محمد ربيع's Blog, page 2
October 29, 2012
عام التنين بين طبائع الاستبداد وطبيعة الخانعين
قراءة: محمد عبد النبي
وفقاً للتقويم الصيني فقد بدأ عام التنين بالفعل يوم الاثنين 23 يناير 2012، وهذا العام تحديداً هو عام التنين الأسود المائي، وليس أي تنين والسلام، وقد قرأتُ أن الآباء والأمهات في الصين يتطلعون لاستقبال مواليد عام التنين لكي يجلب لهم هذا الرمز الحظ والثراء، لارتباط رمز التنين وعامه بأباطرة الصين والسلطة والذكاء. والتنين هو الرمز الوحيد لحيوانٍ خرافي بين جميع الأبراج الصينية، التي تتخذ دائماً هيئة حيوان حقيقي مثل الأرنب والديك والفأر والأفعى، ربما لهذا يرغب الجميع في إنجاب أبنائهم في عام التنين، رمز السلطة الإمبراطورية في الصين القديمة، ومن بين هؤلاء المتفائلين استطاع الروائي المصري الشاب محمد ربيع أن يصدر روايته الثانية عام التنين خلال شهور هذا العام نفسه، روايته التي يتحوّل فيها النسر إلى تنين، الجمهورية إلى ملكية أو امبراطورية، وتتسرب سطورها إلى أعمق أركان منظومة السلطة
المطلقة وفي الوقت نفسه إلى الثقوب السوداء التي تبتلع حياة الهامشيون من البشر.
من روايته الأولى كوكب عنبر إلى روايته الثانية، استطاع محمد ربيع أن يقطع خطوات واسعة نحو عمل أكثر إحكاماً على مستوى البنية، يجرّب في حدود المعقول، ولا يتعالى على ما بات يُسمى الآن بالقضايا الكبرى، ويتسلّح كذلك بدرجة من الاطلاع والخبرة المعرفية تقف جنباً إلى جنب سخرية مريرة تجلت في المواقف السردية ومفردات اللغة على السواء.
منذ الصفحات الأولى للرواية، أي المقتطفات السابقة على متن الرواية نفسها، وهي الآية القرآنية “فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ” (الزخرف 54) وكذلك فقرة من كتاب سيد قطب في ظلال القرآن عن استخفاف الطغاة للجماهير ووسائلهم إلى ذلك, يدخلنا محمد ربيع إلى موضوع عمله الروائي ومدار همّه الفكري، وهي حرفة صناعة الدكتاتور والأهم الإبقاء عليه وغسل أدمغة الجماهير وتلهيتهم وتشويشهم، والإبقاء عليهم أسرى حاجاتهم الأساسية لكيلا يتمكنوا من التفكير في أي شيء آخر يتجاوز حدود حياة البهائم. لم يعمد ربيع إلى دس أفكاره تلك حول الأنظمة الفاسدة الغاشمة دساً في ثنايا أحداث روايته كما اعتدنا في روايات سياسية كثيرة، بل مضى إلى ما هو أكثر جرأة من ذلك فخصّ لها فصولاً مستقلة عن فصول حكايته الأساسية التي سنصل لها بعد قليل، في صورة رسائل غامضة إلى شخصٍ أكثر غموضاً اسمه صلاح، رسائل نصح وتوجيه وإرشاد موجهة إلى هؤلاء الذين يحكمون علانية أو سراً. وفي كل رسالة منها يتناول المرسل خيطاً من خيوط الشبكة العنكبوتية المتمثلة في الدولة بآليات سلطتها وإعلامها وصحتها وتعليمها، إلى آخره. الروائي هنا يتبنى صوت السلطة في احتقارها للجماهير واستخفافها بهم وإصرارها على سحق الأفراد كالحشرات، وهو بهذه الحيلة استطاع أن يهرب من الخطاب المباشر المتوارث عن الأعمال الأدبية التي تتناول تيمة السلطة وأساليبها، ومن ناحية أخرى يكتشف إمكانيات جديدة من داخل هذا الخطاب، في التعرية والسخرية المريرة وفضح جوانب مختلفة سواءً في صفوف ذوي السلطة أو في صفوف المحكومين. تبني خطاب السلطة وتشويهه والسخرية منه واللعب معه كان فرصة ذهبية خلال تلك الرسائل – النصوص المتوالية، لم يقلل منها سوى زيادتها عن القدر المعقول إلى حدٍ ما، وبعض التكرار في ثناياها، وإعاقتها في أحيان قليلة لتدفق الحكاية الأساسية – حكاية نعيم أبو سبعة – وهو بنصّ الغلاف الخلفي للرواية والذي أظن أن كاتبه هو الكاتب الصديق ياسر عبد اللطيف: “مواطن بسيط يعمل في مهنة على وشك الانقراض [مهنة تجليد الكتب] تعرض على مدار حياته العائلية والمهنية لكافة أشكال المحن حتى آل الأمر إلى أنه صار في عداد الموتى وهو على قيد الحياة”.
