ألوان شيطانية ومقدسة ألوان شيطانية ومقدسة discussion


12 views
ألوان شيطانية - يتناول جدلية الألوان ورمزيتها لدى المذاهب الفكرية والدينية

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

Abu Hasan محمد عبيد تاريخ النشر: الخميس 02 سبتمبر 2010

أحمد السعداوي

يعد كتاب “ألوان شيطانية ومقدسة” لمؤلفه هيرمان بلاي بمثابة بانوراما فكرية وفلسفية ومعرفية عن الألوان ودلالتها عبر التاريخ، حيث يتناول المؤلف جدلية الألوان ورمزيتها لدى المذاهب الفكرية والكهنوتية والحركات الفلسفية والدينية والفنية منذ العصور الوسطى وحتى أواخر القرن العشرين.

يبدأ مؤلف كتاب "ألوان شيطانية ومقدسة" هيرمان بلاي من العصور الوسطى حيث كان الناس يعتقدون أن أي محاولة لتلوين الكلمات هي عمل شيطاني محض، انطلاقاً من أن الألوان هي خدعة الشيطان المفضلة لديه ولدى زبانيته الذين يعملون على قدم وساق من أجل تضليل البشرية التي تسعى للوصول إلى طريق الخلاص المحفوف بالصعاب والشدائد.

عين الريبة




كان أنصار هذه النظرية ينظرون إلى الألوان بعين الريبة، بل يعتقدون في ارتباط الألوان بالخطيئة الأولى وسقوط الإنسان من الجنة واستقراره في عالم الزوال والماديات، ولذلك فالألوان بالنسبة لهم ما هي إلا لعبة من ألاعيب الشيطان.
ثم يشير المؤلف إلى أن مذاهب عبادة الألوان انتشرت في العصور الوسطى، وكان المؤمنون بهذه المذاهب يعتقدون أن الألوان هي نتاج للضوء الإلهي المقدس الذي منح الحياة كينونتها المادية، حيث إن نشأة الخليقة اقتضت من الرب أن يفيض بنوره على الأرض، ويتضح أن الألوان كانت تعبيراً عن قوى الرب الخلاقة حتى لو كانت زائفة وغير ملموسة.

ويلفت بلاي إلى أن قدرة الألوان على الخداع البصري كانت دوماً برهاناً على أن الألوان ليست سوى ظواهر خارجية للأشياء، لا تمثل جوهرها ولا تعبر عن حقيقتها، ولم تستطع الوسائل العلمية التقليدية أن تحول الألوان إلى أدوات ملموسة لقياس المسافة أو الاتساع أو التذوق أو الرائحة، ولذا يمكننا إدراك الألوان باعتبارها ظاهرة ضوئية متغيرة، ويمكن لهذا الإدراك أن يتبدل مع مرور الزمن، فالمرء يتعامل مع الألوان بشكل مختلف مع اختلاف الظروف والأحوال. وفي الوقت الراهن يميل الناس إلى الإيمان بأن الألوان لا تستقر على حال واحدة، وبسبب تقلباتها وتغيراتها يعتقدون بأنها مجرد أشياء سطحية، وإن كان هذا التصور راجعاً إلى رغبة البشر في الاستخفاف بالأشياء التي لا يستطيعون إدراكها، مثلما فشل العلم المعاصر في التوصل إلى حقيقة كثير من الأشياء.

فان جوخ

يضرب بلاي المثال التالي "إذا نظرنا إلى اللون الأحمر ومن خلفه سطح أسود فسوف يبدو لنا مختلفاً عما إذا نظرنا إليه وخلفه سطح أبيض، ولكن كيف يتسنى لنا أن نعرف بأننا نتحدث عن لون أحمر واحد؟ ففي رسالة إلى أخيه "ثيو" في مطلع عام 1885 أشار خبير الألوان فنسنت فان جوخ إلى أن إدراك الألوان يعتمد على المشاهد وما يشاهده من أشياء"، وذكر في الرسالة ما يلي "أنا متأكد أنك لو طلبت من كل من "ميليه" و"بوبجني" و"كوروت" أن يرسموا مشهد سقوط الثلج دون استخدام اللون الأبيض، فسيتمكنون من ذلك وسيبدو الثلج في لوحاتهم وكأنه أبيض اللون".

ويذهب الكاتب إلى ما صرح به برنارد كليرفو، مؤسس المذهب البندكتي في القرن الثاني عشر، وكان معارضاً لزينة الحياة الدنيا ويدعو إلى أن يكون التزين البشري غير متكلف، بأن "الألوان تسبب لنا العمى" وتحولت هذه الكلمات إلى شعار في القرون اللاحقة. ويخلص المؤلف إلى أن إدراك الألوان ليس أمراً ثابتاً لا يتغير على مر العصور، فالألوان لها تاريخ، وهي عرضة لتفسيرات وتأويلات متعددة، فالنظرة إلى لون معين قد تتغير بسبب تغير أماكن الإقامة والعصر والمركز الاجتماعي.

