عن بيوت عارية وما بعدها
أجرى الحوار: إيهاب الحضري لجريدة أخبار الأدب
مصطفي عبد ربه، شاعر مصري من مواليد المنصورة عام 1985. تخرج في كلية الآداب جامعة المنصورة، ليعمل باحثًا بقطاع الموارد البشرية بشركة توزيع الكهرباء بشمال الدلتا. صدر ديوانه الأول "إذا مسنا الغيم، دار كلمة للنشر 2012" ثم حصل علي منحة آفاق لكتابة الرواية قبل زواجه بأيام فأفادته كثيرًا لإنجاز روايته الأولي "بيوت عارية، دار العين للنشر 2017" والتي يقول عنها مصطفي: " كنت سأكتبها سواء فزت بالمنحة أم لا". هنا يتحدث مصطفي أكثر عن منحة آفاق، علاقته بالكتابة، وطبعًا روايته "بيوت عارية".
- بدايةً: لماذا اتجهت لكتابة الرواية بعد أن أصدرت ديوانًا شعريًا؟
أنا لا أعرف أساسا ما الذي دفعني لكتابة الشعر، حتي أعرف ما الذي دفعني لكتابة الرواية! لكن كتفسير مبدئي أقول إن تغيّر نمط حياتي بعد التحاقي بالوظيفة قد فرض عليّ إيقاعًا ثابتًا، وكنت قد توقفت عن كتابة الشعر قبل فترة من صدور ديواني "إذا مسّنا الغيمُ". علي كل حال، للكاتب مطلق الحرية أن يتنقل كيفما شاء بين كافة الأشكال الأدبية، حتي يعبر عما يريد بالطريقة التي يُحِبّ.
- ما الذي حمسك للفكرة: الكتابة عن حي في محافظة المنصورة، ينشأ حديثًا فتذهب في محاولة لتتبع حيوات ساكنيه؟
الرواية جزء من طفولتي وسنين مراهقتي الأولي، حيث يتفتح الوعي ويتشكل، ويسيطر النزق علي الروح. كل ما أردته أن أنقل ما شعرت به وما شاهدته في تلك الفترة. أردت أن أتكلم عن أجمل أناس قابلتهم في حياتي، فأنا مدين لهم بفضل كبير، فمن خلال أحاديثهم، ورؤيتهم للدنيا تشكّل جزء من وعيي، وفي الرواية أردت أن يراهم القراءُ بشرًا من لحم ودم، لا مجرد شخصيات روائية، وأتمني أن أكون قد نجحت في هذا.
- "سيمحو النسيم آثار أقدامنا علي الرمال/ تري من سوف يخبر الأبدية أننا مشينا مرة ههنا" شعرت علي المستوي الشخصي أن هناك رابطًا ما بين الرواية وما أوردته من استشهاد بأغنيات قبائل البوشمن..
إحساسك صحيح يا صديقي بوجود رابط بين أغنية قبائل البوشمن وبين أبطال الرواية، وربما نجحتُ في إخبار العالم بأن هناك بشرًا، كانوا يعيشون بيننا ببساطة، وفيهم كل هذا الجمال الإنساني.
- ابتعدت الرواية عن التعرض للأسئلة الكبري والمسائل الخلافية ولم تخرج عن كونها مجرد حكايات اجتماعية لعلاقات ساكني الحي.. هل قصدت ذلك؟
لا أظن أن مهمة الأدب الأساسية هي التنظير، والتحليل، وبحث القضايا الكبري. لو استطاع الكاتب أن يفعل ذلك دون افتعال كان بها، أما أن يُقحِم القضايا الكبري، والأيديولوجيا في الأدب لمجرد إضفاء قيمة ما، فهذا لا يناسبني إطلاقًا، كقارئ أو ككاتب. وهذا ما أردت أن أقوله فعلًا حين أضفت مقطعا من جدارية محمود درويش.
لاحظ أن أغلب أعوام التسعينيات كانت فترة جمود سياسي، وقد يتكلم الناس في الشارع عن الأحداث السياسية الراهنة لتمرير الوقت، أو للتسلية، لكنهم في الحقيقة غير مهتمين بما يحدث، لأنهم لا يشاركون فيه، فقط يعرفون قلة من أسماء الوزراء ـ منهم وزير التربية والتعليم طبعًا- والحدث الوحيد الذي أثّر في الناس فعلا كان زلزال 1992 ويمكننا أن نعتبره حدثا سياسيا من زاوية ما، لأن الدولة فشلت في التعامل معه فشلا ذريعًا. وفي النهاية لا يبقي للناس سوي مشاوير لقمة العيش، وقرآن الصباح، وشاي العصاري وليل الخميس.
