رءوف شبايك's Blog, page 13
May 30, 2015
الحل الأول يعوق الحل الأفضل والأمثل
في كتابها InGenius الذي تشرح فيه ما العبقرية وما الإبداع، تقول تينا سيلج أن علينا ألا نحرم أنفسنا من أفضل أفكارنا، دون وعي منا، وتؤكد على أن أول حل يتبادر إلى أذهاننا قد لا يكون الحل الأفضل . القادم الجديد سيسأل من تينا سيلج هذه وما أهميتها، وإجابة ذلك كله سبق سرده في المقالة الأكثر شهرة في هذه المدونة المتواضعة وعنوانها: كم من المال ستربح من 5 دولار في ساعتين (مقالة تستحق القراءة).
مثال تينا سيلج
تبدأ تينا سيلج إحدى محاضراتها في تعليم الإبداع بأن تطلب من مجموعة من الحضور الوقوف في أول القاعة، وبشرط ألا يتكلم أي شخص منهم، مع حرية كاملة في فعل أي شيء عدا الكلام، تطلب منهم تينا أن يقفوا جميعا في صف واحد، وفق ترتيب تاريخ ميلاد كل شخص، من أول يناير في أول الصف، وآخر ديسمبر في نهاية الصف.
رد الفعل الأولي: التجمد في المكان
ما أن تنهي تينا شرح طلبها، وتترك الطلاب لينفذوا المطلوب منهم، حتى تعتلي وجوههم إمارات التعجب وربما الفزع، في دلالة على أن هذا الطلب مستحيل تنفيذه. بعد ثبوت تينا على طلبها، ومرور بعض الثواني، يبدأ أحد الطلاب بأن يحاول التعريف بتاريخ ميلاده باستخدام أصابعه، ويحاول أن يجعل بقية الفريق يفهم مراده.
انفراج الأسارير
بعد تقدم هذا المغوار، يبدأ الآخرون في الابتسام، وتبدأ محاولات جماعية للتعريف بتواريخ ميلادهم باستخدام الأصابع، رغم صعوبة ذلك وعدم دقته. رويدا يبدأ الصف في التكون، ولمزيد من الإثارة، فجأة تعلن تينا أن أمامهم دقيقة واحدة فقط للانتهاء من مهمتهم، حتى يبدأ الهرج وتسود العجلة، حتى ينتهي الوقت، لتبدأ تينا في سؤال كل شخص في الصف عن تاريخ ميلاده، لتنكشف الحقيقة المرة، وهي أن لغة الأصابع موصل غير جيد للأفكار في كل الحالات.
الحل الأولي عبقري لأنه يثبت إمكانية المستحيل
بعدها تسألهم تينا، ما الذي حدث معكم؟ يبدأ الجمع بالتعبير عن دهشتهم من الطلب الذي نزل عليهم، وكيف أن أول شيء طرأ لهم هو أن هذا الطلب مستحيل في ظل الطلب بعدم التحدث، لكن فور أن تقدم أحدهم وبدأ يستخدم لغة الأصابع، حتى بدأ الجميع يدرك أنه الحل العبقري لهذه المشكلة، وشرعوا يفكرون كيف يمكن للغة الأصابع التعبير عن تاريخ ميلاد كل منهم.
الحل الأول ليس بالضرورة الحل الأفضل أو الأمثل
ثم تطرح عليهم تينا السؤال: هل هناك حل أفضل لهذه المشكلة غير الأصابع؟ تمر برهة من الوقت ثم يبدأ أعضاء الفريق في طرح أفكار أفضل، وفي هذه الحالة كان يمكن للفريق أن يكتب كل منهم تاريخ ميلاده على قطعة من الورق ثم يقف كل شخص وفق ترتيب ميلاده. لقد اشترطت عليهم تينا ألا يتكلموا وليس ألا يكتبوا. حل آخر كان تمثيل أيام السنة بالكتابة على الأرض ويقف كل شخص في المكان الذي يمثل تاريخ ميلاده، وهكذا. حل آخر ممكن كان الغناء، فالمرفوض كان الكلام لا الغناء.