تبدأ الرواية بموت نعيم ورقياً، أي نجاحه أخيراً في إصدار شهادة وفاة سليمة مئة في المئة وهو مازال حياً لكي تستطيع أسرته الحصول على مبلغ مالي كبير قيمة التأمين على حياته. فبما أن حياة وموت الإنسان في الماكينة البيروقراطية ليست سوى ورقة مختومة بختم النسر فقد آثر نعيم أبو سبعة الموت على أن يحيا بلا جدوي لمن حوله. هذه الحالة الإنسانية الموجعة تُقدم لنا في إطار من الكوميديا التي تصل لحد الهزل في بعض المواقف. يصل الأمر بالمشاركين في تمثيلية موت نعيم إلى تغسيله وتكفينه وتوسيده القبر، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يدخل فيها نعيم قبراً مظلماً وحده، فقد فعلها منذ سنوات طويلة حين قيل له إنها الطريقة الوحيدة لإنجاب الولد، فأنجب الولد وأصابته في اللحظة نفسها حُبسة كلامية جعلته عاجزاً عن استخدام الكلمات بصورة طبيعية لبقية عمره. وتمضي رحلة نعيم من فصلٍ إلى آخر، وبينهما بالطبع تتوالي الرسائل إلى صلاح، ومن محنة إلى أخرى، حيث يستغرق ربيع في بعض تلك المحطات إذ تجتذبه هنا لعبة أو يثير شهيته هناك موقف ضاحك، متنقلاً بين تلك الحالات دون أن يستنفد أياً منها، بل ربما بشيءٍ من التعفف عن بعض الحالات التي يمكنها أن تنتج روايات كاملة، وإذا أتينا على ذكر الحبسة الكلامية فإننا لا نجد الروائي الشاب يتتبع هذه الحالة إلى نهاية الشوط فيما عدا حكاية القاموس المشترك الذي أعده مع وهيب وهيب، بل يتم نسيانها تماماً في فصول لاحقة كأن لم تكن، وهناك أيضاً غرام نعيم أبو سبعة المفاجئ بالدفاتر الصغيرة وحرصه على جمع صور الموتى من نعي الأهرام. وكلها أفكار ذكية وتحمل بداخلها طاقات سردية هائلة، لكنها تبدو في الصورة الكلية لعام التنين أقرب إلى زخارف سردية ممتعة، إذ تبقى الرواية حريصة – في ظني – على اللعب بكل ثقلها في مساحة أخرى، تمتد ما بين أغوار البيروقراطية المصرية وطرائق صناعة الاستبداد واللعب بعقول الجماهير.
يمتد هذان الخطان الأساسيان طوال الرواية دون أن يلتقيا إلا قرب نهايتها، حيث تختلط الأوراق وتتجمع الخيوط العنكبوتية، ويتم الانقلاب على كاتب الرسائل نفسه واتهامه بدلاً من نعيم بالنصب على شركة التأمين للتخلص منه، لمصادفة تشابه الأسماء التام بينهما، أم لعلّه هو نفسه نعيم؟ أم لعله وجهه في المرآة – الشاب الذي اشترى كتاب نصيحة الملوك بتجليد من صنع يد نعيم نفسه ذات يوم بعيد – وانعكاسه الذي يبدّل كل تفصيل من النقيض إلى النقيض، فيصير اليمين يساراً واليسار يميناً، ويتحوّل نعيم المهزوم المطحون المغلوب على أمر الذي يتلقى البعابيص راضياً صاغراً من هنا وهناك طول عمره إلى نعيمٍ آخر قاهر وقامع وعارف بكل طرائق سلب الحريات وتكميم الأفواه وتغييب الوعي.
وإذا كان ربيع منذ روايته الأولى مولعاً بالحديث العام خارج سياق السرد، كما في الحديث عن أصل تسمية الحنفية وكتابات ثروت عكاشة في كوكب عنبر، فإنه في عام التنين لم يتخلَ عن ولعه هذا، لكنه استطاع أن يربط بين موضوعات مثل أصل آلية تسجيل المواليد والوفيات مع بداية الدولة الحديثة في مصر بشخصيات أبطاله، حيث صرنا نعرف أن جدّ نعيم وهو أبو سبعة، وجد زوجته وهو أبو رجل، هما الشخص نفسه الذي كان يمنح اسمه لكل المواليد الذين بلا أبٍ معروف. كما ربط بين حديثه عن أدب نصائح الملوك أو الطواويس وبين الرسائل إلى صلاح، وكذلك بالأفكار الكثيرة حول طبيعة عملية صنع الحاكم ونظام الحكم.
لمسة السخرية المريرة والتي تتجاوز الحدود إلى الهزل التام لا تكاد تغيب طوال فصول الرواية، فهي إمّا مبطنة بين سطور الرسائل إلى صلاح، أو مكشوفة وفاضحة في مواقف وطرائف حياة “بطلنا” نعيم أبو سبعة، الذي يظهر بصورة محمد ربيع نفسه بين صفحات الرواية في خبر نعيه. لكنها أحياناً تشطّ بعيداً كما في مشهد “ولود الوصخة” حين يستولي الجنون على عطيات زوجة نعيم وتبدأ بشتيمة جيرانها، وسرعان ما تندمج في رقصة “ولود الوصخة” حتى ينضم إلى هتافها جماهير الفجّالة والعاملون فيها. هذا مشهد يكاد يكون منقطع الصلة بالرواية كلها، على ظرفه وطرافته، ولعلّ هذا نفسه ما أغرى ربيع بالإبقاء عليه فصلاً آخر من بين الفصول التي يحمل كلٌ منها عنواناً خاصاً، كأنه قطعة سردية مستقلة. وبمناسبة “ولود الوصخة” أبدى ربيع في روايته الثانية، ومقارنةً بروايته الأولى، شجاعة كبيرة في استخدام المفردات العامية أو ما يُعتبر منها “بذيئاً” في أدب الصالونات الأنيقة، بل عمدَ بمهارة إلى تأصيل كلمة “معرص” في اللغة وربطها بمن ينافقون السلطات في فصل آخر من أجمل فصول الرواية وإن جاء في سياق الحديث العام لا حكي الحكاية.
يشكّل ربيع لوحته الروائية من عناصر عديدة، يحاول أن يصهرها معاً في سبيكة واحدة لإنتاج لوحته النهائية. لا يخشى من انفلات خيط الحكاية باعتراض صفحات شبه صحفية تيار سرده، ويستعين بالصور، كما في صورة الملك تحتمس الثالث شديد الشبه بالفرعون الأحدث مبارك، ومن هذه المواد يتخلق عالمه الذي يتراوح ما بين محاكاة واقعنا كما نختره يومياً، وما بين المبالغة في الابتعاد عن منطق الواقع وصورته، كما في مشهد نعيم في المجمّع من أجل استخراج شهادة الوفاة الوردية. وبين الطرفين المطلقين يتأرجح عالم ربيع بين اللعب والالتزام، بين المزاح والجدية، بين الفكاهة والأسى. ويبقى مثيراً للإعجاب احترام ربيع لصنعة الرواية، وعكوفه على تطوير أدواته واشتغال عوالمه الخاصة، دون أن يصم أذنيه عن صراخ الواقع المحيط بنا، وهو جهد جدير بالتحية والاحتفاء.
