وفق الرؤية التي خططت لها كان واضحا ، وكانت مسحة الاسى والحزن وشحنة الالم المتدفق من خلال الساردة الوحيدة للاحداث واللغة السردية التي تنسجم مع مسار النص ،استطاعت ان تقدم لنا الروائية احداثا كبيرة يدخل ضمنها الدجال الذي يتنبأ بما سوف يحدث بالمحلة ، وكذلك كان للكلب دور كبير داخل مبنى النص ،حيث يرافق مسار السرد الى نهايته وللقطة البيضاء العمياء دور أيضا ، وللسفينة التي لم تكن على صعيد الواقع انما هي احساس كما اشار لها الدجال للنسوة المحيطات حوله ، بأن هذه المحلة في سفينة وسوف تواجه رياحا عاتية وامواج هائجة ، اضافة لتوظيفها للحلم بشكل متقن، وقد كتبت تلك الرواية بنمطين الواقعية الانتقادية ، والواقعية السحرية ، واستطاعت الروائية ايضا توظيف الغناء كحالة متممة للاحداث ، كما ان الرسالة الانسانية الموجهة في متن النص كبيرة وواضحة، والانساق الثقافية المضمرة ادت مهامها على الوجه الاكمل ، حيث نكتشف حالة الوعي لبطلة الرواية آخذة بالتشعب والانتشار وهي افضل بكثير من هؤلاء المتذبذبين الذين قادوا البلاد نحو الخراب ونكتشف ذلك ونحن نتابع الاحداث التي بلغت ذروتها (بعيداً عنها هناك خزان المياه الكبير، تقربي قليلاً وانزلي الصواريخ علينا ،
ارمي اثقالك في أي مكان ترغبين ،أنت هذه المرة وحيدة في الساحة نحن منهكون ، ومتعبون ويائسون ، تعالي وتخلصي منا مثل نفايات بشرية لا حاجة لهذا العالم بها، نحن ايضاً لم نعد بحاجة الى هذا العالم . يمر سرب من الطيور في السماء ، ارفع عيني نحوها وأدير رقبتي صوب مجال طيرانها واشتهي خفتها، كم هي سعيدة هذه المخلوقات التي تعيش بلا وطن ، اريد أن اطير معها ، احلق بعيداً ، اريد ان اعيش في عالم جديد ، عالم بلا حروب ، أيتها السماء تلطفي بي مرة واحدة ، لقد تعبت من الوطن ) ص 158
في رواية (ساعة بغداد) للروائية شهد الراوي ، وطن يحترق بالحروب ونسوة يبحثن عن ملاذ آمن في هذا الخراب ، ومعالم كثيرة تتغير ويمحوها النسيان ، وهناك نظرة مستقبلية نحو الغد، رغم كل هذا الخراب ، وتاريخ يدوّن ،وشخصيات تتدفق في مبنى النص السردي، واشياء كثيرة تتألسن لتكون حالة متممة للعملية السردية ، انها جهد فني كبير ، وعمل يستحق الاشارة اليه.
من اصدارات دار الحكمة - لندن عام 2016
http://www.azzaman-iraq.com/content.p...
Published on March 13, 2017 01:47
No comments have been added yet.