الفخ الذهني، أول حل للمعضلة يحصل على الاهتمام الذي كان موجها لحل المشكلة
كررت تينا هذا التدريب مع العديد من الناس في مختلف الأماكن، وكانت التفاعلات متشابهة في كل مرة، أول حل يصل إليه عضو في الفريق يجعل بقية الفريق يسارعون لتنفيذ هذا الحل، مع تحول التفكير من البحث عن حل للمشكلة، للتركيز على إمكانية تطبيق هذا الحل الأول.
الحلول الأولى لأي مشكلة ليست بالضرورة الأفضل
الإجابة الأولى على السؤال المستعصي ليست بالضرورة الأفضل أو تلك التي توجب إنهاء التفكير في الإجابات المحتملة. بل إن تيم هرسون Tim Hurson في كتابه المعنون ‘فكر بشكل أفضل’، يقسم حلول أي مشكلة مستعصية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأولى وهو البديهي، الثاني وهو الأكثر إثارة للاهتمام، على أن القسم الثالث هو الأكثر إبداعا ونبوغا.
تطلب تينا من قراء كتابها ألا يقعوا في هذا الفخ الذهني، وتطالبهم بالاستمرار في التفكير في حلول جديدة للمشاكل والمعضلات التي يمرون بها. حين تصل إلى حل ما لمشكلة ما، اكتبه على الورق، ثم لا تفكر في تفاصيله، بل استمر في التفكير في حلول ممكنة أخرى، وبدورها اكتبها على الورق وهكذا، حتى تحصل على باقة من الحلول الممكنة، وبعدها تبدأ في التفكير في جدوى كل حل وكل إجابة، وستجد أن الاستمرار في التفكير وكتابة الحلول هو الحل الأفضل الفعلي!
بالطبع، هناك طرق علمية أكثر تعقيدا للوصول إلى حلول إبداعية لمشاكل الحياة، ليس هنا مقام الحديث عنها، إلا أن هذه المقدمة كانت لازمة قبل أن ننتقل مع تينا للحديث عن قواعد تنظيم جلسات العصف الذهني وذلك سيكون موضوع تدوينتي المقبلة فابقوا معي.
الآن، ما رأيك لو جربت هذا التدريب مع الشباب العاملين معك؟ اطلب منهم الطلب ذاته بالشرط ذاته، واتركهم يفكروا ويبدعوا، ثم عد لي وأخبرني بما اقترحوه من حلول وأفكار.
هذه التدوينة الحل الأول يعوق الحل الأفضل والأمثل منشورة في مدونة شبايك على هذا الرابط مدونة شبايك.
May 22, 2015
الجملة التسويقية التي صنعت المليارات: تذوب في الفم لا اليد
في هذه المدونة، يعمل محدثكم على تشجيع القراء على بدء مشاريعهم التجارية الخاصة، ومن يفعل ذلك سيجد أنه عليه التسويق للمنتج / الخدمة التي يبيعها، ولذا نتحدث في هذه المدونة عن الكثير من الأفكار التسويقية للمشاريع الصغيرة والناشئة، ونتطرق أيضا إلى عالم الإعلان، واليوم أعرض عليكم مبدأ شديد الأهمية في عالم التسويق والإعلان، يقول: المنتج الموهوب أفضل من القلم الموهوب.
معضلة التسويق (ضمن معضلاته الكثيرة) هي أنك لا تستطيع أن تصنع شهرة راسخة مستمرة ناجحة لمنتج (أو خدمة) فاشل. المعضلة الثانية للتسويق هي صعوبة معرفة المنتج الواعد الناجح من ذاك الفاشل، فأمثلة المنتجات التي فشلت في بدايتها ثم نجحت بقوة فيما بعد كثيرة، أقربها مثال عربة التسوق الذي نشرناه هنا، وكذلك أول بطاقة الائتمان في عامها الأول، وغيرها الكثير.
مهما كنت بارعا، لا يمكنك اختراع ميزة فريدة لمنتج ليس لها وجود. الإعلان ليس هدفه اختراع ميزة تنافسية للمنتج، بل وظيفته نقلها للناس عند وجودها. –بيل بيرنباخ، المدير الإبداعي في وكالة دويل دين بيرنباخ الإعلانية، التي أبدعت إعلان سيارة فولكس فاجن بيتلز الشهير في الستينات.
