في الليل
يكتبون الليل يا عزيزة،... يُفنّدون على الأسطر معانٍ قاصرة عن وصفه، مجحفة في حقّه، ثم يقدمونها على أطباق للذواقة. لذا اسمحي لي أن أفشي لهم قليلاً مما أعرف عن رداء السواد الذي تلتحف به الأرض كلما قررت أن تنام.
الليل، يا أعزاء، وشاحٌ ذو لون داكن، بأطياف متعددة. هو الدفء للأحبة، والبرد في الغربة، والظلم في كُنه الغيابات، والحزن في عين المفارق، والبسمة على شفاه الحالم، والضحكة في قلب المُريد للشيء المُستحصل عليه.
الليل احتضان الوالدة ابنَها كي ينام، وقصة يتلوها الوالد ليُحسّن نوعية الأحلام. والليل دعاء جدة للأبناء والأحفاد، وراحة للمتسول من مدّ اليد للمارة من الأغراب. والليل فسحة لِساعدٍ أنهكه معول النهار، واتّكاءة لرأس أثقله حِمل الأفكار. والليل ستار لدمعة شوق، أو يأس وإذعان.. واحتضان لسجدة شكرٍ وامتنان.. ومعقِل طلبات السائلين من رب العالمين.
الليل، يا صديقُ، قيلولة الشمس بعد إذ صعدت جاهدة إلى وسط السماء، والليل يا عزيزي استراحة الغيوم. والنجوم، يا صديقة، لألآت تُحصيها الغربان كل ليلة، حتى إذا ما شارفت على الانتهاء باغتتها إشراقة الصباح.
وأمّا حبّات البَرَد فدموع الغيم ليلاً حين يشتد الأمر على الضعفاء، وأما حبيبات الندى فدموع الفرج يتهلل بها وجه الأرض كلّما حلّ الربيع.
والليل بعيداً عن هذا وذاك، دكان مغلقة، وستار مُسدَل، وباب موصدٌ، وأغلال محكمة، وأجفان؛ مطبَقة أسيرة الهواجس والطموحات، أو مشرعةٌ يثبّتها الأرقُ من عُلوٍ وسُفل.
والليل يا أعزاء شارع يقف فيه، وحيداً، عامود الإنارة، وآخر تَغُصّ به سيارات المُنهَكين، وثالثٌ تشقّ سكونَه أنفاسٌ حيارى. والليل حديث يطول، وآخر مبتور عند آخر لقمة عشاء أو آخر رشفة شاي، تماماً كما الآن.
حنان فرحات
الرفيد 26-11-2016