أكتب إليك رغم تأكدي من أن بريدك الالكتروني قد أُغلق نهائيا، فيبدو أنك لم تعد تستخدمه منذ زمن، (هل مت؟ هل أطلقت رصاصة في فمك كما كنت تقول؟..) أو ربما تكون قد أغلقت بريدك أمام رسائلي كما لو أن الشخص الذي كان يزعج الآخر بترهاته وخيالاته المريضة كان أنا. على كل فأنا أكتب إليك الآن فقط لأني أتأكد أن ما من أحد سوف يقرأ ما أكتبه، كما لو أنك تلقي بنفسك في فوهة بركان وأنت على يقين من أنك لن تنجو منها أبدا، وأنت على يقين ـ كذلك ـ أن ما من أحد في عالمك الممل سوف يكتشف لعبتك السخيفة.
فكرت في أن أكتب للا أحد، أوراق تُملأ بسخافات ثم تلقى بأحد الأدراج، ولكن فكرة أن تسقط أوراقي في يد أحدهم كانت فكرة مرعبة، رغم أني في النهاية أعرف أني لن أكتب غير أشياء مملة، ولكني أكره الفضول، كما كنت أكره فضولك حين تسألني عن أشياء لا تهمك في شيء، كأن تسأل عن علاقتي بزوجتي، فما يهمك في علاقة لا تعرف طرفيها، أنت حتى لا تعرفني أنا، أنسيت أننا إلتقينا مصادفة، كنتَ ملولا بعد علاقة فاشلة مع جارتك كما قلت لي وفكرت أن تفعل مثلما يفعل الصغار: chatting، وقررت أن تتحدث لأول شخص تلتقيه، رجل كان أم امرأة، (أخبرتني فيما بعد أنك كنت تتمنى لو ألقت المصادفة في طريقك بامرأة تكون مثلك عالقة بأطراف علاقة واهنة وتوشك أن تسقط فتلتقطها برفق) ولكن حظك الغريب أوقعك في رجل كان قد ملّ علاقته الزوجية تماما ويبحث عن طرف افتراضي يبادله الحديث دون أن يعيد مواعظ الدين والعرف والأخلاق. كنت قد مللت أصدقائي، مللتهم تماما، مللت كلامهم عن البيت والزواج والأطفال، وأشياء أخرى لم يكن أحدنا يتكلم عنها من قبل، كما لو كنت لم أعرفهم من قبل، مللت الطريقة التي صاروا يتكلمون بها كما لو أن الله لم يخلق العالم إلا ليملأونه أطفالا، فما ذنبي أنا إن لم أسهم معهم في ازدحام الطريق.
هل كنتَ امرأة؟
فكرت كثيرا أن أسألك هذا السؤال، ولكن لأنني الآن لا أنتظر ردا من أحد فيمكنني سؤالك ببساطة، هل كنت امرأة؟ صحيح أنه ما من سبب معقول فيما أعرف يمكن أن يجعل امرأة تدّعي أنها رجل خصوصا وهي تتحدث إلى رجل، ولكني كثيرا ما شككت في كونك امرأة. أحيانا ما كانت مشاعر تخص المرأة وحدها تفلت في حديثك رغما عنك. ولعُك أحيانا بالتفاصيل الصغيرة جدا والتي لا تهم أحدا البتة، فالرجل لا تهمه التفاصيل أيا كانت، الرجل يتصور العالم كما لو كان مانشيتا بصحيفة هزلية، أما المرأة فوحدها من تقرأ التفاصيل.
أتعرف.. لقد طلقت سهام.
هل تفاجأت؟
للأسف لن يمكنني معرفة ردة فعلك على خبر كهذا. صحيح أنك لم تكن ـ على الرغم من فضولك ـ معنيا جدا بأن تنتهي علاقتنا أو أن تستمر ولكني أعرف شغفك بالعلاقة أيا كان وضعها على الخريطة. وأي كانت درجة الطيف التي تمر بها. عموما لا تندهش ولا تحسب أن هذا الخبر هو ما يدفعني إلى الكتابة فلست حزينا كما تتخيل، أطمئنك تماما أنا بخير جدا جدا، كما لم أكن بخير في يوم من الأيام.. ولكنك لست هناك الآن لتندهش أو لتطمئن أو لتثار رغبتك في معرفة التفاصيل.. على كل ما من تفاصيل على الإطلاق. لقد تطلقنا مثلما تزوجنا بالضبط، بلا رغبة، بلا أمل، بلا أحلام. حتى أنه كان المأذون نفسه، ولو أن الصيغة قد اختلفت قليلا، ومع ذلك ألقيتها كصيغة الزواج تماما، كأنما تخص شخصا آخر، لا أعرفه. وهكذا تزوج شخص لا أعرفه، وطلق شخص لا أعرفه. كما لو كنا ثلاثة دائما.. أنا وسهام وثالث غير مرئي ولا نعرفه.