October 26, 2012
October 20, 2012
“عام التنين” عندما أصبح مبارك ملكا على مصر
تتميز الرواية بأسلوب حكي يعتمد على القص المتوازي لعدد من الحكايات التي تبدو في ظاهرها منفصلة ولكنها على مستوى البنية العميقة تتشابك خيوطها اشتباك المقدمة بالنتيجة. فالرواية تتناول قصة مواطن عادي – نعيم أبو سبعة – أراد استثمار الثغرات البيروقراطية في النظام للحصول على مكتسبات لا يوفرها إلا الموت، لذا قرر الموت حيا ليستفيد أبناؤه من أموال التأمين على الحياة، ويستعرض الكاتب رحلة العذاب التي مر بها الرجل في معبد البيروقراطية المصرية العتيقة للحصول على مبتغاه. وبالتوازي مع قصة نعيم يسرد الكاتب قصة أخرى تأخذ قالب الخطاب البريدي بين شخصية خيالية، تنتمي لجماعة الطواويس، تقدم نصائح لرجل مقرب من الرئيس مبارك يشرح له فيها كيفية إدارة شعب كبير كالشعب المصري وما هي أفضل الوسائل للسيطرة عليه.
هذه الرواية – إن أمكننا القول – محاولة للغوص في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مصر وتفسير عشق المصريين لفراعينهم الحاكمين. ولا تغفل حتى الأبعاد اللغوية التي أصلت لكثير من التعبيرات والكلمات الشائعة على ألسنة المصريين الذين يستخدمونها لوصف السلطة والمتعاونين معها.
عدد من القصص المتوازية المنفصلة ولكن المتشابكة، هل هو تيار جديد في كتابة القصة العربية ومِن مَنْ استلهمه الكاتب أم هو نتاج قريحته الشخصية؟
لا أظن أن هذا أسلوبا جديدا للكتابة. قرأت اسلوبا شبيها بما اتبعته في “عام التنين” عدة مرات، وآخر رواية قرأتها واتبعت ذلك الأسلوب كانت “كافكا على الشاطئ” لهاروكي موراكامي. وبالتأكيد قرأت ما يشبه ذلك سابقا، لكني لا أذكره الآن. ما يشغل الكتّاب الآن هو تطوير الأساليب القديمة، والتي هي في الأصل تطوير لأساليب أقدم.
هل تعد الرواية توثيقا لسياسات فترة حكم مبارك ومحاولة إيجاد تفسير لهذه السياسات التي أزرت بالمجتمع المصري؟ وهل اطلع الكاتب على عدد كبير من الوثائق، صحف ومجلات ودوريات وتحليلات، قبل شروعه في الكتابة؟
لم أتعمد توثيق سياسات حكم مبارك في البداية، لكن مع اقترابي من إتمام الرواية أدركت أن هذا ما حدث فعلا. واليوم أرى فعلا أنها تلخيص سريع لما حدث للمصريين خلال الثلاثين عاما الماضية. ربما ستتعجب عندما تعرف أن الواحد قد يقصد أن يحكي حكاية محددة، ليجد نفسه في النهاية يحكي شيئا مختلفا.
لم أطلع على وثائق كثيرة، لكني قرأت أخبارا كثيرة من خلال الصحف. كانت الأخبار المنشورة خلال السنوات الخمس الأخيرة منبعا هاما، وهناك بالتأكيد فضل كبير للأرشيف المتاح على الإنترنت لكل صحيفة. يسمح هذا الأرشيف بالبحث فيه في أي وقت، أثناء الكتابة أو قبلها، وهو ما جعلني أتشعب كثيرا في قراءة تلك الأخبار.
الخيط الرفيع الفاصل بين الحقيقة والخيال، هل هناك نقاط التقاء مع أيٍّ من الروائيين العالميين؟
طموحي هو الخيال. لكني لا أتعمد إبراز الخيال وكأنه حدث مستحيل، بل أقصد أن أحكيه على أنه واقع وحدث حقيقي. ولذلك أحاول تطعيمه بأحداث وشخصيات واقعية طوال الوقت. وهو ما ينتج تلك السبيكة الخيالية/الحقيقية في النهاية.
الطووايس هل هم حقيقة تاريخية أم من نسج خيال الكاتب؟
السؤال عن الطواويس نتيجة مباشرة لسبيكة الخيال/الحقيقة. الطواويس حسب الرواية مجموعة من الناصحين للحكام، على مر الزمن، بدءا من الدولة الفاطمية، وحتى الآن. وسيفهم القارئ ضمنيا أن أحد شخصيات الرواية طاووس من الطواويس. وبالطبع، الطواويس جماعة خيالية بالكامل، فليس هناك أي ذكر لها في كتب التاريخ. لكنك بالتأكيد ستجد ذكرا لأفراد أو جماعات صغيرة شبيهة بتلك، جماعات تتآمر على حاكم معين، جماعات تتآمر على شعب معين، لكنها ستكون مرتبطة دائما بحاكم واحد أو بشعب واحد.
