من الألف إلى الياء

جلس على كرسيه المدلوب ينفث دخان لفافه التبغ ويقرأ الجريدة , يحاول أن يطرد التوتر الذى يتملكه, يضع سماعته فى أذنه يستمع إلى أحد مقطوعاته المفضلة ل أنطونيو فيفالدي , يحرك أصبع السبابة من يده اليمنى ويهز رأسه مغمض العينين , يزداد حماسه إلى أن يشعر بيد تلمس كتفه , توقف وفتح عينيه ليجد أنثى يعرفها جيدا تقف أمامه نزع سماعته , ونفض رماد لفافة التبغ فى مطفئة بجانبه ووضع الجريدة على رجليه ,هى مازلت تقف تراقب حركته تلك ثم قالت
_لم تتغير
_لقد تغيرت كثيرا , تفضلى بالجلوس .
أشار لها بالجلوس على الكرسى الذى أمامه وقال
_كم مضى برأيك , فأنت تعرفين أنا لست جيدا بتذكر السنين .
نظرت له نظرة فارغة وبعد قليل من الصمت قالت بصوت مبحوح
_عشر سنين .
أرتسمت السخرية على قسمات وجهه ثم قال وهو يهز رأسه
_ لماذا جئتى إذا بعد كل هذه المدة ؟
وهنا أخرجت من حقيبتها كتاب مألوف , لوحت له بالكتاب وقالت
_الندم وهذا الكتاب .
قال بصوت عصبى
 _ ندم ؟
ارتسمت شبح إبتسامه على وجهه ثم أكمل
_لقد فات الأوان على كل شئ , الندم أو اى شئ أخر .
لمعت عينيها وقالت
_لم يفت الأوان بعد .
زادت نبرة صوته وبدأ يحرك يده بعصبيه وهو يقول
_لماذا ؟ لماذا تركتينى هنا وحيدا؟ , لم يكن لدى شئ سواكِ  كل تلك السنين تمسكت بكِ , أصبحنا شخصا واحدا , لم أعد بمقدورى فهم العالم بدونك , ثم ماذا ؟ تختفين ."تلك النظرات المتوسلة التى يرمقها بها , نظرات الصدمة والإنكار , ثم نظرات الإستسلام واليأس , تمسك بيدها وبكى بشدة , هى تقف وتنظر إلى الخلف وهو يبكى ويحاول التمسك بها , لم يعد للكلام مكان هنا , يحاول أن يتوسلها بالنظرات , تعود وتضمه بشدة كأنها تأخذ قلبه معها , ثم تتركه بلا روح وبلا قلب , جسد تالف مشلول لم يعد قادر على فعل شئ, صرخ بشدة حاول النهوض ولكنه سقط , زحف محاولا الوصول إلى باب الغرفة ولكنه لم يعد قادرا على فعل شئ " جزء من الكتاب
_ كنت خائفة .
نفث عمودا من الدخان ثم قال
_حقا ؟ من ماذا ؟
_من عدم قدرتى رعايتك , كنت خائفة أن تكرهنى بعد ذلك .
_والأن أنا أحبك ؟
_كنت أفكر بطفلنا .
أرتسمت علامات التعجب على وجهه وقال
_أى طفل ؟
بدأت تبكى وهى تتكلم
_كنت عائدا من عند الطبيب الذى أخبرنى حينها أننى أحمل فى بطنى طفلنا ..وفى نفس اليوم  جائنى خبر حادثة السير تلك , وحين كنت فاقدا للوعى لمدة أسبوع أجهضت الطفل , نحن لم نكن نملك شيئا لنقدمه .
_تقولين أنكِ قتلتى طفلنا .
 _كنت مذعورة , لم أتمالك نفسى حينها , وكل شئ أصبح رأسا على عقب ."_حبنا لم يكن آمناً, ولكنه لم يكن هراءً , ألم تفهمى ذلك عند تلك اللحظة.
_ حبنا لن ينقذنا .
_ولكن علينا التمسك , نحاول أن ننجو معا " جزء من الكتاب_كان يمكن أن نصلح هذا معا , لقد مررنا بكثير من الظروف .
 _أنا أسفة ."عند تلك اللحظة لم يمر بعقلى سواها, سمعت دائما أن الإنسان حين يقترب من الموت يرى حياته ’ ولكننى لم أرى سواها , أبتسمت بشدة حينها ورأيت كل شئ رأسا على عقب من نافذة العربة وبعدها أصبح كل شيئا ظالما  , اللون الأسود لون الحزن والنهايات ,كانت تحب ذلك اللون بشدة , وتقول على اللون البنى لون معادى للجنس , كنا نصنع قائمة بالأشياء التى تزعجنا ولا نفعلها أو الأشياء التى تقلل سعادتنا وكان اللون البنى منهم , إذا نجوت من هنا سأضيف اللون الأسود إلى تلك القائمة " جزء من الكتاب
 سند وجه بيده وهو ينظر إلى الأرض نظرة مفرغة , لا يفكر فى شئ سوى قلبه الذى لم يعد يحب ذلك الشخص , هو يعرف أن النهاية كٌتبت منذ زمن بعيد ,نظر لها مبتسما وقال لها_هل أحببتى الكتاب ؟_هو يعبر عنا بشدة .نظر إلى ساعتة ثم قال
 _تعرفين أنتى السيدة التى تسمى "من الألف إلى الياء " عندها يبدأ كل شئ وينتهى , ولكن حرف الياء جاء منذ فترة كبيرة جاء منذ عشر سنين , أنتِ قصة منتيهة بالنسبة لى كالكتاب الذى تمسكين به , هل تعرفى أنت مثيرة للشفقة لتأتى إلى هنا , فى ذلك اليوم حين تمسكت بكِ بقوة وذهبتى حزنت كثيرا , ولكن اليوم أنا سعيد لأنكى ذهبتى , أنا أسف على الصعود إلى المسرح لألقى كلمتى , يمكنك الحضور إذا شئتى .
 ألتفت مبتعدا عنها وعينيه تدمع هو يعرف أن فى ذلك اليوم حين أخذت قلبه لن يعود كما كان وحين أتى لم يكن يناسب حالته فهو سيظل حزينا إلى الأبد, هو يعرف أن الحروف لم تكتمل بعد فى قلبه هو مازال عند حرف الألف .#من_الألف_إلى_الياء
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on February 07, 2017 04:33
No comments have been added yet.