تبدأ أحداث رواية “حجر السعادة” للروائي أزهر جرجيس، منذ دخولنا الى عالمها السردي، من خلال فصلها الأول الذي حمل عنوان “قاتل مأجور_ شتاء 2018 “ والتي يعلن فيها الروائي من خلاله أن الرواية بدأت من حيث انتهت، وأنها دائرية، ليكون بطل الرواية وساردها الوحيد، كون أن الرواية أحادية الصوت، هو نقطة الانطلاق لمتابعة الاحداث فيها، وهي تحمل شيئا من الجرأة والمغامرة، باختيار الروائي زاوية النظر هذه، كونها قد تصيب المتلقي بحالة من الملل، بسبب عدم مقدرة السارد الوحيد من الهيمنة على حواس المتلقي وشحذ ذهنه لمتابعتها، من إحضار العناصر السردية المكملة لعملية سرد الأحداث، وهي الاختزال، التقطيع، الاستراحة، المشاهد، وهي عناصر تصنع نوعاً من التجاذب بين الروائي والقارئ، وعمل الروائي الى استحضار تلك العناصر السردية، وتوظيفها ضمن متن النص، من خلال الاختزال في الزمن، وجعل الفصول متسلسلة ومعنونة في ذات الوقت، واستخدم الوصف بشكل متقن ليجعل منه استراحة للمتلقي من استمرار العملية السردية الحكائية، وكذلك جعل مشاهد حوارية متممة لمبنى السرد، تدخل ضمن عملية بناء الرواية. أما اللغة السردية التي اختارها، فقد انسجمت وتماهمت مع حركة السرد، كونها تنطلق من أعماق معاناة بطل الرواية كمال، وهي ممزوجة بالسخرية والنقمة والحزن والاسى، سنتابع تفاصيل حياة البطل منذ طفولته، وكيف كان أبوه يعامله، بعد أن توفت والدته وتزوج بثانية، وكذلك زوجة أبيه التي تهتم بابنها ريمون، وتهمل كمال ولا تلبي أي طلب له، وكذلك ينقلنا الروائي، الى التعامل المرتبك بينه وبين أبناء، المحلة، وحبه للتصوير منذ طفولته، حيث كان يحمل كاميرة من ورق، ويحملها كما يفعل المصور، كما أننا سوف نتابع أحداثا كبيرة وواسعة، كون الروائي منحنا مساحة كبيرة في المبنى السردي، ومن خلال كمال سوف ندخل بستان الجن الذي يهابه الجميع، ولا أحد يقترب منه، لكن كمال يدخل البستان، ويلتقط حجرة صغيرة غريبة الأطوار، ويضعها في جيبه ظناً منه أنها سوف تجلب له السعادة، الا أنها في لاحق الاحداث، لم يكن لها دور كبير، وكان فقط يمضغها في فمه عندما ينفعل ليتخلص من التأتأة التي تحصل له في مثل هذه الظروف، وهكذا سنكون مع كمال وتفاصيل حياته، التي من خلالها، سنمر على الكثير من الأحداث المثيرة، والكثير من الثيمات، والكثير من الحبكات، والكثير من الشخوص، الذين سوف يدخلون متن النص، ضمن دورهم والحيز الذي منحه الروائي لكل شخصية، ويعرض لنا الروائي التعامل القاسي الذي يصل حد الضرب المبرح من قبل أبيه، وخاصة عندما اضطر كمال سرقة قطعة من الزلابية، بعد أن نفد صبره وهو يطلب من زوجة أبيه أن تشتريها له، وهذه المشاهد هي تمهيد لما يحدث لاحقاً، عندما يأخذ معه أخاه ريمون ليلعب مع اصدقائه، بالقرب من نهر دجلة، فيتحين أحدهم الفرصة ويدفع ريمون ليسقط وسط النهر ويغرق ويموت، وهذه الحادثة تشكل نقطة تحول في حياة كمال، كونه سيتهم بأنه هو السبب في غرق أخيه، مما يتملكه الخوف والرعب من منظر