عبـــــــدالله خلــــــــيفة's Blog: https://isaalbuflasablog.wordpress.com - Posts Tagged "الدين-بين-المطلق-والنسبي"
الدين بين المطلق والنسبي
في مجراه التاريخي الطويل يتوحدُ الدينُ بين المطلق والنسبي، يتضافرُ ما هو أبدي فيه بالمتحول والعابر.
المطلقُ أهم وأكبر وباقٍ دائماً، فالإنسانُ الضعيفُ الهامشي في الكون، ذو الجذور الحيوانية والذي يتكونُ جسمهُ من موادِ الكون المتغيرة، يتوحدُ بالأبدي، يتمسكُ بخشبِ السفينة المبحرة في رحلةِ الوجود الصعبة، يتوحدُ بها ويكونُ جزءً من خلودِها، ويكونُ في عالم المطلق، عالم الأبدية، حتى لا يزول.
وتغدو هذه الصعوبة المخيفة لدى الكادحين بدرجة أساسية، هم صناعُ العالم المادي الاجتماعي، ومع هذا هم المغيَّبون، المنفيون فيه، والذين لا يتمتعون في داخله الجهنمي.
تظهرُ العوالمُ الدينية الكبرى حين يتغرب الكادحون. هم صناعُ العالم المادي، خالقو الطين والمدن وأبراج بابل، وفي البدءِ تظهرُ أديانُ الوثنية، حين يقوم رؤوساء القبائل بالتحكم في ثمارها، ويسيطرون على منتجاتها، ويقيمون الممالك والأمبراطوريات.
الوثن، والروح المقدسة، والإله القبلي، كلها قوى تجري داخل القبيلة، لتوحدها وتعالج الأفراد من الأمراض وتتبصر مستقبلها. هي ضمانتها في السلامة والصحة والبقاء والأنتصار على الأعداء، وحماية أفرادها في عالم الموت.
كلُ هذه الكائنات الطيفية تحركُ القبائلَ والشعوب لتتقدم ولتتاجر ولتبني مجد الأسياد، لصنع عوالم الرفاه لهم، وتعجز عن تشكيل الرفاه للعاملين، بل تقودهم للحروب، تجعلُ وجودَهم الأرضي أسىً وضياعاً وعذاباً، ولهم بعض الملذات الصغيرة العابرة، وإعادة إنتاجِ العذاب والإستغلال في ذريتهم.
ينفصل عالم الأرواح والألوهة الروحية والوثنية الفكرية لتغدو رموز القبائل والشعوب، ومستقر تاريخها وثقافتها، وتغدو هي السلطات السياسية والفكرية المسيطرة على العاملين الذين يتخصصون في المهن اليدوية.
ولكلِ أمة تاريخها في هذا السياق، والتفاصيلُ مهمة في سياقِ بعض القرون، لكنها تفقد أهميتها مع التوحدِ العام للشعوب، عالمُ السماءِ الغيبي يتقارب، يتجوهرُ في المطلقات الكبرى، يغدو آلهة كبرى متحكمة في المصير البشري، أو أرواحاً أو مجردات، وعالم الأرض والبشر يتقارب، لكنه لا يتحد ويذوب في بعضه، فالمصالحُ على الأرض تتضاربُ باستمرار مولدة حركات في الغيب وتعدديات في المذاهب والتفسيرات لها ونزاعات لا تتوقف.
الإنسان الباقي رافع أعمدة الأشياء فوق كاهله المتعب، تفرُ منه كائنات الأرض: الذهب والفضة والآلهة، وتكون بيد الأقوياء، فيصير كل شيء غريباً عنه، يستعبده تارة، ويقدم له الذبائح والصلوات والطقوس تارة، ويدافع عنه تارة، ويكون علمه في عالم الصراع من أجله، وحاميه في الملمات والأمراض، يجد فيه الأنتماء الذي فقده من أشياء المجتمع؛ النقود والقيود والسلطات.
هو كونُ الأنتماءِ الذي صنعهُ لنفسه، كهفهُ النيرُ الذي يلوذ به في الملمات والكوارث، هو روابطهُ الاجتماعية التي يشعرُ فيها بأخوةِ البشر من حوله، وفي رعبِ المدن الاستعمارية والاغترابية والشيئية التي تسحقهُ وتحيله إلى برغي في آلاتها، وفقاعة في سمائها، وحشيشة في دخانها، يزدادُ اقترابهُ من الرموز، وكلما تبخرَّ الوطنُ الفعلي تعملقَّ الوطنُ الوهمي.