ألوان صارخة

بحسب دراسات فإن أكثر من 50% من شعوب العالم الغربي يعشقون اللون الأزرق ويأتي اللون الأخضر في المركز الثاني حيث يفضله نحو 20% من عدد السكان يليه الأبيض والأحمر بنسبة 10% من سكان الغرب، ولكن الناس لا يقبلون كثيراً على اللون الأصفر أو البني أو الرمادي، أما في إسبانيا فإن اللون الأحمر يأتي في المقدمة وله شعبية جارفة في هذه البلاد، كما اكتشفوا أن الأطفال يختلفون في نظرتهم إلى الألوان من مكان إلى آخر ما يؤكد أن الألوان ظاهرة ثقافية وليست مسألة غريزية أو فطرية، لأن العوامل الثقافية هي التي تحدد اختيار وتفضيل الألوان.

ويبين بلاي أن الألوان لعبت دوراً محورياً في العصور الوسطى مقارنة بدورها في الوقت الراهن، ويتضح ذلك من الهوس بالألوان والرسومات الذي اجتاح أوروبا في العصور الوسطى، حينذاك كان يجب تلوين كل شيء أو أي شيء. الطعام والمنسوجات، الفُرش، الأخشاب، الشمع، النقوش، التماثيل، الشعر البشري، اللحى. ولم يؤد هذا الهوس بالألوان إلى استخدام ألوان هادئة تناسب المواد التي يتم تلوينها، ولكن سادت نزعة قوية نحو استخدام الألوان الصارخة بقدر المستطاع أو استخدام عدد من الألوان المتباينة والصارخة في آن واحد.

قدرات إلهية

الولع بالمظاهر أثناء العصور الوسطى كان يستند إلى اعتبارات أخلاقية وجمالية وطبية وعلمية، وحسب المعتقدات السائدة آنذاك فإن كل هذه الاعتبارات تندرج تحت عباءة علم اللاهوت الذي يضم عدداً من التخصصات المختلفة والمتنوعة، وفي إطار المعتقدات السائدة فإن كل شيء يحدث على الأرض يعد جزءاً من الوحي الإلهي ويتم تفسيره في ضوء سفر الروحيات حيث تعامل الناس مع كل شيء على هذا الأساس اللاهوتي. واعتماداً على ما سبق يؤكد بلاي أن الناس كانوا يعتبرون الألوان جزءاً لا يتجزأ من خلق الرب المبدع الذي أودعه في الطبيعة، وبسبب قداسة الألوان وقدرتها الإلهية على التعبير ارتبطت بعض الألوان بطبقات اجتماعية معينة وبفئات عمرية محددة وكان الناس يرتدون الملابس الملونة من أجل التعبير عن أوضاعهم الاجتماعية ومكانتهم سواء كانوا في الشوارع أم في الكنائس.

وأدى الإفراط في ارتداء الملابس الملونة إلى خلخلة النظام الاجتماعي لأنها أثارت الغيرة بين الأوساط الفقيرة والمغلوبة على أمرها والتي تُعرف من مظهرها ومن ملابسها الباهتة، وغير الملونة، فضلاً عن ذلك تعالت أصوات رجال الكهنوت من المعادين للألوان الذين يعتبرونها أداة من أدوات الشيطان يسعى من خلالها إلى تشويه خلق الرب. وبسبب هذه الحملات المعادية للألوان تنامت شعبية اللون الأزرق باعتباره لوناً سماوياً وربانياً مقدساً تسعى البشرية إلى التفاخر به لأنه مرتبط بالأمجاد السماوية، وبعد ذلك تبعه اللون الأسود ذو الشعبية المتنامية كونه يعبر عن نكران الذات.

محاربة الشيطان

مع نهاية العصور الوسطى دأب الأمراء على ارتداء الملابس ذات اللونين الأزرق والأسود، ولذلك أصبح اللونان يرمزان للطبقة الارستقراطية التي تسكن المدن والحضر. يقول بلاي "تدريجياً أصبحت الألوان البراقة ترمز للملذات الدنيوية التي يجب على كل من يخشى الرب أن يتجنبها ويبتعد عنها. وظلت ملابس السهرة سوداء، كون الألوان الأخرى مقتصرة على الأغنياء ومن يتولون تسلية الناس والترفيه عنهم، وظلت الألوان هكذا على اختلافها سائدة منذ العصور الوسطى وحتى الوقت الراهن، وأصبح اللون الأسود والأبيض والأزرق الغامق من الألوان التي تستخدم في محاربة الشيطان بعدما تجردت هذه الألوان من خصائصها".