هذه المعضلات التسويقية يصعب حلها في فقرة أو تدوينة، تحتاج منا إلى تفكير مستمر، وأيضا إلى قراءة المزيد عن مبدأ اسمه: عرض البيع الفريد الذي ذكرته لك من قبل، والقائم على أن تبتكر منتجا فريدا، يقدم فائدة ملموسة الناس بحاجة فعلية ماسة لها. فيما يلي سأضرب لك مثالا يجيب على كل الأسئلة السابقة، كيف تعرف ما إذا كان منتجا ما فريدا، وكيف تكتشف عرض البيع الفريد، وكيف تعبر عنه بأسلوب سهل وسلس، مثل المثال التالي. (نعم، يرى البعض أن هذا المبدأ لم يعد فعالا في الوقت الحالي، على أنه يجب معرفته ودراسته رغم كل شيء).
ام اند امز: البداية والمشكلة
في أثناء عمله في أوروبا في حقبة الثلاثينات من العام الماضي، شاهد الأمريكي فورست مارس Forest Mars حلوى / سكاكر صغيرة يستخدمها الجنود الأسبان، في شكلها دائري كما المعتاد اليوم، ولما عاد إلى موطنه ليعمل مع والده في شركته مارس للحلويات، أراد فورست أن يبدأ تصنيع هذا المنتج الجديد لكن المشكلة كانت أن هذه الحلوى تسيح وتذوب سريعا في الجو الحار وحتى في أيدي المستخدمين، الأمر الذي جعلها منتجا فاشلا (أو على الأقل ناجحا في الأجواء الباردة فقط).
ام اند امز: حل المشكلة جعلها متميزة وفريدة
بعد تفكير توصل فورست لفكرة بسيطة: غمر قطع الحلوى / السكاكر في حوض / حمام شيكولاته ثم تجفيفها، لتعمل الشيكولاته بمثابة الطلاء وطبقة الحماية ضد الحرارة، ما جعلها سكاكر لا تذوب (بسهولة). في ذلك الوقت ومع بداية انتاج هذه الحلوى المغلفة بالشيكولاته، كانت الحرب العالمية الثانية مشتعلة، الأمر الذي جعل الجيش الأمريكي يشتري كميات ضخمة من هذه الحلوى لتدخل في وجبات الجندي الأمريكي أثناء الحرب، بفضل حقيقة أنها حلوى تقاوم الحرارة ولا تذوب وتحافظ على جودتها لفترة طويلة، وهي صفة حيوية وضرورية في أي وجبة طعام جاهز.
ام اند امز: كيف تشرح للناس عرض البيع الفريد ؟
بعد انتهاء الحرب بفترة، أراد فورست مارس تصوير إعلاني تليفزيوني للدعاية لحلوى ام اند امز الجديدة، إعلان يشرح ميزتها التنافسية، بكلمات بسيطة، يفهمها القاصي والداني، الكبير والصغير. لأجل هذا الهدف، استعان فورست بخدمات عبقري تسويقي يفهم مجريات العلمية التسويقية الصحيحة، ومخرج إعلانات بارع في الوقت ذاته، اسمه روسر ريفز Rosser Reeves. هنا يجب أن أذكر أن مبتكر مبدأ عرض البيع الفريد USP هو روسر ريفز نفسه، والذي طبقه في إعلانات ناجحة لعدة منتجات الأمر الذي نتج عنه مبيعات بالملايين لهذه المنتجات.

شرح مبدأ عرض البيع الفريد ببساطة
بدأ ريفز بأن أخذ يفكر في طبيعة هذا المنتج الجديد، وأجرى أبحاثه التسويقية بنفسه وراقب المستهلكين ومنتجات المنافسين، وبعد فترة من الوقت توصل إلى أن الميزة الفعلية لهذه الحلوى هي أنها لا تذوب في يد من يستعد لوضعها في فمه، بل تذوب في فمه. قبل أن تتعجب من بساطة هذه الفكرة، يجب عليك تذكر طبيعة الوقت السائد عند طرح هذا المنتج؛ صيف حار، كساد وخراب بعد حرب عالمية، عدم انتشار مكيفات الهواء كما اليوم، والكثير غير ذلك.
