عبـــــــدالله خلــــــــيفة's Blog: https://isaalbuflasablog.wordpress.com - Posts Tagged "نضال-النساء-في-البحرين"
♀ نضال النساء في البحرين ⇦
      أتاح نظام الإنتاج التقليدي في الخليج والجزيرة العربية إمكانيات متعددة لكي تشارك النساء في العمل، وكانت الحياة البدوية تتطلبُ قيامَ النساءِ بأعمالٍ كثيرة، ولم تكن البيوت سوى خيام وكانت الحياة الاجتماعية إنتقالية.
ولم تتأسس الهيمنة الذكورية المتشددة إلا في القرى والمدن، التي عرفتْ حياةً إجتماعية محافظة مستقرة طويلة، وخاصة في بيوت الفئات الوسطى والغنية.
وأعطى نظامُ الغوصِ كنظامٍ فريد من الإنتاج البشري أربعة شهور لكي تقوم النساء بدور التحكم الواسع في الحياة العملية الضرورية. فالمرأةُ بالإضافةِ إلى إشرافِها على المنزل، تقومُ بمهمام العمل الضرورية من إستكمال مهام الزرع والصيد والأعمال البحرية، وحين يأتي الرجال من موسم الغوص تعود النساء لأعمال البيوت.
وفي مجال الفنون الشعبية ذات الأهمية الجماهيرية قامت النساءُ بدورٍ بارز.
لم تجرِ دراساتٌ محددةٌ بهذا الشأن فهذا نمط عام، لكن من المؤكد بأن النقصَ الكبير في قوة العمل الإجتماعية لغياب الرجال والشباب، يستدعي إنتشار العمل النسائي، ولكن كان هذا نمطاً عاماً عبر التاريخ، وما الغوص سوى ظرف إستثنائي، ثم أنه لا يلغي هيمنة الرجال على النساء، ولا يزيل ظروف الإستغلال والسيطرة، وهي نمط ضروري لقرون، بسبب تقسيم العمل ونظام المُلكية، ويمكن أن تنشأ فيه كذلك علاقاتٌ طيبة بين الرجال والنساء، حسب طبيعة كل أسرة ومواقف أفرادها، ويغدو شكلاً من أشكال الحماية الإجتماعية حيناً وشكلاً للهيمنة والأنانية حيناً آخر، قوة بناء للأفراد أو نسيجاً مهلهلاً للآفات.
لكن إنهيار نظام الغوص الذي سبب تراجع مكانة النساء عامة ونساء الريف خاصة، ترافق مع تنامي السيطرة البريطانية التي عوضتْ بعضَ الشيء في مجال حقوق النساء، فهي سيطرةٌ مدنيةٌ بحاجةٍ إلى تطورٍ للتعليم وللخدمات المختلفة، وهذه تحتاج إلى حضور النساء في المدن خاصة.
بدأ التعليم الذكوري أولاً وأخذ يتوسع ومنذ سنة 1928 ظهرت أول مدرسة للبنات، مقتصرةً لحد الصف السادس الإبتدائي الذي كان ذا قوة تعليمية كبيرة، ومن خريجاته ظهرت قيادات نسائية.
وقد ترافق مع هذا نشؤُ فئاتٍ وسطى من التجارة فظهرت نزعةٌ ليبرالية دعمتْ هذا التحرر المحدود لنساء المدن. فكان تنامي أعداد النساء في التعليم يترافق مع ظهور الأندية وهي التجمعات الفكرية الاجتماعية المحدودة المسموح بها وقتذاك، مع بعض الحرية الصحفية الأكثر محدودية والتي تقدمُ بعضَ متنفساتِ الحرية الشخصية وليست الاجتماعية والسياسية للعائلة المتوسطة.
كان طابعُ الموادِ الأدبية والمنزلية المقدمة في التعليم، وإستمرارُ العائلةِ الأبوية التقليدية، وديمومةُ قوانين الفقه القديمة، وضعفُ حركة التحرر الوطني المحلية، لا تجعل من الممكن تطور وعي النساء الديمقراطي بسهولة، وعلى العكس فإن حركةَ التحرر الوطني تشكلتْ من خلال رؤى فكريةٍ ذكورية تقليدية غالبة، وكانت المجابهةُ مع الإستعمارِ تُعمَّم حتى في مجالِ رفض الديمقراطية الغربية، فتجعلُ الصراعَ مع الراهن المتخلف بصورةٍ سياسية شعارية تختزلُ الحريةَ الوطنية في حريةِ الذكور، مما إنعكس على تخلفِ حركة التحرر هذه وضخامة الشمولية الذكورية داخلها.
ولهذا فإن الأنواعَ الفكريةَ والأدبية التي نشأتْ بخفوتٍ منذ الأربعينيات لم تشهدْ حضوراً نسائياً، إلا بشكلٍ فردي إستثنائي في الخمسينيات ولم يكن لها تأثير لطبيعة المستوى وغياب التواصل. لكن تنامي حركة التحرر وجذبها لأغلبيةِ السكانِ فكك العديدَ من الأسوار الإجتماعية في المدن، لينتظر الريف الوقت الراهن ليقوم بتحرره الإجتماعي الواسع.
كانت الحياةُ التحديثيةُ التي شكلها الإنكليز هي بحدِ ذاتِها تخلقُ حرياتٍ موضوعية في البلد، كتنامي الإهتمام بالصحة ومقاومة الأمراض التي أدت إلى ظهور مهنة التمريض النسائية، وإلى إنتشار الأسواق الحديثة والاهتمام بالأزياء المعاصرة، وإلى ظهور دور السينما التي خصصتْ يومين للنساء، وكان ذلك مظهراً إنفصالياً لكنه كان مؤثراً في نشر الاهتمام بالفنون والثقافة لدى النساء والعائلات بشكل عام.
بصعوبةٍ كبيرة تنامتْ عناصرُ الحرية الاجتماعية والسياسية في حياة النساء البحرينيات، لقد أعطى التعليمُ بعضَ الحراك الاجتماعي للنساء عبر المعرفة، وبدأت الحياة السياسية تدفع مجموعات صغيرة من النساء للمشاركة سواء في التصويت في إنتخابات الخمسينيات أم في مظاهراتها، ثم حلتْ فترةٌ من الجمود الإجتماعي بين الخمسينيات والستينيات، كان يجري فيها حراكٌ متوار، وسادت الأعمال ذات (الطابع الخيري).
