عطارد عطارد discussion


27 views
أحمد كامل يكتب عن عطارد في موقع التقرير

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by محمد (new) - added it

محمد “ولمحت جسد فريدة يطير بين أكف الناس، يتقاذفونه والدم يلطخه، يظهر لحظة ثم يختفي ثواني، ثم يظهر والدماء تلوثه أكثر“.

عذاب مقيم، حكاية ديسيوتوبيا، تفسير خاص للدماء المنسابة في أرجاء العالم، ووصف يترك القارئ في قلب الجحيم بين جنبات رواية “عطارد” للكاتب “محمد ربيع”. “ربيع” روائي شاب، صدرت له رواية “كوكب عنبر” في عام 2010 وحصدت جائزة ساويرس، ورواية “عام التنين” في عام 2011، قبل رواية عطارد الصادرة في 2015 عن دار التنوير.

في “عطارد” يتحرك “ربيع” في ثلاثة خطوط زمنية، ما بين أعوام 2025، 2011، وعام 455 هجرية. في 2025 يرصد التغيرات التي أصابت مصر بعد الاحتلال من الجيشين الرابع والخامس لفرسان مالطا. “ربيع” يكتب بغيظ عن مؤسسات مهترئة، تستغل السلطة وتمارس القمع على المصريين، مؤسسات لم تنجح في التصدي بشرف لقوات الاحتلال؛ فانتهت في ساعات معدودة دون أثر. يرصد ربيع تلك الأحداث من خلال الضابط “أحمد عطارد”، ضابط شرطة مصري، قناص للدولة ممن حضروا أحداث الثورة في 2011، وهربوا أمام الغضب. بينما في 2025 ينضم “أحمد عطارد” لزملائه ضباط الشرطة لتكوين المقاومة المصرية.

يستغل “ربيع” الواقع في بناء فانتازيا “عطارد”، يعيد ترتيب الواقع بالمبررات المنحازة لرجال الشرطة؛ فتخرج كابوسية “عطارد” للنهاية. فالكراهية الأبدية بين رجال الشرطة والجيش، والإحساس بتفوق كل منهما على الأخر، يستحضرها “ربيع” في حصر الدور القيادي داخل المقاومة المصرية بين أفراد الشرطة، بينما يوكل لأفراد الجيش المهام الخطرة أو الانتحارية في محاولة للتخلص منهم، ومن عار هزيمتهم السهلة أمام المحتل. بينما وقوع قتلى على يد أفراد الشرطة هو إرسال للنعيم وتضحية نبيلة في سبيل إخراج المعذبين من عذابهم. أما إشاعة الفوضى والقتل العشوائي من طرف رجال الشرطة، فهو الوسيلة الوحيدة لتصحيح المسار وخروج المحتل. “ربيع” يقرأ الأحداث بشكل ساخر، شكل يخلق الحبكة والمبررات اللازمة لأصحاب الرصاصات.

في 455 هجرية، يسلط “ربيع” الضوء على فكرته الأساسية، الجحيم المقيم، العذاب الحاضر في شكل أمل من خلال شخصية صخر الخزرجي في كتاب “من عاش بعد الموت” للحافظ بن أبي الدنيا. حيث يكتشف الجميع أنهم ميتون، أن الحياة الحالية هي جحيم أفعالهم، وأن القيامة قد وقعت بالفعل: “قامت القيامة .. وحوسب الناس .. وبقينا نحن هنا .. هذا جحيم الظالمين“. “ربيع” يؤكد ذلك من خلال لقاء “زهرة” التي أصابها مرض غريب إبان الثورة المصرية في 2011 و”أحمد عطارد”. “زهرة” توحي للضابط بتأكيد علمه بما يحدث، بأن الحياة الحالية هي جهنم، وأن ما يفعله من قتل هو الرحمة، هو إخراج للمعذبين من جهنم: “أنت تكتم العلم لأن عليك أن تكتمه، لا يعلم أحد ما يحدث ويقوله أبدا، لكنك توقفت عن أداء مهمتك ويجب عليك أن تعود، لا تتألم لما يصيب الناس فهو عدل، وأنت أداة الرحمة. لم تركت سلاحك وكففت عن القتل؟“.

في 2011، تظهر “زهرة” لأول مرة، البنت بدون الأب، يحتضنها “إنسال” ويدور على المستشفيات وثلاجات الموتى في محاولة إيجاد الأب. تلك الحبكة التي يقيمها “ربيع” من أجل رصد دموية أيام يناير. الموتى لا يعذبون، العذاب الأكبر لمن رأى، لمن شاهد، لمن حضر، ولمن ركض وراء الأمل/ السراب: “كل من دخل الثلاجة لم يجد من يبحث عنه، يبحثون أولا في الدفتر، يبحثون عن اسم الغائب، وإذا لم يجدوه، يدخلون الثلاجة باحثين بين المجهولين، ثم يعودون خارجين والقلق يأكلهم“.

يهندس “ربيع” الجحيم على مهل، المتعة صارت شرب الكربون العضوي، شرب كائنات حية بهدف النسيان. كوبري أكتوبر صار نفقًا للدعارة والبيع من كثرة ما تم استهلاك نصر أكتوبر في صنع رموز للطغيان، والقتل صار هدفًا وليس وسيلة. انفجار الشارع كان له أثر كبير على “ربيع”، بعد أربع سنوات من الإحباطات والدموية في بر مصر. فالسلطة تلاعبنا بالأمل وهي تدرك أننا في الجحيم، واعتياد الجماهير على القتلى صار أخف من نكتة. تخرج بعض المناطق في الرواية باهتة مثل سخرية الضباط من “شوهداءالساورا”. السخرية التي أرادها “ربيع” مملوءة بالغيظ من ذكرى الهروب الكبير.

لكن ذلك لا يخفف من الكابوس الطويل.في رواية مغايرة، تحتاج للطاقة النفسية للقارئ، وتستحق القراءة.
رابط المقال
http://altagreer.com/%D8%B9%D8%B7%D8%...


back to top