الجملة التسويقية العبقرية: حلوى ام اند امز تذوب في فمك لا يدك
نعم، كانت هذه الحقيقة السهلة البسيطة هي عرض البيع الفريد ، والتي عبر عنها ريفز في جملة قصيرة: حلوى ام اند امز تذوب في فمك لا يدك، وعليه قرر أن يكون الإعلان التليفزيوني بسيطا بدوره، يبدأ بعرض يدين مغلقتين ثم يظهر رجل يطرح سؤالا: أي يد تخبئ بداخلها حلوى ام اند امز؟ تفتح اليد الأولى كاشفة عن حلوى ذائبة معجنة، ثم اليد الثانية لتكشف عن حلوى سليمة دون ذوبان، ليقول الرجل أن اليد الأولى (المتسخة) تحوي السكاكر التقليدية (ذات العيوب) في حين اليد الثانية (النظيفة) تحوي ام اند امز، الحلوى ذات الميزة الفريدة، الحلوى الوحيدة التي تذوب في الفم لا اليد. شاهده بنفسك هنا.
الاكتشاف ’البسيط‘ الذي توصل إليه ريفز كان يعني أن الملايين من عشاق الشيكولاته يمكنهم الآن شراء هذه الحلوى وحملها في جيوبهم دون خوف من أن تذوب فتفسد عليهم ملابسهم وعشقهم للشيكولاته. فوق ذلك، عدم الذوبان كان يعني أن ملايين الأمهات أصبح بمقدورهن إعطاء هذه الحلوى لأولدهم ضمن حقيبة طعامهم اليومي، دون قلق من ذوبانها أو فسادها أو اتساخ ملابسهم بسببها.
هذه الجملة البسيطة تفسر لك لماذا مات فورست مارس في عام 1999 وهو ملياردير ضمن قائمة أثرى الرجال في العالم، بثروة فاقت 18 مليار دولار ساعتها، أتت من شركة ذات ملكية خاصة (لم تضطر لطرح أسهمها في البورصة) تبيع منتجاتها في أكثر من 65 دولة وقت وفاته!
الآن، دعنا نذكر الفوائد من هذه القصة:
هل منتجك يعاني من مشكلة ما؟ اعمل على حلها بطريقة تحقق عرض البيع الفريد.
هل منتجك تقليدي عادي مثله مثل المنافسين؟ ابحث له عن إضافة تجعله فريدا يلبي حاجات الناس.
هل منتجك يملك عرض البيع الفريد USP؟ هل يمكنك التعبير عن هذا العرض بكلمات سهلة وبسيطة يفهمها الجميع؟
ما هو التسويق؟
التسويق ليس ضوضاء وجعجعة وصوتا مرتفعا. التسويق قرارات حكيمة تأتي بعد تفكير عميق، قرارات يعرف صاحبها أنها لن تؤتي ثمارها الملموسة إلا بعد مرور وقت طويل. التسويق مجموعة من الجهود المتناسقة، التي تعمل في اتجاه واحد، بتناغم وتناسق. التسويق لا يعرف حلولا سحرية سريعة. التسويق شجرة ستطرح بعد سنوات طوال من العناية والاهتمام. التسويق الناجح يبدأ مع المنتج الناجح.
الآن قارئي العزيز، بماذا خرجت أنت من هذه القصة؟
هذه التدوينة الجملة التسويقية التي صنعت المليارات: تذوب في الفم لا اليد منشورة في مدونة شبايك على هذا الرابط مدونة شبايك.
