صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.
===
أيام دائخة
يتغذى يقيني على الشكوك، وثمة أيام أشعر فيها كأنني غريب في مونتيفيديو أو في أي مكان آخر. في تلك الأيام التي بلا شمس، وفي الليالي التي بلا قمر؛ لا أنتمي إلى أي مكان ولا أتعرف على نفسي في أي شيء أو أي شخص. لا تشبه الكلمات ما تشير إليه، ولا تتواشج مع أصواتها. عندئذ لا أكون حيث أكون. أغادر جسدي وأسافر بعيداً. لا أتجه إلى مكان محدد، ولا أرغب أن أكون مع أحد، حتى مع نفسي ولا يكون لي اسم أو رغبة باسم: عندئذ أفقد رغبتي في أن أنادي نفسي، أو يناديني أحد.
===
أسماء
البشر، المخلوقات والأشياء انطلقت إلى منزل الأسماء لتبحث عن اسم لها. جلجلت الأسماء وهي تقدم نفسها. وعدت أن تنطق بشكل جميل، وأن يكون لها أصداء ترن. كان المنزل دوماً يغص بالبشر، والحيوانات، والأشياء التي تجرب الأسماء. حلمت «هيلينا» بمنزل الأسماء، واكتشفت هناك الكلبة بيبا لومبين التي كانت تبحث عن اسم أكثر ملاءمة.
===
العنب والخمر.
على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن.
===
فن للأطفال.
كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها متصالبتان، توسلت الأم من أجل المساعدة: قالت متوسلة: "احك لها حكاية يا أونيليو، أنت الكاتب، اروِ لها حكاية." ملوِّحاً بملعقة الحساء بدأ أونيليو خورخي كاردوسو قصته: "مرة كان هناك طائر لم يرد أن يتناول عشاءه، أحكم الطائر إغلاق منقاره، وقالت له أمه: ستكون دائما طائراً صغيرا إن لم تأكل النني. لكن الطائر لم ينتبه إلى أمه ولم يفتح منقاره..." عندئذ انفجرت الطفلة: يا له من طائر حقير!"
=====
وظيفة الفن1
لم ير ديغو المحيط أبدا، فأخذه والده، سانتياغو كوبادلوف، ليستكشفه. اتجها جنوبا. كان المحيط يستلقي منتظرا وراء كثبان رملية مرتفعة. حين وصل الطفل ووالده في النهاية إلى الكثبان الرملية بعد سير طويل، انفجر المحيط أمام أعينهما. كان ضخما ومتلألئا وعقد جماله لسان الطفل. حين فكت عقدة لسانه طلب من والده وهو يرتجف ويفأفئ: ساعدني لكي أرى.
===
بيروقراطية3
أكمل سيكستو مارتينيث خدمته الإلزامية في ثكنة في سيفيا "إشبيلية" في وسط ساحة الثكنة مقعدٌ صغير يحرسه جندي. لم يعرف أحد لماذا كان ينبغي أن يُحرَس المقعد. كان المقعد يُحرس على مدار الساعة، فقط لأنه: كل نهار، كل مساء، ومن جيل ضباط إلى آخر كان الأمر يصدر والجنود ينفذونه. لم يعبر أحد عن أية شكوك أو يسأل لماذا. إذا كان هذا ما حصل دائما يجب أن يكون هناك سبب. وهكذا استمر الأمر إلى أن أراد شخص ما، جنرال أو كولونيل، أن يعرف سبب الأمر الأصلي. كان عليه أن يقلب في الملفات. بعد وقت طويل من البحث، عثر على الجواب. منذ واحد وثلاثين عاماً وشهرين وأربعة أيام، أمر ضابط حارساً أن يقف قرب المقعد، الذي كان قد دهن لتوه، لكي لا يفكر أحد بالجلوس على الدهان الطري.
