الولي العابد: محمد بنبراهيم الأنصاري(2): التـــــصوف الحَـــــسني.
الولي العابد:
محمد بنبراهيم أنصاري
(2)
:
التـــــصوف الحَـــــسني.
تأليف: إلياس بلكا
نواصل الحديث عن الرجل الرباني، والذي فقدناه من شهور قليلة. فقد كان رحمه الله أعجوبة يقِل مثلها، تُذكّرنا بأنه لا يزال في الأمة رجال كبار على خطى السلف من العُـباد والزهاد الصادقين.. بل حقيقٌ أن يُضاف اسمه إلى تذييل معاصر –على فرض أن أحدا قام به- لأول كتاب مغربي في أدب المناقب، أعني "المستفاد في مناقب العُبّاد، بمدينة فاس وما يليها من البلاد،" لابن عبد الكريم التميمي المتوفى سنة 603هـ.لذلك مِن قصدي في هذه المقالات إحياء الكتابة في المناقب، خاصة مع الإهمال العام للتأريخ لأهل العلم والصلاح. قال المؤلف المجهول لكتاب "مفاخر البربر" ص172: "سمعت الشيخ الفقيه، قاضي الجماعة(.. ) أبا عبد الله بن عبد الملك رحمه الله يقول: كان بفاس من الفقهاء الأعلام والأجلّة أعيان الأنام ما ليس في غيرها من بلدان الإسلام، إذ هي قاعدة المغرب، ودار العلم والأدب؛ ولكن أهلها أهملوا ذكر محاسن علمائهم وأغفلوا تخليد مفاخر فقهائهم."لذلك فهذه المقالات ليست كتابةً في التصوف، إذ للتصوف –علماً وسلوكا- رجالُه، وأنا لستُ من أهله، بل لم أشمّ له رائحة.. فقـُل إن شئتَ: هي كتابة في تاريخ التصوف، لا في التصوف.إذن رأينا في الحلقة الماضية كيف أن الأستاذ بنبراهيم ينتمي –من جهة الأم- إلى العائلة السنوسية، أولاد السنوسي بن العربي الأطرش، وهم من ذرية الولي الكبير عبد الله بن خطاب الذي ينتهي بدوره إلى عمران أحد أبناء المولى إدريس الأزهر.وعندنا في تراثنا الإسلامي مناقشة تاريخية حول الشرف النبوي: هل يثبت من جهة الأم أمْ لا؟
مسألة الشرف من قِبل الأم:
وللمسألة فوائد علمية وعملية، منها: ضبط النسب حتى لا يُعزى أحدٌ إلى غير آبائه، ولهذا آثاره في قضايا الإرث والوقف وأحكام العاقلة والدية.. كذلك ينفع هذا الموضوع في الاجتهاد في أحكام المولودين من الأم الشريفة، وهل تشملهم الأحكام الفقهية المعروفة لآل البيت، كتحريم أخذهم للزكوات والصدقات، واستحقاقهم مصرف الخمس من ذوي القربى.. ومدى اعتبار النسب في الكفاءة بين الزوجين، خاصة عند الشافعية. كما كان للمسألة تبعات سياسية لا تخفى، خصوصا مع تصدّر بعض آل البيت للحكم في بعض البلاد الإسلامية.وقد أفرد بعض العلماء هذه المسألة بالتصنيف، خاصة حين طُرح موضوع أولاد السيدة زينب رضي الله عنها، وهي الأخت الشقيقة للحَسنَين، وذلك بالقرن الثامن الهجري خصوصا. من هذه الكتب، وأكثرها للمالكية، لأنهم أغلب من كتب في المسألة، خاصة مالكية المغرب الأقصى:- "إسماع الصّم في إثبات الشرف من قبل الأم" لأبي عبد الله محمد القسنطيني، ت 807هـ.