لولعك بالتفاصيل الصغيرة أقول لك، إننا ببساطة: بينما كانت تقف سيارتنا في إشارة مرورية، وبينما ننتظر بفارغ صبر أن تنتهي فترة اعتقالنا في تقاطع غبي، وأنه فقط حين بدأتُ أتعرق من حرارة صيف أغسطس فوجئت بسهام تتكلم، ولأن سهام وأنا لم نكن معتاديْن على الكلام بينما نقف في إشارة فقد تصورت أن الصوت لا يخصنا، ولذا فقد أعادت كلامها مرة أخرى، بنبرة من قرر أن يعيد ما قيل آلاف المرات مهما طالت الإشارة. لم تسألني إذا ما كنت سعيدا معها، حتى أنها لم تسألني إذا ما كنت أتصور أنها سعيدة معي أم لا، لم تسألني ما إذا كانت خلافاتنا في الفترة الأخيرة قد أثَّرت على حبي لها، (حقيقة لم نكن نتبادل مثل هذا الكلام إلا نادرا خصوصا في الفترة الأخيرة)، لم تسألني إذا ما كنت قد مللت علاقتنا، أعني أنها لم تطرح سؤالا كمواربة الباب برفق على شخص توشك أن تصدمه بنبأ مفجع، قالت كما لو كانت لم تفكر فيما تقوله من قبل، كفكرة طارئة وُلدت عفية ومستحكمة وواثقة، قالت ببساطة: طلقني يا حسام. (نسيت أن أقول إن اسمي ليس سامح كما أخبرتك، وكما كنت تكتب لي منذ أكثر من سنة.. عذري أني متأكد أنا الآخر أن اسمك ليس صبري كما أخبرتني وكما كنت أكتب لك منذ أكثر من سنة.. فربما كنت تحمل أي اسم آخر، هذا إن لم تصدق ظنوني وكنت فعلا امرأة .. هل كنت امرأة؟!).
المرسل: hi2006@yahoo.com
عنوان الرسالة: سؤال ممنوع
التاريخ: 14/8/2007
أتعرف؟
تمت إجراءات الطلاق بسرعة وهدوء لم أكن أتخيلهما. جلست سهام أمامي في مكتب المأذون بملامح محايدة أكثر مما ينبغي، حتى بدت وكأنها ليست المرأة التي سوف تطلَّق لتوها.
أجابت أسئلة المأذون كلها ببساطة كما لو كانت تملأ استمارة لعميل في البنك الذي تعمل به منذ عام تقريبا. وحين حاول المأذون فعل تلك الأشياء التي يفعلها عادة بدافع مهني بحت، كالحديث عن أبغض الحلال وعن ضرورة التأني وما إلى ذلك، وقبل حتى أن أفكر فيما عساني أجيب به المأذون كي يكف عن مواعظه ويسرع في الإجراءات كانت سهام ـ قد قاطعته ـ بابتسامة رائعة ـ "ليس هناك داع" ثم أردفت "الطلاق أفضل لكلينا". قالت الجملة الأخيرة برقة شديدة مصحوبة بأجمل ابتسامة رأيتها في حياتي، لدرجة أني وددت لو أنها أعادت جملتها مرة أخرى، وتماديت في مشاعري حتى نهايتها، تمنيت لو أبقى حتى نهاية عمري مع امرأة يمكنها النطق بهذه الجملة بكل هذا الجمال واللذة.