لقد نشطّتْ الفئاتُ الحديثة والمنظماتُ السياسية السريةُ الوعيَّ الاجتماعي، فتنامت تلك المشاركة النسائية النخبوية، وتجسدتْ المشاركةُ النسائية بتشكيلِ الجمعيات في مختلف المناطق، متدرجة من الأشكال البسيطة من المشاركة الإجتماعية إلى بروز الأهداف السياسية، وهو أمرٌ يعكسُ حجمَ القيود التي لا تتكبلُ بها النساءُ فقط بل الرجال كذلك. ولهذا فإن عمليةَ النضالِ الديمقراطية مشتركةٌ متداخلةٌ متصاعدة بين الجنسين.
ظهرتْ الجمعياتُ النسائية بالصورة التاريخية التالية:  جمعية نهضة فتاة البحرين تأسست عام 1955، وجمعية رعاية الطفل والأمومة تأسست عام 1960، وجمعية أوال النسائية تأسست عام 1970، جمعية الرفاع الثقافية الخيرية تأسست عام 1970، جمعية فتاة الريف تأسست عام 1970، وجمعية النساء الدولية تأسست عام 1974.
يعبر هذا النمو التاريخي عن حراك الوعي الاجتماعي العفوي من قبل النخب النسائية المتعددة المواقع والإتجاهات لتغيير وضع النساء بشكل متنوع، أغلبه جزئي، أولاً عبر التنوير الثقافي وتغيير جوانب من الحياة الاجتماعية ثم عبر ظهور الوعي السياسي، أي بربط قضية تطور النساء بالحريات العامة، وهو شكلٌ أضفتهُ في السبعينيات الناشطات في المنظمات السياسية.
وبدلاً من الأهداف العامة غير الواضحة بدأتْ اللغةُ السياسية للمنظمات السياسية تدخلُ حيزَ التفكير الاجتماعي للنساء، فظهرت أهدافٌ جديدة هامة وهي: مساواة المرأة والرجل في كافة الحقوق والواجبات، ومساواة المرأة العاملة والمستخدمة للرجل من حيث الأجور والإجازات ورعاية الأطفال وحقوق الأمومة وغيرها، وسن قانون للأحوال الشخصية، يأخذ بعين الاعتبار المكاسب التي حققتها المرأة في العديد من البلدان العربية والأجنبية.
إن تحول هذه الأهداف إلى نضال عملي هو أمرٌ شديدُ الصعوبة على مستوى العقود السابقة، فهذه يتطلب قوة إنتاج نسائية كبيرة، لكن كان نمو العمل النسائي محدوداً ففي النصف الثاني من 1965 كان عدد البحرينيات الموظفات يبلغ: 995، ووصل في عام 1971 إلى 8418 إمرأة.
وفي العقود الأخيرة بدأت هذه الأرقام تتغير:
( ارتفعت معدلات مساهمة المرأة في القوى العاملة فبلغت 25.9 في المئة حيث وصل عدد القوة العاملة النسائية 32769 نسمة. وتشير إحصائيات عام 2001 إلى إرتفاع نسبة العاملات في القطاع الخاص الى48.61 في المئة من مجموع العاملين وهي نسبة مساوية تقريباً لنسبة العاملات في القطاع الحكومي. وتشير دراسة قامت بها باحثة مصرية إلى أن نسبة العمالة النسائية تبلغ 32% بالنسبة لتعداد السكان بالبحرين.
هذا التطور العملي تضافر مع تطور ثقافي متصاعد:
(في العام 2001 سجلتْ المرأةُ الحاصلةُ على تعليمٍ ثانوي فأعلى نسبةَ: 70.15 في المئة من إجمالي عدد النساء مقابل 69.96 في المئةِ من الرجال. كما فاقتْ نسبةُ النساءِ الحاصلاتِ على مؤهلٍ جامعي (بكالوريوس/ ليسانس) نسبةَ الرجال حيث بلغت 14.34 في المئة مقابل 13.03 في المئة للرجال. وفي العام ذاته بلغ إجمالي الحاصلات على مؤهلٍ جامعي عال(الماجستير والدكتوراه) 765 امرأة مقابل 2072 رجلاً. كما انخفضتْ نسبةُ الأمية بين النساء إلى 17 في المئة.).
جرى هذا التطور بشكل بطيء وصعب وأخذ عقوداً طويلة، لكون التعليم حتى الإبتدائي للنساء لم يكن سهلاً، ومن ثم فإن الارتقاء للتعليم الجامعي بهذا الشكل الواسع كان أكثر صعوبة، إضافة للنمو الأكثر إشكاليةً الذي يتكون في ميدان العمل الذي تصاعد في الوظائف المهنية ثم بشكل أقل في مراكز الإنتاج الصناعي.
لكن كل هذا التطور الذي قاومهُ الرجالُ المحافظون والقوى الاجتماعية القديمة والقوانين العتيقة في المذاهب والنظام السياسي، لم يُنتجْ ثماراً كبيرة على النساء في الحقوق الاجتماعية والسياسية، بسبب سيطرة المفاهيم المحافظة على وعي النساء أنفسهن، وقلة النخب النسائية المقاتلة في هذا السبيل، وهيمنة الوعي الذكوري الشمولي في المنظمات السياسية كذلك.
تعتبر جمعية فتاة الريف عن المعاناة الرهيبة التي تعرضتْ وتتعرضُ لها النساء البحرينيات في أدغال الحياة الاجتماعية عموماً وفي غابة الريف خصوصاً.
(سرن في درب مليء بمشاهد التحدي، فكنّ ينتزعن الشوك ويوزعن الورود، ويصافحن المرأة البحرينية الأمية ويصنعن منها إنساناً يجيدُ القراءةَ والكتابة ويفكُ طلاسم الحروف ويتقن الحساب، كن كفراشات الحديقة، يتنقلن في أرجاء حدائق الوطن، لينتزعن بعد 30 عاماً من الحضور والتجوال والنشاط في حقول العطاء وغابات الإنجازات الخالدة صكَ إعترافٍ رسمي بشرعية ''ممارسة الدور'' وحق ''أداء الواجب''، وهن اللواتي ظفرن بالنصر مبكراً جداً يوم تغلبتْ فيهن إرادةُ التطلعِ والتحرير على صخورِ الممانعات والحواجز الإسمنتية التي كانت تتخذُ أشكالاً عدة، حتى لقد طوى المناصرون عنهم كشحاً مخافة الإدانة والغمز واللمز وإلصاق التهم والتصنيفات الجاهزة). 