هل كانت الرواية استشرافا لما كان سيحدث لو لم تقم الثورة؟
تم التخطيط للرواية قبل الثورة، وتمت كتابة 80% منها قبل الثورة. ثم تم استكمال الباقي بعدها. والواقع أني كنت أتوقع ما سيحدث للمصريين بناء على تاريخنا خلال العقود الثلاثة الماضية. ومن الواضح -في هذه اللحظة- أني أخطأت. لكني من حين لآخر أجد استعدادا لدى الناس لسلوك نفس المسلك الذي تحدثت عنه في آخر الرواية. المشهد الأخير الذي وصفه بعض الأصدقاء بالكابوسي كاد أن يتحقق فعلا. ولمرات عديدة أيضا، بعد خطاب مبارك الثاني، وبعد وصول شفيق للمرحلة النهائية للسباق الرئاسي، وبعد حصوله على 12 مليون صوت في تلك المرحلة، وحتى اليوم، ستجد بعض المواقف الشبيهة، والتي قد تؤيد فكرتي عن تأثير حكم مبارك على المصريين.
فرانس 24 / حسين عمارة
October 17, 2012
October 9, 2012
October 3, 2012
رحلة البحث عن عمل انتهت بمصرع ٨ مصريين وإصابة ٤٧ في ليبيا
تحولت قرية أبوزعبل بالقليوبية إلي سرادق عزاء كبير، فقدت ٨ من أبنائها من ضمن ٥٥ شخصاً، كانوا في طريقهم إلي ليبيا، للبحث عن فرصة عمل، الضحايا لقوا مصرعهم بعد عبورهم الحدود المصرية فجر الجمعة الماضي،
انقلبت بهم حافلة نقل في منطقة بنغازي داخل الحدود الليبية قبل وصولهم إلي العمل في مجمع مصراطة للحديد والصلب، والمصابون حالتهم حرجة، بعضهم في العناية المركزة والآخرون بترت أيديهم وأرجلهم، أهالي بعض الضحايا لا يعلمون عنهم شيئاً،
وكل ما يعرفونه أن المصابين تم نقلهم لثلاثة مستشفيات: طرابس ومصراطة العامة وحوادث أبوسليم ووصلت أمس الأول جثامين ٤: أحمد الشريف وعيد الخولي وعليوة سعفان ورضا الشحري وخرجت القرية بأكملها لوداعهم إلي مثواهم الأخير أما أهالي المتوفي الخامس محمد درويش ظلوا جالسين أمام مسجد القرية يبكون منتظرين جثمانه.. «المصري اليوم» شاركت القرية المكلومة أحزانها ورصدتها.
البداية عندما سافر أبناء القرية لتحقيق حلم أبنائهم وتوفير متطلباتهم حيث إن هذه الفرصة تأتي كل ثلاث سنوات، عندما يطلب مجمع مصراطة للحديد والصلب في ليبيا عمالاً لصيانة المصنع مقابل ٩٥٠ دولاراً للفرد، بعضهم يريد شراء ملابس جديدة للأبناء ومنهم من يريد توفير مصاريف رمضان وملابس العيد لأولاده،
اختارت الشركة ٨٠ شخصاً من أبوزعبل منهم ٥٥ استقلوا أتوبيس «الدلتا» والباقي ركب أتوبيس آخر، واتفقت المجموعتان علي الالتقاء في المصنع، قضوا يومين داخل الحدود المصرية ولحظة وصولهم الحدود الليبية زاد أمل المسافرين في تحقيق حلمهم.
الكل يتخيل المبلغ الذي سيحصل عليه، رغم بساطته وفجأة انقلب الأتوبيس الذي يحمل ٥٥ من القرية أربع مرات انقلبت كل الأحلام وضاعت وسط الأشلاء والدماء. التقت «المصري اليوم» بأهالي الضحايا، وقال السيد إسماعيل، شقيق اثنين من الضحايا أحدهما لقي مصرعه ويدعي عليوة سعفان إثر نزيف حاد في المخ وكسور في أنحاء مختلفة من الجسم،
والثاني يعاني من إصابات خطيرة ومحجوز داخل مستشفي ليبيا بعد صمت لحظات دخل في نوبة بكاء شديد علي أولاده، الذين يحتاجونه، أوضح إسماعيل بأن الضحيتين كانا يعملان في مصنع الحديد والصلب بأبوزعبل، كانا معتادين السفر إلي ليبيا كمأمورية عمل لصيانة لمصنع مصراطة لكنهما خرجا إلي المعاش المبكر في متنصف التسعينيات وحصلا علي معاش لا يكفي متطلباتهم،
منذ خرجوهما يعملان باليومية وعلما من أسبوعين بأن مصنع مصراطة محتاج لفنيين لصيانة المصنع لمدة شهر مقابل ٥ آلاف جنيه وتوجه عليوة وشقيقي الثاني وتم قبول الاثنين وازدادت فرحتهما وكبر أملهما لأن عليوة المتوفي لديه أربعة أولاد،
فاطمة حاصلة علي الثانوية العامة وفي طريقها للجامعة و«محمد» في الفرقة الثانية من الجامعة وأسماء في الابتدائية وعبدالرحمن «٤ سنوات» كان شقيقي كل أمله الحصول علي المبلغ ووعد أولاده الأربعة بأن يشتري لهم ملابس بعد رجوعه الشهر القادم.
لكن للأسف لم تكتمل فرحتهم ولقي مصرعه، وعلمنا خبر الوفاة مساء يوم السبت وأخفيته عن أفراد أسرته، الوحيد الذي علم ابنه الكبير، ومرت أربعة أيام علي وفاته ولا نعلم عنه شيئاً ونخشي أن يأتي جثمانه في حالة تعفن، لأن الجثث سوف تأتي في سيارة إسعاف من ليبيا،
وأضاف أن المسؤولين في مصر لم يتدخلوا لإحضار الجثث ولم يعلموا بحادث هذه المجموعة ولولا تدخل سمير العزالي أحد العاملين بالسفارة المصرية في ليبيا لانتظرنا شهراً حتي تعود جثامين أبنائنا.
وقالت أم محمد زوجة الضحية الثاني رضا الشحري إنها لا تصدق خبر وفاة زوجها، وهناك من قال إنه دخل في غيبوبة وآخرون قالوا إن قدمه بترت ثم راحت في نوبة بكاء شديد لا تصدق الخبر واستطردت بأنها شاهدت في المنام رؤية انهيار منزلها وسقوط زوجها وسط الأنقاض ومات «صمتت الزوجة لحظات وهي تحتضن بناتها رحاب وهالة وتقول: «راح الغالي».
