يرتبط مفهومُ السعادة لدى افلاطون بالخير المطلق أو مايصفه باللذة. لكنه يشترط في الوصول إلى هذه المرتبة، معرفة طبيعة الخير ذاته. أماَ السعادة فلن تتحقق في النهاية إلا بهذه المعرفة التي تليق بالإنسان العاقل. بطل حجر السعادة (كمال توما) يعتقد أن إحدى طرق السعادة، ابتعاد المرء عن السياسة. في الصفحة 206 يقول الراوي: شعرت برائحة السياسة تفوح من كلامه، وندمت لأني سألته عن مكان المتحف، فأنا لا اطيق السياسة، بل لا ادري كيف لشخص عاقل أن يدس رأسه في كيس الوحل هذا؟ رواية أزهر جرجس( حجر السعادة) الصادرة عن دار الرافدين، تتصدى لتفكيك هذه الرؤية الافلاطونية، فهي تشتغل في مبنى الحكاية الأساس على ثنائية الخير والشر. الحدث الرئيس يبدأ بعثور الطفل ( كامل توما) على حجر في بستان مهجور يطلقون عليه ( بستان الجن) مكان يقع على أطراف حي في مدينة الموصل. يمسح الصبي عن الحجر الغبار ويحتفظ به، يرافقه في هروبه من الحي الى العاصمة، محتفظا بشغفه لآلة التصوير، والتي سيكون يوما ما مالكا لها، يتعلم منها في الوقت نفسه ويمنحها حياته. في واحدة من التجارب العصيبة التي يمر بها في بغداد، وفي لحظة شعور بالانهيار خوفا، يكتشف الطبيعة السحرية للحجر، والتي تشفي كل داء في داخلة. تشفيه من الخوف و من الكراهية، متفرغا بكامل شعورة للصورة، التي هي ارشيف المدينة في تنوعها، في قسوتها ورحمتها، خيرها وشرها. وطوال صفحات الرواية ( 318 صفحة) يرسم الكاتب مكانا (دوستوبيا) الموصل وبغداد، من خلال تصعيد الحدث الدرامي، يسرد الوقائع التي يمر بها بطله، كاشفا الغطاء عن المدينة القاسية التي تخلو من الرحمة، مدينة عنفيه مشحونة بعلامات الكراهية. وفي رأيي أن هذا التصور _المبالغ فيه نوعا ما _ للمكان، غايته خلق معادل موضوعي للثيمة الرئيسة في العمل، فحجر السعادة الذي اقترحه على البطل كعلاج وتميمة، يحتاج الى ذريعة لكي تظهر سحريته باعتباره ضروريا لتفادي السقوط في حفرة المرض، والذي يعاني منه المجتمع_ الكراهية_ فالسعادة التي في الحجر هي في النهاية جرعة المحبة التي يحتاجها البطل، بل الجميع لتفادي السقوط في حفرة العنف المظلمة، او التشافي من القسوة بضوء ينير القلوب. . أحداث الرواية تدور بين الموصل وبغداد بين 1962 ـ 2018، رحلة طفل يتعرض للعنف، اللفظي والجسدي، والحظ السيء، والفقر، من العائلة متمثلة بالأب السكير، دسائس زوجة الاب، المدرسة من خلال مدرس اللاهوت، ومن أقرانه في الشارع. السؤال المهم هو كيف استطاع كمال الطفل وكمال الشاب أن ينحاز لإنسانيته، خارجا من التجارب العنفية الكثيرة في مجتمع رسمه الكاتب كما اسلفت، شبيها بمدن الدستوبيا؟ الجواب هو حجر السعادة، التميمة التي حفظته من كل شر. وعمل ازهر جرجس من النوع الذي يهتم بثيمات متعددة، لكنها خيوط تقود كلها الى العلامة التي وضعها في يد الصبي، الحجر السحري، فهو يفكك قضية العنف الاسري، مشكلة اطفال الشوارع ومنابع العنف، رجال الدين المزيفين الذين يستغلون الفتيان في تحقيق رغباتهم الاجرامية، الخرافات، العنف المسلح الذي ينتج عن مزيج بين الدين والسياسة. لكنه في الجانب الآخر يدخلنا في حقل آخر، الفن، التصوير بشكل خاص، والحب والصداقة، فتظهر لنا الرواية كما لو انها محاولة لتظهير صورة الوجود، وحصرها في كادر ثنائية الخير والشر الاخلاقيين حسب تصور الفلسفة للحب والكراهية باعتبارهما داخلان في درس الاخلاق. الحجر في هذه الرواية، يحمل بعدا اخلاقيا يعيد التوازن الى الذات المعرضة للسقوط في بحيرة العدوانية والعنف. في آخر الرواية تتشكل بذرة انتقام في داخل البطل المسالم، لكنه ينام فينسى انتقامه. وهو بهذا الحدث يعرض لنا الغفران عن طريق النسيان، هذه هي عقوبة المجرم. نسيانه! القضية الاخرى التي شكلت الجزء المهم من الرواية، هو الفن، التصوير بالذات، والذي ساهم بتعزيز روح الخير في قلب البطل. سوزان سونتاج في كتابها حول الفوتغراف ص242: تقول: في النهاية قد يتعلم الناس التحرر من عدوانيتهم، أكثر مع الكاميرا وأقل مع البنادق. لقد انقذ التصوير البطل من السقوط في فم الوحش، مدينة القسوة والهنف، لكي يمنحنا أملا رغم العتمة، في عالم يخلو من العنف، يحلم بمدينة اكثر انسانية. نشعرفيها بلذة العيش في يد كل منا حجر للسعادة.