أتعرف لقد زيفتُ أشياء كثيرة عني وعن حياتي طوال السنة التي كنا نلتقي فيها عبر الشبكة الجهنمية الانترنت، اسمي وعملي (لست رساما كما قلت لك.. ربما كان أملى أن أكون ولكني ـ اليوم أقول لك ـ إني لم أكن) وأشياء أخرى كثيرة كنت أخفيها لأسباب أحيانا ولغير ما سبب أحيانا أخرى. ما أثار حيرتي طويلا أني لم أزيف اسم سهام، فحين كنت أتكلم عنها معك للمرة الأولى ذكرت اسمها ببساطة.. سهام. اليوم فحسب قد يكون لدي الاجابة. أنا حقا أحب اسمها.. سهام. الغريب أن ذلك لم يكن له علاقة بصاحبته. أتظن أنه يمكن أن يحب أحدهم اسم زوجته أكثر مما يحب زوجته نفسها؟ هل تعتقد أن أزمتي مع سهام أني لم أتمكن من أن أحبها أكثر مما أحببت اسمها!
أنا اليوم أكثر ضيقا مما سبق، كما لو أنني عائد لتوي من مكتب المأذون في يدي ورقة عليها اسمي واسم أحبه ولم أحب صاحبته كما ينبغي، أتعرف أكثر ما في الطلاق من قسوة أنه لا يتاح لك سؤال زوجتك مرة أخرى عما كانت تقصده بقولها شيء ما، أو لماذا ارتسمت على وجهها علامات غبية حين قيل شيء ما أمامها، أو لماذا غمزتك بعينها حين أوشكتَ أن تقول شيئا عاديا جدا ـ من وجهة نظرك ـ بينما هو نفسه شيء رهيب جدا ـ من وجهة نظرها ـ لا يصح أن يقال أمام شخص ما.
أنا حزين الآن لأن بابًا لن يُقفل مرة أخرى علينا كي نُلحق الإجابات بالأسئلة المعلقة، لن يقفل مرة أخرى حتى لكي نصرخ ونجرح سكون الحي الأحمق الذي نسكنه.
أنا حزين الآن لا لشيء سوى أنه لن يمكنني أن أسأل سهام عما كانت تعنيه بأن الطلاق أفضل لكلينا. لماذا لا نغلق علينا باب بيتنا ولو لمرة أخيرة لأعرف. هذه الأنانية، لقد سلبتني حقي الأخير في السؤال عن جملة لعينة. أنا أكرهها فعلا، ولربما كرهتها طوال السنوات الثلاث التي أمضيناها نمثل أننا زوج وزوجة، ولكني ما زلت أحب اسمها. أتظن؟
عنوان الرسالة: عودة إلى البدء
التاريخ: 12/8/2007
أكتب إليك رغم تأكدي من أن بريدك الالكتروني قد أُغلق نهائيا، فيبدو أنك لم تعد تستخدمه منذ زمن، (هل مت؟ هل أطلقت رصاصة في فمك كما كنت تقول؟..) أو ربما تكون قد أغلقت بريدك أمام رسائلي كما لو أن الشخص الذي كان يزعج الآخر بترهاته وخيالاته المريضة كان أنا. على كل فأنا أكتب إليك الآن فقط لأني أتأكد أن ما من أحد سوف يقرأ ما أكتبه، كما لو أنك تلقي بنفسك في فوهة بركان وأنت على يقين من أنك لن تنجو منها أبدا، وأنت على يقين ـ كذلك ـ أن ما من أحد في عالمك الممل سوف يكتشف لعبتك السخيفة.
فكرت في أن أكتب للا أحد، أوراق تُملأ بسخافات ثم تلقى بأحد الأدراج، ولكن فكرة أن تسقط أوراقي في يد أحدهم كانت فكرة مرعبة، رغم أني في النهاية أعرف أني لن أكتب غير أشياء مملة، ولكني أكره الفضول، كما كنت أكره فضولك حين تسألني عن أشياء لا تهمك في شيء، كأن تسأل عن علاقتي بزوجتي، فما يهمك في علاقة لا تعرف طرفيها، أنت حتى لا تعرفني أنا، أنسيت أننا إلتقينا مصادفة، كنتَ ملولا بعد علاقة فاشلة مع جارتك كما قلت لي وفكرت أن تفعل مثلما يفعل الصغار: chatting، وقررت أن تتحدث لأول شخص تلتقيه، رجل كان أم امرأة، (أخبرتني فيما بعد أنك كنت تتمنى لو ألقت المصادفة في طريقك بامرأة تكون مثلك عالقة بأطراف علاقة واهنة وتوشك أن تسقط فتلتقطها برفق) ولكن حظك الغريب أوقعك في رجل كان قد ملّ علاقته الزوجية تماما ويبحث عن طرف افتراضي يبادله الحديث دون أن يعيد مواعظ الدين والعرف والأخلاق. كنت قد مللت أصدقائي، مللتهم تماما، مللت كلامهم عن البيت والزواج والأطفال، وأشياء أخرى لم يكن أحدنا يتكلم عنها من قبل، كما لو كنت لم أعرفهم من قبل، مللت الطريقة التي صاروا يتكلمون بها كما لو أن الله لم يخلق العالم إلا ليملأونه أطفالا، فما ذنبي أنا إن لم أسهم معهم في ازدحام الطريق.