- "جزء في إثبات الشرف من قبل الأم" للحفيد ابن مرزوق، ت 842.- "العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية"، للجلال السيوطي.- "تبيان الحكم بالنصوص الدالة على الشرف من الأم" لعبد القادر الصديقي الهندي، المفتي بمكة، ت 1138.- "الفوز والغنم في مسألة الشرف من الأم" لخير الدين الرملي الحنفي، ت 1081.- "شرف الأسباط" لجمال الدين القاسمي، ت 1332.- "طراز الكلم في تحرير إثبات الشرف من جهة الأم،" لعبد الرحمن تونسي.- "كتاب "إزالة اللبس والشبهات عن ثبوت الشرف من قبل الأمهات"، لمحمد العابد ابن سودة.ومن آخر من بحث الموضوع عَصريُّنا سليمان بن خالد صليعي، له: "غاية المهتم في مسألة الشرف من جهة الأم"، في حوالي 590 صفحة، صدر عن دار الوراق في الرياض.والذي عليه رأي الجمهور، كما عليه العمل والفتوى، هو ثبوت الشرف من قبل الأم، وإن خالف فيه الفقيه ابن عرفة التونسي. فالمولود لأم شريفة وأب غير شريف يُعتبر شريفا أيضا، أما نسبُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فثابت.يقول القرطبي - في تفسير قوله تعالى من سورة الأنعام: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل، ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كلّ من الصالحين، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلا فضلنا على العالمين}- : "وعَدّ عيسى عليه السلام من ذرية إبراهيم، وإنما هو ابن البنت، فأولاد فاطمة رضي الله تعالى عنهم هم ذرية النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا تمسك من رأى أن ولد البنات يدخلون في اسم الولد." ويقول ابن القصار: وحجة من أدخل البنات في الأقارب قوله عليه السلام للحسن بن علي: إن ابني هذا سيد. ولا نعلم أحدا يمتنع أن يقول في ولد البنات إنهم ولد لأبي أمهم . والمعنى يقتضي ذلك، لأن الولد مشتق من التولـّد، وهم متولدون عن أبي أمهم لا محالة، والتولد من جهة الأم كالتولد من جهة الأب. وقد دل القرآن على ذلك، قال الله تعالى: {ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله من الصالحين}، فجعل عيسى من ذريته، وهو ابن ابنته. واستدلوا أيضا بآية المباهلة بآل عمران: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم..}. لأنه لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة والحسن والحسين، فقال: اللهم هؤلاء أهلي، كما رواه مسلم والترمذي.فالخلاصة أن من ينتسب إلى نبينا الكريم من جهة أمه، فلاشك أنه من حيث النسب من آل بيت النبي وذريته وأهله. ويثبت له الشرف أيضا، لأن تخصيص الشرف بذرية السبطين إنما هو عُرفٌ أحدثه الفاطميون لمّا حكموا مصر، وكان الأمر في السلف على خلافه.فصاحبنا المرحوم -على قول الجمهور- شريف حسني، وذريته كذلك.