على ضخامةِ الرموز التي تقذفها في وجهه؛ أبطالُ الصورِ السينمائية وزعماءُ العالم الكبار المتنفذون الذين بيدهم الحياة والموت، المتلاعبون بمصيرهِ ورزقه، يجدُ في رموزَ الأديان كهفـَهُ الباقي على الزمن، في عالمِ التغيرِ المتبخر: الحكومات التي تقومُ وتسقط في فضائح مدوية، ساحبة ثمار العمل إلى المجهول، يجد حكومته الحبيبية التي لا تتبدل، يجدُ رموزَهُ تعطيه العزاء. الأرضُ لا تصنع رموزاً منتجة للخير أبداً وعلى نحو دائم، فيبقى الماضي والأساطير والذكريات العظيمة للرموز في قتالهم من أجل الخير المستمر، وتتحول حيناً لسيول من الدماء، وتتحول حيناً آخر لبنوك إستنزافية أخرى، وأحياناً لحكمة نضالية.
لا يمكن لأي شعب أن يكون بلا دين ذي قوى غيبية مهيمنة، لكون الإنسان هو نسبي، وكلما كبرت قوتهُ الأرضية وصار إنساناً، صغرت أحجام غيبياته.
كلما فرح وأزدهرت حياته بالغني الفني والاقتصادي قل اهتمامه بالأرواح والشياطين، والعكس صحيح، تتوحد عوالم الأديان مع توحد عالم الأرض الواسع، تزول الاختلافات الصغيرة والقصص الغائصة في تقاليد محلية تفقد خصوصياتها يوماً بعد يوم، وتتفجر الاختلافات مع الصراعات بين الأمم، فتزداد أحياناً أخرى تمسكاً بالخصوصية والتفرد، وتعلي ميراثها علواً رهيباً.
رحلة الإنسان لا تتوقف، السحرية تظل ملاصقة له، العلوم تظل جانبية في مسيرته، إنسان الأغلبية البشرية، إنسان العالم الثالث خاصة، والعوالم الثالثة في المجتمعات المتقدمة، الجنان الآخروية الدينية والشيوعية، على أسس خيالية أو على أسس (علمية)، تظلُ لصيقة به، فدائماً لديه الدائم الباقي الأخضر أبداً، السعيد المطلق، وهو منهوك بالعوز والبطالة والغربة والصراعات والنسبية، غربة الإنتاج المادي تصنع إنتماءَ الإنتاج الروحي، ذا الحلول والحلولية والأبدية، يزداد على الزمن تغييره لواقعه، تغدو مواريثه رحلات كهوف ولوحات صيد للمعاني، وهو يعلو صاعداً لاحتلال الفضاء الواسع.
1+2 الاتجاهات المثالية في الفلسفية العربية الإسلامية
المطلقُ أهم وأكبر وباقٍ دائماً، فالإنسانُ الضعيفُ الهامشي في الكون، ذو الجذور الحيوانية والذي يتكونُ جسمهُ من موادِ الكون المتغيرة، يتوحدُ بالأبدي، يتمسكُ بخشبِ السفينة المبحرة في رحلةِ الوجود الصعبة، يتوحدُ بها ويكونُ جزءً من خلودِها، ويكونُ في عالم المطلق، عالم الأبدية، حتى لا يزول.
وتغدو هذه الصعوبة المخيفة لدى الكادحين بدرجة أساسية، هم صناعُ العالم المادي الاجتماعي، ومع هذا هم المغيَّبون، المنفيون فيه، والذين لا يتمتعون في داخله الجهنمي.
تظهرُ العوالمُ الدينية الكبرى حين يتغرب الكادحون. هم صناعُ العالم المادي، خالقو الطين والمدن وأبراج بابل، وفي البدءِ تظهرُ أديانُ الوثنية، حين يقوم رؤوساء القبائل بالتحكم في ثمارها، ويسيطرون على منتجاتها، ويقيمون الممالك والأمبراطوريات.
الوثن، والروح المقدسة، والإله القبلي، كلها قوى تجري داخل القبيلة، لتوحدها وتعالج الأفراد من الأمراض وتتبصر مستقبلها. هي ضمانتها في السلامة والصحة والبقاء والأنتصار على الأعداء، وحماية أفرادها في عالم الموت.
كلُ هذه الكائنات الطيفية تحركُ القبائلَ والشعوب لتتقدم ولتتاجر ولتبني مجد الأسياد، لصنع عوالم الرفاه لهم، وتعجز عن تشكيل الرفاه للعاملين، بل تقودهم للحروب، تجعلُ وجودَهم الأرضي أسىً وضياعاً وعذاباً، ولهم بعض الملذات الصغيرة العابرة، وإعادة إنتاجِ العذاب والإستغلال في ذريتهم.
ينفصل عالم الأرواح والألوهة الروحية والوثنية الفكرية لتغدو رموز القبائل والشعوب، ومستقر تاريخها وثقافتها، وتغدو هي السلطات السياسية والفكرية المسيطرة على العاملين الذين يتخصصون في المهن اليدوية.