واستكملت ابنته الكبري هالة: والدي متوفي من ٤ أيام وحتي الآن لم يأت جثمانه، وفي النهاية قالوا إن سيارة إسعاف ستحضره عبر الطريق البري وصرخت الابنة أنا أخشي تعفن جثة أبي، وأضافت شقيقة سعاد الشحري أننا طلبنا إعادة الجثث بالطيران فقالوا إرسالها بالطيران سيكون بعد شهر فهل هذا معقول.؟!
June 28, 2012
فلسطين: المحتل عدو واضح.
في الرواية الصحفية المصورة “فلسطين” يكتب ويرسم “جو ساكو” يومياته، مسجلاً مشاهداته في الأيام التي عاشها في فلسطين بعد الانتفاضة الأولى عام 1988.
فلسطين ل جو ساكو
كانت الانتفاضة الأولى أول حدث إسرائيلي/ فلسطيني يتم التعامل معه على مستوى إعلامي واسع، مشاهد تكسير العظام في بداية الانتفاضة لا تزال حاضرة -حتى الآن- في أذهان الكثيرين. ارتسمت تلك المشاهد من خلال وسيط جديد على القضية الفلسطينية: التلفزيون. كانت القنوات التلفزيونية تنقل المشاهد أولاً بأول، كل يوم. الأمر الذي لم يكن ليحدث أثناء النكبة، أو في أي وقت سابق.
في المخيم
قرر “جو ساكو” أن يستخدم وسيطاً آخراً غير التلفزيون، كان الوسيط هو التقرير الصحفي المصور.
“فلسطين” ليست “رواية مصورة” كما يوحي العنوان، بل هي مجموعة من التقارير الصحفية المصورة. يزور “ساكو” فلسطين ويصور -فوتوغرافياً- ما يشاهده، ويسجل في دفتره ما يراه، وما يسمعه من الناس. كل هذا وهو يخطط لمجموعة تقاريره، سنرى “ساكو” -في بعض الأحيان- ساخراً من نفسه، يقول إنه لما عايش هذا الحدث أو ذاك، فكر أنه قد يصلح كمشهد درامي في الكتاب. كان يسخر من تسجيله لمعاناة الآخرين. وبالتبعية، من المكسب المادي اللاحق لتسجيل هذه المعاناة. تلك الأزمة التي يقع فيها الصحفي كثيراً، حينما يغطي أحداثاً أكبر من قدرته على الاحتمال.
ساكو متجولاً في المخيم
لكن “ساكو” يتجاوز تلك الأزمة، ويكتب ويرسم لتتحقق الفائدة في النهاية.
يبدأ الكتاب من القاهرة، في أوائل التسعينيات، يصفها “ساكو” بالمدينة المجنونة المزدحمة، ولا نعلم أي صفة أدت للأخرى. يترك “ساكو” القاهرة سريعاً، لنراه بعد أسبوعين في مدينة نابلس. ومع أول رجل فلسطيني يقابله، يحكي الرجل له بإنجليزية بسيطة ما يحدث، يمسك بذراعه ليريه أفعال جنود جيش الدفاع، أو آثار أفعالهم. بعد ذلك، وخلال رسمه وحكيه، سنجد أن فعل الحكي للأغراب معتاد تماماً، بالنسبة للفلسطيني. وسأتساءل طوال الوقت: هل هذا ناتج من ثقافة الانفتاح على الآخر، في هذه الحالة: الأجنبي. أم أن الفلسطيني يرى أن تلك هي الوسيلة الوحيدة لإعلام الغرب بعدالة قضيته، بمدى الظلم الواقع عليه.
تبدأ المناوشات بين جنود جيش الدفاع الإسرائيلي وبين الفلسطينيين برمي الحجارة: يرمي فتى فلسطيني حجراً على دورية اسرائيلية، أو مجموعة من المستوطنين، ليرد الجنود -فوراً أو بعدها بفترة قصيرة- بقنابل الغاز والرصاص المطاطي، وأحياناً بالرصاص الحي. تختلف البدايات أو النهايات، لكن المناوشات لا تخرج عن هذا السيناريو. الفارق هنا، أن رجل الشارع الفلسطيني لم يلق باللائمة أبداً على رامي الحجر، بل سيلوم مطلق النار، ربما لأنه أجنبي، ربما لأنه محتل.
يتحرك المستوطنون بثقة زائدة، يحملون أسلحة آلية، ويقتحمون الأحياء العربية ليطلقوا النار في الهواء، وعلى البيوت، يكسرون زجاج نافذة، أو يصنعون ثقوباً برصاصاتهم في الجدران.
يصنع الرصاص المتطاير بإرادة المستوطن سياجاً حامياً له، يدرك أن في استطاعته استخدام الطلقات في أي وقت لحماية حياته وحياة من حوله، الرصاص هنا يعني القوة والسيطرة، وإطلاق النار هنا يتم بشكل منهجي، رصاص متناثر في الهواء أغلب الوقت، وموجه نحو الجوامد في أحيان قليلة، وموجه نحو الأحياء في حالات شديدة الندرة، والغرض من كل هذا ليس إصابة أحدهم، لم يكن الغرض الإبادة أو القتل، بل الغرض هو الإرهاب؛ إطلاق النار على البعض يهدف في النهاية إلى أرهاب الكل.
يقوم المواطنون الاسرائيليون الشرفاء بإطلاق النار بشكل عشوائي في حي عربي، ليعودوا إلى منازلهم آمنين، في اليوم التالي، يكتشفون أنهم قتلوا مواطناً فلسطينياً. ليحاكم أحد المستوطنين بعد شهور، وتتم تبرئته في الجلسة الأولى. بينما يعاقب فتى فلسطيني -في حادثة أخرى- بالسجن لخمس سنوات، لرميه زجاجة مولوتوف.