زهير كريم
يرتبط مفهومُ السعادة لدى افلاطون بالخير المطلق أو مايصفه باللذة. لكنه يشترط في الوصول إلى هذه المرتبة، معرفة طبيعة الخير ذاته. أماَ السعادة فلن تتحقق في النهاية إلا بهذه المعرفة التي تليق بالإنسان العاقل.
بطل حجر السعادة (كمال توما) يعتقد أن إحدى طرق السعادة، ابتعاد المرء عن السياسة. في الصفحة 206 يقول الراوي: شعرت برائحة السياسة تفوح من كلامه، وندمت لأني سألته عن مكان المتحف، فأنا لا اطيق السياسة، بل لا ادري كيف لشخص عاقل أن يدس رأسه في كيس الوحل هذا؟
رواية أزهر جرجس( حجر السعادة) الصادرة عن دار الرافدين، تتصدى لتفكيك هذه الرؤية الافلاطونية، فهي تشتغل في مبنى الحكاية الأساس على ثنائية الخير والشر. الحدث الرئيس يبدأ بعثور الطفل ( كامل توما) على حجر في بستان مهجور يطلقون عليه ( بستان الجن) مكان يقع على أطراف حي في مدينة الموصل. يمسح الصبي عن الحجر الغبار ويحتفظ به، يرافقه في هروبه من الحي الى العاصمة، محتفظا بشغفه لآلة التصوير، والتي سيكون يوما ما مالكا لها، يتعلم منها في الوقت نفسه ويمنحها حياته.
في واحدة من التجارب العصيبة التي يمر بها في بغداد، وفي لحظة شعور بالانهيار خوفا، يكتشف الطبيعة السحرية للحجر، والتي تشفي كل داء في داخلة. تشفيه من الخوف و من الكراهية، متفرغا بكامل شعورة للصورة، التي هي ارشيف المدينة في تنوعها، في قسوتها ورحمتها، خيرها وشرها.
وطوال صفحات الرواية ( 318 صفحة) يرسم الكاتب مكانا (دوستوبيا) الموصل وبغداد، من خلال تصعيد الحدث الدرامي، يسرد الوقائع التي يمر بها بطله، كاشفا الغطاء عن المدينة القاسية التي تخلو من الرحمة، مدينة عنفيه مشحونة بعلامات الكراهية. وفي رأيي أن هذا التصور _المبالغ فيه نوعا ما _ للمكان، غايته خلق معادل موضوعي للثيمة الرئيسة في العمل، فحجر السعادة الذي اقترحه على البطل كعلاج وتميمة، يحتاج الى ذريعة لكي تظهر سحريته باعتباره ضروريا لتفادي السقوط في حفرة المرض، والذي يعاني منه المجتمع_ الكراهية_ فالسعادة التي في الحجر هي في النهاية جرعة المحبة التي يحتاجها البطل، بل الجميع لتفادي السقوط في حفرة العنف المظلمة، او التشافي من القسوة بضوء ينير القلوب.
.
أحداث الرواية تدور بين الموصل وبغداد بين 1962 ـ 2018، رحلة طفل يتعرض للعنف، اللفظي والجسدي، والحظ السيء، والفقر، من العائلة متمثلة بالأب السكير، دسائس زوجة الاب، المدرسة من خلال مدرس اللاهوت، ومن أقرانه في الشارع. السؤال المهم هو كيف استطاع كمال الطفل وكمال الشاب أن ينحاز لإنسانيته، خارجا من التجارب العنفية الكثيرة في مجتمع رسمه الكاتب كما اسلفت، شبيها بمدن الدستوبيا؟ الجواب هو حجر السعادة، التميمة التي حفظته من كل شر.
وعمل ازهر جرجس من النوع الذي يهتم بثيمات متعددة، لكنها خيوط تقود كلها الى العلامة التي وضعها في يد الصبي، الحجر السحري، فهو يفكك قضية العنف الاسري، مشكلة اطفال الشوارع ومنابع العنف، رجال الدين المزيفين الذين يستغلون الفتيان في تحقيق رغباتهم الاجرامية، الخرافات، العنف المسلح الذي ينتج عن مزيج بين الدين والسياسة. لكنه في الجانب الآخر يدخلنا في حقل آخر، الفن، التصوير بشكل خاص، والحب والصداقة، فتظهر لنا الرواية كما لو انها محاولة لتظهير صورة الوجود، وحصرها في كادر ثنائية الخير والشر الاخلاقيين حسب تصور الفلسفة للحب والكراهية باعتبارهما داخلان في درس الاخلاق.
الحجر في هذه الرواية، يحمل بعدا اخلاقيا يعيد التوازن الى الذات المعرضة للسقوط في بحيرة العدوانية والعنف. في آخر الرواية تتشكل بذرة انتقام في داخل البطل المسالم، لكنه ينام فينسى انتقامه. وهو بهذا الحدث يعرض لنا الغفران عن طريق النسيان، هذه هي عقوبة المجرم. نسيانه!
القضية الاخرى التي شكلت الجزء المهم من الرواية، هو الفن، التصوير بالذات، والذي ساهم بتعزيز روح الخير في قلب البطل. سوزان سونتاج في كتابها حول الفوتغراف ص242: تقول: في النهاية قد يتعلم الناس التحرر من عدوانيتهم، أكثر مع الكاميرا وأقل مع البنادق. لقد انقذ التصوير البطل من السقوط في فم الوحش، مدينة القسوة والهنف، لكي يمنحنا أملا رغم العتمة، في عالم يخلو من العنف، يحلم بمدينة اكثر انسانية. نشعرفيها بلذة العيش في يد كل منا حجر للسعادة.
مجلة فن السرد/ العدد ٢٠٢٢/١٠/٨