- تعمل باحثًا في قطاع الموارد البشرية بشركة كهرباء شمال الدلتا.. كيف توازن بين عملك والكتابة؟
تأكل الوظيفة ثلث اليوم أو أكثر، لكنها في المقابل تضبط إيقاعه. وقد تعلمت من عمنا نجيب محفوظ ـ وهو الموظف العتيد- كيفية تنظيم الوقت، وإقامة توازن بين الوظيفة الحكومية وبين الكتابة. هذا التوازن الصعب الذي يختلّ أحيانا، لكنني أحاول أن أستعيده قدر المستطاع.
- وهل تكتب بشكل منتظم؟
أكتب بشكل منتظم لو كنت عاكفا علي كتابة رواية جديدة. فبعد أن أضع التخطيط النهائي، أبدأ في الكتابة مباشرة، أكتب أحيانا بعد الغداء، وأحيانا أنام، ثم أكتب ليلا حتي ساعة متأخرة. لكني للأسف لست مرنًا فيما يتعلق بمكان الكتابة، فلابد أن أكتب في ركني المفضل من البيت، ولا أكتب علي الكمبيوتر مباشرة، بل أستخدم الورقة والقلم أولا، فهكذا تنضج المسودة أكثر.
- وما جدوي الكتابة عندك؟
أظن أن هذا السؤال أكثر سؤال طُرح علي جميع الكُتّاب حول العالم!. ولقد قرأت إجابات عديدة ومختلفة من كُتّاب كبار ومشهورين، عندما شاركتُ في ترجمة كتاب "لماذا نكتب؟ " الصادر عن الدار العربية للعلوم في الكويت. وبكل بساطة أقول إنني أكتب لأنني أحب الكتابة. أكتب لأنني أحب أن أخلق شخصيات حيّة من لحم ودم، وأحب أن أبني عوالم جديدة. وربما تندهش حين أخبرك أنني شغوف بإنشاء المباني، وأكون في غاية السعادة حين أشاهد العمال يقيمون الأساسات، ويرصّون قوالب القرميد -وربما ظهر ولعي بالبناء وأعمال المعمار في الرواية من خلال شخصية الإمام الفارسي- هذا الحلم الذي لم أستطع تحقيقه، ربما وجد متنفسًا له في بناء الرواية!
- حدثني عن منحة آفاق وبرنامج "محترف" كيف حصلت علي المنحة؟ وماذا مثلت لك؟
قدمت الشكل النهائي للرواية قبل حفل زفافي بأيام! كنت متيقنًا أنني لن أفوز، لكن حظي اختلف هذه المرة. كنت سأكتبها سواء فزت بالمنحة أم لا، لكن مؤسسة آفاق وفرت علينا وقتا وجهدا كبيرين، يكفي أنها دعمتنا ذزملائي وأنا- حتي النهاية، دعمتنا حتي خرجت الرواية من المطبعة، وهو أمر لو تعلمون عظيم.
- هل أثر انتشار الجوائز الأدبية وارتفاع عوائدها المالية في السنوات الأخيرة علي الكتابة بشكل إيجابي أم انتقص منها وأثر عليها سلبًا؟ أتحدث هنا عن جوائز كالبوكر وكتارا والشيخ زايد...
فعلا، أثرت العوائد المادية الكبيرة للجوائز علي كثرة الإنتاج الروائي. وأري أن كثرة الإنتاج تفيد الأدب، فكلما زاد المعروض، زادت نسبة الإنتاج الجيّد. ولكن ذوقد يبدو الكلام التالي مستهلكًا لكن لابد أن أقوله- ليست الأعمال الفائزة هي الأعمال الجيدة، فالنتيجة تعتمد علي ذائقة المحكمين، وفي النهاية هم بشر.
- ماذا تكتب الآن؟
منذ شهرين فقط انتهيت من المسودة السادسة والأخيرة لروايتي الجديدة "صلاة اليمامة" وهي قصيرة نسبيا 15000 كلمة فقط، وقد حاولت أن أقدم من خلالها أفضل ما أستطيع، وأتمني أن تكون سعيدة الحظ مثل أختها الكبري.