زاوية ساكو المفضلة
خلال التقارير، يؤكد “ساكو” أن الفلسطيني لم يستخدم إلا الحجارة أو المولوتوف لمواجهة جنود جيش الدفاع، هذه هي أسلحة الهجوم بالنسبة للفلسطينيين، أشياء صماء، لا تحوى أجزاءً مركبة أو متحركة، يستخدمها الفلسطيني يومياً من أجل أغراض أخرى، ولا يجد غيرها سلاحاً حين المواجهة، الحجارة والملوتوف أسلحة الضعفاء.
مع الوقت، يدرك رامي الحجر أن فرصة إصابة جندي إسرائيلي بحجره ضئيلة للغاية، ربما يظل عمراً كاملاً يرمي أحجاراً في الهواء، ولا يصيب أحدها انساناً واحداً. لكن رمي الحجارة تطور ليصبح عادة ورمزاً فلسطينياً، هجوم يائس على عدو مكروه.
بدأت الانتفاضة الأولى في معسكر جباليا للاجئين، في الثامن من ديسمير عام 1987، اعتراضاً على الأوضاع المعيشية الصعبة هناك، في اليوم التالي سقط أول قتيل فلسطيني: “حاتم سيسي“. يسجل “ساكو” اسم “حاتم سيسي” بكثير من التقدير، مدركاً أن الملايين قد قرأت الاسم، وأن الملايين ستعيد قراءته، مدركاً أن وفاته كانت سبباً في اشتعال الانتفاضة، تلك التي نسميها اليوم بالانتفاضة الأولى.
يقابل “ساكو” مصوراً يابانياً، يحاول “سابورو” التقاط صوراً للاشتباكات، لحياة الفلسطينيين اليومية، سابورو ابن وفي للثقافة اليابانية المؤمنة بالأرواح. في أحد المشاهد يناول “ساكو” صورة أحد الشهداء، ويقول له متألماً: ثقيلة، لا أستطيع حملها. يغيب سابورو عن الأحداث بعد فترة، يوحي غيابه بأنه لم يتحمل ما يحدث للناس هناك. بينما تظل روح الشهيد هائمة غاضبة.
سيعاني “ساكو” مما يحدث حوله أيضاً، لكنه سيستمر في الترحال ومقابلة الناس بإصرار بالغ، بل وسيحافظ على نظرة ناقدة لكل ما يحدث حوله، سيسقط -وهو واع لذلك- في فخ التنميط الغربي الشهير، وسيدرك أن هناك عيوباً حقيقية لدى الفلسطينيين في ذلك الوقت، سينقلها لنا بكثير من الأمانة. لكنه في النهاية سيخرج يائساً تماماً، أو هكذا أظنه، فالوضع المعقد هناك -في ذلك الوقت- لم يكن يوحي بأي حلول فعالة.
يؤمن الكثير من الفلسطينيين بأن اسرائيل لا تود أن تعيش في سلام، هذا إيمان يكررونه أمام “ساكو” في أوقات عديدة. على الجانب الآخر، يؤمن البعض أن الكفاح المسلح هو الحل الوحيد. يحكي “ساكو” قصة صبي مراهق، تم تجنيده في الجبهة الشعبية، يحاول “ساكو” أن يكون محايداً، لكن نبرة الاتهام تتضح في كلمات الفتى، تلك التي ينطقها ببراءة، بينما يحمّلها “ساكو” اتهاماً للجبهة باستغلال الفتى لصغر سنه، بتجنيده ككادر فعال في الجبهة. تعرّض الفتى لإطلاق النار وللتعذيب والإرهاب، الأمر الذي أدى لخلق حالة من الثأر بينه وبين الطرف الآخر. كانت النتيجة الإجمالية إهمال الفتى لدراسته، بدا أنه غير مهتم أصلاً بما يحدث في المدرسة، الآن يبدو لوم “ساكو” لما يحدث منطقياً، لكن اللوم لا يقع على الجبهة الشعبية فقط، بل يقع على الجميع.
يسجل “ساكو” إصابة عين واحدة: فقدت فتاة عينها اليسرى خلال أحد الصدامات العديدة -مافيش خرطوش- لتظل صامتة تحت تأثير الصدمة لعشرة أيام. لا يخبرنا “ساكو” عن مصيرها بعد ذلك، لكنه ينقل عن أحد مديري مراكز التأهيل ملاحظاته عن المصابين: يشعر المصاب بالبطولة فور إصابته، هو إنسان شجاع، واجه العدو وأصيب في المعركة، ولذلك يحرص المحيطون به على تأييده ودعمه، يحرص الجميع على حسن المعاملة. لكن كل هذا يفتر رويداً رويداً. ويصل المصاب بعد فترة من الوقت إلى استنتاج: هو الآن واحد أصيب إصابة بالغة، ستعيقه عن العمل وكسب الرزق، وربما تقف حائلاً بينه وبين الزواج أو تكوين أسرة. ستنتهي فترة شهر العسل، ويبدأ المصاب في التعايش مع الإصابة. مدركاً في النهاية -وبسبب عدم تحقيق أي مكاسب- أن التضحية التي قدمها راحت سدى. كل ما سيبقى، أن أحدهم فقد ذراعاً أو عيناً.
