توجه الناس إلى مسجد المدينة ووقف عبد الله بن الزبير في وسطهم يلبس الثوب "المعافري" الخشن ويربط حزاما فوق صدره وهو يصيح:_ "لا أريد شيئا من متاع الدنيا، إنما بطني شبر، وما عسى أن يسع الشبر، وكل ما أريده هو العدل وعودة الحقوق لأصحابها."
كان أهل المدينة يعرفونه كما يعرفون أباه، كان صارما مثله لا يريد شيئا لنفسه، قواما لليل، مسارعا للجهاد، وكانت أنباء حياة الترف التي يعيشها بنو أمية في الشمال تثير حفيظة القلوب التي لم تستطع الخروج من حالة الشظف، وازداد حنقهم بعد أن أصبحت الخلافة ملكا عضوضا لبني أمية، وتولى يزيد بن معاوية الحكم خلفا لأبيه، وكان هذا الاجتماع الحاشد في مسجد المدينة فاصلا، فهو الذي سيحدد موقف أهلها من البيعة الجديدة التي يطلبها يزيد.
وكانت البداية نهض واحد من بني مخزوم وهو يصيح:_
"لقد وصلني يزيد وأحسن جائزتي، ولكنه عدو الله سكير خمر، وإني أخلعه كما خلعت عمامتي" وخلع العمامة، فنهض آخر يصيح أنه يخلع يزيد كما يخلع نعليه، وخلعه آخر كما خلع ثوبه، وآخر كما خلع خفيه حتى كثرت العمائم والنعال والخفاف وأصبح هناك خليفة جديد هو عبد الله بن الزبير، وبدأت الأرض التي اجتاحتها جيوش التوحيد في التصدع تحت وطأة الخليفتين، وبدأت أيام القسمة والشقلق التي لم تنته حتى اليوم.
بدأت جيوش ابن الزبير تقتطع كل يوم جزءا من جسد الدولة الأموية، أخذت الحجاز ثم أطراف العراق ولم يبق إلا أن تثب وثبتها النهائية إلى قلب الشام.
وبعث يزيد بعشرة من أهل الشام كانوا يسمونهم "النفر الركب" مهمتهم هي البحث عن حل مع ابن الزبير، وصلوا إلى مكة ودخل كبيرهم عبد الله بن عضاة إلى ابن الزبير الذي كان معتصما في حجر الكعبة وقال له بطريقة مباشرة:_ "يا ابن الزبير إني أعرف أنك خرجت للحق ولكن هذا ليس زمان الحق، ويزيد قاس ويروم هذا الملك، ولن يتورع عن فعل أي شيء ليحافظ على عرشه.
قال ابن الزبير مدهوشا:_ "مادمتم تعرفون ذلك، لماذا تناصرونه؟"
قال الرجل: "نحن أهل الشام لن نرضى بانتقال العرش من بيننا إلى أي مكان حتى ولو كان الكعبة."_
قال ابن الزبير:_ "يا ابن عضاة ما لي وما للملك الذي تطمحون إليه. إنما أنا بمنزلة حمامة من حمائم مكة، أفكنت قاتلا هذه الحمائم؟"
قال ابن عضاة:_ "بعدما حدث في كربلاء تحدثني عن حرمة حمائم مكة، عن حرمة أي شيء، يا غلام آتني بقوسي وسهامي."
وأسرع الغلام، أحضر له القوس وكنانة الأسهم، فأخذ واحدة ووضعها في كبد القوس ثم صوبه نحو واحدة من حمائم المسجد وهو يهتف:_ "يا حمامة، أيشرب يزيد بن معاوية الخمر؟ قولي نعم فوالله لئن فعلت لأرمينك، يا حمامة أيأكل يزيد أموال المسلمين؟ قولي نعم، فوالله لئن فعلت لأرمينك، يا حمامة أتخالعين يزيدا وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك، والله لئن فعلت لأرمينك."_
قال ابن الزبير:_ "ويحك أويتكلم الطائر؟"
قال ابن عضاة:_ "لا، ولكنك يا ابن الزبير تتكلم."
وانطلق السهم عاليا، اخترق جسد الحمامة الأبيض الضئيل وسقطت على أرض الحرم في صوت مكتوم وفرت بقية الحمائم مبتعدة في فزع، قال ابن عضاة:_ "كانت هذه حمامة واحدة، وعندما يأتي الحجاج لن يبقى في الحرم حمامة واحدة دون أن يرميها، حتى أنت"
"لا أريد شيئا من متاع الدنيا، إنما بطني شبر، وما عسى أن يسع الشبر، وكل ما أريده هو العدل وعودة الحقوق لأصحابها."
