في الرواية الوثيقة، ( أزهار الموت )**، محاولة قصدية لاستحضار وعي بنص يحمل تجليات سردية مختلفة لا تتضمن السرد الابداعي فقط ، بل خطابات فلسفية وفكرية ، وسياسية في المحلّ الأول . الوثيقة تسجيل فكري لتاريخ سياسي اجتماعي في مكان يستهدفه الراوي على نحو غير مباشر اي رمزي مما سيفرض قرابة بين السرد التخييلي واكتماله في تقديم المجهود الانساني الكلي قصد التامل في التجربة الانسانية …
لا يخضع هذا النص لتأويل ، وإنما للتفجير والتشتيت ، ( المواجهة ص 111) ، وفي مكانٍ رمزي لا ” دولة ” فيه بمعناها الحديث ، وفي بيئةٍ لا تخضع لقانون تنحرف الرواية عن خط البوليسية ، رغم كثرة ما تتضمنه من عوامل اجتماعية خلَتْ من العامل السياسي بالمعنى التنظيمي كان من شأنها القيام بملاحقة المخلين بأمن الأفراد والجماعة ، نعرف أن ” فارس ” قتل إخوته ، كان يجب قتلهم ! ” همسة ” لقد قتلتهم من أجل حبي الضائع ، إخوتي الكلاب ! ص 120 …
لم تخرج الرواية من الأدب السامي ، ففي مكمنٍ حلاّجي ، ينتظر فارس ذلك الموت الذي يستنفر الجسد ، اللحظات الأخيرة ص 131 ، ينتظره بايجابيةٍ ملحوظة ، بمستوى ما يفكر في قول الحقيقة بما أن قولها أمرٌ يجعل قبول السجن ليس إلا اعترافا حقيقيا بالكرامة ، وقد كان أنكرها ورفض ترويض نفسه عليها للإنتصار على الخضوع ، المكمن الحلاّجي يكشف لنا تحقيق فارس في منحى حياته ليس بالوصول الى ذروة انشداده للرحمة ، بل بذهابه إلى الموت ، قابلا راضيا ، وعشية الإعدام يطمئن حين يجد نفسه في مواجهة موقف حقيقي يشهد به أمام أياد والمقدَّم ابراهيم معلناً حبَّه العميق الرجولي ، لكل همسة بقيت محصورة في الصدور . تبدأ شخصية فارس في صراعها مع تحولات السجن النفسية والزمنية، ( ص 11 ) لا تلبث الرواية أن تكشف لنا عن مدى ما عاناه من ضغوط وتعذيب؛ لإجباره على السقوط بعد أن كان متورّطاً في خدمة الشهوات ، رفعه الحب من السقوط “مثل سقوط الأبنية، تهتز في الظلمة، ترتجف ثم تهوي وتسقط، ويرافق سقوطها ذلك الضجيج الأخاذ، ويعقبه الغبار والموت واللعنة” ( عبد الرحمن منيف ، شرق المتوسط ) ، في الحوار مع حارسه صدى البحث عن الحقيقة، لكن نظرات همسة وكلماتها لم تترك في نظره شيئا مقدساً ، كان يروي ممارسة القتل يمزجها بإيقاعٍ الشاعرية والنجوى ، ثم بتفاصيل مرعبة يتناوبها بين السيد عابد –المتديّن ، أشد رجال سلطة الدين ، وبين سميح آغا ص 51، وبين شوقي آغا ص 45 ، ورأس الأفعى ص 87 ؛
في أحداث ( القتل ) واقعية وخيالية يمحو الراوي الخط الفاصل بين الكتابة السردية ونظيرتها في واقعٍ مجتمعي ينوء بالصراع ، قُتلت ” همسة ” ، حبُّه الصامت ، وعندما لم يتمكن من معرفة القاتل ، يدخل في اللايقين فترزح خريطة السرد في رواية أزهار الموت تحت إشكالات حاسمة لوجود الراوي ” فارس ” الانساني اليومي ، والمعيشي والميتافيزيقي ، يكشفها الكاتب في خطاطات دينامية القتل ، لا يهمّ إن كانت عمليات القتل المتتابعة في الرواية واقعية أم متخيَّلة ، المهم ، هل يمكن اعتبارها أحداثاً انسانية ؟
تداعيات مقتل ” همسة ” ، شكّلت دخول الرواية – روائياً وتخيلياً – إطار عماءٍ يواجه المتلقّي ، فقد بدا عالم الرواية رهيب ، تفتت فيه الحقيقة إلى أحداثٍ نسبيّة ، هو عالم الأزمنة الحديثة ، وعالم الرواية المعاصرة .. لم يعطِ الكاتب الأولوية للعقل ، وتمرّد على اللوغوس ، فالعدالة بين القضاء والشرطة على هذه الأرض ليست إلاّ ملجأ الضعفاء ، لقد وعدتُ ” همسة ” بأنني سأمزّق مَن شارك بقتلها وأنتزعُ أوراحهم ، ينتقل السرد داخل منظومةٍ كاووسية ومن حالةٍ جنونية إلى أخرى ( الليلة الخريفية ص 33- 44) ، لا عدالة على الأرض ، يستمر السرد واقعاً في تداعيات عماءٍ معقَّد ، عماء تجربة الانسان في عالمٍ يواجه فيه ” فارس ” متاهاتٍ بلا حدود ، كان يحاجةٍ إلى إياد ليبني الرواية على حوارٍ سردي تبريري لجرائم القتل / والقضاء على عائلةٍ بأكملها ، واحدٌ تلوَ الآخر ، “من أجلي ومن أجل همسة ص 97، “، فهل تسامحه همسة ؟ ص 102 .