التصوف بين الحَسنيين والحُسينيين:
ثم إنه من المعروف أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ترك ولدين: الحسن وأخاه الأصغر منه الحسين.. ابنا علي وفاطمة رضي الله عن الجميع. ثم كلا منهما خلف ذرية واسعة انتشرت في أكثرية البلدان العربية والإسلامية، لدرجة أنه لا يكاد يخلو بلد من الأشراف المحققي النسب، من المغرب حتى أندونيسيا، غير الذين انطمستْ أنسابهم وغير الذين ادّعوا بغير حق النسب الشريف.غير أن المقارنة بين الذريتين الحسنية والحسينية تعطي –ممّا له علاقة بموضوعنا- أمرين:الأول أن ذرية الحسن أكبر عددا وأوسع انتشارا من ذرية أخيه.والثاني أن كثيرا من أئمة السلوك في تاريخ الإسلام كانوا ينتمون إلى آل البيت، فمن أعلام الأئمة الحسنيين: عبد القادر الجيلاني، وعبد السلام بن مشيش، وأبو الحسن الشاذلي، وعبد العزيز الدباغ، وعبد السلام الأسمر، ومحمد البوزيدي، والعربي الدرقاوي، وابن عجيبة التطواني، ومحمد الحراق، وأحمد بن إدريس، وأحمد التيجاني، وشيوخ آل الكتاني، وشيوخ وزان كمولاي الطيب وعبد الله الشريف.. الخ.ومن المُحدَثين : ابن عمّنا الحاج ميمون الشرقاوي شيخ مشايخ الطريقة الدرقاوية بالريف، دفين بني سعيد. ومن مشاهير الحسينيين: أحمد البدوي، وأحمد الرفاعي، وإبراهيم الدسوقي؛ ومن المعاصرين عبد الرحمن الشاغوري والكسنزان..الخ.أما الابن الآخر لعلي بن أبي طالب –من غير فاطمة- فهو محمد بن الحنفية، ومن أكبر أحفاده ممّن سلك طريق التصوف وبرز فيه: عبد الوهاب الشعراني صاحب التصانيف.لكن من الواضح أن أكثر وأكبر أئمة التصوف كانوا حسنيين ينتهون إلى سيدنا الحسن.. وهذا باب غريب في العلم، وله علاقة باستمرار ميراث النبوة في الأمة. إذ هذا يتحقق بأمرين –على الأقل-: حفظ السنة النبوية الشريفة، وهو ما قام به علماؤنا الكبار من أهل الحديث ورجال الجرح والتعديل، فابتكروا هذا العلم العظيم: علوم الحديث.والثاني هو استمرار الذرية النبوية الكريمة في الأمة، فقام أئمتها الكبار بأداء دورهم خير قيام بالدعوة والتربية، وهذا تجلّى أكثر ما تجلى في التصوف السنّي السليم، لذا فالصلة بين آل البيت والتصوف صلة قديمة ومستمرة إلى قيام الساعة.. وهذه الوظيفة التربوية الإيمانية خير لآل البيت من كل دور دنيوي محض، وهذا أيضا من معاني تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة الظاهرية.لاعجب إذن أن تجد أكثر أسانيد التصوف تنتهي إلى سيدنا علي، فكأنه اختص –من بين الصحابة- بعلوم الولاية الربانية، وورّث ذلك لأبنائه. وهذه سنة إلهية، فأنت تجد أن بعض الصحابة اختصّ بعلوم أو أحوال ليست لغيره، كما اختص حذيفة بعلم المنافقين واختص أبو عبيدة بسرّ رسول الله واختص أنس بخدمته عليه السلام واختص أبوبكر بمعيته..فهذا لا يتعارض مع عقيدتنا التي نؤمن بها من أن الأفضلية المطلقة للصحابة هي لسيدنا أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.. وهذا ما عليه جمهور الأمة سلفا وخلفا، وأيدته الدلائل العلمية كما زكّاه الكشف أيضا.لذلك يوجد أيضا صوفية كبار من ذرية الصحابة، فمن الذين ينتهون لأبى بكر الصديق: السادة البكرية بمصر؛ ومن العُمريين: محمد بن عنان، شيخ العنانية بمصر، والمجدد الكبير أحمد السرهندي الفاروقي، وعبد الغني النابلسي.. فالمقصود أن في آل البيت –خاصة آل الحسن- كثرة واضحة في الصالحين والعارفين، وأن لهم إمامة في التصوف لا تخطئها عين الدارس والمؤرخ. وهذه الخصيصة لآل البيت تلقي بعض الضوء على تصوف الأستاذ محمد بنبراهيم، فهو حلقة من سلسلة المتصوفة والعُباد والزهاد الذين أنتجتهم المدرسة النبوية.. فكأن لهؤلاء الأشراف استعدادا خاصا لسلوك طريق التصوف ومزيدَ اختصاص به وتوارثا له، والذي هو في جوهره طريق العبودية المحضة. لذلك من صِدقه رضي الله عنه أنه لم يخبرني أبدا بنسبه الشريف.يتبع..