كان أهل المدينة يعرفونه كما يعرفون أباه، كان صارما مثله لا يريد شيئا لنفسه، قواما لليل، مسارعا للجهاد، وكانت أنباء حياة الترف التي يعيشها بنو أمية في الشمال تثير حفيظة القلوب التي لم تستطع الخروج من حالة الشظف، وازداد حنقهم بعد أن أصبحت الخلافة ملكا عضوضا لبني أمية، وتولى يزيد بن معاوية الحكم خلفا لأبيه، وكان هذا الاجتماع الحاشد في مسجد المدينة فاصلا، فهو الذي سيحدد موقف أهلها من البيعة الجديدة التي يطلبها يزيد.
وكانت البداية نهض واحد من بني مخزوم وهو يصيح:_
"لقد وصلني يزيد وأحسن جائزتي، ولكنه عدو الله سكير خمر، وإني أخلعه كما خلعت عمامتي"
وخلع العمامة، فنهض آخر يصيح أنه يخلع يزيد كما يخلع نعليه، وخلعه آخر كما خلع ثوبه، وآخر كما خلع خفيه حتى كثرت العمائم والنعال والخفاف وأصبح هناك خليفة جديد هو عبد الله بن الزبير، وبدأت الأرض التي اجتاحتها جيوش التوحيد في التصدع تحت وطأة الخليفتين، وبدأت أيام القسمة والشقلق التي لم تنته حتى اليوم.
بدأت جيوش ابن الزبير تقتطع كل يوم جزءا من جسد الدولة الأموية، أخذت الحجاز ثم أطراف العراق ولم يبق إلا أن تثب وثبتها النهائية إلى قلب الشام.
وبعث يزيد بعشرة من أهل الشام كانوا يسمونهم "النفر الركب" مهمتهم هي البحث عن حل مع ابن الزبير، وصلوا إلى مكة ودخل كبيرهم عبد الله بن عضاة إلى ابن الزبير الذي كان معتصما في حجر الكعبة وقال له بطريقة مباشرة:_
"يا ابن الزبير إني أعرف أنك خرجت للحق ولكن هذا ليس زمان الحق، ويزيد قاس ويروم هذا الملك، ولن يتورع عن فعل أي شيء ليحافظ على عرشه.
قال ابن الزبير مدهوشا:_
"مادمتم تعرفون ذلك، لماذا تناصرونه؟"
قال الرجل: "نحن أهل الشام لن نرضى بانتقال العرش من بيننا إلى أي مكان حتى ولو كان الكعبة."_
قال ابن الزبير:_
"يا ابن عضاة ما لي وما للملك الذي تطمحون إليه. إنما أنا بمنزلة حمامة من حمائم مكة، أفكنت قاتلا هذه الحمائم؟"
قال ابن عضاة:_
"بعدما حدث في كربلاء تحدثني عن حرمة حمائم مكة، عن حرمة أي شيء، يا غلام آتني بقوسي وسهامي."
وأسرع الغلام، أحضر له القوس وكنانة الأسهم، فأخذ واحدة ووضعها في كبد القوس ثم صوبه نحو واحدة من حمائم المسجد وهو يهتف:_
"يا حمامة، أيشرب يزيد بن معاوية الخمر؟ قولي نعم فوالله لئن فعلت لأرمينك، يا حمامة أيأكل يزيد أموال المسلمين؟ قولي نعم، فوالله لئن فعلت لأرمينك، يا حمامة أتخالعين يزيدا وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك، والله لئن فعلت لأرمينك."_
قال ابن الزبير:_
"ويحك أويتكلم الطائر؟"
قال ابن عضاة:_
"لا، ولكنك يا ابن الزبير تتكلم."
وانطلق السهم عاليا، اخترق جسد الحمامة الأبيض الضئيل وسقطت على أرض الحرم في صوت مكتوم وفرت بقية الحمائم مبتعدة في فزع، قال ابن عضاة:_
"كانت هذه حمامة واحدة، وعندما يأتي الحجاج لن يبقى في الحرم حمامة واحدة دون أن يرميها، حتى أنت"