لماذا لا تثور الشعوب على الظلم والاستبداد؟ لماذا لا يترك القضاء لضابطٍ نظيف الكف أن يقوم بدور بدور التحري الذي يسعى بقوة ذكائه الى كشف ملابسات الجريمة وفضح السلطة والنظام العام ، سيبقى السرُّ محظوراً علينا ، إذ أن ” كل الثورات في العالم عمّدتْ بالدم.. صحيح أن تلك الثورات قامت بها الشعوب لكن شعبنا وضعه مختلف ، فكل الأمراض تعشش بين حناياه.. ص 95 ، لا ثورة ، يقول فارس إلا التي تنطلق من وعي الناس بحريتهم ، وليس من نفوسٍ دنيئة تخدع السذّج من الناس . ص 95.
أستاذة سابقة في الجامعة اللبنانية رواية “أزهار الموت” للكاتب فايز غازي التي ناقشها نادي “قاف” للكتاب في جلسته الشهرية أمس.
في الرواية الوثيقة، ( أزهار الموت )**، محاولة قصدية لاستحضار وعي بنص يحمل تجليات سردية مختلفة لا تتضمن السرد الابداعي فقط ، بل خطابات فلسفية وفكرية ، وسياسية في المحلّ الأول . الوثيقة تسجيل فكري لتاريخ سياسي اجتماعي في مكان يستهدفه الراوي على نحو غير مباشر اي رمزي مما سيفرض قرابة بين السرد التخييلي واكتماله في تقديم المجهود الانساني الكلي قصد التامل في التجربة الانسانية …
لا يخضع هذا النص لتأويل ، وإنما للتفجير والتشتيت ، ( المواجهة ص 111) ، وفي مكانٍ رمزي لا ” دولة ” فيه بمعناها الحديث ، وفي بيئةٍ لا تخضع لقانون تنحرف الرواية عن خط البوليسية ، رغم كثرة ما تتضمنه من عوامل اجتماعية خلَتْ من العامل السياسي بالمعنى التنظيمي كان من شأنها القيام بملاحقة المخلين بأمن الأفراد والجماعة ، نعرف أن ” فارس ” قتل إخوته ، كان يجب قتلهم ! ” همسة ” لقد قتلتهم من أجل حبي الضائع ، إخوتي الكلاب ! ص 120 …
لم تخرج الرواية من الأدب السامي ، ففي مكمنٍ حلاّجي ، ينتظر فارس ذلك الموت الذي يستنفر الجسد ، اللحظات الأخيرة ص 131 ، ينتظره بايجابيةٍ ملحوظة ، بمستوى ما يفكر في قول الحقيقة بما أن قولها أمرٌ يجعل قبول السجن ليس إلا اعترافا حقيقيا بالكرامة ، وقد كان أنكرها ورفض ترويض نفسه عليها للإنتصار على الخضوع ، المكمن الحلاّجي يكشف لنا تحقيق فارس في منحى حياته ليس بالوصول الى ذروة انشداده للرحمة ، بل بذهابه إلى الموت ، قابلا راضيا ، وعشية الإعدام يطمئن حين يجد نفسه في مواجهة موقف حقيقي يشهد به أمام أياد والمقدَّم ابراهيم معلناً حبَّه العميق الرجولي ، لكل همسة بقيت محصورة في الصدور . تبدأ شخصية فارس في صراعها مع تحولات السجن النفسية والزمنية، ( ص 11 ) لا تلبث الرواية أن تكشف لنا عن مدى ما عاناه من ضغوط وتعذيب؛ لإجباره على السقوط بعد أن كان متورّطاً في خدمة الشهوات ، رفعه الحب من السقوط “مثل سقوط الأبنية، تهتز في الظلمة، ترتجف ثم تهوي وتسقط، ويرافق