تأليف: إلياس بلكا
نواصل الحديث عن الرجل الرباني، والذي فقدناه من شهور قليلة. فقد كان رحمه الله أعجوبة يقِل مثلها، تُذكّرنا بأنه لا يزال في الأمة رجال كبار على خطى السلف من العُـباد والزهاد الصادقين.. بل حقيقٌ أن يُضاف اسمه إلى تذييل معاصر –على فرض أن أحدا قام به- لأول كتاب مغربي في أدب المناقب، أعني "المستفاد في مناقب العُبّاد، بمدينة فاس وما يليها من البلاد،" لابن عبد الكريم التميمي المتوفى سنة 603هـ.لذلك مِن قصدي في هذه المقالات إحياء الكتابة في المناقب، خاصة مع الإهمال العام للتأريخ لأهل العلم والصلاح. قال المؤلف المجهول لكتاب "مفاخر البربر" ص172: "سمعت الشيخ الفقيه، قاضي الجماعة(.. ) أبا عبد الله بن عبد الملك رحمه الله يقول: كان بفاس من الفقهاء الأعلام والأجلّة أعيان الأنام ما ليس في غيرها من بلدان الإسلام، إذ هي قاعدة المغرب، ودار العلم والأدب؛ ولكن أهلها أهملوا ذكر محاسن علمائهم وأغفلوا تخليد مفاخر فقهائهم."لذلك فهذه المقالات ليست كتابةً في التصوف، إذ للتصوف –علماً وسلوكا- رجالُه، وأنا لستُ من أهله، بل لم أشمّ له رائحة.. فقـُل إن شئتَ: هي كتابة في تاريخ التصوف، لا في التصوف.إذن رأينا في الحلقة الماضية كيف أن الأستاذ بنبراهيم ينتمي –من جهة الأم- إلى العائلة السنوسية، أولاد السنوسي بن العربي الأطرش، وهم من ذرية الولي الكبير عبد الله بن خطاب الذي ينتهي بدوره إلى عمران أحد أبناء المولى إدريس الأزهر.وعندنا في تراثنا الإسلامي مناقشة تاريخية حول الشرف النبوي: هل يثبت من جهة الأم أمْ لا؟
مسألة الشرف من قِبل الأم:
وللمسألة فوائد علمية وعملية، منها: ضبط النسب حتى لا يُعزى أحدٌ إلى غير آبائه، ولهذا آثاره في قضايا الإرث والوقف وأحكام العاقلة والدية.. كذلك ينفع هذا الموضوع في الاجتهاد في أحكام المولودين من الأم الشريفة، وهل تشملهم الأحكام الفقهية المعروفة لآل البيت، كتحريم أخذهم للزكوات والصدقات، واستحقاقهم مصرف الخمس من ذوي القربى.. ومدى اعتبار النسب في الكفاءة بين الزوجين، خاصة عند الشافعية. كما كان للمسألة تبعات سياسية لا تخفى، خصوصا مع تصدّر بعض آل البيت للحكم في بعض البلاد الإسلامية.وقد أفرد بعض العلماء هذه المسألة بالتصنيف، خاصة حين طُرح موضوع أولاد السيدة زينب رضي الله عنها، وهي الأخت الشقيقة للحَسنَين، وذلك بالقرن الثامن الهجري خصوصا. من هذه الكتب، وأكثرها للمالكية، لأنهم أغلب من كتب في المسألة، خاصة مالكية المغرب الأقصى:- "إسماع الصّم في إثبات الشرف من قبل الأم" لأبي عبد الله محمد القسنطيني، ت 807هـ.- "جزء في إثبات الشرف من قبل الأم" للحفيد ابن مرزوق، ت 842.- "العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية"، للجلال السيوطي.- "تبيان الحكم بالنصوص الدالة على الشرف من الأم" لعبد القادر الصديقي الهندي، المفتي بمكة، ت 1138.- "الفوز والغنم في مسألة الشرف من الأم" لخير الدين الرملي الحنفي، ت 1081.- "شرف الأسباط" لجمال الدين القاسمي، ت 1332.- "طراز الكلم في تحرير إثبات الشرف من جهة الأم،" لعبد الرحمن تونسي.