May 9, 2015
قصة نجاح و كفاح أندرو كارنيجي
جاء ميلاد أندرو كارنيجي Andrew Carnegie في جنوب اسكتلندا في 25 نوفمبر 1835 لأب فقير عمل نساجا يدويا في صناعة النسيج، وكان بيت العائلة مكونا من غرفة واحدة، وكان والده ويليام عصاميا بحق، لم يتلق قسطا من التعليم لكنه علم نفسه بنفسه رغم فقره، وكان يؤمن بأهمية العلم والتعلم. بدأ أندرو كارنيجي (أو أندرا كما كان أبوه يكنيه) تعليمه الرسمي وسنه 8 سنوات، وكان هذا هو القسط الوحيد من التعليم الذي حصل عليه، ذلك أن والده كان يعاني من منافسة الآلات البخارية والتي بدأت تدير مصانع النسج مقابل التخلي عن العمالة اليدوية، حتى جاء اليوم الذي لم يعد والده ويليام قادرا على العثور على أي فرصة عمل، ولأن تلك الفترة شهدت ذيوع صيت الأرض الجديدة: الولايات المتحدة الأمريكية، ولأن والدة أندرو كان لها أخوات يسكن في أمريكا، قررت العائلة بيع كل ما لديها من ممتلكات واقتراض المال اللازم للهجرة إلى الأرض الجديدة.
ركبت العائلة السفينة المبحرة إلى نيويورك، في رحلة استغرقت 50 يوما، ووصلت في صيف 1848 وحطت رحالها في مدينة بيتسبرج، بنسيلفانيا، وكان سن أندرو عندها 13 ربيعا. بعد الوصول، حاول الأب العمل في مهنته السابقة دون جدوى، حتى اضطر للعمل في مصنع للأقطان يملكه مهاجر اسكتلندي، وهناك حيث وجد الأب وظيفة لابنه؛ عامل تغيير بكرات، مسؤوليته تغيير بكرات خيوط القطن كلما امتلأت، لمدة 12 ساعة يوميا، على مر 6 أيام في الأسبوع، مقابل دولار و20 سنت في الأسبوع.
أندرو كارنيجي : الوظيفة الأولى
كانت الوظيفة الأولى في حياة أندرو كارنيجي كئيبة ومرهقة ومتعبة، كان يستيقظ مبكرا مع والده، ويتناولان ما توفر من طعام في الظلام الذي يسبق ضوء الفجر، ثم يدخلان المصنع في الظلام، ثم يستمران في العمل دون انقطاع إلا لوهلة قصيرة لطعام الغداء، ثم يخرجان من المصنع في ظلام الليل ويعودان للنوم وتكرار الأمر. الشيء الوحيد الذي هون على أندرو كارنيجي هذا التعب هو معرفته أنه كان يساعد عائلته بشيء ما عن طريق راتبه الضئيل، وأنه انسان مفيد لمجتمعه ولعائلته.
بعدها احتاج رجل أعمال صناعي صديق للعائلة إلى صبي يؤدي له بعض الخدمات في مصنعه، فعرض الأمر على أندرو فرحب به، مقابل راتب قدره دولارين في الأسبوع، إلا أن العمل هذه المرة كان أشق من سابقه، لكن أندرو تحمل وصبر وتجلد، حتى جاءته الفرصة حين احتاج رب العمل نفسه لمن يكتب له بعض الخطابات الورقية، فطلب ذلك من أندرو وأعجبته النتائج الأولية، فأوكل إليه مسؤولية كتابة ومتابعة الفواتير والحسابات الخاصة به. هذه الفترة مهمة، ذلك أنها ساعدت أندرو على تعلم بعض أساسيات المحاسبة وطرق تقييد النقدية والنفقات والمصاريف.
أندرو كارنجي : الوظيفة الثانية
بعدها بعام ونيف في 1850، عثر أندرا على وظيفة صبي توصيل رسائل البرق / التلغراف عن طريق قريب له، مقابل دولارين ونصف في الأسبوع، وهناك حيث أثبت كفاءته وحرفيته، الأمر الذي أهله للحصول على ترقية أسرع من أقرانه. كان أندرو سعيدا بطفوه إلى السطح، إلى عمله في ضوء النهار، بعيدا عن الشحم والفحم والزيوت والخيوط. بسرعة اكتسب أندرا خبرة وأثبت كفاءته في عمله، حتى أنه بدأ يحول طقطقات التلغراف إلى كلمات فور سماعها، وبدأت خبرته ومعارفه تزيد، وبدأ يلم بما يحدث حوله في العالم عن طريق البرقيات التي كان يتلقاها ويكتبها، وتعرف على التجارات والصناعات الرابحة – خاصة السكك الحديدية التي كانت تشهد نموا مستمرا، وتابع مجريات السياسة العالمية، وتعرف كذلك على الأخبار الصحفية وطرق كتابة الأخبار، إذ كانت البرقيات الوسيلة الوحيدة وقتها لنقل الأخبار من أماكن وقوعها إلى أماكن طبعها ونشرها. هذا التفاني ساعده على الترقي بسرعة.
