المشير .... لامؤاخذة

منذ البيان الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وأنا أناقض نفسي، أتذكر تاريخاً مضى ارتديت فيه الزي العسكري لأكثر من 14 عاماً، بكل ما فيه من ألم وهم، وحاضر يولد أمام عيناي، وشتان ما بين فساد وصلاح.
ولا أدري للأن لماذا تذكرت تلك الليلة الرمضانية الباردة التي دعيت اليها في اواخر التسعينيات، لاحضر مباراة في الدورة الرمضانية العسكرية التي يشارك فيها المشير، الذى تناثرت حوله شائعات اصابته بمرض السرطان، وحسدته أنا بنفسي خلال تلك المباراة التي أحرز فيها 3 أهداف، وجرى حتى انقطعت أنفاسي أنا، حينها فقط أدركت أن المرض اللعين لا يصيب سوى الشرفاء.
****
إلتحقت بالقوات المسلحة في نفس العام الذي ترقى فيه اللواء حسين طنطاوي الي رتبة الفريق، وترك منصبه كقائد لقوات الحرس الجمهوري ليحتل منصب وزير الدفاع، بتوصية إستثنائية من سيدة مصر الأولى في هذا التوقيت سوزان مبارك، وأنهيت دراستي في الكلية الحربية بعدها بسنوات ثلاث والفريق طنطاوي على رتبة مشير، تلك الرتبة التي لا تمنح إلا لأصحاب البطولات الفذة والأعمال العسكرية المبهرة في الحروب، ونالها سيادته على يد الرئيس المصر المخلوع حسني مبارك لإعجابه حينها بالعروض التي تقدمها القوات المسلحة في إحتفالات أكتوبر، ليكون بذلك أول مشير في العالم (فيلد مارشال) يحظى بتلك الرتبة عن طريق الإحتفالات لا الحروب، على الرغم من تعطل التدريب بالوحدات المشاركة والكليات العسكرية لأكثر من 3 شهور طيلة 3 أعوام من آجل تلك العروض.
ومن خلال وجوده كقائد عام للقوات المسلحة، حرص المشير طنطاوي على تغيير المألوف تماماً حيث حرص من سبقه وعلى رأسهم المشير عبدالحليم أبو غزالة - نال رتبة مشير عقب تغييرات فنية ابتكرها في سلاح المدفعية - على دعم الضباط وضباط الصف، والحرص على ولائهم الدائم سواء للقوات المسلحة أو لوزير الدفاع، عبر العديد من الخدمات والترقيات والمكافأت، حيث قام طنطاوي بتعديل قانون الخدمة وزيادة عدد سنوات الخدمة في كل رتبة، وابتكر قانوناً لتحويل عدد كبير من الضباط إلى سن المعاش عند الترقي لرتبة عقيد، متجاوزاً عن عرف امتد لمدة تزيد عن 50 عاماً قبله بالترقي طبقاً للوحدات القتالية التي يقودها الضابط - مثال من قاد كتيبة يجب ان يخدم في رتبة العميد - ليحال مئات الضباط للمعاش وهم في سن الـ40، كذلك أعتمد المشير على رجاله الذين خدموا معاه خلال مشواره العسكري متجاوزاً عن شرط الكفاءة والتفوق، لدرجة أن يخدم اللواء على ماهر رئيساً لهيئة عمليات الجيش - منصب الجمسي في حرب اكتوبر - وهو يعالج في باريس من السرطان لمدة عامين، وخلال ذلك تم استبعاد عدد من الكفاءات تحت شعار الولاء والانتماء أهم من الكفاءة.
