لأن الأشياء تحدث لأن الأشياء تحدث discussion


5 views
مقال رحاب ابراهيم

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by حاتم (new) - added it

حاتم حافظ رسائل من طرف واحد موجهة إلى الاخر الغائب دائما , والذي يدفعنا الراوي للتشكك في حقيقة وجوده طوال الوقت ..
فتارة يكون هذا الآخر مجرد وعاء للفضفضة وتارة هو امرأة -أي امرأة - ثم يكون أحيانا امرأة بعينها " سهام" التي أحب اسمها أكثر مما أحبها في غريب يدعوك للتوقف عنده طويلا ..
وأحيانا يكون هذا الآخر هو الأنا , بل أحيانا يكبر ليكون ما يشبه الرب.
وفي كل الأحيان صامت هو لا يجيب , تاركا الراوي لاحتمالات لا نهائية من الإجابات توازي نساؤلاته غير المنتهية .. والرابط الواضح بين جميع هذه التساؤلات هو أنه لا يملك تجاهها أي حيلة ولا حتى رغبة في التحايل .
" وأسأل أحيانا حين أضغط بالماوس على كلمة إرسال ما إذا كانت الرسالة تظل بحوزتي أم أنها قد صارت بحوزتك وانتهى أمرها . أعرف أنها لاتزال في ركنها القريب لدي في الرسائل المرسلة ولكنها أيضا تكون في الركن البعيد لديك في صندوق البريد .. أين رسالتي إذا؟ ومن يمتلكها؟
إنه فقدان القدرة على التواصل مع الآخر مهما كانت درجة قربه , بل التشكك الدائم في جدوى هذا التواصل وقدرته على التغيير :
" فما جدوى رسالة لا يملك أحدنا تغيير ما فيها "
وفي سلاسة ودون ملل يحملني الكاتب عبر تلك الروح القلقة إلى عالمه المليء بالتساؤلات والتي مع اقتناعه بعدم جدواها إلا إنه يخفي داخله رغبة عارمه في تلقي المساعدة رغم إنكاره المستمر لحاجته إليها
" أجب ولو لمرة واحدة . هل صدقت إني أفضل الكتابة للفراغ؟ أجب حتى ولو كنت امرأة. أجب لمرة واحدة .. مرة واحدة فحسب."
وتبدو الرواية للوهلة الأولى معنية في الأساس بعلاقته بطليقته وتأمله للأسباب التي أدت إلى هذا الطلاق البارد " كفكرة طارئة ولدت عفية ومستحكمة وواثقة ,قالت ببساطة : طلقني يا حسام"
ورغم أن فعل الطلاق هذا يبدو الوقود الأساسي للتساؤلات , إلا إننا نرى في كل رسالة أن المسألة أكبر وأكثر امتدادا في الزمن من لحظة التوقف عند إشارة المرور تلك .. بدءا من لوحاته غير المكتملة , ودور الفنان التشكيلي الذي تمنى دائما أن يكونه ولم يستطع لأنه ببساطة إنسان جيد وفقط ..أعماله تفتقد إلى الروح, لكنه يتركنا لنقطة تستحق التأمل .. هل هذا الشخص الذي أردنا دائما أن نكونه موجود فعلا؟
"فقد اعتقدت لفترة أنك تهزأ بي , فليس من رسام بهذا الاسم ولكني في لحظة شك أو لعلها لحظة أمل ,رجاء,بحثت عن اسمي , أعني عن الاسم الذي اخترته لي واكتشفت أني موجودا , أنا موجود فعلا !

ثم علاقته المضطربة بأبيه , والذي فقد سمعه في إشاره إلى فقدانه الرغبة في التعامل مع العالم المحيط بتغيراته - هنا يتضح فقدان الرغبة في التواصل مرة أخرى وليس مجرد فقدان القدرة عليها - ومرورا بعبد الناصر ووهمه بأنه قد أصبح شخصا محترما لمجرد دخوله الجامعة , مكتشفا زيف معتقداته تلك عند أول احتكاك بالواقع ..
ثم ابتسام..الغواية ..الذنب الذي لا يرغب في اقترافه ولا هو بالزاهد فيه في الوقت نفسه " كنت على استعداد لالتهام امرأة ضعيفة ولكن امرأة لها مثل هذه الرهافة الإنسانية فلا يمكن أبدا , ما كان يمكنني أن أمس الإنسانية سوء أبدا أبدا ! "
هنا يبرر لنفسه وقوفه المعتاد في منتصف الطريق ,غير قادر على الصعود أو الهبوط , مغلفا الأمر بلمحة نبيلة تدفع عنه الشعور بالعجز ..
وتجيء علاقته بأخيه المسافر لتشكل جزءا آخر من التواصل المفقود , ثم تنتهي الرواية بموت الأب , دون أن تخبرنا إذا ما كان الراوي سيرجع لطليقته أم لا , لتظل فكرة الفقد قائمة وتستمر التساؤلات .

رحاب إبراهيم


back to top