عبد الوهاب المسيري > Quotes > Quote > RAFA liked it
“لعله يكون من المناسب أن أنهي هذه الرحلة الفكرية بقصة فنان مدينة كورو، وأُهديها لجمال حمدان. كما أُهديها لكل فنان أو مفكر يتفانى في عمله ويُستوعب فيه حتى ينسى تماماً الزمان والمكان والطبيعة/المادة، ليُبدع عملاً فنياً جميلاً. خامته مستقاة من الطبيعة، ولكنه في تناسقه وتركيبته وجماله يقف شاهداً على قوة النفس البشرية ومقدرتها على التجاوز، والقصة من كتاب ديفيد ثورو بعنوان (وولدن): "كان هناك فنان يعيش في مدينة كوورو، دائب المحاولة للوصول إلى الكمال، ومرةً ترآءى له أن يصنع عصا. وقد توصل هذا الفنان إلى أن الزمان عنصر مكون للعمل الفني الذي لم يصل بعد للكمال. أما العمل الكامل فلا يدخله الزمان أبدا. فقال لنفسه: سيكون عملي كاملاً من جميع النواحي، حتى لو استلزم الأمر ألا أفعل شيئا آخر في حياتي.
فذهب في التو إلى الغابة باحثاً عن قطعة من الخشب، لأن عمله لا يمكن أن يُصنع من مادةٍ غير ملائمة. وبينما كان يبحث عن قطعة الخشب، ويستبعدالعصا تلو الأخرى، بدأ أصدقاؤه تدريجياً في التخلي عنه، إذ نال منهم الهرم وقضوا، أما هو فلم يتقدم به العمر لحظةً واحدة، فوفاؤه لغايته وإصراره وتقواه السامية، أضفت عليه دون علمه، شباباً أزلياً. ولأنه لم يهادن الزمان، ابتعد الزمان عن طريقه، ولم يسعه إلا أن يُطلق الزفرات عن بُعد، لأنه لم يمكنه التغلب عليه.
وقبل أن يجد الفنان العصا المناسبة من جميع النواحي، أضحت مدينة كوورو أطلالاً عتيقة، فجلس هو على أحد أكوامها لينزع لحاء العصا. وقبل أن يعطيها الشكل المناسب، كانت أسرة كاندهار الحاكمة قد بلغت نهايتها، فكتب اسم آخر أعضائها على الرمل بطرف العصا، ثم استأنف عمله بعد ذلك. ومع انتهاءه من تنعيم العصا وصقلها، وقبل أن يضع الحلقة المعدنية في طرف العصا لوقايتها، وقبل أن يُزين رأسها بالأحجار الثمينة كانت آلآف السنين قد مرت.
وحينما وضع الفنان اللمسة الأخيرة على العصا، اعترته الدهشة حين تمددت بغتةً أمام ناظريه، لتصبح أجمل المخلوقات طراً. لقد صنع نسقاً جديداً بصنعه هذه العصا، عالماً نسبه كاملة وجميلة، وقد زالت في أثناء صنعه مدن وأسرٌ قديمة، ولكن حل محلها مدنٌ وأسرٌ أكثر جلالاً. وقد رأى الفنان الآن وقد تكومت عند قدميه أكوام النجارة التي سقطت لتوها، رأى أن مرور الوقت في السابق بالنسبة له ولعمله كان مجرد وهم، وأنه لم يمر من الوقت إلا القليل. كانت مادةُ عمله نقيةً صافية، وكان فنه نقياً صافياً، فكيف كان يمكن للنتيجة ألا تكون رائعة؟”
―
فذهب في التو إلى الغابة باحثاً عن قطعة من الخشب، لأن عمله لا يمكن أن يُصنع من مادةٍ غير ملائمة. وبينما كان يبحث عن قطعة الخشب، ويستبعدالعصا تلو الأخرى، بدأ أصدقاؤه تدريجياً في التخلي عنه، إذ نال منهم الهرم وقضوا، أما هو فلم يتقدم به العمر لحظةً واحدة، فوفاؤه لغايته وإصراره وتقواه السامية، أضفت عليه دون علمه، شباباً أزلياً. ولأنه لم يهادن الزمان، ابتعد الزمان عن طريقه، ولم يسعه إلا أن يُطلق الزفرات عن بُعد، لأنه لم يمكنه التغلب عليه.
وقبل أن يجد الفنان العصا المناسبة من جميع النواحي، أضحت مدينة كوورو أطلالاً عتيقة، فجلس هو على أحد أكوامها لينزع لحاء العصا. وقبل أن يعطيها الشكل المناسب، كانت أسرة كاندهار الحاكمة قد بلغت نهايتها، فكتب اسم آخر أعضائها على الرمل بطرف العصا، ثم استأنف عمله بعد ذلك. ومع انتهاءه من تنعيم العصا وصقلها، وقبل أن يضع الحلقة المعدنية في طرف العصا لوقايتها، وقبل أن يُزين رأسها بالأحجار الثمينة كانت آلآف السنين قد مرت.
وحينما وضع الفنان اللمسة الأخيرة على العصا، اعترته الدهشة حين تمددت بغتةً أمام ناظريه، لتصبح أجمل المخلوقات طراً. لقد صنع نسقاً جديداً بصنعه هذه العصا، عالماً نسبه كاملة وجميلة، وقد زالت في أثناء صنعه مدن وأسرٌ قديمة، ولكن حل محلها مدنٌ وأسرٌ أكثر جلالاً. وقد رأى الفنان الآن وقد تكومت عند قدميه أكوام النجارة التي سقطت لتوها، رأى أن مرور الوقت في السابق بالنسبة له ولعمله كان مجرد وهم، وأنه لم يمر من الوقت إلا القليل. كانت مادةُ عمله نقيةً صافية، وكان فنه نقياً صافياً، فكيف كان يمكن للنتيجة ألا تكون رائعة؟”
―
No comments have been added yet.