****
اعتاد أن يجالس رجاله كل يوم، بذات الوجه الصارم الخالي من اي انفعالات، التي تشبه ابتسامته شقاً في جدار صلد، يتسائل عن أخبارهم، يسمع أكثر مما يتكلم، يكتفي بتلك الايماءات الغامضة التي تجعلهم جميعا في انتظار النتائج، لا يحب الحديث عن حرب اكتوبر، ويدرك جيدا في قرارة نفسه أنها كانت أخر الحروب، وانه عندما يعير قواده بغبائهم في المؤتمرات، ويخبرهم بأنهم قادة سلم، سيتم تغييرهم جميعا وقت الحرب، انه على رأسهم، وانه محارب سلمي تركت فيه الثغرة اثرا لا ينمحي
****
كذلك تم إخلاء القيادات العليا للقوات المسلحة من أي ضابط كفء خوفاً على المنصب الهام ألا وهو وزير الدفاع، وخلال ذلك ومن أثناء خدمتي كضابط صغير في سلاح المدرعات، حرص سيادة المشير على زيادة أعداد الشرطة العسكرية إلى أربعة أضعاف عددها لمطاردة وإهانة أفراد القوات المسلحة في الشوارع خاصة بعد إصدار قانون يمنعهم من السير فيها، لدرجة سخرية بعض الصحف الاسرائيلية يوماً من العدد المبالغ فيه للشرطة العسكرية بقولها لكل جندي أو ضابط مصري مقابل من الشرطة العسكرية، كذلك حرص سيادته على إغراق وحداته بالتفتيشات الشهرية واليومية والمفاجأة والمحددة سلفاً، لتدور أدمغة ضباطه بحثاً عن رضا تلك اللجان القادرة على تدمير مستقبل أي عدد منهم من خلال تقرير واحد، وتنتشر بناء على هذا الرشوة والهدايا بين أفراد القوات المسلحة ليفسد الجسد بعد أن فسد الرأس.
*****
أدرك منذ شبابه أن للقمة في القوات المسلحة طريقين هما الولاء او الكفاءة، وبما ان الثغرة وصمته في كفائته طيلة العمر فلابد من الولاء، الولاء التام، الذي صار مفتاح حياته، حتى ترقي لقيادة الجيش الثاني ومنه للحرس الجمهوري، حينها أدرك أن قواعد اللعبة اختلفت، اتسعت، وان مركز القوى لم يعد ضابطاً أعلى يرتدي كابا، بل امرأة أقوى تدير بلداً باصبعها، أجاد الانحناء والطاعة، لزمها ذهاباً وايابا، حتى اصرت على اسمه عند رحيل الوزير اللقيط يوسف صبري ابو طالب ، الذى عاد للوزارة منتشلا من كحافظة القاهرة ، في وضع ترانزيت لقادم اهم.
*****
رجل مثل هذا أفسد أجيال بأكملها في القوات المسلحة، وتعمد تجهيلها عن طريق كم من التفتيشات اليومية وجريدة القوات المسلحة التي يصر على حفظ الضباط لمانشيتاتها لدرجة أنه قد يطلب من ضابط ترديدها ان قابله في الشارع، لا أتخيل يوماً أن ينقذ مصر، رجل مثل هذا بناه مبارك وجعل منه وزيراً للدفاع، رغم أن تاريخه العسكري يحمل وصمة كبرى في حجم ثغرة الدفرسوار لأنه قائد الكتيبة المسؤولة عن تأمين الجانب الأيمن للجيش الثاني، حيث اخترقت القوات الإسرائيلية.
لن يعمل لمصلحة مصر أبداً، فقط سيعمل لمصلحة من يراه الآن سيدا.
*****
رجل تذوق لذة صفقات السلاح ، وميزانية لا تناقش، وطاعة بلا عيون، يقف حائرا الان امام تاريخ دخله وهو لا يعرفه ولا يؤمن به، ورجل مريض في شرم الشيخ بجواره سيدة منكسرة تعود ان يرفع يده بالتحية مؤمنا لهما، وشباب في التحرير يقضون مضجعه، ومجموعة من اللواءات التى اتقن جمعها عبر عقدين من الزمان يتقافزون خارج سيطرته الان، لانهم ادركوا ان تلك لحظة المساواة، وان الغلبة الان ..... للاقوى.
*****
أتعجب كثيرا من كلبي الذي ربيته طيلة 20 عاما، فمنذ مرضى وانهياري واحتلالي لغرفتي في المستشفى وهو لا يكف عن النباح، هل نسيني الكلب، ام انه فقط ينبح ليبعد اللصوص عن جثماني المتعفن، على ما أظن الكلاب لا تخون اسيادها أبدا
Published on July 28, 2011 06:32
No comments have been added yet.