العناد كعلامة على التبعية

العناد كعلامة على التبعيةعبدالله المطيريتحليلنا للعناد هنا هو استمرار للتفكير في الأطروحة الأساسية وهي أن هناك نوعا من التبعية مغلفا بشعارات الاستقلال. التابع "المستقل" هو شخص يتحرك بناء على مواقف الآخرين ولكن في الاتجاه المعاكس. قرار هذا الشخص تابع لقرارات الآخرين ولكنه يختلف عن التابع بدون شعارات أنه يتخذ الاتجاه المعاكس. بمعنى آخر يمكننا معرفة موقف هذا الشخص مسبقا من خلال معرفة مواقف الآخرين. إذا كنا نستطيع تحديد موقف التابع المباشر كموافق للآخرين فإننا كذلك نستطيع أن نحدد موقف التابع بشعارات الاستقلال بأنه سيخالف الآخرين. القضية بالنسبة لهذا الموقف ليست اتخاذ موقف بناء على معايير الصواب والحق ولكنها اتخاذ موقف من الآخرين. القضايا هنا لا تهم، الآخرون والعلاقات معهم هي ما يحدد مواقف التابع الذي يدعي الاستقلال. كمثال على هذه الحالة أريد تحليل موقف العناد. العناد يمكن تعريفه على أنه رفض لتغيير المواقف بغض النظر عن الأدلة. أي أن الشخص العنيد يرفض أن يغيّر موقفه حتى ولو اتضحت له أدلة جديدة تخالف الأدلة التي استند عليها في تحديد موقفه.  يمكن تقسيم العناد بناء على هذا التعريف بالعناد العملي والعناد النظري. العناد العملي يضعنا في هذا المشهد: -1 أ يتبنى الموقف س، -2 أ يعلم فعلا أن هناك أدلة على أن الموقف س غير صحيح. -3 أ يبقى على موقفه الأساسي بتبني س. هذا المشهد يفترض أن يحدد العناد بدقة ويفرّق بينه وبين الأحكام التي نصدرها على الآخرين بأنهم معاندون لأنهم لا يتفقون معنا. العناد هنا هو اجتماع موقفين عند ذات الشخص وليس عند غيره. هو ذاته يعلم بوجود ما يخالف موقفه ويعلم بصحة هذه الأدلة ورغم ذلك يبقى على موقفه. أو أن يتخذ موقفا مبدئيا برفض النظر في الأدلة، وهذا ما يمكن تسميته بالعناد النظري. مشهد المعاند النظري كالتالي: -1 ب يتبنى الموقف ص. -2 ب يقرر أن يستمر في تبني ص بغض النظر عن الأدلة. 3 - ب يستمر في تبني ص. هذا ما يمكن وصفه بالدوغما أو الانغلاق الفكري بحيث يتم حسم الموقف الفكري بغض النظر عن أي تطورات في الفكر أو في الواقع.
العناد يعتبر مشكلة لعدة أسباب معرفية وأخلاقية ومنطقية. أولا: أنه يناقض الموقف الطبيعي في بناء المواقف على الأدلة. الذي يجعل المواقف تتفاوت هو قربها وبعدها من الإثباتات والبراهين. العناد يلغي هذه الفكرة ويجعل الأدلة والبراهين هامشية. العناد هنا يعطّل البحث المعرفي والتساؤل وتعديل وتطوير المواقف. العناد هنا تعبير عن انقطاع التواصل بين البشر باعتبار أن التواصل قائم على أن ما نقوله لبعض يمكن أن يؤدي لتغيير المواقف بيننا. إذا كان هذا الباب مغلقا سلفا فنحن مع مواقف ذاتية بلا علاقات.
ثانيا: العناد تترتب عليه مواقف ظالمة تجاه الآخرين. المعاند يعتقد أن دائرته المغلقة كافية لتبرير قراراته التي قد تؤدي إلى نتائج سلبية على الآخرين. المشكل الأخلاقي هنا يتمثل في أن المعاند لا يعطي الآخر حقه في الأخذ بعين الاعتبار ما يجد من تطورات وبراهين وأدلة. لتصوّر هذه النقطة يكفي أن نتخيل قاضيا معاندا! الإشكال الثالث خلف العناد أن يحتوي على تناقض. المعاند يقول إنه يرفض الأخذ بالأدلة الجديدة لأنه يعلم يقينا أن موقفه الأول صحيح. إذا كان هذا العلم صحيحا فالمفترض ألا يخشى المعاند من الأدلة الجديدة لأنها لن تتعارض مع موقفه الأساسي باعتبار أنه صحيح دائما وأبدا. لذا فالمعاند يناقض نفسه بانغلاقه على ذاته ورفض استمرار النظر في الأدلة رغم اعتقاده أنه على حق. صاحب الحق أولى بالانفتاح من الانغلاق.
إذا كانت هذه المشاكل حقيقية في العناد فلماذا إذن يعاند الناس؟ التفسير الأقرب برأيي للعناد هو تفسير نفسي سيكولوجي. لا يوجد تبرير معرفي للعناد. نلاحظ هنا أن تعريفنا للعناد لا يشمل أولئك الذين يقاومون إحباطات الآخرين لهم ويثقون في ذواتهم. هؤلاء لا تزال الصورة معقولة في موقفهم فأطروحات الآخرين مرفوضة ليس ابتداءً بل مقارنة بما يعرفونه عن ذواتهم. طبعا قد تكون تصوراتهم عن ذواتهم غير دقيقة ولكنه هذا موضوع أعمق يحتاج نقاشا منفصلا. التفسير السيكولوجي/ النفسي للعناد كالتالي: المعاند يريد إثبات وجوده وقوة شخصيته أمام الآخرين. المعاند يخاف جدا من موافقة الآخرين لأنها تثير خوفه على استقلاله. المعاند يخاف من الآخرين لذا فهو قلق من التعاون معهم. الصراع مع الآخرين هو ما يعطيه الأمان على وجوده. المعاند هنا نتيجة لتجربة صعبة هزّت ثقة هذا الإنسان في نفسه وجعلته لا يعرف طريقا لاستعادة هذه الثقة إلا بالصراع مع الآخرين. العناد هنا محاولة لاستعادة مكانة الذات ولكن بشكل مضطرب. إذا كان الطفل التابع يبحث عن وجوده الاجتماعي من خلال تقليد الآخرين وطاعتهم فإن الطفل العنيد يبحث عن وجوده الذاتي من خلال مخالفة الآخرين. الطفل الأكثر استقرارا وأمنا يحقق وجوده الاجتماعي بحسبة مفتوحة ليست محددة سلفا، فهو قد يوافق الآخرين متى ما رأى الموافقة، وقد يخالفهم متى ما رأى ما يقنعه بمخالفتهم. هذا الانفتاح هو التعبير الدقيق عن الاستقلال والحرية. المعاند أسير دوغما ووثوقية تحجب عنه التواصل مع الآخرين بحرية وباستقرار.  
http://www.alwatan.com.sa/Articles/De... 
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 19, 2016 17:55
No comments have been added yet.


عبد الله المطيري's Blog

عبد الله المطيري
عبد الله المطيري isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow عبد الله المطيري's blog with rss.