=== أصل العالم
لم يكن قد مضى على نهاية الحرب الإسبانية سوى بضعة أعوام، وكان الصليب والسيف يحكمان فوق أطلال الجمهورية. كان أحد المهزومين، وهو عامل فوضوي خرج حديثا من السجن، يبحث عن عمل. بحث في السماء وعلى الأرض دون جدوى. لم يكن هناك عمل لشيوعي. نظر الجميع إليه بنفور، هزوا أكتافهم، وأداروا ظهورهم. لم يمنحه أحد فرصة أو يصغي إليه. كانت الخمرة هي الصديق الوحيد الذي بقي له. في الليل، أمام الصحون الفارغة، تحمل صامتا توبيخ زوجته المؤمنة، التي لم تفوّت بتاتا القداس، بينما كان ولده الصغير يقرأ له كتاب العقيدة الدينية. روى لي القصة خوسيب بيردورا، ابن ذلك العامل الملعون. رواها في برشلونة حين وصلت إلى منفاي هناك. كان ولدا يائسا أراد أن ينقذ والده من اللعنة الأبدية، لكن والده، الملحد العنيد، لم يصغ لصوت العقل. قال له خوسيب وهو يبكي: لكن يا أبي، إن كان الله غير موجود، فمن الذي خلق العالم؟ قال العالم وهو يخفض رأسه كأنه سيفشي سراً: أيها الغبي! أيها الغبي! إن من خلق العالم هو نحن: البناؤون. ===
حب الكلام1
كانت مارسيلا تزور الشمال الثلجي. في إحدى الليالي، قابلت في أوسلو امرأة تغني وتروي القصص. بين الأغاني، تنسج القصص، وهي تنظر إلى قطع الورق كشخص يقرأ البخت من القصاصات. كانت تلك المرأة من أوسلو ترتدي فستانا ضخما مليئا بالجيوب. وتسحب قطع الورق من جيوبها واحدة بعد الأخرى، في كل واحدة قصة، قصص مجربة وحقيقية عن بشر رغبوا في أن يعودوا إلى الحياة من خلال السحر. وهكذا بعثت الموتى والمنسيين، ومن أعماق فستانها قفزت الأوديسات وقصص حب الحيوان البشري الذي يتابع الحياة، ويواصل النطق..
===
حب الكلام2
هذا الرجل، أو المرأة، حامل بعدد كبير من البشر. البشر يخرجون من مسامه. بهذه الأشكال الفخارية، يعبر هنود بويبلو المكسيكيون، عن راوي الحكايات: ذلك الذي يروي الذاكرة الجمعية، التي تزدهر بفضل عدد قليل من البشر.
صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة.
أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة.
كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.
===
أيام دائخة
يتغذى يقيني على الشكوك، وثمة أيام أشعر فيها كأنني غريب في مونتيفيديو أو في أي مكان آخر. في تلك الأيام التي بلا شمس، وفي الليالي التي بلا قمر؛ لا أنتمي إلى أي مكان ولا أتعرف على نفسي في أي شيء أو أي شخص.
لا تشبه الكلمات ما تشير إليه، ولا تتواشج مع أصواتها. عندئذ لا أكون حيث أكون. أغادر جسدي وأسافر بعيداً. لا أتجه إلى مكان محدد، ولا أرغب أن أكون مع أحد، حتى مع نفسي ولا يكون لي اسم أو رغبة باسم: عندئذ أفقد رغبتي في أن أنادي نفسي، أو يناديني أحد.
===
أسماء
البشر، المخلوقات والأشياء انطلقت إلى منزل الأسماء لتبحث عن اسم لها. جلجلت الأسماء وهي تقدم نفسها. وعدت أن تنطق بشكل جميل، وأن يكون لها أصداء ترن.
كان المنزل دوماً يغص بالبشر، والحيوانات، والأشياء التي تجرب الأسماء. حلمت «هيلينا» بمنزل الأسماء، واكتشفت هناك الكلبة بيبا لومبين التي كانت تبحث عن اسم أكثر ملاءمة.
===
العنب والخمر.
على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً:
"إن العنب مصنوع من الخمر."
هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن.
===
فن للأطفال.
كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها متصالبتان، توسلت الأم من أجل المساعدة:
قالت متوسلة: "احك لها حكاية يا أونيليو، أنت الكاتب، اروِ لها حكاية."
ملوِّحاً بملعقة الحساء بدأ أونيليو خورخي كاردوسو قصته:
"مرة كان هناك طائر لم يرد أن يتناول عشاءه، أحكم الطائر إغلاق منقاره، وقالت له أمه: ستكون دائما طائراً صغيرا إن لم تأكل النني. لكن الطائر لم ينتبه إلى أمه ولم يفتح منقاره..."
عندئذ انفجرت الطفلة:
يا له من طائر حقير!"
