الجالية المصرية في مصر


أكثر ما يُلفت انتباهي أينما سافرت، هو أن الجاليات المُغتربة في أي دولة يتكتل أفرادها معاً فيُنشؤن رابطة ما يكون من أهم أهدافها هو رعاية مصالح تلك الجالية ومعاونة أفرادها بعضهم البعض في بلاد الغُربة، فتلك الرابطة أو أياً كان اسمها تُساعد أفرادها على الحصول على عمل في حالة فقدان الوظيفة، ويتكافلون معاً حين حدوث مكروه ما لأحد أفرادهم، كما يُسهمون في تسهيل الحصول على المسكن أو أية سلع أُخرى تخص تلك الجالية، فلا يشعر الفرد بأنه مُغترب، بل يشعر وكأنه في وسط مجتمعه الأصلي إلى حد كبير
لكن ما لفت انتباهي أكثر، هو أن هناك بعض الجاليات التي تقوم روابطها أو تجمعاتها بما هو أبعد من ذلك، كان ذلك في العام الماضي عندما تعرفت على رابطة المهندسين الهنود بالسعودية، وهي رابطة لا تعني بأمور التوظيف والمسكن للمهندسين، لكنها تهتم بشيء آخر وهو النهوض بالمستوى العلمي للمهندسين الهنود، فيتبادلون معاً الأبحاث العلمية والتقنيات الحديثة، ويثقفون بعضهم البعض عبر المُحاضرات والنشرات العلمية، بل ويعقدون مؤتمراً علمياً في الأول من مايو في كل عام، وهو ما تمت دعوتي إليه في العام الماضي والعام الحالي، وقمت بإلقاء كلمة فيه في عامنا هذا
إذا فالجاليات الأجنبية لا يتواصل أفرادها من أجل تسهيل الأمور الحياتية في بلاد الغُربة فحسب، بل يتواصلون من أجل أن يكونون في تحسن مُستمر من حيث المستوى العلمي والفني، فيسبقون الجاليات الأخرى بمسافات تزداد عاماً بعد عام، بينما يبقى الآخرون لا يتحركون من أماكنهم إلى الأمام
تشرفت في هذا العام بالتكريم من السفير الهندي بالسعودية، والذي يدل حضوره لهذا المؤتمر في كل عام على مدى الوعي والإهتمام بتطوير المستوى العلمي للجالية الهندية، كما تصادقت وتعرفت عن قرب بالقنصل الهندي والذي تفاجئت بأنه درس اللغة العربية بالقاهرة وأقام فيها لمدة عامين، والأغرب جداً أنه كان مُهندساً كيميائياً قبل أن يحترف العمل الدبلوماسي! كما أنه كان حريصاً على أن نلتقي مُجدداً، مع تأكيده على استعداده لمُساعدتي في أية أمور تتعلق بزياراتي للهند أو أية أمور تخص العمالة الهندية التي تعمل معي
ملحوظة: لم أحظ أبداً بأي تعارف من قريب أو من بعيد مع أي مسؤل في أية سفارة مصرية في كل البلاد التي زرتها أو أقمتُ فيها، ولهذا حديث آخر
لم أكن الوحيد الذي قام بإلقاء الكلمات في ذلك المؤتمر، فقد كانت المُحاضرات الأُخرى أكثر من رائعة وتعلمتُ منها الكثير، وقد تحدثت قبل ذلك عن العملاق الهندي القادم في هذا الرابط، لكن أكثر الكلمات التي أعجبتني للغاية، هي الكلمة التي ألقاها السفير الهندي، فقد قال إن الريادة في هذا العصر ستكون لمن يملك العلم والتكنولوجيا، ولا أخفيكم سرا عندما أقول أن الهند كانت قد أوشكت على الإفلاس المالي مُنذ أحد وعشرين عاماً، لكن كل شيء تغيَّر الآن، لقد كانت الهند في الماضي البعيد تُصدر إلى دول الخليج العربي ثلاثة منتجات فقط هي الأقمشة والتوابل والمشغولات الذهبية، لكن مع ظهور الثروة النفطية في تلك الدول، ومع توفر المقدرة المادية، احتاجت دول الخليج العربي لأن تقوم بتشييد البنية الأساسية في كل مناحي الحياة، وبرغم أن الدول الخليجية استمرت في استيراد نفس الثلاثة مُنتجات التي ذكرناها سابقاً، إلا أنها أصبحت تحتاج إلى استيراد شيء رابع أهم، وهو القوى البشرية المُدربة، وفي بداية الأمر كان ترتيب الجالية الهندية في الخليج العربي هو الرابع أو الخامس من حيث العدد، أما الآن فقد صارت الجالية الهندية هي الأولى من حيث العدد، وإن دلَّ ذلك على شيء فإنه يدل على الإعتراف بالمستوى العلمي والفني لتلك العمالة
لقد عمل الملايين من الهنود في دول الخليج، وحان الوقت إلى أن يتم تطوير ذلك المفهوم، وبدلا من أن نهتم بشئون العمالة الهندية، فلنهتم بالهند نفسها، وبدلا من أن نهتم بتوظيف الهنود، فلنهتم بأن تحصل الشركات الهندية على حصة أكبر من السوق الخليجي، فتتعامل الدول الخليجية مع الشركات الهندية وليس أن توظف العمالة الهندية فقط، فكروا في الهند وليس في الهنود، ولا تنسوا أننا قد غيرنا من نظرة العالم نحونا بعد أن كان الجميع يسخرون من تعداد سكاننا المخيف والذي تخطى المليار ومائتين مليون نسمه
كانت كلمة السفير الهندي صاعقة وصادمة بالنسبة لي، كان المؤتمر كله وكأنه صفعة هزت من كياني، فقد كنت أفكر حينها في مصر والمصريين، أين نحن وكيف سنتقدم ومتى سنتقدم، وخصوصاً أن أكبر انجازاتنا حتى الآن هي: الكلام، ولنا في البرامج الفضائية أسوة ودليل
أخرج من المؤتمر وأذهب إلى منزلي وأنا شارد الذهن، أتصفح الإنترنت فأجد خبراً يقول: تفاصيل معركة شارع عبد العزيز .. تبادُل اطلاق الأعيرة النارية والمولوتوف علي مدار أربع ساعات كاملة
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on May 05, 2011 15:13
No comments have been added yet.