هذا الكلام الرقيق الشاعري يحتاج لرؤية تضاريس الواقع الحقيقية اليومية، ولنأخذ بعض اللمحات السريعة حول هذا الواقع. في سنة 1960 جاءت باحثةٌ من الدنمارك لتعاين وضع النساء البحرينيات في الريف، وأختارت إحدى القرى من أجل هذا البحث الميداني، ولم تُقبل الباحثة بادئ ذي بدء فهي إمرأة ثم هي مسيحية، ثم أنها سوف تعيش لوحدها في منزل، لكن الترتيبات العليا ذللت هذه العقبات.
ودراسة الباحثة هني هنسن واسعة فهي تتعلق بالتقاليد الدينية والاجتماعية ولكن ما يهمنا هنا حركة النساء وحقوقهن، وتقول بأن النساء هن ممنوعات من الخروج من حدود القرية إلا بأذن الرجال، ويلبسن (المشمر) وهو لباس يغطيهن بشكل كامل، فالقرية تغدو مكان عزل النساء. وخروج المرأة من القرية يحتاج إلى محرم وهو الرجل سواء كان الزوج أو الأخ. وتستطيع المرأة أن تنتقل داخل القرية لتزويد الأسرة بإحتياجاتها من الخشب والماء من أجل الطهي. لكن هذا التحرك تقلص بسبب بدء توصيل خدمة المياه للبيوت. لكن نظام العزل بما يصاحبه من أمية وغياب التعليم والحقوق لم يمنع النساء من إيجاد مجتمع خاص بهن، عبر الإنغماس في الظاهرات الدينية وتكوين إحتفالات خاصة بهن عبر أجواء الحكي والشعر، (سار الستينيات: المرأة في قرية سار البحرينية بعيون هيني هنسن الدنيماركية، بقلم د.عبدالله يتيم).
ليس ثمة شيء اسمه الحقوق النسائية حينئذٍ، لكن الهيمنة الذكورية الكلية، والهيمنة السياسية الحكومية العامة، لم تمنعا عملية التحرر الرجالية النسائية المشتركة، فقد كان النظام الزراعي في طريقهِ للتفكك، من حيث هو علاقات إنتاج، ومن حيث هو نظام أبوي، فالاقتصادُ الحديث جذبَ الشبابَ، وهؤلاء لم يغيروا الهيمنة الذكورية لكن بدأت هذه تتزحزح لأن هذه الأجيال بدأت تتغير قليلاً مع عملية الإنفتاح. وقامتْ موجاتُ التعليمِ الذكوري أولاً ثم النسائي بعد ذلك بسنوات، بزحزحةِ تلك القيود الواسعة قليلاً في نظامِ الأسرةِ الأبوي المطلق، الذي لا يعرفُ الديمقراطيةَ في علاقاتهِ الداخلية من حيث سيادةِ طرفٍ وتمتعهِ بأغلبِ الحقوق والإمتيازات، وغياب هذه الحقوق عن الطرف الآخر.
لم تستطع الحركاتُ الديمقراطيةُ السياسية أن تتغلغلَ في الحياة الاجتماعية خاصة الريفية منها، وقد لمنسا بعض اللافحات الحارقة لدى جمعية نهضة فتاة الريف، فهذه الحركاتُ ضعيفةٌ عموماً هنا، وتلعب المظلةُ الدينيةُ المحافظة دورَها في تكييف العلاقات الاجتماعية لمصلحة الذكور عبر الإرث الديني وأدلجته من خلال أصواتها.
كانت القوى السياسيةُ الحكوميةُ والمذهبيةُ المحافظةُ تعملُ معاً في سنواتِ السبعينيات التي بدأتْ تلوحُ فيها بوادرُ تغييرِ القوانين السياسية والاجتماعية بعد الإستقلال، فكان الأتفاقُ على مجلسٍ وطني منتخب، وعلى حق المواطنين في الإنتخاب، لكن كلمة(المواطنون) هذه تم الأتفاق على أنها تعني (الرجال) فقط من قبل التيارات الحكومية والدينية. فحدثت الإنتخاباتُ الأولى الحديثة في البلد مع تغييبِ دور النساء، وكانت التياراتُ الحكومية والدينية الريفية خاصةً تمتلكُ الأكثريةَ لفرضِ قرار التغييب ذاك.
إن عناصرَ الوعي الديمقراطي الوطني توقفتْ هنا بحلِ المجلس الوطني، ثم بتضخمِ دور الحكومة السياسي وثقلها الإقتصادي شبه الكلي، فتدهورتْ تلك العناصرُ الديمقرطيةُ بشكلٍ واسع بعد حل المجلس وسيطرة قانون أمن الدولة، وهي أجواءٌ عاشتْ فيها بقوة وتوسع القوى المحافظة المذهبية، مما أدى إلى تدهور حقوق النساء بشكلٍ أكبر من السابق، وتدهورت عناصرُ الوعي الوطني البحريني عموماً، بدلاً من بوادر تناميها التي لاحت مع الومضة الديمقراطية الوطنية العامة في بداية السبعينيات.
وحتى في أثناء الومضة الديمقراطية السبعينية فإن حركات النساء لم ترضخ للتصور الذكوري المهيمن العام، فتقدمت جمعيتا النهضة وأوال النسائيتين بعريضة ترفض ذلك التغييب وتفسير مصطلح المواطنين على أنهم الرجال فقط!
أدت فترةُ التغييبِ الديمقراطي السياسي، إلى مضاعفاتٍ على القوى الشعبية التي تعاني أكثر من غيرها وهي العمال والنساء. فانتشرتْ التفسيراتُ المحافظةُ الشموليةُ للإسلام، فتراجعتْ مستوياتُ الجماعاتِ النسائية وقبلتْ بالعديدِ مما كانت ترفضهُ سابقاً من علاقات زوجية وإجتماعية وفكرية.
