متحفزاً ، أضغط على الجرس الكهربائي بعدما أعدت قراءة اللافتة عدةً مرات وكأني أتعلم الهجاء مجدداً، "إدريس" يفتح الباب وعلى شفتيه ابتسامة لم أفهم كنهها حتى الآن، يخترق سواد بشرته ـ صفين من الأسنان ناصعة البياض في تناغم لوني مميز .. لم أعرف اسمه حتى الآن، ولكني أسميته إدريس. يهز رأسه ليحييني، ثم يشير لي بالدخول .. بعد بضعة خطوات أشعر أني سقطتُ سهواً في فيلمِ كلاسيكي من الستينات، الغرف واسعة، الإضاءة صفراء، السكون يسيطر على المكان وموسيقى موتسارت تصدح من جرامافون قديم يستند إلى زاوية الغرفة ( حسناً ربما لم أعرف بالتأكيد اذا كان موتسارت أم لا، ولكن اسمه جميل على أي حال)
الأثاث مريح بشكل مثير للغيظ، وعلى الحوائط يبرز عددٌ من اللوحات الفنية الغير مفهومة لمن هم مثلي ،وفي أقصى اليمين يستقر مكيف الهواء داخل صندوق خشبي ليلائم نفس روح المكان القديمة.. يبدو هذا المكان لي كما لو أنه تم تصميمه في عالمٍ موازٍ ، بعيد تماماً عن مجريات اليوم. كل ركنٍ فيه ينطق بأرستقراطيةٍ خالصة.أقف الآن تماماً في منطقة وسطى بين الدهشة والانبهار..الجو حار، أم أنه القلق؟ أمسح قطرات العرق المتولدة برفق، و أسأله لأكسر حاجز الصمت الثلجي المتراكم بيننا بعدما عبثت في ميداليتي ومفاتيحي وهاتفي المحمول عدة مرّات " انت معادك امتى" ، رد بشكل مباغت: "واحدة ونص." كان يجلس بجانبي على الأريكة، ونبدو كأننا ننتظر الموت.
الباب ينفرج قليلاً بشكل سينمائي بطئ فيصدر أزيزاً يسمعه كل من في الغرفة، و يكشف عن ساقين أنثويتين خالصتين وصوتٍ حالمٍ يناديه باسمه... اسمها لا بد ان يكون جيرمين أو جاكلين أو اسماً آخراً لا يتجاوز أن يختلف عنهم إلا في ترتيب أماكن الحروف فقط، لا أبعد من هذا. قام على الفور، وشعرتُ بأنه ارتبك وتفكك تماماً رغم أنه ظل على هيئة المطمئن ورغم أنه ظلَّ في انتظار النداء كثيراً
تمنيت له التوفيق وجلست وحدي على الأريكة المريحة ، في انتظار الموت.. أو الحياة.
Published on June 03, 2011 13:20