هل كنتَ امرأة؟
فكرت كثيرا أن أسألك هذا السؤال، ولكن لأنني الآن لا أنتظر ردا من أحد فيمكنني سؤالك ببساطة، هل كنت امرأة؟ صحيح أنه ما من سبب معقول فيما أعرف يمكن أن يجعل امرأة تدّعي أنها رجل خصوصا وهي تتحدث إلى رجل، ولكني كثيرا ما شككت في كونك امرأة. أحيانا ما كانت مشاعر تخص المرأة وحدها تفلت في حديثك رغما عنك. ولعُك أحيانا بالتفاصيل الصغيرة جدا والتي لا تهم أحدا البتة، فالرجل لا تهمه التفاصيل أيا كانت، الرجل يتصور العالم كما لو كان مانشيتا بصحيفة هزلية، أما المرأة فوحدها من تقرأ التفاصيل.
أتعرف.. لقد طلقت سهام.
هل تفاجأت؟
للأسف لن يمكنني معرفة ردة فعلك على خبر كهذا. صحيح أنك لم تكن ـ على الرغم من فضولك ـ معنيا جدا بأن تنتهي علاقتنا أو أن تستمر ولكني أعرف شغفك بالعلاقة أيا كان وضعها على الخريطة. وأي كانت درجة الطيف التي تمر بها. عموما لا تندهش ولا تحسب أن هذا الخبر هو ما يدفعني إلى الكتابة فلست حزينا كما تتخيل، أطمئنك تماما أنا بخير جدا جدا، كما لم أكن بخير في يوم من الأيام.. ولكنك لست هناك الآن لتندهش أو لتطمئن أو لتثار رغبتك في معرفة التفاصيل.. على كل ما من تفاصيل على الإطلاق. لقد تطلقنا مثلما تزوجنا بالضبط، بلا رغبة، بلا أمل، بلا أحلام. حتى أنه كان المأذون نفسه، ولو أن الصيغة قد اختلفت قليلا، ومع ذلك ألقيتها كصيغة الزواج تماما، كأنما تخص شخصا آخر، لا أعرفه. وهكذا تزوج شخص لا أعرفه، وطلق شخص لا أعرفه. كما لو كنا ثلاثة دائما.. أنا وسهام وثالث غير مرئي ولا نعرفه.
لولعك بالتفاصيل الصغيرة أقول لك، إننا ببساطة: بينما كانت تقف سيارتنا في إشارة مرورية، وبينما ننتظر بفارغ صبر أن تنتهي فترة اعتقالنا في تقاطع غبي، وأنه فقط حين بدأتُ أتعرق من حرارة صيف أغسطس فوجئت بسهام تتكلم، ولأن سهام وأنا لم نكن معتاديْن على الكلام بينما نقف في إشارة فقد تصورت أن الصوت لا يخصنا، ولذا فقد أعادت كلامها مرة أخرى، بنبرة من قرر أن يعيد ما قيل آلاف المرات مهما طالت الإشارة. لم تسألني إذا ما كنت سعيدا معها، حتى أنها لم تسألني إذا ما كنت أتصور أنها سعيدة معي أم لا، لم تسألني ما إذا كانت خلافاتنا في الفترة الأخيرة قد أثَّرت على حبي لها، (حقيقة لم نكن نتبادل مثل هذا الكلام إلا نادرا خصوصا في الفترة الأخيرة)، لم تسألني إذا ما كنت قد مللت علاقتنا، أعني أنها لم تطرح سؤالا كمواربة الباب برفق على شخص توشك أن تصدمه بنبأ مفجع، قالت كما لو كانت لم تفكر فيما تقوله من قبل، كفكرة طارئة وُلدت عفية ومستحكمة وواثقة، قالت ببساطة: طلقني يا حسام. (نسيت أن أقول إن اسمي ليس سامح كما أخبرتك، وكما كنت تكتب لي منذ أكثر من سنة.. عذري أني متأكد أنا الآخر أن اسمك ليس صبري كما أخبرتني وكما كنت أكتب لك منذ أكثر من سنة.. فربما كنت تحمل أي اسم آخر، هذا إن لم تصدق ظنوني وكنت فعلا امرأة .. هل كنت امرأة؟!).