كان بروزُ الحركاتِ الدينيةِ ذا جانبين متعارضين، فهو يؤدي لحراكٍ سياسي إفتقدهُ المجتمعُ بسببِ القوانين المعرقلةِ للحريات، ولكنه في ذات الوقت يعيدُ المجتمعَ من حيث الوعي السياسي للوراء، فيحدثُ تقدمٌ من خلال آراءٍ محافظةٍ متخلفةٍ على أصعدةٍ مختلفة.
لقد إنضمت نساءٌ كثيراتٌ لهذا الحراكِ السياسي الديني، الذي كان الشكلُ الوحيدُ من الوجود الإجتماعي في زمنِ قانونِ أمن الدولة، وبرزَ هذا الشكلُ بقوةٍ بعد زوال هذا القانون وبدء التغيير على صعيد الحكم.
لقد عبّر الميثاقُ الوطني عن محاولةِ إستعادةِ التوازن بين الاتجاهاتِ التحديثية والاتجاهاتِ الدينية المحافظة، وعن إعطاءِ الفرصِ مجدداً للتوجهاتِ الوطنية والعصرية لتعيدَ علاقاتها بالجمهور، لكن المؤسسات السياسيةَ المنبثقة عن هذا التحول السياسي من برلمان وبلديات عكستْ مستوى الوعي المشلول للعقودِ السابقة، الوعي الذي فصمَ وحدةَ الشعب، وأعاد مسائلَ سياسية وإجتماعية تعودُ للعقود الأولى من القرن العشرين في البلد. هذا كان تعبيراً عن أن التراكمات الديمقراطيةَ التحديثيةَ المضروبة لم تستطعْ أن تنمو عبر قوى سياسية ذات حضور جماهيري.
لقد اكتشفَ العمالُ والنساءُ خاصةً هذا التناقض على الأرض الاجتماعية السياسية. هذا التناقضُ يجعلُ من النساء، وهم هنا بؤرةُ القضيةِ، قوةَ تصويت لا غير، أي قوة دفع للمرشحين الرجال المحافظين، الذين لن يناضلوا من أجل قضاياهن. وهكذا فحين تحقق الحضورُ الديني المذهبي السياسي في المؤسسات المُنتخبة، لم تُطرح قضايا النساء وحقوقهن.
لقد اتخذ القوسُ المذهبي السياسي الاجتماعي دائرةً ضمتْ قوى خضعتْ للوعي المحافظِ السياسي وأجندتهِ في العديدِ من الدوائر الاجتماعية، فركزت على الصراع السياسي المجرد، وهو صراعُ نخبٍ ذكوريةٍ يمينية للوصولِ إلى المناصب السياسية والهيمنة على الجمهور لطرحِ مشروعٍ مذهبي تقسيمي للشعب، وبالتالي للعمال والنساء.
من هنا صُدمت القطاعاتُ النسائية (الطليعية) من التناقض بين أقوالِ الرجال السياسيين وأفعالهم، بدءً من شطبهن من القوائم ثم هيمنة الرجال المطلقة على المقاعد، ثم تنحية قضاياهن وتركها في الظل.
هذا أدى إلى تفعيلِ نشاطِ النساء المستقل وجعلهن ينتبهن لكونهن إستخدمن كأدوات.
وبدايةً كانت التحركاتُ من الشارع هي الأكثرُ إشعالاً للموقف النسائي فيما سُمي بلجنة العريضة النسائية، وطُرحت فيها العديدُ من المطالب الرئيسية والملحة والقضايا النسائية المستقلة التي تؤرقُ جمهورُ النساءِ كقطاعٍ له مشكلاته الخاصة كذلك.
كانت صرخةُ النساءِ مدويةً بتناقض ممارسة الرجال المحافظين: (إن الوعودَ الإنتخابية التي قطعها عددٌ من المرشحين للبرلمان تبخرتْ بعد أن نالوا عضوية المجلس)، وبعدها عادتْ النساءُ لطرح قضاياهن البسيطة بعد ذلك التحليق العالي، فكانت قضيةُ إصدار قانون للأحوال الشخصية أهم هذه القضايا. إن سيطرة الاتجاهات المحافظة على النساء وعلى أحوالِ الأسرةِ هي الاتجاه الغالب عبر التاريخ الديني الإسلامي بعد أن تركَ رجالُ الدينِ الصراعَ مع الحكومات الفاسدة، وتخصصوا في الهيمنةِ على النساءِ والثقافة الشخصية للمسلمين. ويغدو تحررُ النساءِ في تصورهِم هدماً للعائلة، وليس تطويراً لها من الظلماتِ الاجتماعية ولضرورةِ مراقبة أنانيات الرجال لبناء عائلة سليمة حقاً. ومن هنا كان إيجادُ قانونٍ موحد للأحوال الشخصية يمثلُ تحولاً نضالياً وطنياً ديمقراطياً بحرينياً. لكنه تحولَ إلى شقين مما عبّرَ عن مستويين مختلفين لوضعِ النساء وعن إشكاليةٍ حقوقية وطنية وعن العجز من توحيد الحركة الديمقراطية السياسية البحرينية.
حتى إصدار قانونٍ موحد عجزتْ عنه الحركةُ النسائية، فبدا تخلفها رهيباً هنا، وعادت لقضايا الدفاع عن الحقوق العامة والتفصيلية للنساء كالعمل ضد إلغاء أشكال التمييز الموجهة ضد النساء، وتغيير طابع المحاكم والقضاة في شؤون العائلة المختلفة، والدفاع عن حقوق المطلقات وغير هذا من قضايا.
قيامُ إتحادٍ نسائي يمثلُ وحدةَ النساء في البلد كان خطوةً على طريق بلورة إرادة سياسية للمرأة، كما كان قيام المجلس الأعلى للمرأة خطوة إصلاحية أخرى كبيرة على الصعيد الرسمي، لكن مستوى حضور النساء في الإنتاج، وفي المنظمات السياسية، وفي التنظيمات النقابية، وفي الحياة الاجتماعية الفكرية عامة، الأقل بكثير من أعدادهن في المجتمع يشيرُ إلى أن إنتزاعَ الحقوقِ النسائية لا يتمُ من خلال نُخبٍ صغيرة ومن خلالِ نساءٍ نادراتٍ يصلن إلى المجالس المنتخبة رغم أهمية هذه الخطوة، لكن يحدثُ ذلك من خلالِ حضورهن الاجتماعي السياسي الكبير في مختلفِ أوجهِ الحياة، بالدفاع عن مطالبهن الخاصة، ومطالب التغيير الوطني الديمقراطي العام كذلك.