- "كتاب "إزالة اللبس والشبهات عن ثبوت الشرف من قبل الأمهات"، لمحمد العابد ابن سودة.ومن آخر من بحث الموضوع عَصريُّنا سليمان بن خالد صليعي، له: "غاية المهتم في مسألة الشرف من جهة الأم"، في حوالي 590 صفحة، صدر عن دار الوراق في الرياض.والذي عليه رأي الجمهور، كما عليه العمل والفتوى، هو ثبوت الشرف من قبل الأم، وإن خالف فيه الفقيه ابن عرفة التونسي. فالمولود لأم شريفة وأب غير شريف يُعتبر شريفا أيضا، أما نسبُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فثابت.يقول القرطبي - في تفسير قوله تعالى من سورة الأنعام: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل، ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كلّ من الصالحين، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلا فضلنا على العالمين}- : "وعَدّ عيسى عليه السلام من ذرية إبراهيم، وإنما هو ابن البنت، فأولاد فاطمة رضي الله تعالى عنهم هم ذرية النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا تمسك من رأى أن ولد البنات يدخلون في اسم الولد." ويقول ابن القصار: وحجة من أدخل البنات في الأقارب قوله عليه السلام للحسن بن علي: إن ابني هذا سيد. ولا نعلم أحدا يمتنع أن يقول في ولد البنات إنهم ولد لأبي أمهم . والمعنى يقتضي ذلك، لأن الولد مشتق من التولـّد، وهم متولدون عن أبي أمهم لا محالة، والتولد من جهة الأم كالتولد من جهة الأب. وقد دل القرآن على ذلك، قال الله تعالى: {ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله من الصالحين}، فجعل عيسى من ذريته، وهو ابن ابنته. واستدلوا أيضا بآية المباهلة بآل عمران: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم..}. لأنه لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة والحسن والحسين، فقال: اللهم هؤلاء أهلي، كما رواه مسلم والترمذي.فالخلاصة أن من ينتسب إلى نبينا الكريم من جهة أمه، فلاشك أنه من حيث النسب من آل بيت النبي وذريته وأهله. ويثبت له الشرف أيضا، لأن تخصيص الشرف بذرية السبطين إنما هو عُرفٌ أحدثه الفاطميون لمّا حكموا مصر، وكان الأمر في السلف على خلافه.فصاحبنا المرحوم -على قول الجمهور- شريف حسني، وذريته كذلك.
التصوف بين الحَسنيين والحُسينيين:
ثم إنه من المعروف أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ترك ولدين: الحسن وأخاه الأصغر منه الحسين.. ابنا علي وفاطمة رضي الله عن الجميع. ثم كلا منهما خلف ذرية واسعة انتشرت في أكثرية البلدان العربية والإسلامية، لدرجة أنه لا يكاد يخلو بلد من الأشراف المحققي النسب، من المغرب حتى أندونيسيا، غير الذين انطمستْ أنسابهم وغير الذين ادّعوا بغير حق النسب الشريف.غير أن المقارنة بين الذريتين الحسنية والحسينية تعطي –ممّا له علاقة بموضوعنا- أمرين:الأول أن ذرية الحسن أكبر عددا وأوسع انتشارا من ذرية أخيه.والثاني أن كثيرا من أئمة السلوك في تاريخ الإسلام كانوا ينتمون إلى آل البيت، فمن أعلام الأئمة الحسنيين: عبد القادر الجيلاني، وعبد السلام بن مشيش، وأبو الحسن الشاذلي، وعبد العزيز الدباغ، وعبد السلام الأسمر، ومحمد البوزيدي، والعربي الدرقاوي، وابن عجيبة التطواني، ومحمد الحراق، وأحمد بن إدريس، وأحمد التيجاني، وشيوخ آل الكتاني، وشيوخ وزان كمولاي الطيب وعبد الله الشريف.. الخ.