كن ملكا في أحلامك – Be king in your dreams
أندرو كارنيجي – Andrew Carnegie
أندرو كارنيجي : الوظيفة الثالثة
مرة أخرى، كان لتفوق أندرا في عمله وتفانيه الأثر المساعد على عثوره على وظيفة أفضل، ذلك أن رجل الأعمال طوماس سكوط (Thomas A.Scott) والذي كان يعمل في شركة بنسلفانيا للسكك الحديدية، تعرف على أندرو في محل عمله فعرض عليه أن يترك مكتب التلغراف ويأتي ليعمل معه، كمسؤول برقيات وأمور أخرى، وهو ما حدث بالفعل في عام 1853. كان لهذا الرجل أفضل الأثر على حياة أندرو العملية، إذ علمه الكثير وشجعه وساعده على استثمار ماله، ونصحه في عام 1855 بأن يستثمر مبلغ 500 دولار في شركة سكك حديدية، وكان هذا الاستثمار ناجحا شجعه على اقتراض 1250 دولار من البنك للاستثمار في شراء 1/8 شركة سكك حديدية جديدة تقدم عربات النوم الفاخرة. بسرعة ساهمت عوائد الاستثمار في هذه الشركة في سداد القرض، حتى أن هذا الاستثمار وحده كان يعود على أندرو بقرابة 5 آلاف دولار سنويا.
الحرب – دمار و ازدهار
في عام 1861 اندلعت الحرب الأهلية في أمريكا، وتم نقل أندرو ومديره سكوط للعمل في العاصمة واشنطن لدى الجيش في إدارة الاتصالات عبر التلغراف ونقل المؤن الحربية عبر السكك الحديدية، وحدث أن انقطعت خطوط التلغراف بين مناطق عديدة، فتطوع أندرو للذهاب للخطوط الأمامية لكي يصلح هذا العطل. هذه الفترة ساعدت أندرو كثيرا ليكتسب مهارات تتعلق بإدارة الموارد والأفراد والنقل والشحن، وعن تقليل التكاليف واقتصاديات الحجم الكبير. الجدير بالذكر أن هذه الحرب الأهلية عادت بأرباح كبيرة على بعض الصناعات الأمريكية، أهمها السكك الحديدية، التي كان لأندرو فيها استثمارات كثيرة.
ومن استثمار لآخر (خاصة في مجال النفط وخام الحديد، الذي كان في بدايته) حتى نمت ثروة أندرو. في هذه الأثناء، سافر أندرو مع والدته إلى مسقط رأسه، وهناك حيث شاهد بعينه المستقبل الواعد لصناعة الفولاذ / الصلب، والذي كان – بدوره – يحل محل صناعة الحديد التقليدية. الرحلات المتتالية إلى انجلترا جعلته يتعرف على الطرق الجديدة لتصنيع الفولاذ بحجم كبير وتكلفة أقل. لعله يجب علي توضيح أن الحرب الأهلية ساعدت بشدة على بناء شبكة سكك حديدية مترامية الأطراف تصل لمختلف ربوع الولايات المتحدة، الأمر الذي ساهم في بناء اقتصادها ونهوض مختلف صناعاتها.
اندرو كارنيجي : المستثمر الناجح والمدير المكافح
في هذا الوقت، توفر لدى أندرو رؤية اقتصادية واستثمارية جيدة جدا، الأمر الذي شجعه على استثمار 40 ألف دولار من ماله في شركة جديدة تعمل في استكشاف آبار النفط. بعد مرور عام واحد، حقق هذا الاستثمار عوائد بأكثر من مليون دولار، في صورة توزيعات نقدية وحصص أسهم. بشكل مواز، بدأ أندرو يتغلغل باستثماراته في صناعة الصلب، والتي كانت بدورها تشهد ازدهارا بسبب الحرب الأهلية وبعدها، حتى أن أندرو قرر في عام 1865 ترك صناعة السكك الحديدية ليركز على الصناعة الجديدة: الفولاذ / الصلب. هذه المرة، بدأ أندرو يستثمر في شراء أراض تبشر باحتوائها على خام الحديد اللازم في هذه الصناعة، ومرة أخرى، حقق أندرو نجاحا كبيرا في هذا الشأن.