اعتقال تعسفي
في التقارير المعنونة: “الضغط المتوسط“، يصف “ساكو” معاناة سجين فلسطيني، تم اعتقاله لأسباب غير مفهومة، ليمر بجحيمين: البيروقراطية والحبس. يمكن للسجين أن يظل قيد الاعتقال لفترة غير محددة، فطبقاً للقانون، يستمر حبس السجين -احتياطياً- لفترة ستة أشهر، ويمكن للقاضي تمديد تلك الفترة حسبما يرى. يثير مشهد القاضي وهو يجدد فترة الحبس، بدون محاكمة، وبطلب من الجهة الأمنية المعتقلة، بحجة جمع معلومات أو أدلة تفيد الإدانة، يثير مشهده الشك في مفهوم العدالة؛ هل هي قاصرة على أصحاب السلطة والقوة، على موظفي الدولة، على المحتل؟ أم أنها يمكن أن تتسع لتشمل كل الناس؟
بينما يمر حبس السجين ككابوس أبدي، هلوسات العزلة والتقييد إلى ماسورة حديدية، والجلوس لساعات طويلة بلا حركة، كلها تتجمع في النهاية، ليرى السجين ابنته ملقاة ميتة أمامه، في تتابع طويل، يمتد لعدة صفحات، هو أفضل ما رسمه “ساكو” في الكتاب. تقل مساحات الكادرات كلما مر الوقت داخل الزنزانة، تتعدد الكادرات أيضاً، ربما لتوحى بالضيق الذي انتاب السجين، وببطء تقدم الدقائق كلما طال وقت الحبس.
هلاوس الاعتقال
تظهر موهبة “ساكو” في بالونات الحوار المتصلة، تلك التي تقسم الصفحة إلى قسمين، وفي نفس الوقت، تقسم الحوار الطويل المترهل إلى جمل قصيرة، يمكن للقارئ أن يسمعها أثناء قراءتها. تظهر أيضاً جرأة “ساكو” على الجانب الآخر تماماً، فنجده يكتب ملاحظة طويلة، تشغل ربع الصفحة بالكامل، كلام كثير غير معتاد في القصص المصورة، ربما ﻷننا نظن أن القارئ سيمل النصوص الطويلة، أو أنه لن يكمل قراءتها لانشغاله بالرسم. لكن جرأة “ساكو” منطقية هنا، فنحن لا نقرأ خيالاً أدبياً، بل نقرأ تقريراً صحفياً. سيستمتع القارئ كثيراً باللوحات الكاملة، تلك التي تصور مشهداً من الحياة اليومية لمعسكر لاجئين تحت قصف الأمطار، أو تصور ساحته الرئيسية بعد المطر، حيث يحاول اللاجئون التقافز عبر البرك الطينية، ذاهبين إلى المدارس أو العمل أو عائدين إلى بيوتهم. يصور “ساكو” الجميع في حالة حركة، خطوة في منتصف الصفحة، وقفزة في طرفها. ليؤكد على استمرار حالة التعايش التي يحترفها اللاجئون.
نشر هذا المقال في مجلة المجلة، العدد الثالث، بتاريخ يونيو 2012

April 15, 2012
فينديتا
يفترض “في” أن الحل يكمن في الثورة الشاملة، في تفجير مبنى البرلمان، والتمثال الرامز للعدالة، وفي قتل رؤوس السلطة والإعلاميين. في بريطانيا الخيالية التي يحكي عنها “آلان موور”، تقوم حرب عالمية ساحقة، ثم يغمر فيضان مدينة لندن، وتنهار الدولة، لتعم بريطانيا حالة من الفوضى والانفلات الأمني، تعقبها مباشرة سيطرة مجموعات فاشية شبه عسكرية على البلاد، لتصبح هي السلطة الوحيدة. تتم السيطرة على الشعب تماماً، لدرجة أن الشعب يضحى بحرياته الشخصية في مقابل أمان مزعوم، بعد شهور من سيطرة الفاشيين. تنتشر الكاميرات التلفزيونية في أرجاء المدن، لا لتراقب الجرائم والمجرمين، كما تعلن السلطة -هل ستمنع الكاميرا المجرم؟- بل لكي تنقل للسلطة تحركات الناس.
تخلق السلطة هاجس ثورة الناس مع مرور الوقت. بعد اكتمال سيطرتها، تتحول السلطة في خلال سنوات قليلة من السلطة الخادمة للناس، إلى السلطة القاهرة لهم، ليصبح هدفها الأول: المحافظة على الدوام على “سلطتها”. ثم تقوم بوضع عراقيل عديدة أمام أي ثورة قد يقوم بها الناس، في الرواية، وبعد سيطرة السلطة الفاشية على البلاد، تفتح بوابات معسكرات الاعتقال لتملأها ب “المختلفين”، كل مميز هو شخص شاذ، كل من له رأي مخالف أو تفكير خاص يجب اعتقاله، ثم تقوم السلطة الفاشية بتقييد حرية الناس كلهم، المعارضين والمؤيدين، خوفاً من ثورتهم، لتؤدي تلك السياسة في
النهاية إلى قيام الثورة.

ينقذ "في" فتاة من مصير بائس، "إيفي" فتاة وحيدة تتعرض لمحن شتى
الثورة في الأصل كسر للقوانين، تحطيم للدساتير، وتدمير للنظام وانحياز للفوضى، تقوم الثورة في الرواية عندما يتأكد
الناس من استحالة التغيير، فالبرلمان الممثل للشعب، مسيطر عليه بالكامل، القوانين الحاكمة للناس تصدر بموافقة السلطة الفاشية فقط، والدستور المنظم للعلاقة بين الحاكم والناس، كتبه الحاكم منفرداً!. كذلك الإعلام، تتحكم فيه السلطة الفاشية بالكامل، وتستخدمه كنافذة لبث الخوف والرجاء والرضى بين الناس، مشاعر متضاربة غرضها في النهاية إثارة البلبلة. لا توجد مؤسسات خارج السيطرة، كل شيء جزء من النظام. كان “في” حريصاً على تفجير مبنى البرلمان في البداية، رمز تمثيل الشعب المزعوم.

كان "في" حريصاً على تفجير مبنى البرلمان في البداية، رمز تمثيل الشعب المزعوم
يحتفظ “في” بالكثير من الأعمال الفنية والكتب في بيته، نتاج تفكير وجهد “المختلفين”. قامت السلطة الفاشية بمصادرة الكتب ومنع نشرها بإخلاص، الحكومة هنا حكومة مثالية، تمارس الكذب على الناس بانتظام، وتمنع كل ما هو إبداعي، كل ما قد يدفع الناس للتفكير، لظنها أن مجرد التفكير قد يدفع الناس للثورة.