أبيه وهو في حالة هذا الغضب، اضافة الى زوجة ابيه التي سمعها تصرخ، قتلته، وصديقه الذي حذره من أن أباه سوف يذبحه. وهكذا تنتقل الاحداث انتقالة كبيرة، إذ إن كمال سوف يضطر الى الهروب في أحد الشاحنات المتوجهة من الموصل الى بغداد. لقد عمد الروائي بجعل روايته مكتظة بشكل كبير بأحداث لا تتوقف، ما دمنا مع كمال ونحن نلاحقه في رحلة حياته، حيث سيكون في بغداد طفلاً مشرداً دون مأوى، ولا يملك النقود التي تعينه على الحصول على الطعام والشراب، حيث سنتابع كمال في حياته المأساوية المؤلمة، وهو ينام خلف عربة اعدت للشاي، مع القطط والكلاب، ويفتش عن فتاة الخبز ليسد رمقه، ثم تحدث انتقالة ثانية، ومفاجأة اخرى من أحداث الرواية المليئة بالمفاجآت، عندما يدخل كمال خان الرحمة، هذا الخان المشبوب بالغموض والغرابة، الذي يمتلك رجلا يدعي الدين يطلق عليه مولانا، الا أنه يتصرف عكس هذا تماماً، فهو يدفع الصبية المشردين الى سرقة الاغنياء، وجلب المسروقات، محاولة زج كمال في هذه السرقات إلا أن كمال لم ينجح في هذه المهمات، ويرى شذوذ هذا الدعي وهو يضاجع أحد الصبية، فيفر هارباً ليلتقي في انتقالة ثانية مع خليل المصور صاحب ستوديو في شارع الرشيد، وهنا نتابع احداث حياة كمال برفقة خليل المصور، ليظهر الى مبنى السرد، شخصية طاهر الحنش، وهو كناية بكل الشخصيات الذين يدعون الدين زوراً وبهتاتاً، وطاهر الحنش يقود مليشيات تعبث فساداً بالمدينة وسنتابع تفاصيل كبيرة، تحبس الانفاس، منها ظهور فتاة الجسر، التي رآها في المرة الثانية وهي تختطف من مليشيات طاهر الحنش، ويلتقط لهم صورة اثناء الاختطاف، وهذه الصورة تعود بنا الى الفصل الاول القاتل المأجور، حيث يتضح أنه أحد المليشيات من أجل القضاء عليه، والحصول على الصورة التي تفضحهم، وسنكون مع المتن السردي بقصة حب تنشأ بين نادية وكمال، ونعود الى الدائرة التي ابتدأنا حيث يستطيع القاتل المأجور من إصابة كمال بأربع رصاصات، هذا بعد دورة الاحداث التي مضينا مع حياة كمال أو كيمو حيث نصل معه وقد تجاوز الخمسين عاماً، وينجو من الاصابة بفضل وجود نادية التي تركت زوجها، ورافقته رحلة العذاب، ويعرف هذا القاتل المأجور، وتحدث أن يعرف أن مهرب الآثار الذي أطلق عليه اسم طزّون هو نفسه الزعيم طاهر الحنش، ويعد العدة للثار، حيث ستوجه طزون الساعة الخامسة فجراً للمطار للهروب، ويهيئ مسدساً، الا أنه يستقيظ ليجد النهار قد اشرق وأن الشمس وسط السماء، فيضحك كمال، لتقول له نادية “ - ما الذي يضحكك يا كمال؟ - طلع النهار ولم أنتقم” وهكذا وبعد أن قمنا بهذه الجولة مع حياة كمال، نكتشف أن رواية الصوت الواحد، قادرة على أن تقدم للمتلقي، رواية مشحونة بالأحداث الكبيرة، بفضل خبرة ومقدرة الروائي، على إدارتها. من اصدارات دار الرافدين للنشر والتوزيع، بغداد، المتنبي لعام 2022 ط2
يوسف عبود جويعد