المرسل: hi2006@yahoo.com
عنوان الرسالة: سؤال ممنوع
التاريخ: 14/8/2007
أتعرف؟
تمت إجراءات الطلاق بسرعة وهدوء لم أكن أتخيلهما. جلست سهام أمامي في مكتب المأذون بملامح محايدة أكثر مما ينبغي، حتى بدت وكأنها ليست المرأة التي سوف تطلَّق لتوها.
أجابت أسئلة المأذون كلها ببساطة كما لو كانت تملأ استمارة لعميل في البنك الذي تعمل به منذ عام تقريبا. وحين حاول المأذون فعل تلك الأشياء التي يفعلها عادة بدافع مهني بحت، كالحديث عن أبغض الحلال وعن ضرورة التأني وما إلى ذلك، وقبل حتى أن أفكر فيما عساني أجيب به المأذون كي يكف عن مواعظه ويسرع في الإجراءات كانت سهام ـ قد قاطعته ـ بابتسامة رائعة ـ "ليس هناك داع" ثم أردفت "الطلاق أفضل لكلينا". قالت الجملة الأخيرة برقة شديدة مصحوبة بأجمل ابتسامة رأيتها في حياتي، لدرجة أني وددت لو أنها أعادت جملتها مرة أخرى، وتماديت في مشاعري حتى نهايتها، تمنيت لو أبقى حتى نهاية عمري مع امرأة يمكنها النطق بهذه الجملة بكل هذا الجمال واللذة.
أتعرف لقد زيفتُ أشياء كثيرة عني وعن حياتي طوال السنة التي كنا نلتقي فيها عبر الشبكة الجهنمية الانترنت، اسمي وعملي (لست رساما كما قلت لك.. ربما كان أملى أن أكون ولكني ـ اليوم أقول لك ـ إني لم أكن) وأشياء أخرى كثيرة كنت أخفيها لأسباب أحيانا ولغير ما سبب أحيانا أخرى. ما أثار حيرتي طويلا أني لم أزيف اسم سهام، فحين كنت أتكلم عنها معك للمرة الأولى ذكرت اسمها ببساطة.. سهام. اليوم فحسب قد يكون لدي الاجابة. أنا حقا أحب اسمها.. سهام. الغريب أن ذلك لم يكن له علاقة بصاحبته. أتظن أنه يمكن أن يحب أحدهم اسم زوجته أكثر مما يحب زوجته نفسها؟ هل تعتقد أن أزمتي مع سهام أني لم أتمكن من أن أحبها أكثر مما أحببت اسمها!
أنا اليوم أكثر ضيقا مما سبق، كما لو أنني عائد لتوي من مكتب المأذون في يدي ورقة عليها اسمي واسم أحبه ولم أحب صاحبته كما ينبغي، أتعرف أكثر ما في الطلاق من قسوة أنه لا يتاح لك سؤال زوجتك مرة أخرى عما كانت تقصده بقولها شيء ما، أو لماذا ارتسمت على وجهها علامات غبية حين قيل شيء ما أمامها، أو لماذا غمزتك بعينها حين أوشكتَ أن تقول شيئا عاديا جدا ـ من وجهة نظرك ـ بينما هو نفسه شيء رهيب جدا ـ من وجهة نظرها ـ لا يصح أن يقال أمام شخص ما.
أنا حزين الآن لأن بابًا لن يُقفل مرة أخرى علينا كي نُلحق الإجابات بالأسئلة المعلقة، لن يقفل مرة أخرى حتى لكي نصرخ ونجرح سكون الحي الأحمق الذي نسكنه.
أنا حزين الآن لا لشيء سوى أنه لن يمكنني أن أسأل سهام عما كانت تعنيه بأن الطلاق أفضل لكلينا. لماذا لا نغلق علينا باب بيتنا ولو لمرة أخيرة لأعرف. هذه الأنانية، لقد سلبتني حقي الأخير في السؤال عن جملة لعينة. أنا أكرهها فعلا، ولربما كرهتها طوال السنوات الثلاث التي أمضيناها نمثل أننا زوج وزوجة، ولكني ما زلت أحب اسمها. أتظن؟