اندرو كارنيجي : المستثمر الناجح والمدير المكافح
في الأول من يناير من عام 1873 أسس أندرو شركة: ’كارنيجي و ماكندليس وشركاهما لقضبان الفولاذ‘ في موقع قريب من خطوط السكك الحديدية، إلا بأنه بنهاية هذا العام، حلت أزمة اقتصادية على أمريكا، جعلت البنوك تفلس والشركات تخسر، واضطر العديد من شركاء أندرو للتخارج من تشاركهم معه، حتى بدا أن مستقبل هذه الشركة الجديدة يترنح وربما انتهى سريعا. اضطر أندرو للتدخل بسرعة، فباع الكثير من استثماراته الأخرى واشترى نصيب الشركاء الذين تخارجوا من الشركة، حتى امتلك أندرو غالبية أسهم الشركة، وتمكن بذلك من إكمال بناء الشركة قبل نهاية عام 1874.
في نشاطه الجديد، نجح أندرو في تصنيع قضبان السكك الحديدية بجودة عالية وتكلفة أقل وبسهولة أكبر، وأدخل تعديلات تقنية ثورية على هذه الصناعة، وبدأ يجعل دورة إنتاج الحديد الصلب متصلة دون انقطاع، بدءا من استخراج خام الحديد حتى صهره وصنعه في مكان واحد، بفضل ما سبق وتعلمه في شبابه وفي سفرياته، الأمر الذي عاد عليه بالربح الوفير، وساعده على شراء الشركات المنافسة له، ليتوسع ويبني إمبراطورية واسعة ويجمع ثروة ضخمة للغاية.
في عام 1886 تلقى أندرو ضربتين قاسيتين، إذ توفت أمه ثم أخوه خلال أيام، ولما كان مصابا ساعتها بالتيفود، وكان يُخشى على حياته إذا علم بهذه المصيبة، أخفى عنه الخبر من حوله. بسبب حب أندرو الشديد لوالدته قرر ألا يتزوج، حتى إذا بلغ 51 سنة وبعد وفاة والدته قرر أن يتزوج ورزقه الله بعدها بابنة وحيدة. الطريف في القصة أن الزوجة الجديدة أعجبت بالخلفية الاسكتلندية لزوجها، حتى أنها طلبت من زوجها شراء بيت للعائلة في اسكتلندا بعد ولادة الابنة الوحيدة، وهو ما نفذه أندرو وزيادة، ذلك أنه أنفق بسخاء على إصلاح وتجديد البيوت وتعمير المنطقة وتطوير شبكة الطرقات المحيطة بالقصر الذي بناه، وهو الأمر الذي استفاد منه سكان المنطقة. الشيء الذي يجب ذكره أيضا أنه بسبب ضعف صحته مع كبر سنه، لم يتمكن أندرو من تحمل حرارة الصيف في أمريكا، ولذا كان يقضي قرابة نصف السنة في أوروبا. هذا الاعتلال في صحته أوجب على أندرو حسن انتقاء المدراء الذين كانوا يتولون إدارة شركاته واستثماراته في غيابه.
في عام 1889 كان أندرو كارنيجي مالكا لأكبر شركة حديد صلب في العالم كله.