تبدأ أحداث رواية “حجر السعادة” للروائي أزهر جرجيس، منذ دخولنا الى عالمها السردي، من خلال فصلها الأول الذي حمل عنوان “قاتل مأجور_ شتاء 2018 “ والتي يعلن فيها الروائي من خلاله أن الرواية بدأت من حيث انتهت، وأنها دائرية، ليكون بطل الرواية وساردها الوحيد، كون أن الرواية أحادية الصوت، هو نقطة الانطلاق لمتابعة الاحداث فيها، وهي تحمل شيئا من الجرأة والمغامرة، باختيار الروائي زاوية النظر هذه، كونها قد تصيب المتلقي بحالة من الملل، بسبب عدم مقدرة السارد الوحيد من الهيمنة على حواس المتلقي وشحذ ذهنه لمتابعتها، من إحضار العناصر السردية المكملة لعملية سرد الأحداث، وهي الاختزال، التقطيع، الاستراحة، المشاهد، وهي عناصر تصنع نوعاً من التجاذب بين الروائي والقارئ، وعمل الروائي الى استحضار تلك العناصر السردية، وتوظيفها ضمن متن النص، من خلال الاختزال في الزمن، وجعل الفصول متسلسلة ومعنونة في ذات الوقت، واستخدم الوصف بشكل متقن ليجعل منه استراحة للمتلقي من استمرار العملية السردية الحكائية، وكذلك جعل مشاهد حوارية متممة لمبنى السرد، تدخل ضمن عملية بناء الرواية.
أما اللغة السردية التي اختارها، فقد انسجمت وتماهمت مع حركة السرد، كونها تنطلق من أعماق معاناة بطل الرواية كمال، وهي ممزوجة بالسخرية والنقمة والحزن والاسى، سنتابع تفاصيل حياة البطل منذ طفولته، وكيف كان أبوه يعامله، بعد أن توفت والدته وتزوج بثانية، وكذلك زوجة أبيه التي تهتم بابنها ريمون، وتهمل كمال ولا تلبي أي طلب له، وكذلك ينقلنا الروائي، الى التعامل المرتبك بينه وبين أبناء، المحلة، وحبه للتصوير منذ طفولته، حيث كان يحمل كاميرة من ورق، ويحملها كما يفعل المصور، كما أننا سوف نتابع أحداثا كبيرة وواسعة، كون الروائي منحنا مساحة كبيرة في المبنى السردي، ومن خلال كمال سوف ندخل بستان الجن الذي يهابه الجميع، ولا أحد يقترب منه، لكن كمال يدخل البستان، ويلتقط حجرة صغيرة غريبة الأطوار، ويضعها في جيبه ظناً منه أنها سوف تجلب له السعادة، الا أنها في لاحق الاحداث، لم يكن لها دور كبير، وكان فقط يمضغها في فمه عندما ينفعل ليتخلص من التأتأة التي تحصل له في مثل هذه الظروف، وهكذا سنكون مع كمال وتفاصيل حياته، التي من خلالها، سنمر على الكثير من الأحداث المثيرة، والكثير من الثيمات، والكثير من الحبكات، والكثير من الشخوص، الذين سوف يدخلون متن النص، ضمن دورهم والحيز الذي منحه الروائي لكل شخصية، ويعرض لنا الروائي التعامل القاسي الذي يصل حد الضرب المبرح من قبل أبيه، وخاصة عندما اضطر كمال سرقة قطعة من الزلابية، بعد أن نفد صبره وهو يطلب من زوجة أبيه أن تشتريها له، وهذه المشاهد هي تمهيد لما يحدث لاحقاً، عندما يأخذ معه أخاه ريمون ليلعب مع اصدقائه، بالقرب من نهر دجلة، فيتحين أحدهم الفرصة ويدفع ريمون ليسقط وسط النهر ويغرق ويموت، وهذه الحادثة تشكل نقطة تحول في حياة كمال، كونه سيتهم بأنه هو السبب في غرق أخيه، مما يتملكه الخوف والرعب من منظر أبيه وهو في حالة هذا الغضب، اضافة الى زوجة ابيه التي سمعها تصرخ، قتلته، وصديقه الذي حذره من أن أباه سوف يذبحه.