مصطفي عبد ربه، شاعر مصري من مواليد المنصورة عام 1985. تخرج في كلية الآداب جامعة المنصورة، ليعمل باحثًا بقطاع الموارد البشرية بشركة توزيع الكهرباء بشمال الدلتا. صدر ديوانه الأول "إذا مسنا الغيم، دار كلمة للنشر 2012" ثم حصل علي منحة آفاق لكتابة الرواية قبل زواجه بأيام فأفادته كثيرًا لإنجاز روايته الأولي "بيوت عارية، دار العين للنشر 2017" والتي يقول عنها مصطفي: " كنت سأكتبها سواء فزت بالمنحة أم لا". هنا يتحدث مصطفي أكثر عن منحة آفاق، علاقته بالكتابة، وطبعًا روايته "بيوت عارية".
- بدايةً: لماذا اتجهت لكتابة الرواية بعد أن أصدرت ديوانًا شعريًا؟
أنا لا أعرف أساسا ما الذي دفعني لكتابة الشعر، حتي أعرف ما الذي دفعني لكتابة الرواية! لكن كتفسير مبدئي أقول إن تغيّر نمط حياتي بعد التحاقي بالوظيفة قد فرض عليّ إيقاعًا ثابتًا، وكنت قد توقفت عن كتابة الشعر قبل فترة من صدور ديواني "إذا مسّنا الغيمُ". علي كل حال، للكاتب مطلق الحرية أن يتنقل كيفما شاء بين كافة الأشكال الأدبية، حتي يعبر عما يريد بالطريقة التي يُحِبّ.
- ما الذي حمسك للفكرة: الكتابة عن حي في محافظة المنصورة، ينشأ حديثًا فتذهب في محاولة لتتبع حيوات ساكنيه؟
الرواية جزء من طفولتي وسنين مراهقتي الأولي، حيث يتفتح الوعي ويتشكل، ويسيطر النزق علي الروح. كل ما أردته أن أنقل ما شعرت به وما شاهدته في تلك الفترة. أردت أن أتكلم عن أجمل أناس قابلتهم في حياتي، فأنا مدين لهم بفضل كبير، فمن خلال أحاديثهم، ورؤيتهم للدنيا تشكّل جزء من وعيي، وفي الرواية أردت أن يراهم القراءُ بشرًا من لحم ودم، لا مجرد شخصيات روائية، وأتمني أن أكون قد نجحت في هذا.
- "سيمحو النسيم آثار أقدامنا علي الرمال/ تري من سوف يخبر الأبدية أننا مشينا مرة ههنا" شعرت علي المستوي الشخصي أن هناك رابطًا ما بين الرواية وما أوردته من استشهاد بأغنيات قبائل البوشمن..
إحساسك صحيح يا صديقي بوجود رابط بين أغنية قبائل البوشمن وبين أبطال الرواية، وربما نجحتُ في إخبار العالم بأن هناك بشرًا، كانوا يعيشون بيننا ببساطة، وفيهم كل هذا الجمال الإنساني.
- ابتعدت الرواية عن التعرض للأسئلة الكبري والمسائل الخلافية ولم تخرج عن كونها مجرد حكايات اجتماعية لعلاقات ساكني الحي.. هل قصدت ذلك؟
لا أظن أن مهمة الأدب الأساسية هي التنظير، والتحليل، وبحث القضايا الكبري. لو استطاع الكاتب أن يفعل ذلك دون افتعال كان بها، أما أن يُقحِم القضايا الكبري، والأيديولوجيا في الأدب لمجرد إضفاء قيمة ما، فهذا لا يناسبني إطلاقًا، كقارئ أو ككاتب. وهذا ما أردت أن أقوله فعلًا حين أضفت مقطعا من جدارية محمود درويش.
لاحظ أن أغلب أعوام التسعينيات كانت فترة جمود سياسي، وقد يتكلم الناس في الشارع عن الأحداث السياسية الراهنة لتمرير الوقت، أو للتسلية، لكنهم في الحقيقة غير مهتمين بما يحدث، لأنهم لا يشاركون فيه، فقط يعرفون قلة من أسماء الوزراء ـ منهم وزير التربية والتعليم طبعًا- والحدث الوحيد الذي أثّر في الناس فعلا كان زلزال 1992 ويمكننا أن نعتبره حدثا سياسيا من زاوية ما، لأن الدولة فشلت في التعامل معه فشلا ذريعًا. وفي النهاية لا يبقي للناس سوي مشاوير لقمة العيش، وقرآن الصباح، وشاي العصاري وليل الخميس.