سقوطها ذلك الضجيج الأخاذ، ويعقبه الغبار والموت واللعنة” ( عبد الرحمن منيف ، شرق المتوسط ) ، في الحوار مع حارسه صدى البحث عن الحقيقة، لكن نظرات همسة وكلماتها لم تترك في نظره شيئا مقدساً ، كان يروي ممارسة القتل يمزجها بإيقاعٍ الشاعرية والنجوى ، ثم بتفاصيل مرعبة يتناوبها بين السيد عابد –المتديّن ، أشد رجال سلطة الدين ، وبين سميح آغا ص 51، وبين شوقي آغا ص 45 ، ورأس الأفعى ص 87 ؛
في أحداث ( القتل ) واقعية وخيالية يمحو الراوي الخط الفاصل بين الكتابة السردية ونظيرتها في واقعٍ مجتمعي ينوء بالصراع ، قُتلت ” همسة ” ، حبُّه الصامت ، وعندما لم يتمكن من معرفة القاتل ، يدخل في اللايقين فترزح خريطة السرد في رواية أزهار الموت تحت إشكالات حاسمة لوجود الراوي ” فارس ” الانساني اليومي ، والمعيشي والميتافيزيقي ، يكشفها الكاتب في خطاطات دينامية القتل ، لا يهمّ إن كانت عمليات القتل المتتابعة في الرواية واقعية أم متخيَّلة ، المهم ، هل يمكن اعتبارها أحداثاً انسانية ؟
تداعيات مقتل ” همسة ” ، شكّلت دخول الرواية – روائياً وتخيلياً – إطار عماءٍ يواجه المتلقّي ، فقد بدا عالم الرواية رهيب ، تفتت فيه الحقيقة إلى أحداثٍ نسبيّة ، هو عالم الأزمنة الحديثة ، وعالم الرواية المعاصرة .. لم يعطِ الكاتب الأولوية للعقل ، وتمرّد على اللوغوس ، فالعدالة بين القضاء والشرطة على هذه الأرض ليست إلاّ ملجأ الضعفاء ، لقد وعدتُ ” همسة ” بأنني سأمزّق مَن شارك بقتلها وأنتزعُ أوراحهم ، ينتقل السرد داخل منظومةٍ كاووسية ومن حالةٍ جنونية إلى أخرى ( الليلة الخريفية ص 33- 44) ، لا عدالة على الأرض ، يستمر السرد واقعاً في تداعيات عماءٍ معقَّد ، عماء تجربة الانسان في عالمٍ يواجه فيه ” فارس ” متاهاتٍ بلا حدود ، كان يحاجةٍ إلى إياد ليبني الرواية على حوارٍ سردي تبريري لجرائم القتل / والقضاء على عائلةٍ بأكملها ، واحدٌ تلوَ الآخر ، “من أجلي ومن أجل همسة ص 97، “، فهل تسامحه همسة ؟ ص 102 .
لماذا لا تثور الشعوب على الظلم والاستبداد؟ لماذا لا يترك القضاء لضابطٍ نظيف الكف أن يقوم بدور بدور التحري الذي يسعى بقوة ذكائه الى كشف ملابسات الجريمة وفضح السلطة والنظام العام ، سيبقى السرُّ محظوراً علينا ، إذ أن ” كل الثورات في العالم عمّدتْ بالدم.. صحيح أن تلك الثورات قامت بها الشعوب لكن شعبنا وضعه مختلف ، فكل الأمراض تعشش بين حناياه.. ص 95 ، لا ثورة ، يقول فارس إلا التي تنطلق من وعي الناس بحريتهم ، وليس من نفوسٍ دنيئة تخدع السذّج من الناس . ص 95.
أستاذة سابقة في الجامعة اللبنانية
رواية “أزهار الموت” للكاتب فايز غازي التي ناقشها نادي “قاف” للكتاب في جلسته الشهرية أمس.