    
    ولم تتأسس الهيمنة الذكورية المتشددة إلا في القرى والمدن، التي عرفتْ حياةً إجتماعية محافظة مستقرة طويلة، وخاصة في بيوت الفئات الوسطى والغنية.
وأعطى نظامُ الغوصِ كنظامٍ فريد من الإنتاج البشري أربعة شهور لكي تقوم النساء بدور التحكم الواسع في الحياة العملية الضرورية. فالمرأةُ بالإضافةِ إلى إشرافِها على المنزل، تقومُ بمهمام العمل الضرورية من إستكمال مهام الزرع والصيد والأعمال البحرية، وحين يأتي الرجال من موسم الغوص تعود النساء لأعمال البيوت.
وفي مجال الفنون الشعبية ذات الأهمية الجماهيرية قامت النساءُ بدورٍ بارز.
لم تجرِ دراساتٌ محددةٌ بهذا الشأن فهذا نمط عام، لكن من المؤكد بأن النقصَ الكبير في قوة العمل الإجتماعية لغياب الرجال والشباب، يستدعي إنتشار العمل النسائي، ولكن كان هذا نمطاً عاماً عبر التاريخ، وما الغوص سوى ظرف إستثنائي، ثم أنه لا يلغي هيمنة الرجال على النساء، ولا يزيل ظروف الإستغلال والسيطرة، وهي نمط ضروري لقرون، بسبب تقسيم العمل ونظام المُلكية، ويمكن أن تنشأ فيه كذلك علاقاتٌ طيبة بين الرجال والنساء، حسب طبيعة كل أسرة ومواقف أفرادها، ويغدو شكلاً من أشكال الحماية الإجتماعية حيناً وشكلاً للهيمنة والأنانية حيناً آخر، قوة بناء للأفراد أو نسيجاً مهلهلاً للآفات.
لكن إنهيار نظام الغوص الذي سبب تراجع مكانة النساء عامة ونساء الريف خاصة، ترافق مع تنامي السيطرة البريطانية التي عوضتْ بعضَ الشيء في مجال حقوق النساء، فهي سيطرةٌ مدنيةٌ بحاجةٍ إلى تطورٍ للتعليم وللخدمات المختلفة، وهذه تحتاج إلى حضور النساء في المدن خاصة.
بدأ التعليم الذكوري أولاً وأخذ يتوسع ومنذ سنة 1928 ظهرت أول مدرسة للبنات، مقتصرةً لحد الصف السادس الإبتدائي الذي كان ذا قوة تعليمية كبيرة، ومن خريجاته ظهرت قيادات نسائية.
وقد ترافق مع هذا نشؤُ فئاتٍ وسطى من التجارة فظهرت نزعةٌ ليبرالية دعمتْ هذا التحرر المحدود لنساء المدن. فكان تنامي أعداد النساء في التعليم يترافق مع ظهور الأندية وهي التجمعات الفكرية الاجتماعية المحدودة المسموح بها وقتذاك، مع بعض الحرية الصحفية الأكثر محدودية والتي تقدمُ بعضَ متنفساتِ الحرية الشخصية وليست الاجتماعية والسياسية للعائلة المتوسطة.
كان طابعُ الموادِ الأدبية والمنزلية المقدمة في التعليم، وإستمرارُ العائلةِ الأبوية التقليدية، وديمومةُ قوانين الفقه القديمة، وضعفُ حركة التحرر الوطني المحلية، لا تجعل من الممكن تطور وعي النساء الديمقراطي بسهولة، وعلى العكس فإن حركةَ التحرر الوطني تشكلتْ من خلال رؤى فكريةٍ ذكورية تقليدية غالبة، وكانت المجابهةُ مع الإستعمارِ تُعمَّم حتى في مجالِ رفض الديمقراطية الغربية، فتجعلُ الصراعَ مع الراهن المتخلف بصورةٍ سياسية شعارية تختزلُ الحريةَ الوطنية في حريةِ الذكور، مما إنعكس على تخلفِ حركة التحرر هذه وضخامة الشمولية الذكورية داخلها.
ولهذا فإن الأنواعَ الفكريةَ والأدبية التي نشأتْ بخفوتٍ منذ الأربعينيات لم تشهدْ حضوراً نسائياً، إلا بشكلٍ فردي إستثنائي في الخمسينيات ولم يكن لها تأثير لطبيعة المستوى وغياب التواصل. لكن تنامي حركة التحرر وجذبها لأغلبيةِ السكانِ فكك العديدَ من الأسوار الإجتماعية في المدن، لينتظر الريف الوقت الراهن ليقوم بتحرره الإجتماعي الواسع.
كانت الحياةُ التحديثيةُ التي شكلها الإنكليز هي بحدِ ذاتِها تخلقُ حرياتٍ موضوعية في البلد، كتنامي الإهتمام بالصحة ومقاومة الأمراض التي أدت إلى ظهور مهنة التمريض النسائية، وإلى إنتشار الأسواق الحديثة والاهتمام بالأزياء المعاصرة، وإلى ظهور دور السينما التي خصصتْ يومين للنساء، وكان ذلك مظهراً إنفصالياً لكنه كان مؤثراً في نشر الاهتمام بالفنون والثقافة لدى النساء والعائلات بشكل عام.
بصعوبةٍ كبيرة تنامتْ عناصرُ الحرية الاجتماعية والسياسية في حياة النساء البحرينيات، لقد أعطى التعليمُ بعضَ الحراك الاجتماعي للنساء عبر المعرفة، وبدأت الحياة السياسية تدفع مجموعات صغيرة من النساء للمشاركة سواء في التصويت في إنتخابات الخمسينيات أم في مظاهراتها، ثم حلتْ فترةٌ من الجمود الإجتماعي بين الخمسينيات والستينيات، كان يجري فيها حراكٌ متوار، وسادت الأعمال ذات (الطابع الخيري).