ومن المُحدَثين : ابن عمّنا الحاج ميمون الشرقاوي شيخ مشايخ الطريقة الدرقاوية بالريف، دفين بني سعيد. ومن مشاهير الحسينيين: أحمد البدوي، وأحمد الرفاعي، وإبراهيم الدسوقي؛ ومن المعاصرين عبد الرحمن الشاغوري والكسنزان..الخ.أما الابن الآخر لعلي بن أبي طالب –من غير فاطمة- فهو محمد بن الحنفية، ومن أكبر أحفاده ممّن سلك طريق التصوف وبرز فيه: عبد الوهاب الشعراني صاحب التصانيف.لكن من الواضح أن أكثر وأكبر أئمة التصوف كانوا حسنيين ينتهون إلى سيدنا الحسن.. وهذا باب غريب في العلم، وله علاقة باستمرار ميراث النبوة في الأمة. إذ هذا يتحقق بأمرين –على الأقل-: حفظ السنة النبوية الشريفة، وهو ما قام به علماؤنا الكبار من أهل الحديث ورجال الجرح والتعديل، فابتكروا هذا العلم العظيم: علوم الحديث.والثاني هو استمرار الذرية النبوية الكريمة في الأمة، فقام أئمتها الكبار بأداء دورهم خير قيام بالدعوة والتربية، وهذا تجلّى أكثر ما تجلى في التصوف السنّي السليم، لذا فالصلة بين آل البيت والتصوف صلة قديمة ومستمرة إلى قيام الساعة.. وهذه الوظيفة التربوية الإيمانية خير لآل البيت من كل دور دنيوي محض، وهذا أيضا من معاني تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة الظاهرية.لاعجب إذن أن تجد أكثر أسانيد التصوف تنتهي إلى سيدنا علي، فكأنه اختص –من بين الصحابة- بعلوم الولاية الربانية، وورّث ذلك لأبنائه. وهذه سنة إلهية، فأنت تجد أن بعض الصحابة اختصّ بعلوم أو أحوال ليست لغيره، كما اختص حذيفة بعلم المنافقين واختص أبو عبيدة بسرّ رسول الله واختص أنس بخدمته عليه السلام واختص أبوبكر بمعيته..فهذا لا يتعارض مع عقيدتنا التي نؤمن بها من أن الأفضلية المطلقة للصحابة هي لسيدنا أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.. وهذا ما عليه جمهور الأمة سلفا وخلفا، وأيدته الدلائل العلمية كما زكّاه الكشف أيضا.لذلك يوجد أيضا صوفية كبار من ذرية الصحابة، فمن الذين ينتهون لأبى بكر الصديق: السادة البكرية بمصر؛ ومن العُمريين: محمد بن عنان، شيخ العنانية بمصر، والمجدد الكبير أحمد السرهندي الفاروقي، وعبد الغني النابلسي.. فالمقصود أن في آل البيت –خاصة آل الحسن- كثرة واضحة في الصالحين والعارفين، وأن لهم إمامة في التصوف لا تخطئها عين الدارس والمؤرخ. وهذه الخصيصة لآل البيت تلقي بعض الضوء على تصوف الأستاذ محمد بنبراهيم، فهو حلقة من سلسلة المتصوفة والعُباد والزهاد الذين أنتجتهم المدرسة النبوية.. فكأن لهؤلاء الأشراف استعدادا خاصا لسلوك طريق التصوف ومزيدَ اختصاص به وتوارثا له، والذي هو في جوهره طريق العبودية المحضة. لذلك من صِدقه رضي الله عنه أنه لم يخبرني أبدا بنسبه الشريف.يتبع..
Published on February 11, 2017 10:42
No comments have been added yet.
إلياس بلكا's Blog
- إلياس بلكا's profile
- 50 followers
إلياس بلكا isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