أما عن العصر الحالي، فيبين الكاتب أن الألوان البراقة أصبحت جزءاً من الثقافة الجماهيرية ومن ثقافة قضاء العطلات في الأماكن المشمسة وأماكن التسوق ومن إعلانات التلفاز، كما أن الوسائل الإلكترونية الحديثة ساعدت على إنتاج جميع ألوان الطبيعة بشكل أكثر صدقاً وقرباً من الطبيعة، ومع ذلك فهذه العملية معقدة ومكلفة ولا تؤدي إلى النتائج المطلوبة، ورغم أن عملية إنتاج الألوان قد دخلت في جميع المجالات وحدثت طفرة كبيرة في عالم الألوان، إلا أن ذلك خلع هيبة ووقاراً على اللونين الأبيض والأسود اللذين أصبح لهما مكانة مرموقة في عالم الموضة والأزياء.

الصبّاغ السيئ

يتناول الكاتب عالم الألوان من منظور الأدب في القرون الوسطى، موضحاً أنه تم تصوير الصباغين بأنهم الأسوأ مقارنة بأصحاب الحرف الأخرى، ومن ذلك أن بروجي (صاحب كتاب الملح والطرائف المدرس) المتداول آنذاك في القرن الرابع عشر بكل من فرنسا وهولندا يُحدد مراتب الطبقات العاملة مصوراً سلوكيات الصباغين السيئة "لقد انتقل إلياس الصباغ حديثاً من محل إقامته القديم، ولذا فإنه استغرق وقتاً أطول من اللازم في صباغة ملابسي وسأكون ملزماً بأن أدفع له أكثر في المقابل". إذن فإلياس يهدر الوقت سدى لأنه يتقاضى أجره عن كل ساعة عمل، والدليل الدامغ على صدقه اشتباه معاصريه في سلوكه هو انتقاله لتوه إلى منزل جديد، فالمواطن الجدير بالثقة لا يغير محل إقامته أبداً، وان غادره وهجره فتلك علامة تيقنه من الحاجة إلى الفرار منه قدر الإمكان إيثاراً للسلامة.

ثم يعرّج إلى الألوان في الحياة اليومية في تلك الفترة خاصة في بلاط الملوك والأمراء، لافتاً إلى أن كل بلاط ملكي كان عامراً بسائر الألوان، فهناك الفرسان بشاراتهم التي تحمل نذر الوعيد، والدبلوماسيون بشعارات النبالة الخاصة بهم، وحاملو الرسائل والرسل في بزاتهم المميزة، ومتعهدو المؤن بثياب ذات ألوان تميز نقاباتهم، كل هؤلاء كانوا يضعون عليهم ملابس زائقة الألوان صممت وصنعت للتعريف بهوياتهم والإعلان الصريح عن حضورهم، وكان بوسع المرء أن يمتع عينيه برؤية هذا الزخم اللوني في الأعياد العامة والدينية والمبارزات وغيرها من المناسبات.

وكان ثمة مذيع أو معلن يبذل قصاري جهده للتعريف بالشارات وتفسير العلامات وبالتبعية تنظيم وترتيب المشاركين، وكانت ثورة الألوان تلك في القصور الملكية من سعة الانتشار ومن انطوائها على دلالات ومعان بعينها، بحيث لم تقتصر على كونها سمة فارقة لأجواء حياة القصور والفرسان والمبارزات والمعارك فحسب، بل تخطت ذلك لتصبح عاملاً مهماً في إدراك طبيعة الألوان.

اختراع الألوان

يؤكد بلاي على حقيقة أخرى، وهي أن العصور الوسطى أسهمت بشكل جذري في اختراع الألوان الحديثة، لأن الألوان كانت قبل ذلك مملة وكئيبة، فالألوان التي كانت منتشرة يومئذ هي الأزرق المائي والبني المائل للحمرة والأصفر الباهت والرمادي وكلها ألوان رتيبة خاصة وأنها انتشرت عبر فترات زمنية طويلة فتحولت إلى ألوان تصيب الناس بالملل والرتابة.

وكانت الألوان اللامعة والبراقة موجودة على الساحة ولكنها كانت نادرة لأنها تفقد بريقها ولمعانها مع مرور الوقت، وحينما كان يسعى الرسامون لمزج ألوان معدنية لإنجاز لوحاتهم، كان هذا الخليط يسبب مشكلات حال حفافة كون الألوان تتصدع وتنكسر في بعض أجزاء اللوحة.