لقد نشطّتْ الفئاتُ الحديثة والمنظماتُ السياسية السريةُ الوعيَّ الاجتماعي، فتنامت تلك المشاركة النسائية النخبوية، وتجسدتْ المشاركةُ النسائية بتشكيلِ الجمعيات في مختلف المناطق، متدرجة من الأشكال البسيطة من المشاركة الإجتماعية إلى بروز الأهداف السياسية، وهو أمرٌ يعكسُ حجمَ القيود التي لا تتكبلُ بها النساءُ فقط بل الرجال كذلك. ولهذا فإن عمليةَ النضالِ الديمقراطية مشتركةٌ متداخلةٌ متصاعدة بين الجنسين.
ظهرتْ الجمعياتُ النسائية بالصورة التاريخية التالية:  جمعية نهضة فتاة البحرين تأسست عام 1955، وجمعية رعاية الطفل والأمومة تأسست عام 1960، وجمعية أوال النسائية تأسست عام 1970، جمعية الرفاع الثقافية الخيرية تأسست عام 1970، جمعية فتاة الريف تأسست عام 1970، وجمعية النساء الدولية تأسست عام 1974.
يعبر هذا النمو التاريخي عن حراك الوعي الاجتماعي العفوي من قبل النخب النسائية المتعددة المواقع والإتجاهات لتغيير وضع النساء بشكل متنوع، أغلبه جزئي، أولاً عبر التنوير الثقافي وتغيير جوانب من الحياة الاجتماعية ثم عبر ظهور الوعي السياسي، أي بربط قضية تطور النساء بالحريات العامة، وهو شكلٌ أضفتهُ في السبعينيات الناشطات في المنظمات السياسية.
وبدلاً من الأهداف العامة غير الواضحة بدأتْ اللغةُ السياسية للمنظمات السياسية تدخلُ حيزَ التفكير الاجتماعي للنساء، فظهرت أهدافٌ جديدة هامة وهي: مساواة المرأة والرجل في كافة الحقوق والواجبات، ومساواة المرأة العاملة والمستخدمة للرجل من حيث الأجور والإجازات ورعاية الأطفال وحقوق الأمومة وغيرها، وسن قانون للأحوال الشخصية، يأخذ بعين الاعتبار المكاسب التي حققتها المرأة في العديد من البلدان العربية والأجنبية.
إن تحول هذه الأهداف إلى نضال عملي هو أمرٌ شديدُ الصعوبة على مستوى العقود السابقة، فهذه يتطلب قوة إنتاج نسائية كبيرة، لكن كان نمو العمل النسائي محدوداً ففي النصف الثاني من 1965 كان عدد البحرينيات الموظفات يبلغ: 995، ووصل في عام 1971 إلى 8418 إمرأة.
وفي العقود الأخيرة بدأت هذه الأرقام تتغير:
( ارتفعت معدلات مساهمة المرأة في القوى العاملة فبلغت 25.9 في المئة حيث وصل عدد القوة العاملة النسائية 32769 نسمة. وتشير إحصائيات عام 2001 إلى إرتفاع نسبة العاملات في القطاع الخاص الى48.61 في المئة من مجموع العاملين وهي نسبة مساوية تقريباً لنسبة العاملات في القطاع الحكومي. وتشير دراسة قامت بها باحثة مصرية إلى أن نسبة العمالة النسائية تبلغ 32% بالنسبة لتعداد السكان بالبحرين.
هذا التطور العملي تضافر مع تطور ثقافي متصاعد:
(في العام 2001 سجلتْ المرأةُ الحاصلةُ على تعليمٍ ثانوي فأعلى نسبةَ: 70.15 في المئة من إجمالي عدد النساء مقابل 69.96 في المئةِ من الرجال. كما فاقتْ نسبةُ النساءِ الحاصلاتِ على مؤهلٍ جامعي (بكالوريوس/ ليسانس) نسبةَ الرجال حيث بلغت 14.34 في المئة مقابل 13.03 في المئة للرجال. وفي العام ذاته بلغ إجمالي الحاصلات على مؤهلٍ جامعي عال(الماجستير والدكتوراه) 765 امرأة مقابل 2072 رجلاً. كما انخفضتْ نسبةُ الأمية بين النساء إلى 17 في المئة.).
جرى هذا التطور بشكل بطيء وصعب وأخذ عقوداً طويلة، لكون التعليم حتى الإبتدائي للنساء لم يكن سهلاً، ومن ثم فإن الارتقاء للتعليم الجامعي بهذا الشكل الواسع كان أكثر صعوبة، إضافة للنمو الأكثر إشكاليةً الذي يتكون في ميدان العمل الذي تصاعد في الوظائف المهنية ثم بشكل أقل في مراكز الإنتاج الصناعي.
لكن كل هذا التطور الذي قاومهُ الرجالُ المحافظون والقوى الاجتماعية القديمة والقوانين العتيقة في المذاهب والنظام السياسي، لم يُنتجْ ثماراً كبيرة على النساء في الحقوق الاجتماعية والسياسية، بسبب سيطرة المفاهيم المحافظة على وعي النساء أنفسهن، وقلة النخب النسائية المقاتلة في هذا السبيل، وهيمنة الوعي الذكوري الشمولي في المنظمات السياسية كذلك.
تعتبر جمعية فتاة الريف عن المعاناة الرهيبة التي تعرضتْ وتتعرضُ لها النساء البحرينيات في أدغال الحياة الاجتماعية عموماً وفي غابة الريف خصوصاً.
(سرن في درب مليء بمشاهد التحدي، فكنّ ينتزعن الشوك ويوزعن الورود، ويصافحن المرأة البحرينية الأمية ويصنعن منها إنساناً يجيدُ القراءةَ والكتابة ويفكُ طلاسم الحروف ويتقن الحساب، كن كفراشات الحديقة، يتنقلن في أرجاء حدائق الوطن، لينتزعن بعد 30 عاماً من الحضور والتجوال والنشاط في حقول العطاء وغابات الإنجازات الخالدة صكَ إعترافٍ رسمي بشرعية ''ممارسة الدور'' وحق ''أداء الواجب''، وهن اللواتي ظفرن بالنصر مبكراً جداً يوم تغلبتْ فيهن إرادةُ التطلعِ والتحرير على صخورِ الممانعات والحواجز الإسمنتية التي كانت تتخذُ أشكالاً عدة، حتى لقد طوى المناصرون عنهم كشحاً مخافة الإدانة والغمز واللمز وإلصاق التهم والتصنيفات الجاهزة). 