أندرو كارنيجي : المتبرع السخي
بعدما بلغ من العمر 65 عاما في عام 1901، قرر أندرو أن الوقت حان له كي يتقاعد، ولذا قرر بيع تجارته كلها، بمقابل قدره 480 مليون دولار (وكان نصيبه الخالص منها قرابة 250 مليون دولار + 5% حصة في شركة الفولاذ الجديدة التي اشترت حصته، ما جعله ربما أغنى رجل في العالم ساعتها)، وقرر أن يقضي ما تبقى من حياته في مساعدة الآخرين. قبلها كان أندرو يبني المكتبات العامة في أمريكا وانجلترا والبلاد التي تتحدث الانجليزية، ويتبرع بالمنح السخية في أوجه الخير، خاصة المتعلقة بالتعليم والتطوير، وكان ينفق على تمويل قرابة 3 آلاف مكتبة عامة في بلاد مختلفة، وبنى جامعة حملت اسمه في أمريكا وأخرى في موطنه الأصلي، ومراكز صحية وعلمية وموسيقية وفنية، وكتب عدة مقالات وكتب، ذات علاقة بالثروة المالية وكيفية اكتسابها، حتى مات في صيف عام 1919 بعد التهاب رئوي أصابه، نال منه بعدما أصابته الحرب العالمية الأولى باكتئاب لفشله في إقناع العالم بأهمية السلام.
بنهاية حياته، وجد البعض أن أندرو أنفق قرابة 350 مليون دولار على مر حياته في أوجه الخير والتبرعات، والأبحاث والتطوير وتحسين حياة البشر.

كتاب التفكير للثراء في يد مؤلفه نابليون هيل
هل تذكر كتاب التفكير للثراء أو Think and Grow Rich لمؤلفه نابليون هيل والذي صدرت أول نسخة منه في 1937؟ حسنا، صاحب الفضل في فكرة هذا الكتاب هو أندرو كارنيجي والذي اقترح فكرته في عام 1908 على صحفي ناشئ واعد اسمه نابليون، وجلس معه جلسات طويلة وعرفه على ناجحين آخرين وساعده على مقابلتهم ليساعده على وضع الأسس الصحيحة لاكتساب الثروة ليضعها في كتابين، قوانين النجاح المنشور في 1928 والتفكير للثراء. الكتابان نُشرا بعد وفاة كارنيجي.
الشاهد من القصة
لا تتسرع فتحكم على الرجل بأنه نجح بسبب الصدفة أو لأن الأقدار ساعدته. أندرو كارنيجي مكافح ذكي لماح، مثابر صابر عنيد، يتعلم مما حوله ويؤمن (مثل والده وربما منه) بأهمية العلم والتعلم والتعليم، ويؤمن بأن التقنية قادرة على خفض التكاليف وصنع منتج أفضل. أندرو متفائل رغم ما نزل به، وكثيرا ما قال مقولات بليغة في أهمية التفاؤل والانشراح.
أندرو كارنيجي من المؤمنين بأهمية وضع كل البيض في سلة واحدة، ثم مراقبة هذه السلة عن قرب. يؤمن بأهمية التركيز على تجارة / صناعة واحدة. أندرو يؤمن بأهمية الصبر حتى نيل المراد، وعدم التسرع، ووضع هدف وحيد ثم تحقيقه ثم الانتقال لهدف آخر، وعدم الاكثار من الأهداف المراد تحقيقها في ذات الوقت.
في الختام، الدرس الذي يجب ألا نغفل عنه هو إنفاق المال في أوجه الخير، ليس فقط في إطعام بطن الفقير بل في تعليمه وإطعام عقله وطموحه. البطن تجوع، وكذلك العقل والذهن. لا تطعم الفقير بل علمه كيف يسد جوعه من عمل يده. أتطلع لليوم الذي أجد فيه أغنياء العرب يبنون الجامعات التي تحمل أسماءهم، ويجلبون ويتكفلون بالنوابغ في هذه الجامعات، من مختلف الجنسيات والألوان والديانات، لتكن بلاد العرب مرادفا للتقدم العلمي والتطوير. ماذا عنك أنت عزيزي القارئ، حتما وجدت في القصة دروسا مفيدة فلما لا تشاركنا بها ودع عنك الكسل وحب الصمت.
هذه القصة وردت مع إضافات ضمن محتويات باقة النجاح الإلكترونية التي يمكن شراؤها من هذا الرابط.
أهم مصدر اعتمدت عليه في تفاصيل هذه القصة هو السيرة الذاتية التي كتبها أندرو كارنيجي لنفسه والمتوفرة على المشاع هنا.
هذه التدوينة قصة نجاح و كفاح أندرو كارنيجي منشورة في مدونة شبايك على هذا الرابط مدونة شبايك.