=====
وظيفة الفن1
لم ير ديغو المحيط أبدا، فأخذه والده، سانتياغو كوبادلوف، ليستكشفه.
اتجها جنوبا.
كان المحيط يستلقي منتظرا وراء كثبان رملية مرتفعة.
حين وصل الطفل ووالده في النهاية إلى الكثبان الرملية بعد سير طويل، انفجر المحيط أمام أعينهما.
كان ضخما ومتلألئا وعقد جماله لسان الطفل.
حين فكت عقدة لسانه طلب من والده وهو يرتجف ويفأفئ:
ساعدني لكي أرى.
===
بيروقراطية3
أكمل سيكستو مارتينيث خدمته الإلزامية في ثكنة في سيفيا "إشبيلية"
في وسط ساحة الثكنة مقعدٌ صغير يحرسه جندي. لم يعرف أحد لماذا كان ينبغي أن يُحرَس المقعد. كان المقعد يُحرس على مدار الساعة، فقط لأنه: كل نهار، كل مساء، ومن جيل ضباط إلى آخر كان الأمر يصدر والجنود ينفذونه. لم يعبر أحد عن أية شكوك أو يسأل لماذا. إذا كان هذا ما حصل دائما يجب أن يكون هناك سبب.
وهكذا استمر الأمر إلى أن أراد شخص ما، جنرال أو كولونيل، أن يعرف سبب الأمر الأصلي. كان عليه أن يقلب في الملفات. بعد وقت طويل من البحث، عثر على الجواب. منذ واحد وثلاثين عاماً وشهرين وأربعة أيام، أمر ضابط حارساً أن يقف قرب المقعد، الذي كان قد دهن لتوه، لكي لا يفكر أحد بالجلوس على الدهان الطري.
===
أصل العالم
لم يكن قد مضى على نهاية الحرب الإسبانية سوى بضعة أعوام، وكان الصليب والسيف يحكمان فوق أطلال الجمهورية. كان أحد المهزومين، وهو عامل فوضوي خرج حديثا من السجن، يبحث عن عمل. بحث في السماء وعلى الأرض دون جدوى. لم يكن هناك عمل لشيوعي. نظر الجميع إليه بنفور، هزوا أكتافهم، وأداروا ظهورهم. لم يمنحه أحد فرصة أو يصغي إليه. كانت الخمرة هي الصديق الوحيد الذي بقي له. في الليل، أمام الصحون الفارغة، تحمل صامتا توبيخ زوجته المؤمنة، التي لم تفوّت بتاتا القداس، بينما كان ولده الصغير يقرأ له كتاب العقيدة الدينية.
روى لي القصة خوسيب بيردورا، ابن ذلك العامل الملعون. رواها في برشلونة حين وصلت إلى منفاي هناك. كان ولدا يائسا أراد أن ينقذ والده من اللعنة الأبدية، لكن والده، الملحد العنيد، لم يصغ لصوت العقل.
قال له خوسيب وهو يبكي: لكن يا أبي، إن كان الله غير موجود، فمن الذي خلق العالم؟
قال العالم وهو يخفض رأسه كأنه سيفشي سراً:
أيها الغبي! أيها الغبي! إن من خلق العالم هو نحن: البناؤون.
===
حب الكلام1
كانت مارسيلا تزور الشمال الثلجي. في إحدى الليالي، قابلت في أوسلو امرأة تغني وتروي القصص. بين الأغاني، تنسج القصص، وهي تنظر إلى قطع الورق كشخص يقرأ البخت من القصاصات.
كانت تلك المرأة من أوسلو ترتدي فستانا ضخما مليئا بالجيوب. وتسحب قطع الورق من جيوبها واحدة بعد الأخرى، في كل واحدة قصة، قصص مجربة وحقيقية عن بشر رغبوا في أن يعودوا إلى الحياة من خلال السحر. وهكذا بعثت الموتى والمنسيين، ومن أعماق فستانها قفزت الأوديسات وقصص حب الحيوان البشري الذي يتابع الحياة، ويواصل النطق..
===
حب الكلام2
هذا الرجل، أو المرأة، حامل بعدد كبير من البشر. البشر يخرجون من مسامه. بهذه الأشكال الفخارية، يعبر هنود بويبلو المكسيكيون، عن راوي الحكايات: ذلك الذي يروي الذاكرة الجمعية، التي تزدهر بفضل عدد قليل من البشر.