هذا الكلام الرقيق الشاعري يحتاج لرؤية تضاريس الواقع الحقيقية اليومية، ولنأخذ بعض اللمحات السريعة حول هذا الواقع. في سنة 1960 جاءت باحثةٌ من الدنمارك لتعاين وضع النساء البحرينيات في الريف، وأختارت إحدى القرى من أجل هذا البحث الميداني، ولم تُقبل الباحثة بادئ ذي بدء فهي إمرأة ثم هي مسيحية، ثم أنها سوف تعيش لوحدها في منزل، لكن الترتيبات العليا ذللت هذه العقبات.
ودراسة الباحثة هني هنسن واسعة فهي تتعلق بالتقاليد الدينية والاجتماعية ولكن ما يهمنا هنا حركة النساء وحقوقهن، وتقول بأن النساء هن ممنوعات من الخروج من حدود القرية إلا بأذن الرجال، ويلبسن (المشمر) وهو لباس يغطيهن بشكل كامل، فالقرية تغدو مكان عزل النساء. وخروج المرأة من القرية يحتاج إلى محرم وهو الرجل سواء كان الزوج أو الأخ. وتستطيع المرأة أن تنتقل داخل القرية لتزويد الأسرة بإحتياجاتها من الخشب والماء من أجل الطهي. لكن هذا التحرك تقلص بسبب بدء توصيل خدمة المياه للبيوت. لكن نظام العزل بما يصاحبه من أمية وغياب التعليم والحقوق لم يمنع النساء من إيجاد مجتمع خاص بهن، عبر الإنغماس في الظاهرات الدينية وتكوين إحتفالات خاصة بهن عبر أجواء الحكي والشعر، (سار الستينيات: المرأة في قرية سار البحرينية بعيون هيني هنسن الدنيماركية، بقلم د.عبدالله يتيم).
ليس ثمة شيء اسمه الحقوق النسائية حينئذٍ، لكن الهيمنة الذكورية الكلية، والهيمنة السياسية الحكومية العامة، لم تمنعا عملية التحرر الرجالية النسائية المشتركة، فقد كان النظام الزراعي في طريقهِ للتفكك، من حيث هو علاقات إنتاج، ومن حيث هو نظام أبوي، فالاقتصادُ الحديث جذبَ الشبابَ، وهؤلاء لم يغيروا الهيمنة الذكورية لكن بدأت هذه تتزحزح لأن هذه الأجيال بدأت تتغير قليلاً مع عملية الإنفتاح. وقامتْ موجاتُ التعليمِ الذكوري أولاً ثم النسائي بعد ذلك بسنوات، بزحزحةِ تلك القيود الواسعة قليلاً في نظامِ الأسرةِ الأبوي المطلق، الذي لا يعرفُ الديمقراطيةَ في علاقاتهِ الداخلية من حيث سيادةِ طرفٍ وتمتعهِ بأغلبِ الحقوق والإمتيازات، وغياب هذه الحقوق عن الطرف الآخر.
لم تستطع الحركاتُ الديمقراطيةُ السياسية أن تتغلغلَ في الحياة الاجتماعية خاصة الريفية منها، وقد لمنسا بعض اللافحات الحارقة لدى جمعية نهضة فتاة الريف، فهذه الحركاتُ ضعيفةٌ عموماً هنا، وتلعب المظلةُ الدينيةُ المحافظة دورَها في تكييف العلاقات الاجتماعية لمصلحة الذكور عبر الإرث الديني وأدلجته من خلال أصواتها.
كانت القوى السياسيةُ الحكوميةُ والمذهبيةُ المحافظةُ تعملُ معاً في سنواتِ السبعينيات التي بدأتْ تلوحُ فيها بوادرُ تغييرِ القوانين السياسية والاجتماعية بعد الإستقلال، فكان الأتفاقُ على مجلسٍ وطني منتخب، وعلى حق المواطنين في الإنتخاب، لكن كلمة(المواطنون) هذه تم الأتفاق على أنها تعني (الرجال) فقط من قبل التيارات الحكومية والدينية. فحدثت الإنتخاباتُ الأولى الحديثة في البلد مع تغييبِ دور النساء، وكانت التياراتُ الحكومية والدينية الريفية خاصةً تمتلكُ الأكثريةَ لفرضِ قرار التغييب ذاك.
إن عناصرَ الوعي الديمقراطي الوطني توقفتْ هنا بحلِ المجلس الوطني، ثم بتضخمِ دور الحكومة السياسي وثقلها الإقتصادي شبه الكلي، فتدهورتْ تلك العناصرُ الديمقرطيةُ بشكلٍ واسع بعد حل المجلس وسيطرة قانون أمن الدولة، وهي أجواءٌ عاشتْ فيها بقوة وتوسع القوى المحافظة المذهبية، مما أدى إلى تدهور حقوق النساء بشكلٍ أكبر من السابق، وتدهورت عناصرُ الوعي الوطني البحريني عموماً، بدلاً من بوادر تناميها التي لاحت مع الومضة الديمقراطية الوطنية العامة في بداية السبعينيات.
وحتى في أثناء الومضة الديمقراطية السبعينية فإن حركات النساء لم ترضخ للتصور الذكوري المهيمن العام، فتقدمت جمعيتا النهضة وأوال النسائيتين بعريضة ترفض ذلك التغييب وتفسير مصطلح المواطنين على أنهم الرجال فقط!
أدت فترةُ التغييبِ الديمقراطي السياسي، إلى مضاعفاتٍ على القوى الشعبية التي تعاني أكثر من غيرها وهي العمال والنساء. فانتشرتْ التفسيراتُ المحافظةُ الشموليةُ للإسلام، فتراجعتْ مستوياتُ الجماعاتِ النسائية وقبلتْ بالعديدِ مما كانت ترفضهُ سابقاً من علاقات زوجية وإجتماعية وفكرية.
كان بروزُ الحركاتِ الدينيةِ ذا جانبين متعارضين، فهو يؤدي لحراكٍ سياسي إفتقدهُ المجتمعُ بسببِ القوانين المعرقلةِ للحريات، ولكنه في ذات الوقت يعيدُ المجتمعَ من حيث الوعي السياسي للوراء، فيحدثُ تقدمٌ من خلال آراءٍ محافظةٍ متخلفةٍ على أصعدةٍ مختلفة.