تتباعد المسافة بين الناس والسلطة، الناس في هوة عميقة، بعيدون تماماً عن السطح، بينما السلطة تنظر إليهم من أعلى، عبر كاميرات المراقبة، يتحول الناس إلى مجرد صور ملونة على الشاشة، ترهق عين السلطة إذا أطالت النظر إليها. مراقبة الناس أمر صعب، مرهق، تعتاد السلطة المراقبة، وتتحول مع الوقت إلى فعل روتيني، ثم تتحول إلى عبء على كاهل السلطة، لا تراقب السلطة الناس لتتأملهم، أولتحقق مطالبهم، بل لكي تدرس تحركاتهم، وتطلق يدها الطويلة للسيطرة عليهم حال ثورتهم. تختزل السلطة وسيلة الاتصال بالناس لمجرد عصيّ وهراوات، تهبط على أجساد الناس طوال الوقت، لتصبح هذه هي الوسيلة الوحيدة للسيطرة عليهم؛ الأذى الجسدي الجماعي، احتفال تقيمه السلطة على شرف الجسد.
تصل رسالة “في” للناس بالتدريج، عندما يعرفون أن مبنى البرلمان قد تم تفجيره، عندما يستمعون لصوت “القدر” المتغير.
“القدر” في الرواية صوت إذاعي، يرشد الناس لسنوات طويلة، يشير عليهم وينير لهم طريق الصواب، يسيطر عليهم سيطرة تامة، في تخطيط بالغ الذكاء من الحكومة الفاشية، يدمن الناس صوت القدر، ويحرصون على الاستماع له يومياً في ميعاد محدد، لكن السلطة تناست المشكلة الأزلية؛ “القدر” ليس خالداَ، “القدر” ميت لا محالة، وعندما يقوم “في” باختطاف “القدر” ويفقده النطق، تستبدل السلطة الفاشية صوت “القدر” بصوت آخر شبيه، في محاولة يائسة منهم لاستمرار فرض السيطرة، لكن المدمنين يكتشفون فرق النبرة، فيتحررون تلقائياً من سيطرة صوت القدر.

القدر في الرواية صوت إذاعي، يرشد الناس لسنوات طويلة
ينقذ “في” فتاة من مصير بائس، “إيفي” فتاة وحيدة تتعرض لمحن شتى، لتلتقي ب “في”، الذي يرافقها في طريق طويل وشاق، طريق مر هو به من قبل، كان عليه أن يحترق حتى يتطهر. ولم يجد “في” أفضل من هذا الطريق ليجند “إيفي”، لتصبح في النهاية خليفته، لتحمل الراية من بعده.
يحرص “في” طوال الوقت على وضع قناع باسم، يخفي وجهه الذي لن نعرفه مطلقاً، القناع الباسم سيصبح رمزا للثورة في العالم، ستحمله رؤوس كثيرة أثناء المظاهرات والاحتجاجات، سنراه بعد عقود من نشر الرواية في ميدان التحرير، ربما لم يقرأ صاحب القناع رواية في، على الأرجح شاهد الفيلم المأخوذ عن الرواية، لكنه بالتأكيد أدرك أن الفوضى هي الحل.

الفوضى هي الحل؟
القناع عبارة عن تصوير هزلي لوجه جاي فوكس، الذي شارك في التخطيط لمؤامرة لتفجير البرلمان الانجليزي عام 1605، فشلت المحاولة، وتحول يوم الخامس من نوفمبر إلى يوم احتفالي، يحتفل فيه الانجليز بفشلها، يحرقون خلال اليوم دمى تمثل جاي فوكس.
اقترح ديفيد لويد أن يرسم قناعاً على وجه بطله، يمثل جاي فوكس، وافقه آلان موور على الفور، ادعى موور أن فكرة قناع جاي فوكس هي التي حلت كل المشكلات الروائية في نصه، قال: “تجمعت كل الشذرات المتفرقة في رأسي في اماكنها الصحيحة، خلف قناع جاي فوكس” اختار ديفيد بطلاً عكسياً، مجرماً في نظر الحكومة والشعب، لينتشر القناع بعد ذلك على وجوه المتظاهرين في العالم، رامزاً لثورتهم على الطغيان.
نشرت “فينديتا” مسلسلة بين عامي 1982 و 1989، ثم نشرت بعد ذلك مجمعة في مجلد واحد.
********
نشر هذا المقال في العدد الثالث من مجلة الدشمة، مع ترجمة لمشهد من الرواية، الدشمة مجلة كومكس يصدرها مركز هشام مبارك للقانون، تجدونها في مركز هشام مبارك ودار ميريت للنشر.

January 11, 2012
كوكب عنبر تفوز بجائزة ساويرس- تقرير لجنة التحكيم
تقرير لجنة التحكيم:
” رأت اللجنة أنها رواية طموح لايقلد فيها كاتبها أحداً، يبدو صوتا روائيا مصقولا يدرك أدوات صنعته، ويتقن مفاهيم البناء الدرامي، وطبيعته من حيث اختيار اللحظة الروائية، والتطور الدرامي للأحداث والشخصيات، وطبيعة اللغة التي يكتبها ويستهدف تطويرها في آن. كما رأت اللجنة أن الكاتب احتفظ بالتقاليد الكلاسيكية في البناء والاهتمام بالحبكة ورسم الشخصيات وتطورها، وفي الوقت ذاته تمرد علي هذه التقاليد، وصاغ لنا سرداً يعمد إلي كشف طبقات للحلم والأسطورة تحت جلد مدينة القاهرة العجوز”.
November 12, 2011
قريباً: عام التنين
تصدر قريباً رواية عام التنين، لمتابعة مصادر الرواية والأخبار المتعلقة بها الرجاء زيارة موقع الرواية
غلاف مقترح لعام التنين