وهكذا تنتقل الاحداث انتقالة كبيرة، إذ إن كمال سوف يضطر الى الهروب في أحد الشاحنات المتوجهة من الموصل الى بغداد.
لقد عمد الروائي بجعل روايته مكتظة بشكل كبير بأحداث لا تتوقف، ما دمنا مع كمال ونحن نلاحقه في رحلة حياته، حيث سيكون في بغداد طفلاً مشرداً دون مأوى، ولا يملك النقود التي تعينه على الحصول على الطعام والشراب، حيث سنتابع كمال في حياته المأساوية المؤلمة، وهو ينام خلف عربة اعدت للشاي، مع القطط والكلاب، ويفتش عن فتاة الخبز ليسد رمقه،
ثم تحدث انتقالة ثانية، ومفاجأة اخرى من أحداث الرواية المليئة بالمفاجآت، عندما يدخل كمال خان الرحمة، هذا الخان المشبوب بالغموض والغرابة، الذي يمتلك رجلا يدعي الدين يطلق عليه مولانا، الا أنه يتصرف عكس هذا تماماً، فهو يدفع الصبية المشردين الى سرقة الاغنياء، وجلب المسروقات، محاولة زج كمال في هذه السرقات إلا أن كمال لم ينجح في هذه المهمات، ويرى شذوذ هذا الدعي وهو يضاجع أحد الصبية، فيفر هارباً ليلتقي في انتقالة ثانية مع خليل المصور صاحب ستوديو في شارع الرشيد، وهنا نتابع احداث حياة كمال برفقة خليل المصور، ليظهر الى مبنى السرد، شخصية طاهر الحنش، وهو كناية بكل الشخصيات الذين يدعون الدين زوراً وبهتاتاً، وطاهر الحنش يقود مليشيات تعبث فساداً بالمدينة وسنتابع تفاصيل كبيرة، تحبس الانفاس، منها ظهور فتاة الجسر، التي رآها في المرة الثانية وهي تختطف من مليشيات طاهر الحنش، ويلتقط لهم صورة اثناء الاختطاف، وهذه الصورة تعود بنا الى الفصل الاول القاتل المأجور، حيث يتضح أنه أحد المليشيات من أجل القضاء عليه، والحصول على الصورة التي تفضحهم، وسنكون مع المتن السردي بقصة حب تنشأ بين نادية وكمال، ونعود الى الدائرة التي ابتدأنا حيث يستطيع القاتل المأجور من إصابة كمال بأربع رصاصات، هذا بعد دورة الاحداث التي مضينا مع حياة كمال أو كيمو حيث نصل معه وقد تجاوز الخمسين عاماً، وينجو من الاصابة بفضل وجود نادية التي تركت زوجها، ورافقته رحلة العذاب، ويعرف هذا القاتل المأجور، وتحدث أن يعرف أن مهرب الآثار الذي أطلق عليه اسم طزّون هو نفسه الزعيم طاهر الحنش، ويعد العدة للثار، حيث ستوجه طزون الساعة الخامسة فجراً للمطار للهروب، ويهيئ مسدساً، الا أنه يستقيظ ليجد النهار قد اشرق وأن الشمس وسط السماء، فيضحك كمال، لتقول له نادية
“ - ما الذي يضحكك يا كمال؟
- طلع النهار ولم أنتقم”
وهكذا وبعد أن قمنا بهذه الجولة مع حياة كمال، نكتشف أن رواية الصوت الواحد، قادرة على أن تقدم للمتلقي، رواية مشحونة بالأحداث الكبيرة، بفضل خبرة ومقدرة الروائي، على إدارتها.
من اصدارات دار الرافدين للنشر والتوزيع، بغداد، المتنبي لعام 2022 ط2
جريدة الزوراء/ العدد ٢٠٢٢/٨/٣١