وعلى حين غرة وفي القرن الخامس عشر استطاع الرسامون الفلمنكيون أن يستخدموا الألوان الزيتية ذات الملمس الناعم والألوان البراقة التي تتدرج من الفاتح إلى الغامق والعكس، ويرجع فضل اختراع الألوان الزيتية إلى جان فان آيك، صحيح أن الألوان الزيتية كانت موجودة بالفعل، ولكن آيك استطاع أن يطوّر طريقة جديدة لاستخدامها حيث كان يقوم بطحن المكونات بطريقة علمية استطاع من خلالها أن يجعل الألوان تجف دون تعرضها لأشعة الشمس، وقد أثبتت الألوان الزيتية قدرتها على التحمل وقابليتها للجفاف بسرعة ومقاومتها للتصدق، وكان باستطاعة الرسامين إنتاج لوحات ذات درجات لونية متعددة وألواناً أكثر جمالاً وأكثر تناسقاً وتبايناً باستخدام الألوان الزيتية، ولم يمر وقت طويل حتى استطاع الرسامون في القرن الخامس عشر اكتشاف سر الألوان الزيتية بعدما توصل إليه الفنانون الفلمنكيون الأوائل، ولذلك انتشرت الألوان الزيتية في إيطاليا في بادئ الأمر ثم سادت في جميع أنحاء أوروبا.

سر الشعر الأصفر

عن علاقة الألوان بتزيين النساء وجمالهن، يذكر الكتاب أن النساء في القرون الوسطى كن يصبغن شعرهن باللون الذهبي الأصفر استجابة للموضة وتماشياً مع ما كان يعشقه الناس حسب وصف شعراء هذا الزمان، وكان عشق الشعر الأصفر سائداً في شمال أوروبا وجنوبها سواء كان الناس في هذه المناطق من ذوي الشعر الأصفر أو دون ذلك، أما في الأماكن التي يعيش فيها السكان ذوو الشعر الأصفر فكان جمال الشعر مرتبطاً بمدى اصفراره، فكلما ازداد الشعر اصفراراً كان أكثر جمالاً.

وفي الأعراف السائدة آنذاك كان جمال الشعر يتحدد بمدى اقتراب لونه من لون أشعة الشمس الذهبية، وكان المناصرون للون الأصفر الذي كان مكروهاً آنذاك من بعض الطوائف لأسباب عقائدية يعتقدون أن اللون الأصفر الذهبي هو لون سماوي قادم من السماء أو من عند الرب كما كانوا يظنون أن أصحاب الشعر الذهبي من ذوي الحظوة وأصحاب المكانة المميزة لأن أشعة الشمس القادمة من عند الرب صبغت شعرهم بلونها الذهبي وتغلغلت إلى جذوره في فروة الرأس.

وباستثناء لون الشعر، لا توجد أي معايير أو مقاييس ثابتة تُعد نماذج يُقتدى بها للجمال الأنثوي، فالعيون الزرقاء لم تكن دلالة من دلالات الجمال في العصور الوسطى، في حين أنها في عصرنا الراهن مرتبطة بالشعر الأصفر الذهبي، بل كان الناس في العصور الوسطى يكرهون العيون ذات اللون الأزرق لأنها تشبه عيون البرابرة القادمين من الشمال الأوروبي والذين غزوا أوروبا ونكلوا بأهلها.

ستائر دنوية

اعتبر برنارد كليرفو الألوان إحدى مظاهر الوجود المادي الزائل، فالألوان حسب رؤيته، ليست سوى ستائر وحجب دنيوية ألقاها الشيطان على مخلوقات الرب من أجل إخفاء حقيقة الخلق عن البشر، ولذلك فالنساء يرغبن في طلاء وجوههن بالألوان البراقة من أجل السعي الزائف نحو الجمال، أليست النساء هن أدوات الشيطان الرئيسية في الدمار والخراب وهلاك الجنس البشري؟

كانت الألوان الصارخة في ملابس الفرسان تعبر عن الجرأة وروح الإقدام والشجاعة، كما أن هذه الألوان قد حولت المناسبات التي يلتقي فيها الفرسان إلى كرنفالات مبهجة حيث كان الفرسان يلوحون بأعلامهم الملونة معبرين عن تحديهم لكل الظروف وتصميمهم على كسر الملل الذي يحيط بهم في كل مكان في الوجود.



اقرأ المزيد :
المقال كامل - «ألوان شيطانية» يتناول جدلية الألوان ورمزيتها لدى المذاهب الفكرية والدينية - جريدة الاتحاد
http://www.alittihad.ae/details.php?i...


back to top