- تعمل باحثًا في قطاع الموارد البشرية بشركة كهرباء شمال الدلتا.. كيف توازن بين عملك والكتابة؟
تأكل الوظيفة ثلث اليوم أو أكثر، لكنها في المقابل تضبط إيقاعه. وقد تعلمت من عمنا نجيب محفوظ ـ وهو الموظف العتيد- كيفية تنظيم الوقت، وإقامة توازن بين الوظيفة الحكومية وبين الكتابة. هذا التوازن الصعب الذي يختلّ أحيانا، لكنني أحاول أن أستعيده قدر المستطاع.
- وهل تكتب بشكل منتظم؟
أكتب بشكل منتظم لو كنت عاكفا علي كتابة رواية جديدة. فبعد أن أضع التخطيط النهائي، أبدأ في الكتابة مباشرة، أكتب أحيانا بعد الغداء، وأحيانا أنام، ثم أكتب ليلا حتي ساعة متأخرة. لكني للأسف لست مرنًا فيما يتعلق بمكان الكتابة، فلابد أن أكتب في ركني المفضل من البيت، ولا أكتب علي الكمبيوتر مباشرة، بل أستخدم الورقة والقلم أولا، فهكذا تنضج المسودة أكثر.
- وما جدوي الكتابة عندك؟
أظن أن هذا السؤال أكثر سؤال طُرح علي جميع الكُتّاب حول العالم!. ولقد قرأت إجابات عديدة ومختلفة من كُتّاب كبار ومشهورين، عندما شاركتُ في ترجمة كتاب "لماذا نكتب؟ " الصادر عن الدار العربية للعلوم في الكويت. وبكل بساطة أقول إنني أكتب لأنني أحب الكتابة. أكتب لأنني أحب أن أخلق شخصيات حيّة من لحم ودم، وأحب أن أبني عوالم جديدة. وربما تندهش حين أخبرك أنني شغوف بإنشاء المباني، وأكون في غاية السعادة حين أشاهد العمال يقيمون الأساسات، ويرصّون قوالب القرميد -وربما ظهر ولعي بالبناء وأعمال المعمار في الرواية من خلال شخصية الإمام الفارسي- هذا الحلم الذي لم أستطع تحقيقه، ربما وجد متنفسًا له في بناء الرواية!
- حدثني عن منحة آفاق وبرنامج "محترف" كيف حصلت علي المنحة؟ وماذا مثلت لك؟
قدمت الشكل النهائي للرواية قبل حفل زفافي بأيام! كنت متيقنًا أنني لن أفوز، لكن حظي اختلف هذه المرة. كنت سأكتبها سواء فزت بالمنحة أم لا، لكن مؤسسة آفاق وفرت علينا وقتا وجهدا كبيرين، يكفي أنها دعمتنا ذزملائي وأنا- حتي النهاية، دعمتنا حتي خرجت الرواية من المطبعة، وهو أمر لو تعلمون عظيم.
- هل أثر انتشار الجوائز الأدبية وارتفاع عوائدها المالية في السنوات الأخيرة علي الكتابة بشكل إيجابي أم انتقص منها وأثر عليها سلبًا؟ أتحدث هنا عن جوائز كالبوكر وكتارا والشيخ زايد...
فعلا، أثرت العوائد المادية الكبيرة للجوائز علي كثرة الإنتاج الروائي. وأري أن كثرة الإنتاج تفيد الأدب، فكلما زاد المعروض، زادت نسبة الإنتاج الجيّد. ولكن ذوقد يبدو الكلام التالي مستهلكًا لكن لابد أن أقوله- ليست الأعمال الفائزة هي الأعمال الجيدة، فالنتيجة تعتمد علي ذائقة المحكمين، وفي النهاية هم بشر.
- ماذا تكتب الآن؟
منذ شهرين فقط انتهيت من المسودة السادسة والأخيرة لروايتي الجديدة "صلاة اليمامة" وهي قصيرة نسبيا 15000 كلمة فقط، وقد حاولت أن أقدم من خلالها أفضل ما أستطيع، وأتمني أن تكون سعيدة الحظ مثل أختها الكبري.
Published on February 19, 2017 03:47
No comments have been added yet.