لقد إنضمت نساءٌ كثيراتٌ لهذا الحراكِ السياسي الديني، الذي كان الشكلُ الوحيدُ من الوجود الإجتماعي في زمنِ قانونِ أمن الدولة، وبرزَ هذا الشكلُ بقوةٍ بعد زوال هذا القانون وبدء التغيير على صعيد الحكم.
لقد عبّر الميثاقُ الوطني عن محاولةِ إستعادةِ التوازن بين الاتجاهاتِ التحديثية والاتجاهاتِ الدينية المحافظة، وعن إعطاءِ الفرصِ مجدداً للتوجهاتِ الوطنية والعصرية لتعيدَ علاقاتها بالجمهور، لكن المؤسسات السياسيةَ المنبثقة عن هذا التحول السياسي من برلمان وبلديات عكستْ مستوى الوعي المشلول للعقودِ السابقة، الوعي الذي فصمَ وحدةَ الشعب، وأعاد مسائلَ سياسية وإجتماعية تعودُ للعقود الأولى من القرن العشرين في البلد. هذا كان تعبيراً عن أن التراكمات الديمقراطيةَ التحديثيةَ المضروبة لم تستطعْ أن تنمو عبر قوى سياسية ذات حضور جماهيري.
لقد اكتشفَ العمالُ والنساءُ خاصةً هذا التناقض على الأرض الاجتماعية السياسية. هذا التناقضُ يجعلُ من النساء، وهم هنا بؤرةُ القضيةِ، قوةَ تصويت لا غير، أي قوة دفع للمرشحين الرجال المحافظين، الذين لن يناضلوا من أجل قضاياهن. وهكذا فحين تحقق الحضورُ الديني المذهبي السياسي في المؤسسات المُنتخبة، لم تُطرح قضايا النساء وحقوقهن.
لقد اتخذ القوسُ المذهبي السياسي الاجتماعي دائرةً ضمتْ قوى خضعتْ للوعي المحافظِ السياسي وأجندتهِ في العديدِ من الدوائر الاجتماعية، فركزت على الصراع السياسي المجرد، وهو صراعُ نخبٍ ذكوريةٍ يمينية للوصولِ إلى المناصب السياسية والهيمنة على الجمهور لطرحِ مشروعٍ مذهبي تقسيمي للشعب، وبالتالي للعمال والنساء.
من هنا صُدمت القطاعاتُ النسائية (الطليعية) من التناقض بين أقوالِ الرجال السياسيين وأفعالهم، بدءً من شطبهن من القوائم ثم هيمنة الرجال المطلقة على المقاعد، ثم تنحية قضاياهن وتركها في الظل.
هذا أدى إلى تفعيلِ نشاطِ النساء المستقل وجعلهن ينتبهن لكونهن إستخدمن كأدوات.
وبدايةً كانت التحركاتُ من الشارع هي الأكثرُ إشعالاً للموقف النسائي فيما سُمي بلجنة العريضة النسائية، وطُرحت فيها العديدُ من المطالب الرئيسية والملحة والقضايا النسائية المستقلة التي تؤرقُ جمهورُ النساءِ كقطاعٍ له مشكلاته الخاصة كذلك.
كانت صرخةُ النساءِ مدويةً بتناقض ممارسة الرجال المحافظين: (إن الوعودَ الإنتخابية التي قطعها عددٌ من المرشحين للبرلمان تبخرتْ بعد أن نالوا عضوية المجلس)، وبعدها عادتْ النساءُ لطرح قضاياهن البسيطة بعد ذلك التحليق العالي، فكانت قضيةُ إصدار قانون للأحوال الشخصية أهم هذه القضايا. إن سيطرة الاتجاهات المحافظة على النساء وعلى أحوالِ الأسرةِ هي الاتجاه الغالب عبر التاريخ الديني الإسلامي بعد أن تركَ رجالُ الدينِ الصراعَ مع الحكومات الفاسدة، وتخصصوا في الهيمنةِ على النساءِ والثقافة الشخصية للمسلمين. ويغدو تحررُ النساءِ في تصورهِم هدماً للعائلة، وليس تطويراً لها من الظلماتِ الاجتماعية ولضرورةِ مراقبة أنانيات الرجال لبناء عائلة سليمة حقاً. ومن هنا كان إيجادُ قانونٍ موحد للأحوال الشخصية يمثلُ تحولاً نضالياً وطنياً ديمقراطياً بحرينياً. لكنه تحولَ إلى شقين مما عبّرَ عن مستويين مختلفين لوضعِ النساء وعن إشكاليةٍ حقوقية وطنية وعن العجز من توحيد الحركة الديمقراطية السياسية البحرينية.
حتى إصدار قانونٍ موحد عجزتْ عنه الحركةُ النسائية، فبدا تخلفها رهيباً هنا، وعادت لقضايا الدفاع عن الحقوق العامة والتفصيلية للنساء كالعمل ضد إلغاء أشكال التمييز الموجهة ضد النساء، وتغيير طابع المحاكم والقضاة في شؤون العائلة المختلفة، والدفاع عن حقوق المطلقات وغير هذا من قضايا.
قيامُ إتحادٍ نسائي يمثلُ وحدةَ النساء في البلد كان خطوةً على طريق بلورة إرادة سياسية للمرأة، كما كان قيام المجلس الأعلى للمرأة خطوة إصلاحية أخرى كبيرة على الصعيد الرسمي، لكن مستوى حضور النساء في الإنتاج، وفي المنظمات السياسية، وفي التنظيمات النقابية، وفي الحياة الاجتماعية الفكرية عامة، الأقل بكثير من أعدادهن في المجتمع يشيرُ إلى أن إنتزاعَ الحقوقِ النسائية لا يتمُ من خلال نُخبٍ صغيرة ومن خلالِ نساءٍ نادراتٍ يصلن إلى المجالس المنتخبة رغم أهمية هذه الخطوة، لكن يحدثُ ذلك من خلالِ حضورهن الاجتماعي السياسي الكبير في مختلفِ أوجهِ الحياة، بالدفاع عن مطالبهن الخاصة، ومطالب التغيير الوطني الديمقراطي العام كذلك.
        Published on November 16, 2019 15:22
        • 
          Tags:
          نضال-النساء-في-البحرين
        
    