ولكلِ أمة تاريخها في هذا السياق، والتفاصيلُ مهمة في سياقِ بعض القرون، لكنها تفقد أهميتها مع التوحدِ العام للشعوب، عالمُ السماءِ الغيبي يتقارب، يتجوهرُ في المطلقات الكبرى، يغدو آلهة كبرى متحكمة في المصير البشري، أو أرواحاً أو مجردات، وعالم الأرض والبشر يتقارب، لكنه لا يتحد ويذوب في بعضه، فالمصالحُ على الأرض تتضاربُ باستمرار مولدة حركات في الغيب وتعدديات في المذاهب والتفسيرات لها ونزاعات لا تتوقف.
الإنسان الباقي رافع أعمدة الأشياء فوق كاهله المتعب، تفرُ منه كائنات الأرض: الذهب والفضة والآلهة، وتكون بيد الأقوياء، فيصير كل شيء غريباً عنه، يستعبده تارة، ويقدم له الذبائح والصلوات والطقوس تارة، ويدافع عنه تارة، ويكون علمه في عالم الصراع من أجله، وحاميه في الملمات والأمراض، يجد فيه الأنتماء الذي فقده من أشياء المجتمع؛ النقود والقيود والسلطات.
هو كونُ الأنتماءِ الذي صنعهُ لنفسه، كهفهُ النيرُ الذي يلوذ به في الملمات والكوارث، هو روابطهُ الاجتماعية التي يشعرُ فيها بأخوةِ البشر من حوله، وفي رعبِ المدن الاستعمارية والاغترابية والشيئية التي تسحقهُ وتحيله إلى برغي في آلاتها، وفقاعة في سمائها، وحشيشة في دخانها، يزدادُ اقترابهُ من الرموز، وكلما تبخرَّ الوطنُ الفعلي تعملقَّ الوطنُ الوهمي.
على ضخامةِ الرموز التي تقذفها في وجهه؛ أبطالُ الصورِ السينمائية وزعماءُ العالم الكبار المتنفذون الذين بيدهم الحياة والموت، المتلاعبون بمصيرهِ ورزقه، يجدُ في رموزَ الأديان كهفـَهُ الباقي على الزمن، في عالمِ التغيرِ المتبخر: الحكومات التي تقومُ وتسقط في فضائح مدوية، ساحبة ثمار العمل إلى المجهول، يجد حكومته الحبيبية التي لا تتبدل، يجدُ رموزَهُ تعطيه العزاء. الأرضُ لا تصنع رموزاً منتجة للخير أبداً وعلى نحو دائم، فيبقى الماضي والأساطير والذكريات العظيمة للرموز في قتالهم من أجل الخير المستمر، وتتحول حيناً لسيول من الدماء، وتتحول حيناً آخر لبنوك إستنزافية أخرى، وأحياناً لحكمة نضالية.
لا يمكن لأي شعب أن يكون بلا دين ذي قوى غيبية مهيمنة، لكون الإنسان هو نسبي، وكلما كبرت قوتهُ الأرضية وصار إنساناً، صغرت أحجام غيبياته.
كلما فرح وأزدهرت حياته بالغني الفني والاقتصادي قل اهتمامه بالأرواح والشياطين، والعكس صحيح، تتوحد عوالم الأديان مع توحد عالم الأرض الواسع، تزول الاختلافات الصغيرة والقصص الغائصة في تقاليد محلية تفقد خصوصياتها يوماً بعد يوم، وتتفجر الاختلافات مع الصراعات بين الأمم، فتزداد أحياناً أخرى تمسكاً بالخصوصية والتفرد، وتعلي ميراثها علواً رهيباً.
رحلة الإنسان لا تتوقف، السحرية تظل ملاصقة له، العلوم تظل جانبية في مسيرته، إنسان الأغلبية البشرية، إنسان العالم الثالث خاصة، والعوالم الثالثة في المجتمعات المتقدمة، الجنان الآخروية الدينية والشيوعية، على أسس خيالية أو على أسس (علمية)، تظلُ لصيقة به، فدائماً لديه الدائم الباقي الأخضر أبداً، السعيد المطلق، وهو منهوك بالعوز والبطالة والغربة والصراعات والنسبية، غربة الإنتاج المادي تصنع إنتماءَ الإنتاج الروحي، ذا الحلول والحلولية والأبدية، يزداد على الزمن تغييره لواقعه، تغدو مواريثه رحلات كهوف ولوحات صيد للمعاني، وهو يعلو صاعداً لاحتلال الفضاء الواسع.
1+2 الاتجاهات المثالية في الفلسفية العربية الإسلامية
Published on October 11, 2019 06:46
•
Tags:
الدين-بين-المطلق-والنسبي


