تأملات: (2) الوزراء المقالون


لماذا أقيل الوزراء المقالون بعد الاحتجاجات؟ هناك في رأيي ثلاث إجابات محتملة. أولها، لأن الرأي العام ضدهم، وبالتالي فهم لا يتمتعون بشعبية تُمكِّنهم من الاستمرار في عملهم ، وبالتالي فالتخلي عنهم، ورقة رابحة في يد السلطان في محاولة إعادة الثقة للحكومة. وثانيها، أنهم غير أكفاء، فهم قادوا البلد باتجاه وضعيتها الراهنة التي أصبحت غير مقبولة ودفعت الناس للتضجر والخروج إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم. وثالثها أنهم فاسدون، أي أن ما يتهمهم به الناس سرا فيما مضى، وعلانية في الوقت الراهن، صحيح. لماذا يجب علينا التساؤل حول سبب الإقالة ؟ لأن كل إجابة تستتبع أمورا مختلفة. فلو كانت القضية انعدام ثقة الناس فيهم وسقوط شعبيتهم، فيجب على الحكومة (السلطان ومن حوله) أن تعرف أن أزمة الثقة هذه لا تقف عند بعض المسؤولين بل تتعداها لتشمل أفرادا آخرين أيضا؛ فرئيس مجلس الوزراء، أي السلطان نفسه، ونائبه، أي فهد، قد لا يكونان بمنأى عن الانتقاد؛ فعادةً ما يرمى بالتبعة على رأس المؤسسة إنْ ضَلَّتْ المؤسسة طريقها. فهل هناك من اقترح للسلطان أن يقوم بتغيير نائبه مثلا؟ وهل مثل هذا الفعل قد يؤدي إلى استقامة الأمور بشكل أفضل؟ الأمر الآخر أن المسؤولين المنعدمةَ ثقتهم لدى الناس، والساقطة شعبيتهم، ما زالوا موجودين؛ فهناك المدعي العام ووزير الاعلام ووكيله والمستشار الاعلامي وآخرين، فهل هي مسألة وقت لإزاحة هؤلاء، أي ان الأمر لا يتعدى أن يكون البدء بترتيب الأوراق المهمة بداية ثم النظر للأوراق الأخرى الأقل أهمية؟ قد يكون بالطبع أن هؤلاء كباش فداء، ضُحِّيَ بهم من أجل حل الأزمة مؤقتا، بيد ان الأمر في رأيي يتعدى الوقت الحالي، وإنْ كانت الحكومة بصدد تهدئة الأوضاع فقط وحل الأزمة من غير أن يكون هناك إصلاح حقيقي فإن الحكومة ترتكب بهذا حماقة للمستقبل. أما إن كان سبب الإقالة أنهم غير أكفاء، فلا بد للحكومة ان تراجع وسائل اختيارها التي أودت لاحتيارات سيئة، وإن كانوا غير أكفاء فلماذا ظل بعضهم في كرسي عمله طوال تلك الفترة؟ ومن ثم فلا بد من عمل آلية مستقبيلة في الاختيار وفترة زمنية لكل وزير، وطبعا هذا لن يتم ما دام الأمر موكول فقط على رأي السلطان وحده من غير أن توجد تشريعات مُلزِمة وقوانين مُؤطِّرة لعمل الحكومة. فقد نسأل جميعا، ما هي الصفات والطرق التي اتُبِعتْ لاختيار الوزراء الجدد ؟ أَدخَلَتْ القبيلة مثلا كجزء في الاختيار؟ ما الذي يمنع الوزراء الجدد ان يكونوا نسخا من الوزراء القدامى؟  أما إن كانوا فاسدين، فإن الحكومة بإقالتهم فقط من غير أن تقوم بخطوات قانونية في سبيل محاكمتهم، تجعلنا نرجع للتساؤل عن مدى صدق الحكومة في قولها أن القانون فوق الجميع. لإن الإقالة (وأشدد على هذه الجملة) قد تكون من حق رئيس الوزراء، الذي هو السلطان، لكن محاكمتهم والتدقيق المالي عليهم هو حق عام للشعب. بل إني أتعدى هذا للقول أنه حق لهم، للمخلوعين، على الحكومة وعلينا جميعا، فإن امر فسادهم شرَّقَ به القاصي والداني وغرَّب، ولقد لاكتهم الألسنة مرارا وتكرارا، وعلى القضاء أن يقول كلمته ليبرئهم إن كانوا بريئيين. ولأضربْ مثالا مناسبا هنا من الماضي القريب، هو مثال وزير القوى العاملة السابق ورئيس بلدية مسقط، فقد أُشيِع عنهما تورطهما في مسألة فساد تخص بناية الأول التي بقرب المطار، وبناء عليه قام السلطان بإزاحتهما من منصبهما، وقوَّضت العمارة فيما يمكن أن يكون حدثا لافتا وغير مسبوق، وتَوجَّه السلطان في خطاب له أمام مجلس عمان ليؤكد على محاربته للفساد وأنَّ القانون فوق الجميع. حسنا، فماذا حصل بعد هذا؟ حسب الأخبار التي تأتي من هنا وهناك، وهي أخبار شبه مؤكدة إلى مؤكدة، فقد عُوِّضَ صاحبُ البناية عن بنايته، ثم بعد فترة ليست بالطويلة قاموا بإعادتهما إلى سلك المسؤولية بوضعهما في مناصب قيادية في شركات شبه حكومية، فبالله عليكم، ما الذي يحدث؟ وهل هما الآن فاسدان أم هما وقعا في مكيدة نصبها لهما الأعداء؟ وأين القضاء من هذا كله؟ إن قشع العمارة وتسويتها بالأرض لم تتم بشكل قانوني، بل كان أمرا تعسفيا ووليد لحظة غضب. إن هذا الأمر يدل دلالة مطلقة على تخبط شديد في حل المشكلة. وعليه فقد ساعدتْ الحكومة والجهات الأمنية في تشويه سمعة وزير القوى العاملة السابق ورئيس البلدية وقوَّضت ثقة الناس بهما، لأنها تدخلت فيما لا يعنيها من الشؤون القضائية. إنني أضرب المثال هنا لأبيِّن للحكومة أن التعامل مع قضايا الفساد بالغضب الفردي والتعبير الشخصي أمر له نتائجه الوخيمة. فالناس لا ترحم الأخطاء، والمقالون لديهم امتدادت اقتصادية وأمنية وعسكرية، ولو كانوا فاسدين فإنهم لا بد يلعبون في الخفاء لعبا عصيبة، وبعد هذا وذاك فنحن ، أي الشعب، لهم الحق في معرفة ما يدور من حولهم وما يسرق من مالهم وأرضهم. 
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 08, 2011 22:59
No comments have been added yet.


حسين العبري's Blog

حسين العبري
حسين العبري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow حسين العبري's blog with rss.